دبابيس ودالشريف    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سوق المواسير البداية ب(التيكو)..وكل شيء لاحقاً
نشر في الراكوبة يوم 02 - 06 - 2010

في الأيام الماضية انشغل الجميع بمتابعة ما يجري في سوق المواسير بمدينة الفاشر والذي جذب إليه كل الأنظار بسبب الغرابة والطرافة التي لازمت الأحداث, ولأنه وجد حيزا كبيرا في أجهزة الإعلام المختلفة التي سلطت عليه كل الأضواء وجعلته مرتكزا لتغطياتها وتابعت ما يجري هناك. لكن ما الذي أدى لظهور السوق أصلا؟ وأين كانت الأجهزة الرسمية حينما بدأ السوق في التمدد؟ وكيف كانت نقطة البداية يا ترى؟ ولماذا ضاعت أموال الناس هناك..؟؟! تلك وغيرها تساؤلات كثيرة تدق أبواب الخيال وتأبى أن تخضع لسياسة الأمر الواقع بأن تلتزم الصمت.. حاول هذا التحقيق الوقوف عن كثب على تلك الماجريات..
هكذا كانت البداية
قبل عامين تقريباً فوجئ سكان مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بأشخاص يشترون كل شيء بثلاثة أضعاف سعره الحقيقي خاصة السيارات ماركة التيكو, والتي تعمل كمواصلات تربط أجزاء المدينة بعضها ببعض ويدفعون نقداً ربع القيمة المتفق عليها, ويتم تحرير وصل أمانة أو شيك بقيمة المبلغ المتبقي يحرر بموجبه وصل بأجل معين مدته أربعون يوماً، هؤلاء الأشخاص كانوا في بادئ الأمر شخصين فقط هما (آدم إسماعيل إسحق) و(موسي صديق موسي), وهما من قيادات المؤتمر الوطني بولاية شمال دارفور ومرشحان عن الحزب لدوائر المجلس الولائي التشريعي. وقد كان أجل حلول المبالغ المؤجلة قصيراً جدا وانتشر هذا الخبر وعم القرى والحضر, وسمع به كل البشر وقد بدأ السوق (الخيالي) يكبر تدريجياً ومعه تتسع دائرة مشتروات أولئك الأشخاص, لتتمدد الدائرة وتطال بجانب السيارات والمنازل الذهب والفضة وكل أنواع المجوهرات, وكافة المواشي والذرة و الدخن وكافة المحاصيل الزراعية حتى السكر و الزيت والدقيق, وأنواع البضائع الأخرى من طوب وأسمنت وجميع مواد البناء وأدواتها, عندئذ شعر منشئو السوق بأنهم بحاجة إلى مساعدين يعينونهم على الإدارة, ففتحوا أبواباً لتعيين وكلاء لهم بالمدينة فتكالب الناس متنافسين في الحصول على التوكيلات, فبلغ عددها أكثر من (180) مكتباً (وكالة) وبموجب التوكيل الممنوح يحصل الوكيل على نسبة مئوية من إجمالي المشتروات اليومية والتي تترواح في الغالب ما بين 5% إلي 10% تدفع في الغالب نقداً.. و بدلاً عن إيصالات الأمانة أصبحوا يحررون شيكات مسحوبة على مختلف البنوك المنتشرة في أرجاء المدينة, إلاَّ أن 50 % من تلك الشيكات كانت مسحوبة على بنك التنمية الإسلامي بالفاشر, وقد تزايد العمل عقب ذلك ليصل عدد الشيكات التي يتم تحريرها يومياً مائة دفتر.
أرض الأحلام..
مع استمرار انتشار قصص الثراء بدأ الناس يتوافدون من أنحاء دارفور ومن كل حدب وصوب يحملون أشياء لم يسمع بها أهالي الفاشر منذ نشأة المدينة الى تاريخ ظهور هذا السوق الغريب. ومع زيادة حجم السوق زيدت أيام حلول أجل هذه الشيكات إلى 45 يوماً، ومع هذا لم يسبق أن ارتد شيك من بين جميع هذه الشيكات، فأصبح من السهل أن تبيع منزلك الذي تبلغ قيمته الحقيقية مثلاً 50 مليوناً بمبلغ 150 مليون, تحصل على 40 مليون نقداً وشيك بمبلغ 110 مليون آجل وسرعان ما يحل الأجل وتقوم بصرف المبلغ بالكمال والتمام.
وبسبب الأسعار المنخفضة التي يعاد بها بيع مشتروات (سوق المواسير) ظهرت جماعات أخرى تخصصت في شراء ما يعاد بيعه بواسطة المشترين في هذا السوق الغريب، فأصبح من السهل جداً أن تشتري منزلا يكلف مائة مليون حسب أسعار السوق بمبلغ قد يصل إلى 60 مليون, في وقت قام هؤلاء المشترون بدفع مبلغ 250 مليون مثلاً في مقابل الحصول عليه.. أما العربات والماشية التي يعاد بيعها فترسل مباشرة إلي أسواق أخرى خارج دارفور أو يتم حفظها في أماكن تبعد مئات الأميال, في حين يقوم مشترو البيوت الجدد بإعادة استئجارها لملاكها السابقين (لاحظ أن الملاك الجدد من غير القائمين على أمر سوق المواسير بل هم أشخاص قاموا بشراء هذه البيوت من القائمين على سوق المواسير), بجانب أنه غير مسموح للمالك الحقيقي بشراء منزله مباشرة من السوق بل لابد أن يقوم بعملية الشراء من شخص ثالث وبعدئذ يستطيع المالك الأول أن يشترى منزله السابق من الطرف الثالث المالك الجديد.. ولهذا السبب أصبح معظم المواطنين يسكنون في منازلهم الآن بنظام الاستئجار بعد أن أصبح هناك ملاك جدد وانتقلت الملكية كلية إليهم, ونعني بانتقال الملكية هنا ملكية المال بشكل عام. وقد استمر حال السوق في النمو والتزايد فأدى تداول السلعة بأقل من قيمتها الحقيقية إلى ركود كبير في السوق, والسبب في ذلك أن القائمين على أمر سوق المواسير يشترون بأسعار كبيرة ويعيدون بيعها بأقل من سعرها السوقي, وبالتالي لا يستطيع تجار السلعة في السوق من تسويق بضائعهم بسبب غياب المنافسة والانخفاض غير الطبيعي لأسعار مختلف السلع والبضائع, لكن يبدو أن الأقدار كانت تدبر خلف ما جريات الزمان سيناريو لم يدر بخلد أحد من المتعاملين داخل السوق.
فجأة ودون سابق إنذار وقع حدث لم يكن في الحسبان وانهار سوق المواسير وضاعت أموال الناس, والمثير أنه لم يرتد ولو شيك واحد طيلة فترة عمل السوق ولم يتجه أي من المواطنين إلي النيابة لتقديم شكوى, ولم تجد الحكومة ثغرة في السوق لتتدخل طيلة فترة عمل سوق المواسير بالفاشر (حسب أحاديث المسؤولين الحكوميين).. ولكن بعد عام من الاستمرارية انهار سوق المواسير بالفاشر وارتدت الشيكات, وبدأ آدم إسماعيل وموسى صديق المسؤلان الرئيسيان عن سوق المواسير يتهمان وكلاء و مديري المعارض بالسوق, بأنهم اختلسوا أموالاً ولعبوا وتلاعبوا بالإيصالات بل زوروا جزءاً كبيراً من الإيصالات, وبنوا بالأموال عمارات خاصة بهم وعقارات وأرصدة مدفونة في البيوت, وامتلكوا بها أفخم السيارات وهذا هو السبب وراء انهيار السوق حسب حديث آدم إسماعيل و موسى صديق, حيث تم تدوين أول بلاغ جنائي ضد سوق المواسير في يوم 30 /3/2010 كأول بلاغ لشيك مرتد, وبعدها توالت البلاغات وراجت أحاديث بالمدينة تؤكد انهيار السوق وضياع أموال الناس.
بعد ذلك تحدث آدم إسماعيل إسحق المسؤول المباشر عن سوق المواسير في لقاء حضره جمع ممن لديهم إيصالات وشيكات مرتدة, وشرح لهم بأن السوق لم ينهار بل هناك ترتيبات إدارية ينوي القيام به لاسترداد أمواله من الذين قاموا بسرقة الأموال واختلاسها, وهم وكلاء ومديرو المعارض, وطلب من المواطنين الهدوء وإمهاله أسبوعين ليسترد للناس أموالهم, وأقسم بالمصحف الشريف على الملأ.. فصدق الناس حديثه ذاك وصبروا أياماً عديدة, وعندما حان الموعد المحدد ولم يستطع الوفاء بالتزامه في الفترة التي حددها بأسبوعين لهروب معظم مديري ووكلاء المعارض من الفاشر ومعهم أموال الناس التي اختلسوها, هنا تدخلت السلطات المسؤولة وتداركت العواقب الوخيمة التي كان يمكن أن تقع قياساً بخطورة الموقف, فاعتقلت آدم إسماعيل وموسى صديق ووكلاء و مديري المعارض.. ليس ذلك فحسب بل أنها صادرت كل ممتلكاتهم وتم القبض على عدد كبير من الهاربين, وما زالت السلطات بالفاشر تتلقى المعلومات عنهم وتلقي القبض عليهم حسب تصريحات المسؤولين لإذاعة الولاية الرسمية.
لجان وبيانات..
وفي صبيحة يوم 27/ 4/2010 أصدرت حكومة ولاية شمال دارفور بياناً للمواطنين بالفاشر تفيد بأن الحكومة اتخذت حزمة من الإجراءات لاسترداد حقوق المواطنين من سوق المواسير, وأن على المتضررين اتباع إجراءات قانونية بكتابة عريضة من النيابة عبر اللجنة المكونة من وزير العدل بعد أداء القسم بأصل المال الذي سلموه, ومن ثم التوجه لبلاغات الشرطة لإجراء التحريات حول كيفية دخوله في سوق المواسير ومن الذي قام باستلامه؟؟ ومتى كان ذلك؟؟ ومن الذي حرر له الإيصال أو الشيك؟؟ هنا استجابت أعداد كبيرة من المواطنيين لبيان الحكومة وبدأوا تنفيذ تلك الإجراءات على الواقع واستمرت الإجراءات بصورة عادية وطبيعية.
وفي صبيحة يوم الأحد 2/5/2010م تظاهر عدد من المتضررين بالفاشر ضد الحكومة مطالبين بأموالهم من سوق المواسير مما أدى إلي مقتل ثلاثة من المواطنين وجرح 21 مواطنا, فأصدرت حكومة الولاية بياناً علقت فيه بأن التظاهرة كانت سياسية تم تنظيمها بواسطة الذين عجزوا عن كسب أصوات في الانتخابات, مما دعاهم لمحاولة الاستفادة من القضية وتطويعها لخدمة أهدافهم, في محاولة منهم للملمة آثار الهزيمة التي لحقت بمن وصفهم الوالي عثمان كبر بالمتشدقين الذين يدعون أنهم أهل ولاية شمال دارفور. فأصدرت الحكومة بياناً ثانياً أدانت فيه مسلك الجهات المتظاهرة وناشدت المواطنين بتفويت الفرصة على المخربين الذين يريدون الفتنة وضياع حقوق المواطنين (حسبما جاء في البيان), وحذرت السلطات المواطنين من المساس بأمن الدولة, وقال الوالي: لن نسمح لأي مندسين أو سياسيين أدمنوا الفشل في استعادة أوضاعهم التي وصفها بالمهزوزة أو أراضيهم المفقودة على حساب قضية لا صلة لهم بها. وأضاف البيان: من يريد حقه عليه اتباع الإجراءات القانونية السليمة لينال حقه بالكامل وأن الحقوق لا تأتي عن طريق التظاهرات وأن الأخيرة ستضيعها. وزاد البيان أن الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن من اللجنة المكلفة من قبل وزارة العدل قامت بحجز ممتلكات مديري ووكلاء سوق المواسير, وحصر البلاغات التي تم فتحها حتى تلك اللحظة لإعادة أموال المواطنين بمنهج (ولكم رؤوس أموالكم). وشدد على أن أي مواطن لديه حق من سوق المواسير سيتم رده, وأن التعامل سيكون مع أصل الأموال أما بقية الأموال فهي ربا وثراء حرام حسب حديث الوالي واللجان المكلفة بمعالجة قضية سوق المواسير.
الصيد في مياه الأزمة
في الجانب الآخر ظل المتضررون من سوق المواسير يرددون أنهم يحملون الحكومة مسؤولية انهيار السوق, مطالبين بضرورة تحمل أي تبعات تنجم جراء غليان المواطنين بالمدينة ومآلات الأوضاع التي يمكن أن تدخل البلاد في منعطف خطير, ودليل ذلك التظاهرات التي انتظمت المدينة، وأشاروا إلى أن الحكومة سمحت لعضوي المؤتمر الوطني (آدم إسماعيل وموسى صديق موسى) بفتح السوق بضمانات أكدتها حكومة الولاية من خلال خطاباتها في الحملة الانتخابية وقتها, والذي وصف سوق المواسير بسوق الرحمة, بجانب مطالبة الحزب للمواطنين بضرورة دعم ترشيح مرشحي الوطني والتصويت للشجرة لضمان حفظ حقوقهم المالية بالسوق, ورددوا وقتها شعارات بينها: (الشجرة تفوز حقك محفوظ) بينما يحفظ المواطنون في أجهزة موبايلاتهم حديثاً للوالي الذي يمدح فيه صناع سوق المواسير ويصفهم ب(أبناء المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الخلص), ويتبادلون عبر البلوتوث بجانب حديثه وصف سوق المواسير وأمواله بالربا والثراء الحرام, الأمر الذي جعل المواطنين يحملون الحكومة مسؤولية السوق. وطالب كثير من المواطنين المسؤولين بالولاية باستقالته، والابتعاد عن حكمهم الذي أدخلهم في أزمة حقيقية لا يمكن الخروج منها بسهولة مثلما كان متوقعاً, إلا أن والي الولاية عثمان محمد يوسف كبر قال إن حكومته بريئة من كل ما تم بسوق المواسير, وأشار إلى أن المواطنين اندفعوا نحو السوق من أجل الكسب وأن أحداً لم يستشر الحكومة وأنهم ذهبوا بطريقتهم الخاصة. ونوه الوالي إلى أنهم يسعون لاسترداد حقوق المواطنين بالطريقة الشرعية وطالب كبر المواطنين بالابتعاد عن خط السياسة.
تسبب انهيار سوق المواسير في ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية حيث وصل سعر جوال الدخن إلى 280 جنيهاً, والقمح إلى 250 جنيهاً وكيلو اللحمة الى 20 جنيهاً, ووصل سعر السكر إلى 150 جنيهاً وبرميل المياه إلى 10 جنيهات, وارتفاع في أسعار تذاكر المواصلات للقادمين من نيالا الفاشر والمحليات المجاورة والمدن البعيدة إلى الفاشر.. وحول هذا الأمر قال والي الولاية عثمان كبر إن السلع كانت منخفضة نتيجة للكسر الذي تم في السلع في سوق المواسير, لكنه حمّل مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى الوجود الأجنبي الكبير من المنظمات والعملة الصعبة التي تدخل المدينة من قبل العاملين في المنظمات واليوناميد.
كبير مساعدي الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية في دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي, اعترف بتورط أفراد من حركته في قضية سوق المواسير لكنه علق بأن تورط هؤلاء يعتبر أمراً فردياً كما أكد تقديمهم للعدالة لمحاسبتهم على ما ارتكبوه، وقلل مناوي من مسعى زير العدل عبد الباسط سبدرات تجاه حل أزمة سوق المواسير، معتبراً أن سبدرات غير قادر على الحل لأنه لا يملك أموالاً لتعويض المتضررين من هذه الأحداث.
في الوقت نفسه استنكر مناوي حديث سبدرات حول براءة عثمان كِبر في هذه القضية، مشدداً على أن عثمان يوسف كبر والي ولاية شمال دارفور المنتخب مسؤول مسؤولية مباشرة عن أزمة سوق المواسير، مطالباً الحكومة بإجراء تحقيق معه ومحاسبته، ورأى مناوي أنه إذا لم يقم القضاء السوداني بمعاقبة كبر فيجب أن يقدم للمحكمة الجنائية بتهمة الإبادة الجماعية, كما اتهم مناوي كبر بالتورط في انهيار الاقتصاد في دارفور الأمر الذي اعتبره هدية عثمان كبر لمواطنيه بعد فوزه في الانتخابات..
انهيار سوق المواسير خلف آثاراً اجتماعية كبيرة منها وقوع حالات طلاق عديدة بسبب الخلافات الزوجية داخل الأسر, التي أدخلت مبالغ وأثاثات المنازل والحلي الذهبية في السوق على أمل أن تخرج أرباحاً طائلة، وفقدت أسر كثيرة أثاثاتها ومنازلها كما دخل عدد من المتضررين في حالات وأمراض نفسية بسبب المليارات التي فقدوها، وتغير مظهر السوق والمواطنين كثيراً بعد ذلك, وأصبح الفقر والفاقة سمة واضحة في وجوه المتضررين لدرجة يرثى لها, حتى أن أحد المتضررين أصبح يشتري اسكراتش لتغذية رصيد جواله ويكشط الرقم السري, وبعد الشحن يقذف بالجوال على الأرض ويضع الاسكراتش في جيبه, وآخر يذهب إلى صلاة الجمعة وفي رأسه (سروال) ظناً منه أنها عمامة, ولا يتنبه له إلا بعد دخوله المسجد وتنبيهه من قبل أحد المصلين.. وآخر يتحدث في السوق (هو مال دنيا كم راح ما يروح) (هو مال دنيا كم راح ما يروح), وهكذا يقضي نهاره بالسوق.. ورابع يقف وسط السوق ويقذف المارة بالحجارة ويردد: أدوني قروشي يا حرامية.. وفي جهة أخرى أحد التجار الكبار كان يشار له بالبنان قبل انهيار السوق أصبح يسأل الناس عن حق الفطور وحق المواصلات.. وحكاوي ومآسي تدمع العين وتحزن القلب. لأكثر من شهر وبناءً على بيان حكومة الولاية ومناشدتها للمواطنين بالتوجه للنيابة والبلاغات لتسجيل ما لديهم من إيصالات وشيكات لدى النيابة, واتباع الإجراءات القانونية السليمة التي تحفظ لهم حقوقهم.. تدافع المواطنون بالآلاف للنيابة العامة بالفاشر لفتح بلاغات وتسجيل ما لديهم من إيصالات, ومعظم البلاغات التي يتم فتحها من قبل النيابة تحت المادة 5 من القانون الجنائي المتعلقة بالثراء الحرام والمال المشبوه, ورغم تخوف المواطنين من هذه المادة التي ربما تطالهم وتحاسبهم أمام القضاء إلا أنهم لم ينقطعوا من النيابة العامة ومكاتب البلاغات, ونصبت الحكومة صيواناً داخل القسم الأوسط للمواطنين لانتظار صفوف التسجيل, وهناك أربعة مراكز أخرى لتسجيل البلاغات, وبلغ عدد المسجلين للبلاغات والمتضررين من سوق المواسير حتى مساء السبت الماضي حوالي 20 ألف و مائتين وستين بلاغاً بمبالغ وصلت إلي 350 مليار جنيه.
إلا أن عدداً كبيراً من المتضررين شكوا بطء الإجراءت لدى النيابة والبلاغات, ومنذ أن بدأت الاجراءات مضى عليها شهر حتى الان ووصفوها بالسلحفائية, لكن القائمين على امر التسجيل يرسلون عبارات التطمين للمتضررين بنيل حقوقهم فور الانتهاء من الاجراءات وحصر أعداد البلاغات ومقارنتها بالممتلكات المحجوزة ليتم الصرف على ضوء ذلك.
سرادق العزاء
أسر قتلى مظاهرات سوق المواسير ما زالوا حتى الآن في سرادق العزاء بحي الثورة جنوب, وقد نصبوا صيواناً منذ شهر استمر حتى الآن وقالوا إنهم لن ينهوا اعتصامهم ما لم يعرفوا من قتل أبناءهم بالرصاص, وتتم محاكمته وأنهم لن ينهوا إضرابهم واعتصامهم ما لم تسترد حقوقهم من سوق المواسير, وقالوا إنه في حالة عدم حدوث ذلك ربما انفجر الوضع من جديد وازداد سوءاً.
الفاشر: إبراهيم بقال سراج
صحيفة الحقيقة
-------


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.