كمال القاضي: الفرق بين كتابة سيناريو فيلم رومانسي مبني على فكرة أساسية محورية وكتابة يوميات شخصية أصبحت متلاشياً في ظل الخلط والاستسهال واللجوء إلى أقصر الطرق. وهي صياغة الاعترافات والإسهاب في تفاصيل صغيرة هي أقل في أهميتها من أن ينتبه إليها جمهور ناضج لا يشغل نفسه بما لا يعنيه من ترهات الأشياء التي قد يتصور من يكتبها أنها قضايا كبرى تهم الملايين مثلما تهمه، بينما هي في واقع الحال حكايات ملفقة لا أصل لها ولا فصل ولا ترقى لمستوى حواديت الأطفال، لذا فقد انحدرت الكتابات الرومانسية الى أدنى مستوياتها حتى باتت ثرثرة ونوع من 'اللجج' في كثير من الأحيان. بعضاً مما يعرض الآن في دور السينما بوسط القاهرة يعكس هذه الحالة، وربما يكون فيلم 'واحد صحيح' نموذجاً تختلط فيه الحالة الرومانسية بحالات الشبق والاعترافات الصريحة للأبطال بعلاقات جنسية اكثر منها عاطفية تربطهم ببعض الفتيات والسيدات، فضلا عن نوع آخر لعلاقة شذوذ يعترف بها أحد شخصيات الفيلم لزوجته التي عرفت بأمر شذوذ زوجها وقبلت الزواج منه والاستمرار معه كضرة للرجل الذي يشاركها فيه مقابل صفقة تربح فيها الزوجة الخئونة المال والعز والثراء ويتمتع الزوج الشاذ بالوجاهة الاجتماعية كي يبدو أمام الناس رجلاً طبيعياً! ويأتي المستوى الثاني من التشوه الإنساني متمثلا في علاقة الزوجة نفسها بأمها، حيث تتأكد انتهازية الأم وانكسارها أمام ابنتها التي تتعمد إهانتها على الملأ، فيما تقبل الأم الإهانة صاغرة لأن الاحتجاج يعني انقطاع المعونة الشهرية التي تصلها بانتظام وتنفق منها على نفسها وتدبر بها لوازم احتياجات الابنة الأخرى المؤهلة للزواج وتعتمد بشكل أساسي على فائض أموال زوج أختها، تركيبة عائلة غريبة تنطوي على أبعاد وجوانب كثيرة يحتاج كل منها دراسة اجتماعية ونفسية لمعرفة أسبابها الحقيقية، بيد أن المشكلة الأكبر تكمن في ذلك البطل عبدالله 'هاني سلامة' الذي يعمل مهندساً للديكور ويبلغ من الشهرة حدا فائقا يجعله أملاً لكل النساء فهو وسيم وجان ورقيق وله جاذبية لا تقاوم حتى أنهن يتسابقن على الوصول إليه وإقامة علاقة جسدية كاملة معه، بما في ذلك الفتاة القبطية التي تمنعها ديانتها من الزواج منه فتهرب بعيدا لكي تنساه ثم سرعان ما تعود لتتحرق شوقاً إليه، وكذا هو يراها حُلمه الذي لم يتحقق لأنها الشيء الوحيد الممنوع في حياته، حيث الزواج منها كان أسمى غاياته، لم يترك البطل الرومانسي شاردة أو واردة إلا ولاحقها أو مهد لها الطريق لتلاحقه وتظفر به كأنه آخر الرجال المشهورين، والغريب أن كاتب السيناريو تامر حبيب لم يستثنى واحدة من البطلات من الوقوع في براثن الحب المحرم لدرجة أن 'بسمة' زوجة أعز أصدقاء عبدالله طلقت بسبب الشك الذي ساور زوجها في وجود علاقة بينها وبين صديقه، ومع ذلك استمرت الصداقة على حرارتها بين الأطراف الثلاثة وكأن الطلاق لم يغير في الأمر شيئاً، ناهيك عن وجود ضحية أخرى تكابد أيضاً الأشواق جراء إفتتانها بالشاب الوسيم في وقت لا يبالي هو بحبها ويستمتع بمطاردتها له، غير أن المفارقة الكبرى تأتي في التطور المفاجيء للسيناريو العجيب، إذ يتزوج الإثنان دون أن نفهم نحن معشر المتفرجين متى ولماذا حدث التوافق الذي أدى إلى هذه النتيجة، علماً بأننا لم نلحظ أي من أعراض المرض النفسي على البطل أو البطلة لنجيز بموجبه تلك النقلات غير المنطقية في خط سير العمل والأبطال ونعتبر الجنون مسوغاً طبيعياً لحالة اللخبطة والتشرذم وتفسخ العلاقات وانسجامها القسري في الإطار الخاص جدا الذي ابتدعه المخرج هادي الباجوري وحرك شخصيات فيلمه 'واحد صحيح' في سياقه!! وكما للفيلم غرابته فإن للعنوان أيضا دهشته فكلمة واحد صحيح لا تشير إلى معنى أو مغزى أو هدف أو تورية اللهم إذا كان هاني سلامة هو الصحيح الوحيد بين البطلات اللائي انقسمت كل واحدة منهن الى عدة شخصيات متضادة ومتنافرة ومتناقضة فمثلا رانيا يوسف وهي ا لمرأة ذات الحيثية الاجتماعية تتظاهر بالقوة والسيطرة والتماسك أمام المجتمع، بينما هي أمام الدونجوان وفي غرفة النوم شخصية مستسلمة وطبيعية ولا تقوى على مقاومة سحر الفتى المدلل ومثلها تسير الأخريات على نفس الدرب ويشملهن الضعف والانهزام بما فيهن بسمة التي تتظاهر بأن علاقتها بعبدالله علاقة أخوية ولكنها تحدث نفسها بالحقيقة التي طالما جاهدت لتخفيها وهي أنها مثل بقية الفتيات والنساء تتمنى اللحظة التي تجمعها بالفتى المغوار في فراش واحد. غلال على منوال الرغبات المنفلتة بلا ضابط أو رابط يبدأ منذ الدقائق الأولى للفيلم ولم ينتهي إلا بنزول تترات النهاية على خلفية موسيقية ناعمة تشير خطئاً إلى جو رومانسي غائب تماما عن الأحداث والشخصيات ومفتقد في أداء الأبطال الذي غلب عليه الجرأة وتميز بنزوع حسي وغريزي لم يكن في حاجة الى فطنة لاكتشافه أو إحساس مرهف لإدراكه، إن الشيء الذي يميز فيلم تامر حبيب وهادي الباجوري هو الجرأة الشديدة في تغرية الواقع الافتراضي الذي يعيشاه هما فقط والعلاقات السرية التي تربط الزوجات الخائنات بأزواج شواذ يمارسون الشذوذ في بيت الزوجية بعلم زوجاتهم وتحت سمعهن وبصرهن وتواطئهن داخل الغرف المغلقة في مجتمع لا يعرفه عوام الناس ممن يقبضون بأيديهم على جمر العفة والبراءة.