من بين دور عرض الدرجة الثالثة التي تعرض ثلاثة أفلام في بروجرام واحد وتحظى بنسبة مشاهدة عالية وجمهور عريض من الرواد اشتهرت سينما 'علي بابا'. حيث احتلت هذه السينما التي تقع في حي شعبي بوسط القاهرة موقع الصدارة لانخفاض سعر التذكرة بها وتمييزها بتقديم مجموعة متنوعة من أفلام الأكشن والمطاردة والخيال العلمي، لذا فقد ارتبط وجودها بأيام الطفولة والصبا والذكريات الجميلة ومراحل التكوين الفني والثقافي لدى الغالبية العظمى من الصغار الذين أحبوا السينما وواظبوا على متابعة الأفلام وهم في سن الدهشة والفترة الخصبة من أحلام اليقظة، لقد تعلق بها عدد غير قليل من هؤلاء الأطفال الصغار الذين صاروا بعد ذلك نجوما وفنانين ومبدعين كبار ترسخت في أذهانهم الذكريات القديمة فاجتروها وصنعوا منها فناً يحمل بعض ملامح ما رأوه في ربيع طفولتهم وصباهم وشبابهم المبكر بوعي الكبار الناضجين وذات الروح الطفولية البريئة، كأنهم لا يزالون صغاراً يفكرون بعفوية ويناقشون القضايا الكبرى ببساطة الأولاد الطيبين. 'سينما علي بابا' عنوان فيلم اعتمد في خطابه على لغة الحواديت ودهشة الصورة الخيالية المتجاوزة لمنطق العقل التي كانت تبهر في الماضي جمهور الصغار بسينما علي بابا دون أن ترهق أذهانهم بالمضمون الكوني وهموم العالم، ولعل التسمية الخاصة للفيلم جاءت من هذه الفكرة للربط بين ما كان يعتبر في الماضي لهواً وتسلية وما يفسر الآن على أنه رموز لأشياء كثيرة حان الوقت لمناقشتها على ضوء ما تم إدراكه بحكم السن والتجربة وما استطاع أن يحيط به العقل من مشكلات وكوارث يتحتم مواجهتها والتعامل معها خارج سياق الحواديت وإن بدت في ظاهرها مجرد حواديت لا تناسب غير الأطفال، ولكن الحقيقة تؤكد أنها فوق هذا التصور. الفيلم يقدم لنا البطل أحمد مكي نموذجاً لشاب محدود الثقافة فطرى النزعة يتم اختطافه من قبل بعض الكائنات الفضائية ليحل محل شخص ما يعد في حسابات المخلوقات الفضائية رئيس أو ملك، هذا الملك اغتيال ومطلوب أن لا يذاع خبر اغتياله إلا بعد تعيين نائباً له حتى لا ينفرط عقد الدولة ولوجود تشابه كبير على مستوى الشكل بينه وبين الكائن الإنسي أحمد مكي الذي يعيش على كوكب الأرض يتم اختطاف الأخير ليلعب الدور كاملاً ويستمر في الحكم بدلا من الرئيس الحقيقي، ولأهمية اللعبة يتم إغراء 'حزامبول' أو أحمد مكي بالمال والذهب وقبل الموافقة والإتفاق يكشف أحد الفضائيين المعارضين للحكم لحزامبول تفاصيل المؤامرة على المملكة الفضائية وما يترتب من أخطار لو نجحت الخطة وتم شراؤه من قبل الطامعين في الحكم ممن قتلوا الملك، وعلى هذا يبدأ الصراع بين ثلاثة قوى، المتآمرون والكاهن المعارض 'لطفي لبيب' وبني الإنسان الذي يمثله مكي، وفي هذا الإطار تستخدم الإسقاطات السياسية لتقريب المعنى الحقيقي واستنباطه من الصراع المجازي الحادث على الكوكب الآخر، ويستخدم المخرج والسيناريست كنوع من السخرية أسماء الأدوية والمضادات الحيوية في الإشارة للأشخاص فنجد 'إندوسيد، أنتيبيوتك، فلاجين، بينسلين وهكذا كناية عن حاجتنا الى العلاج الفعال في مواجهة ما نعانيه من أمراض وعلل ومصائب وكوارث تتفاقم كل يوم ولا نقوى على تحملها وإن كنا نتعايش معها بوصفها أمراض مزمنة يحتاجها علاجها الى صبر ومثابرة وقوة إحتمال، وعلى ذات الخط يلتقط المخرج أحمد الجندي الخيط ويوظف أدواته وتقنياته للإيهام بجو الخطر والرعب والوحشة ليشعر البطل الآتي من كوكب الأرض باغترابه وبعد المسافة بينه وبين الكائنات المحيطة به والعالم الذي انتقل إليه فجأة، وبدوره يقوم الفنان أحمد مكي الشخصية بتلقائية معهودة ومسحة كوميدية لا تجافيها خفة الظل، وبعد مساجلات وحوارات وهمية بينه وبين الفضائيين الخرافيين يتمكن من الهرب بمساعدة الرجل المعارض ويهبط سالماً إلى الأرض وقد استوعب درساً مفاده أن العدل فوق القوة والقانون وتنزل النهاية على البروجرام الأول من سينما علي بابا ليبدأ الجزء الثاني لواقع تعيشه الطيور المسالمة وتحكمه الضباع المتوحشة ويروي لنا بصوته المعبر الفنان ماجد الكدواني تفاصيل الحكاية الثانية علنا نستوعب مع البطل درساً آخر من دروس الحياة والسياسة والعالم الذي يسكنه الأحرار والأشرار ويهضم فيه حق الضعيف، حيث الطيور المسكينة تقضي أيامها في البحث عن قوتها من حبوب القمح والأرز ولا يعكر صفوها سوى الضباع التي طالما استقوت عليهم وطالبتهم بدفع الإتاوة نظير الحماية المزعومة، وأمام الصلف والقوة والجبروت تدفع الطيور وبقية مملكة الحيوانات الضريية صاغرة دون أدنى اعتراض، والرمز هنا واضح كل الوضوح في قصة شريف نجب فليس ثمة فارق بين ما تعانيه الطيور وبقية الحيوانات الأليفة وما يعانيه البشر فالصمت دائما شريعة الضعفاء وسلاحهم إذا ما اشتد بهم البأس وبلغ الظلم مبلغه!! يظللا الحال على ما هو عليه انتظارا للمخلص، المارد القوي والمنقذ وتروي الحكايات والأساطير عن شجاعة ذلك الغائب الى أن يأتي اليوم الموعود ويدخل 'ديك البرابر' مملكة الحيوانات والطيور فيتعلقون به ويتعاملون معه بصفته الغائب المنتظر منذ سنوات وهو لا يعدو كونه لصاً باحث عن غنيمة وضحية، ولكن أمام غصرارهم يقرر أن يكون هو من ينتظروه، وهنا إلماح إلى أن المجتمع أول من يتحمل المسئولية عن صناعة حكامه، حيث لم يفلح ديك البرابر في حماية المملكة المسالمة من الضباع وينكشف أمره فيعترف كبير الحيوانات بأنه من اخترع أسطورة الغائب المنتظر لكي يعطي أملاً للخائفين في النصر الوشيك أو النصر المحتمل، وإزاء هذا الاعتراف يعدل السيناريست من الخط الدرامي ويقرر أن تكون الهزيمة أولى خطوات الانتصار الذي لا يتأتي إلا بالاتحاد وليس الإرتكان الى الوهم. ونلحظ في الحكاية الثانية صوت الراوي ماجد الكدواني معتمداً على الموتيفة الشعبية والجمل الدلالية الدارجة لتبسيط المفهوم والنفاذ إلى العمق دونما اللجوء الى شروحات ونظريات عويصة عن الديمقراطية وحقوق الملكية والمواطنة والمباديء القانونية كشرط لتوفير حياة آمنة مطمئنة، وربما لو كان المؤلف أو المخرج انتهجا هذا النهج واستخدما لغة أخرى غير لغة الطيور والحيوانات لفسد الفيلم وأصبحت الحاجة لإسم 'سينما علي بابا' كبوابة لدخول العالم الخيالي غير ضرورية وغير ذات معنى فأهم ما تميزت به الحدوتة طابعها الشعبي وجوها القديم المستوحي من أجواء السينما الترسو. القدس العربي