**كنت أظن وبعض الظن إثم أن الساحة الفنية الشبابية وخاصة الأصوات الغنائية الصاعدة قد خلت من التجارب الفنية الجادة ذات الشكل والمضمون, ولم يكن ظني هذا من فراغ إنما من الواقع الذي نعيشه حالياً وما يحتويه من عيوب كثيرة, جعلت الوسط الغنائي مساحة للفوضى وضياع لملامح الإبداع السوداني الغنائي الأصيل. **إلا أن أمسية الاثنين الماضي بالنادي العائلي والتي تم فيها تكريم الأستاذ المذيع محمد سليمان والمطرب الكبير عبد العزيز المبارك والممثلة بلقيس عوض من قبل مجموعة قلوبنا ليكم الثقافية الخيرية, جعلتني هذه الأمسية أتأكد أننا ما زلنا نمتلك خامات صوتية وتجارب غنائية واعدة وناضجة, وتحمل بشريات بغد أفضل وعودة إلى بحور إبداعات أهل السودان العزبة. **تلك الأمسية كانت بها فقرة لمسة وفاء للمبدع الراحل عبد العزيز عبد الرحمن العميري, الذي يمتلك مجموعة من المواهب فهو شاعر ومغنٍ وممثل ورسام, جسد اجتمعت فيه كل جينات الإبداع, وأمتع الناس في كل درب إبداعي سار فيه, مذ رحل ولم تجد أرض الإبداع في بلادنا وريثاً أو خليفة له. **أغنيات تسبح في نهر الجمال قدمها العميري بإحساسه المترف بالجمال, من تلك الأعمال الغنائية التي كتبها ولحنها وتغنى بها العميري أغنية (يا قمر), هذه الأغنية لها وقع خاص عندي وأستمع إليها كثيراً بصوته من وقت لآخر, ولم أجد مطرباً شاباً يحاول أن يتغنى بها, إلا أن جرأة أحد الفتيان من مطربي اليوم وثقته العالية بنفسه جعلته واثقاً من أنه سيجد القبول من قبل الحضور في تلك الأمسية. **صوت متميز وقدرات عالية على التطريب يمتلكها المطرب الواعد ضياء الدين السر وهو يصدح وكأنه بلبل غريد, وصوت من كوكب آخر أو من عالم يرفل بالجمال وكوامن الطرب الأصيل. **ضياء الدين هذا لو أن هنالك فرصاً عادلة في هذه البلاد لأصبح مطرب الشباب الأول بلا منافس, ولكن للأسف كما هو الحال في شتى مجالات الحياة الأخرى في السودان الصور عادة أو دائماً ما تكون مقلوبة, (الصورة في موضع الأصل, والأصل لا مكان له في الإعراب). **وحتى لا يقول الناس أنني لم أسمع لضياء سوى أغنية واحدة, أقول لهم اسمعوه وتعرفوا على إمكانياته الصوتية وقدرته على التطريب في أي عمل يرى أنه مناسب لصوته, ومن ثم استمعوا لأعماله الخاصة والتي تعرفت على إحداها عبر الصحفي الشاب نعمان غزالي. **وألوم ضياء على كسله أيضاً في عكس تجربته وإخراجها إلى الناس في كل مكان وليس في مواقع محددة حتى نرى تجارب أخرى تقضي بصحبتك على تلك الأصوات والتجارب الغنائية الهشة. الاحداث