الموسيقار أحمد المك، احد أذرع اللحن الغنائي السوداني (الطاعم) اليوم، امتدت أنامله المموسقة إلى عدد من النصوص الشعرية، فأحالت أثيرها إلى نوتة غنائية متكاملة (الميلودي)، فما أن فتحت (دواليب) أغنية تبثها منتجات الفن، إلا وتجد أن (الأرفف) عليها بصمات أنامل هذا الوتر الحساس.. أحمد المك استضفناه في هذا الحوار وكعادته رحّب وابتسامة (مدوزنة) على شفتيه ليتحفنا بأحقية الاجابات.. =اتهم موسيقار ألماني الموسيقى الشرقية بما فيها الخماسي بأنها تفتقد إلى (الخيال)..؟ - هذا الموسيقار قال هذا الكلام لأنه لم يستمع إلى الموسيقى السودانية، نعم أقول هذا بكل صدق واعتزاز، فلو أنه استمع فقط للمقدمة الموسيقية لأغنية (جميلة ومستحيلة) للموسيقار محمد وردي، لما تفوه بذلك..!! = أنت كموسيقار، هل تجعل هذه (المقدمة الموسيقية) معياراً للتحدي..؟ - نعم، أنا مقتنع تماماً بهذه المقدمة الموسيقية، بل أزيدك ايضاحاً، الفنان والموسيقار محمد وردي لم تأت الدنيا بمثله على مستوى العبقرية الموسيقية.. = رغم أن هنالك عمالقة يشاطرون وردي هذا الامتياز..؟ - هذا الكلام ينسحب على بقية العمالقة عثمان حسين ومحمد الأمين وغيرهم، في أن الموسيقى التي أنتجوها مفعمة بالخيال، خصوصاً إذا أضيفت لها محمولات اللغة من كلمات ومضامين بلاغية في النص الشعري.. = إذن أنت من أنصار الأغنيات الوثيرة..؟ - دوماً تجد أن أجمل الأغنيات الحالمة هي الأغنيات (الكبيرة) أي ذات السعات الزمنية الكبرى، وهذه الأغنيات للأسف لم تجد فرصتها اليوم من البث والانتشار، حيث تمت السيطرة بمجمل مواعين الاعلام للأغنيات (التيك أوي) أي التي لا تتجاوز ال4 أو 5 دقائق.. = ترى لماذا لا تجد فرصتها.. برغم جودتها التي ذكرت..؟ - نحن للأسف نقع اليوم في مأزق مع الاذاعات الخاصة (الاف ام) بعضها يبث أغنيات (أي كلام) وربما يعزى ذلك إلى معايير الاستماع لدى شباب اليوم (الأغنيات الخفيفة0) بمعنى أن هذا الجيل لم يصبر على الاستماع للأغنيات الطويلة.. = لعل هذا سبب نجاح برنامج (أغاني وأغاني)، الذي اعتمد في معظمه على مجرد مقاطع من الأغنيات..؟ - نعم.. فنجد أن أنجح برنامج غنائي اليوم بالسودان هو (أغاني وأغاني) وسر نجاحه هو اعتناؤه في ترديد القديم من الأغنيات التي لها ذاكرة وحظوة في نفوس وآذان المستمعين.. = فماذا عن غناء اليوم.. الغناء (الجديد)..؟ - يحتاج إلى زمن حتى يحتل مكاناً في ذاكرة المستمع، ويكوّن رصيداً يمكن استرجاعه في شكل دندنة أو خلفية موسيقية غنائية.. = إذن السر يكمن في انتاج (لونيات) مختلفة، وتغاير -في نفس الوقت- نمطية السائد..؟ - نعم، خذ تجربة الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد، فهو نشر تجربته الغنائية -مثلاً- عبر جلسات الاستماع، وبذلك أسهم في نشره بحيث أنك لا تجد اليوم مستمعا سودانيا لا يعرف مصطفى أو يحفظ له عدداً من الأغنيات، فاللونية الموسيقية والغنائية لتجربة مصطفى لم تتلق ذات اعجاب اليوم في السابق، فقط خضعت تجربته إلى زمن من الاستماع حتى تحولت إلى امتاع.. مثل هذه التجربة مرّ بها جيل من العمالقة، عثمان حسين، أحمد المصطفى، حسن عطية، زيدان، خوجلي، وغيرهم، هؤلاء جاءوا بلونيات مختلفة احتاجت إلى أزمان حتى تتحول إلى قاعدة استماع جماهيرية.. = هل تعني أن الرهان للعبقرية المنتجة، وليس لصكوك الزمن..؟ - نحن نغني الآن غناء كرومة ولم نره، ولكننا (مبسوطين به جداً) وهو غناء قوي، وتم تدوينه في ذاكرتنا الغنائية والموسيقية كواحدة من تجليات العبقرية الغنائية والموسيقية السودانية.. = في حوار أجري مع المطرب السعودي محمد عبده تساءل عن غياب الغناء السوداني عن الساحة العربية، رغم مضمونة الموسيقي والشعري القوي..؟ - الموسيقار الكبير محمد عبده أنصف المطرب السوداني، لأنه يعرفه، فله صداقات مع عدد كبير من المطربين السودانيين، ولهذا فهو يعرف لحن وموسيقى وكلمات الأغنيات السودانية، ومعرفته هذه حملته على تأكيد تميز مستوانا الشعري واللحني ومغايرته عن السائد العربي.. = بعض مطربي شباب اليوم يعملون على تطعيم الخماسي بالسلم السباعي، لأغراض الانتشار والمقبولية.. كيف تنظر لذلك..؟ - المزعج في الأمر اليوم هو أن بعض مطربي الشباب وحتى يجدوا بعضاً من قبول ورضى في فضائيات عربية أخرى، يلجأون إلى (محاكاة) السلم السباعي خصماً على الخماسي، فتأتي المشاركة ضعيفة ومخجلة لأنه لم يعط الخماسي أو السباعي حقه.. = إذن ما علة الخماسي..؟ - السلم الخماسي (سلم مليان) فقط انظر إلى دول شرق ووسط افريقيا، تجد أن الناس (شرقانين بيهو) رغم أن مستمعي هذه البلدان لا يفهمون كلمات أغنياتنا أو معانيها، فقط يتعاطون نشوة ومتعة من اللحن والموسيقى الخماسية، وهذا يؤكد نفي سؤالك بأن الخماسي بدون علة.. = إذن المحك اليوم تراه يكمن في انتشار مواعين البث..؟ - نعم.. الأذن العربية تعودت على السباعي ولم يأت أوان الخماسي بعد، والطريف في الأمر هو أن المواعين الاتصالية الحديثة قد ذوبت الوسائط الانتقالية بحيث من السهل اليوم الاستماع إلى أغنيات سودانية وعربية وهندية وافريقية في فضائية واحدة، لذا يصبح الخيار للذي تعودته الأذن. وأنا أؤكد أن المستقبل للخماسي، فقد أُتخمت الاذن العربية اليوم من السباعي حيث تتم محاصرة المستمع به في كل الفضائيات الموسيقية والفنية، وسيأتي آوان الخماسي لا ريب..!!