تتزايد هجرة السودانيين إلى إسرائيل رغم المحاولات المستمرة لمنعها بدعوى ضيق ذات اليد، ورغم أنهم لا يجدون فرص عمل مناسبة أو معاملة جيدة فإن الظاهرة تتنامى بصورة ملحوظة. ويقيم المئات من هؤلاء المهاجرين في قرية كفرمندا قضاء الناصرة (بأراضي ما يعرف ب48) منذ عام 2010 بسبب المعاملة الطيبة التي يلاقونها من قبل أهاليها. ويعمل أغلبهم في مجالات الزراعة والبناء والخدمات والأعمال المؤقتة، وأغلبيتهم الساحقة مسلمون وليسوا عربا لكنهم يجيدون العربية. وعند الحديث مع بعض المهاجرين، يتضح أن السودانيين باتوا يفضلون العمل والإقامة داخل قرية عربية بأراضي 48 بدلا من تل أبيب وبقية المدن اليهودية في ظل تراجع فرص العمل، وتفاقم المضايقات العنصرية الإسرائيلية ضدهم. ووفق مركز الدفاع عن الأجانب فإن نحو 35 ألف إفريقي (منهم سبعة آلاف سوداني) تسللوا إلى إسرائيل -التي لم تعترف بهم كلاجئين- عبر صحراء سيناء، موضحا أنها تسعى للتخلص منهم بالترغيب والترهيب. السودانيون المتسللون لإسرائيل -وغالبيتهم بالعقد الثالث من عمرهم- يميلون للتهرب من الظهور بالصحافة لاعتبارات أمنية تخصهم وتخص عائلاتهم بالسودان نظرا لوجودهم بدولة معادية وإقامتهم فيها بحثا عن مصادر دخل لم يجدوها ببلادهم، كما يقولون. الدوافع الجزيرة نت قابلت ياسر -من منطقة غربي المناقل بالجزيرة بالسودان- الذي يقيم مع نحو عشرة من مواطنيه داخل غرفة كبيرة بمزرعة داخل مرج كفرمندا، حيث أوضح أنه يعمل مقابل سبعين دولار يوميا بالزراعة. يوضح ياسر (29 عاما) أنه غادر تل أبيب -بعد أن قضى بها عامين- إلى كفرمندا الشهر الماضي نتيجة الكلفة الباهظة للحياة، ولأن حالة الطقس والأوضاع الاجتماعية في شمال البلاد أفضل. ويتابع "هنا نتحدث العربية مع المشغلين ومع الناس". ويؤكد أنه جاء لإسرائيل رغم أنها دولة معادية لبلاده، وتحمل مخاطر الموت خلال رحلته إليها من أجل "إصلاح الظروف الاقتصادية". المعيشة وبشكل عام يعمل السودانيون من أربعة إلى خمسة أيام بالأسبوع، ويعملون على تحويل بعض ما يدخرون لعائلاتهم عبر صرافين أو من خلال التحويلات البنكية من خلال دول وسيطة. ويشير ياسر إلى أنه يتحدث مع عائلته بالسودان عبر الهاتف مرة كل أربعة شهور، كما هو حال زميله عبد الرزاق الذي يشيد بمعاملة أهالي البلدة رغم بعض الحالات الشاذة. وعلى صعيد الشائعات التي تروج بأن إسرائيل تحاول ابتزاز المتسللين إلى أراضيها بأن يتعاملوا معها مقابل منحهم تأشيرات إقامة، نفى عبد الرزاق (21 عاما) وجود أي صورة لمثل هذه المحاولات. ويوضح عبد الرزاق أن السودانيين في كفرمندا راضون عن حالتهم. وفيما يتعلق بنمط المعيشة يلفت إلى أنهم يقسمون أنفسهم مجموعات تتناوب بصورة دورية على إعداد الطعام، ويقضون أوقات فراغهم بمتابعة مسلسلات تلفزيونية ولعب الورق، وأحيانا يتمكن بعضهم من السفر للقدس والتجول فيها للصلاة في المسجد الأقصى . جامعيون لكن آدم (28 عاما) من الخرطوم لا يكتفي بذلك فحسب، فهو يداوم على قراءة القرآن الكريم والأدب بوصفه مثقفا أكاديميا. فقد أنهى دراسة الطب البيطري بجامعة أعالي النيل قبل أن يتسلل لإسرائيل بحثا عن عمل لم يجده بوطنه، وفق تأكيده. يعمل آدم بالأعمال المؤقتة كبقية زملائه الذين كانوا يلهون بلعبة الدومينو عندما التقتهم الجزيرة نت، وقابلت كذلك رفيقه غولدن من دارفور الذي أتم هو الآخر دراسته الجامعية بالسودان، بجامعة الخرطوم في إدارة الأعمال عام 2010. ويقول إنه درس من أجل التعلم مشددا على أن معايير التفرقة التي ينتهجها "النظام الحاكم بالخرطوم" حالت دون إيجاد فرصة عمل هناك. مسلمون من جهته يوضح سامي عبد الحميد -صحفي يقيم في بلدة كفرمندا- ازدياد عدد الشباب السودانيين بالبلدة بعدما لاقوا معاملة حسنة من أهاليها، موضحا أنهم باتوا يستدرجون بعضهم من مناطق أخرى للإقامة فيها. وأضاف للجزيرة نت أن الشباب السودانيين يحرصون على احترام أهالي البلدة ومراعاة تقاليدهم وتحاشي الاحتكاك الزائد بهم، مؤكدا أن أهالي بلدته ينظرون لهم بعين التكافل والاحترام رغم أنهم ليسوا عربا، ولكن لأنهم مسلمون يشاركونهم الصلوات بالمساجد. وفي ذات السياق أكد عضو اللجنة الشعبية في كفرمندا إبراهيم خلايلة، أنه رغم تسللهم إلى إسرائيل وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية، فإن أهالي القرية يحاولون التواصل الدائم معهم ومساعدتهم لدواع إنسانية.