لأن النوعية أهم من الكمية، والتحضير للعمل أهم من النتيجة، واقتناص الفرص المناسبة يحقق الطموح، تبدو المخرجة ليلى كنعان مقلة في أعمالها، مع ذلك أثبتت نجاحها بفضل موهبتها وجهدها ومهنيتها التي ظهرت جلية عبر إخراج كليبات لنانسي عجرم وهيفا وهبي ويارا... فشكلت هذه المعايير المهنية مفتاحاً دفع شركة اعلانات أميركية الى اختيارها لتمثيلها في أسواقها الاجنبية، في خطوة هي الأولى على صعيد مخرجي العالم العربي. عن مسيرتها في عالم الإخراج ونشاطها على صعيد التوعية الاجتماعية تحدثت الى «الجريدة». ما الأعمال الجديدة التي تستعدّين لتصويرها؟ أحضر كليبًا لأغنية من ألبوم الفنانة نانسي عجرم المخصص للأطفال، وكليبين للفنانة شيرين عبد الوهاب، إضافة إلى إعلانين سأبدأ تصويرهما قريباً. ما الذي يميّز مخرج كليب عن آخر؟ يضع المخرج المبتكر روحه وشخصيته وأسلوبه في العمل فيما لا يتمتع المخرج المقلّد للآخرين بهوية خاصة. من هن الفنانات الأكثر انسجامًا مع أفكارك؟ نانسي عجرم وهيفا وهبي ويارا، لأنهن يثقن بي ونسير على الموجة نفسها، ولدي حرية مطلقة لتقديم أفكاري من دون قيود. كيف تحققين النجاح من عمل إلى آخر من دون الوقوع في التكرار؟ ربما لأنني مقلّة في تقديم الأعمال سنويًا، وتفضيلي النوعية على الكمية، بمعنى أنني أفضل تقديم كليبين ضخمين في السنة، على تقديم عشرين كليباً يمرون مرور الكرام. لذلك استغرق وقتاً كافياً لإنجاز الأبحاث وتغذية فكري وروحي، ما يحول دون وقوعي في التكرار. هنا أتساءل: كيف ينمي مخرج ذهنه بأفكار جديدة وهو ينتقل من كليب إلى آخر في فترة زمنية قصيرة؟ كيف تقيّمين تجربتك في الإخراج؟ أفرح في فترة التحضير للعمل أكثر من مشاهدة النتيجة، فالتأني في اختيار عناصر ملائمة له، والتعديل في الأفكار حتى الاقتناع... ذلك كله يؤدي إلى عمل جميل وناجح. نلاحظ غرابة في أفكارك على صعيدي الصورة والقصة، هل مردّ ذلك إلى الدراسة أم الموهبة؟ صحيح أن دراستي الجامعية منحتني دفعًا مهمًا كونها عرّفتني إلى كبار المخرجين الذين تابعت أعمالهم وتعلمت منهم ما زاد ثقافتي السينمائية، لكنها ليست كافية. الأهم ذوق المخرج وموهبته ومشاهداته الحياتية وثقافته الخاصة، إضافة إلى المهنية في تنفيذ العمل واقتناص فرصة مناسبة ووضع استراتيجية مهنية. ثمة مخرجون موهوبون أكثر مني، لكنهم لا يعرفون كيفية إدارة مهنتهم. تقدمين كماً من الإعلانات على صعيد الشرق الأوسط، ما سبب توجهك نحو هذا النوع من الإخراج؟ تركيبة الاعلانات مبتكرة ومختلفة عن الكليب الذي يختلف بدوره عن الأفلام القصيرة والطويلة، لذلك أحببت خوض المجالات الإخراجية كافة على صعيد الصورة. كيف تقيّمين هذه التجربة؟ وجدت في الإعلانات لذة واكتشفت من خلالها طريقة إيصال رسالة في وقت قصير، خصوصًا تلك التي تهدف إلى التوعية. إلى ذلك ثمة مهرجانات كثيرة تستقبل اعلانات ذات مضمون جميل. هل من مشروع سينمائي في الأفق؟ من المبكر الحديث عن هذا الموضوع، فأنا في طور الكتابة ولا أعرف ما إذا كانت النتيجة ستصبّ لصالح فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. ما المعايير التي تعتمدين عليها في التعاون مع الفنانين؟ يجب أن يكون الفنان مصدر إيحاء لي ويعبّر أسلوبه عن ثقافتي، وأن تتمتع الأغنية بمستوى رفيع فأنا لا أتعاون مع فن رخيص. كذلك يهمني التزام الفنان بالوقت والعمل لأنني بطبعي مهنية، ومنحي حرية في تنفيذ أفكاري وألا يفرض عليّ أفكاره الخاصة التي لا تقنعني، لذلك الكليبات التي رفضت تصويرها أكثر من تلك التي صورتها. ما سر انسجامك مع الفنانة نانسي عجرم؟ نتشابه في النفسية والشخصية، ربما شجعنا نجاحنا معًا على استمرار التعاون. في النهاية عندما يرتاح الفنان مع مخرج معين لا يحب التعامل مع آخرين، خصوصًا إذا كان يظهره بإطلالة جديدة ولا يوقعه في التكرار. من جهتي، أثمّن تقدير نانسي لي ولعملي، لا سيما أن ثمة فنانين لا يقدّرون تعب المخرج. هل من رابط بين شخصية الفنان والصورة التي تقدمينه فيها؟ يسعى المخرج دائمًا إلى إظهار الفنان بصورة لائقة وناجحة، إلا أن ثمة فنانين لا يتمتعون بشخصية محددة، فيبتكر لهم المخرج شخصية معينة تساعدهم على الظهور، فيما يؤدي فنانون آخرون، أمثال هيفا وهبي ونانسي عجرم، شخصيات مختلفة تتفاوت بين النعومة والإثارة. من هم الفنانون الذين يتمتعون بموهبة التمثيل؟ نانسي عجرم وقد شجعتها على التمثيل لأنها تملك هذه الموهبة بالفطرة، إضافة إلى ميريام فارس، أما هيفا فسبق أن خاضت هذه التجربة. برأيك، ما الذي يساهم في إنجاح الكليب؟ تكامل عناصره كافة من بينها: مستوى الأغنية، شخصية الفنان، قصة ملائمة، مستوى الإخراج، جودة الصورة... فلو قدمت كليبًا جميلا لأغنية متدنية سأفشل، والعكس صحيح. ممَ تنطلقين في تصوير الكليب؟ من الإحساس الذي تولده الأغنية في داخلي، لدى الاستماع إليها، وتواتر الأفكار في ذهني. لا أفهم كيف يُسقط مخرجون معيّنون أفكارهم المعلبة على الأغنية لتصويرها. هل يختلف إخراج الكليب بين فنان وفنانة؟ طبعًا، يختلف إحساس المرأة عن الرجل، وكوني امرأة أفضل العمل مع الفنانات لأنني أفهم احساسهنّ وأفكارهنّ، فيما أجد صعوبة في التعبير عن إحساس الرجل لأن شخصيته بعيدة مني. لاحظنا في مرحلة معينة طغيان الأغاني الهابطة على الكليبات، فهل تراجعت راهنًا؟ بطبيعة الحال، أدّت المشاكل في سورية ومصر إلى تراجع إنتاج الأغاني عمومًا، وأفل نجم الاغاني الهابطة بعدما حصلت غربلة ليبقى الفن الذي يتمتع بالقدر والقيمة. كيف هي علاقتك بالفنانين الخليجيين؟ تعاونت سابقًا مع الفنانين راشد الماجد وراشد الفارس. هل تختلف الصورة بين الفن الخليجي واللبناني؟ صحيح أن الاحساس لغة واحدة لا هوية له، إنما تتأثر صورة الأغنية الخليجية بالإيقاع الخليجي الأكثر بطئاً من الإيقاع اللبناني. أخبرينا عن مؤسسة «أبعاد» التي تشاركين في نشاطاتها. يشرفني أن أكون عضوًا في هذه الجمعية التي تهدف إلى توعية المرأة بحقوقها، ومحاولة تغيير القوانين لتكون المرأة العربية متساوية مع الرجل لا فريسة الغبن. كيف تقيّمين واقع المرأة العربية واللبنانية؟ للأسف، اكتشف يوميًا، بفضل مشاهداتي في بعض المناطق، واقعًا مخيفًا تتخبط فيه المرأة العربية شبيهًا بخمسينيات القرن الماضي، بسبب تفشي الظلم والضرب والاغتصاب. لذلك نحاول مساعدتها ومعالجة مشاكلها عبر الخط الساخن الذي وضعناه بتصرفها. أي صورة تودّين إظهارها عن المرأة؟ المرأة المثقفة، الخلوقة، الحنونة التي تتحلى بالقساوة اللازمة لوضع حد لمن يحاول سلبها حقوقها. أن تكون جميلة وطبيعية من دون جراحات تجميل التي أؤيد إجراءها عند الضرورة فحسب. ما الإضافة التي حققتها إدارةGet Kinetic الأميركية لأعمالك؟ أنا أول مخرجة في العالم العربي ممثلة بشركة إعلانات أميركية تفسح في المجال أمامي للانتشار في سوقها، وتؤمن لي آفاقاً جديدة وأبواباً واسعة في العمل. مع الإشارة إلى أنني سأصور قريبًا إعلان «ريبوك» في أميركا. هل يؤكد هذا الامر ابداع المخرجين اللبنانيين وقدرتهم على الانتشار العالمي؟ نعيش في مجتمع لا يشجع كثيرًا السينما والأعمال الدرامية والثقافة، لكن لا يمنع ذلك من إيصال صورتنا الحضارية القائمة على الفكر والثقافة والطموح نحو الأفضل إلى العالم تدريجاً، وقد نجحنا في ذلك والدليل أن ثمة مبدعين لبنانيين كثراً أدهشوا العالم بتفوقهم في شتى الميادين.