كيف فهم الجيل الجديد في مصر الثورة، ووعى أهدافها ومراميها حين انطلق في الخامس والعشرين من يناير 2011، عابراً الهوة أو المسافة الفاصلة بين المعرفة العلمية بالواقع ؛ المعرفة المتحررة من عوامل التمويه الإيديولوجي، وبين العمل على تغيير الواقع وتثويره ؟ ما المنطلقات النظرية التي حكمت رؤية جيل وائل غنيم مفجر الثورة المصرية في تكييف مغزى الديمقراطية سياسيّاً، عندما طرحها مترابطة مع مسألة الثورة .. أي تراكب الديمقراطية والثورة الاجتماعية ؟ هل كان هذا الجيل على وعي عميق بدرس القرن التاسع عشر الذي ذهب إلى أن التاريخ الحديث إنما هو قرين العنف والانتفاضة والكفاح المسلح، وأن الثورة لا تؤسس الديمقراطية على نحو خطي مستقيم وبسيط؟ أم إنه ينتمي إلى تقليد ثوري جديد، يعتقد بأن كل التجارب الثورية المنصرمة قد استنفدت طاقتها التاريخية، وتجاوزها الزمن بصورة نهائية، وأن التغيير المرتجى بمؤسساته وقيمه لن يلوح في أفق التاريخ إلا بإسباغ معنى جديد عليها، يسهم في التوسيع الراديكالي للمجال العمومي، وتوليد خيارات كثيرة ومتنوعة، تمكننا نسبيّاً على الأقل، من أن نمسي مستقلين في الحياة العامة التي تحدد مسارات مناخنا الاجتماعي؟ أم نحن إزاء جيل مغاير نشأ من رحم التكنولوجيا الرقمية الحديثة، فاستطاع أن يصنع بها منتوجاً رقميّاً جديداً، وأن يستنبط منها أدوات مختلفة ؛ لأغراض جِدِّ متباينة، تخدم قضايا التنوير وحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية وسيرورة التحديث والحداثة ؛ وبذلك يضحى بمقدورنا بناء سلطة مضادة، تعي دون أن تسقط في أسر الهوس بالسلطة، أنه يتعين علينا قلب المواضعات السياسية والثقافية القائمة، عبر حركة احتجاجية متواصلة، تَعد مبدأ المشاركة الفعّالة سمة أساسية من سمات النظام الاجتماعي، ومعنى ضمنيّاً للمواطنين ؟ لذا عمد مهندس الكمبيوتر وائل غنيم خريج قسم الحاسبات بكلية الهندسة _ جامعة القاهرة في عام 2004، والحاصل على الماجستير في مجال علم التسويق من الجامعة الأمريكية في عام 2005، في سيرته الذاتية التي دوَّنها بالإنجليزية، وقامت بترجمتها ترجمة بديعة الأستاذة رحاب بسام، ونشرتها له دار الشروق بعنوان 'الثورة 2.0.. إذا الشعب يوماً أراد الحياة ' 2012، عمد إلى التأكيد على أن ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم يكن لها زعيم ولا 'قائد تتبعه الجماهير' على غير عادة الكثير من الثورات التاريخية، 'ولكن في ثورتنا المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي، كانت الفكرة هي القائد والرمز والمحرِّك'. من هنا ؛ جاء عنوان كتابه هذا: الثورة 2.0، أو المفهوم الجديد للثورة'. وبهذا استطاعت فكرة الثورة في حد ذاتها أن تجيب عن طبيعة اللحظة التاريخية للواقع المصري التي تضرب عميقاً في بُناه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحافلة بالدلالات، وأن تدفعنا إلى استكمال مهام ثورتنا الوطنية الديمقراطية، من خلال إنشاء دولة مدنية تعددية تقوم على مبادئ المواطنة والرقابة والمشاركة الشعبية، وتأسيس جمهورية برلمانية وتأليف حكومة مسؤولة أمام مجلس الشعب، وبناء نموذج بديل للتنمية قائم على الاستثمار في البشر، وتطوير قدراتهم الإبداعية، وكفالة العدالة الاجتماعية عن طريق إجراءات فعالة لتوزيع الثروة والدخول لصالح المنتجين الحقيقيين، وصيانة الاستقلال التام للسلطة القضائية، الأمر الذي حدا به إلى وضع محاور الكتاب التسعة: أرض الخوف .. البحث عن منقذ .. كلنا خالد سعيد .. من الإنترنت إلى الشارع .. ثورة بميعاد .. 25 من يناير 2011، اسمي 41 .. العِصابة .. وسقط الفرعون. في أتون علاقات القوة وتوازناتها الآنية والبعيدة، وفي قلب التناقضات الاجتماعية الفاعلة في معادلة الصراع، ودعانا من ثم إلى إقامة السلطة على أساس من المشروعية العقلانية، وجعلها أكثر تمثيلاً لمصالح المجتمع المدني، بدلاً من صك مفهوم تمامي معزول عن خبرة الواقع وتعقده . وبذلك قادنا وائل غنيم إلى تأمل جماعي في التاريخ، قادر على تحريرنا من النماذج الطوباوية والتجريدية، دون أن نقع في إسار القطيعة الإبستمولوجية مع العصر، والاحتكام إلى صيرورة وجودنا السياسي والثقافي ؛ بوصفه الوجه الآخر لوعي الذات بذاتها .. أو على حد تعبيره في حواره مع الإعلامية منى الشاذلي: 'لست البطل المنتظَر ؛ فأنا مجرد فرد من أفراد الثورة قرَّر المشاركة وأدى دوره تجاه وطنه والذي كان أسهل الأدوار، وهو الكتابة والحشد على الإنترنت ؛ فأنا لست إلا مجرد مناضل كي بورد لم تكن أصابعه تتعبه من الكتابة، أما الأبطال الحقيقيون لهذه الثورة، فهم من ماتوا وأصيبوا في سبيل تحقيق أهدافها، وأن تضحياتي لا تقارن بغيري ؛ فأنا كنت نائماً في أمن الدولة (في إشارة إلى ما لاقاه من عنت وتعذيب على يد جلاوزة النظام وجلاديه الذين استبدلوا اسمه برقم 41)، بينما يشارك الآخرون في ملحمة تاريخية'. ومن ثم ؛ لم يكن 'النزول للشارع مخططاً من قِبل قوى سياسية، بل كان ردَّ فعل طبيعيّاً من جيل تربَّى على الخوف والفشل والسلبية بعد أن شاهد ما يحدث في تونس ' .. وهنا يرد وائل غنيم بحسم على مزاعم التيار الإسلامي 'في الدعوة للنزول يوم 25 من يناير'، مؤكداً أن 'أعضاء جماعة الإخوان المسلمين شاركوا بشكل شخصي، بعد أن قررت الجماعة عدم المشاركة بشكل رسمي' .. وهنا تكتسب شهادته مصداقيتها؛ نظراً إلى خلفيته الإخوانية وهو بعدُ طالب جامعي، ومشاركته 'في الكثير من أنشطتهم الجامعية، وعمله معهم لفترة ليست بالقصيرة'، ومطالعته لما يدبجون على فضائهم الإلكتروني بين الفينة والأخرى بدافعٍ من هواه القديم .غير أنه يذكرنا بموقفهم الرسمي الرافض في عام 1951 المشاركة في الكفاح المسلح الذي اشتعل أُواره في مدن القناة المصرية لإجلاء القوات البريطانية عن مصر؛ مما دفع نفراً من قواعدهم إلى الانخراط فيه على نحو فردي ؛ فاستشهد 'منيسي وشاهين'، دون أن يعبآ بما قاله الشيخ فرغلي المسؤول الإخواني عن منطقة الإسماعيلية والسويس: 'مالناش دعوة .. عملها الوفد، ويتحملها الوفد'! بَيْدَ أن وائل غنيم في سيرته الذاتية هذه .. سيرة التمرد والثورة، يميط اللثام عن الإشكاليات المحايثة للركود السياسي المصري الذي خنق الحرية باعتبارها العمود الفقري للعدالة ؛ لصالح تحالف رجال الأعمال والاستبداد السياسي، مسلطاً الضوء على ذلك الواقع البائس الذي أخضع الأحزاب والنقابات والاتحادات والإعلام والجمعيات الأهلية لسيطرة الأجهزة الأمنية، حتى إن 'ضباط أمن الدولة كانوا ينصحون بعضهم بعضاً ألا يتجسسوا على مكالمات زوجاتهم تفادياً للمشكلات العائلية' ..من أجل هذا 'اعتمد النظام على وزارة الداخلية كلاعب أساس في عملية قمع وتخويف المعارضين'، وزرع 'الخوف في نفوس المصريين من صغرهم'، مرجعاً ذلك إلى 'عصر ثورة 1952؛ فتخلَّق لديه ولدى الغالبية الغالبة من المصريين' مخزون متوارث من الخوف من مصير مجهول لكل من يجرؤ على أن يدخل هذا العالم (النشاط السياسي) من دون أن يكون عضواً في حزب الأغلبية ؛ الحزب الوطني الديمقراطي' .. وبذلك قدمت السلطة نفسها على أنها مستودع الوحدة الوطنية، دافعةً الجماهير الشعبية إلى القبول باستلابها الإيديولوجي والسياسي على أنه ضرورة قومية، وإشعارها بأن فقدها لحريتها الطبقية هو شرط كسبها لكرامتها الوطنية! لكن وائل غنيم يقدم لنا في سيرته الذاتية هذه، العلم والتقنية في خدمة الثورة والعالم الاجتماعي المعيش، ويعيدنا إلى مقولات الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر عن أن العلم لم يعد ملاحظة الأشياء والبحث عن قوانينها، بل هو دفعه إلى أن يفصح عن كنهه وحقيقته ؛ وبذلك تحدد التقنية للمرء نمط معرفته المنشود، وإن كان الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس وريث المدرسة الاجتماعية في فرانكفورت يأمل في عقلنة السيادة على التقنية عبر العلاقات التي تهيئ للسلطة السياسية تفكيراً مقترناً بالحوار. من هنا ؛ نظر وائل غنيم إلى الإنترنت بوصفه نقطة التقاطع الكبيرة بين التكنولوجيا والسياسة التي ستمكِّن مصر من مواجهة القيود المفروضة على حرية التعبير، وتجاوز الرقابة، والاتصال بالآخرين وبناء علاقات معهم. واستطاع بفضل عناده ومثابرته واستقلاله الفكري أن يُفيدَ من دراسته علم التسويق بالجامعة الأمريكية، إلى جانب بكالوريوس الهندسة، ومن خلقه منذ الصغر على الإنترنت حياة أونلاين، سواء في مجال ألعاب الكمبيوتر، أو من عمله مطوراً حرّاً لمواقع الإنترنت، وإنشائه موقع طريق الإسلام islam way . com الذي تبرع به عام 2001 لجمعية خيرية إسلامية بولاية ميتشغان الأمريكية، واشتراكه في تأسيس موقع جواب لخدمة البريد الإلكتروني الداعمة للغة العربية مع صديقه القديم عبد الرحمن مُحيلبة وزميله رامي ممدوح، والإشراف على التسويق والمبيعات الإلكترونية للشركة، فضلاً عن مسؤوليته عن حساباتها وإدارتها بالنقد، وتعرفه إلى المهندس محمد رشيد البلاع أحد أكبر المستثمرين العرب في مجال التقنية، وأحد الشركاء الرئيسين في 'المجموعة الوطنية للتقنية ' ( nt g )وهي مجموعة تحوي أكثر من عشرين شركة متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأمريكا، وانضمامه إلى فريق عملها لينهض بمهمة تحسين الإنترنت العربي وتطويره بأفكار مبدعة خلاقة . وتأسيسه صفحة محمد البرادعي على الفيسبوك ' لدعمه ؛ ولتكون منبراً رسميّاً يستخدمه للتواصل مع مؤيديه عبر الإنترنت' .. وكذلك صفحة 'كلنا خالد سعيد' 'تعبيراً عن تعاطفه الشديد تجاه ذلك الشاب المقموع الذي لا يملك حقوقاً في وطن ينتمي إليه' .. وأخيراً وليس آخراً، تعيينه مديراً إقليميّاً للتسويق في المنطقة العربية بشركة غوغل العالمية في عام 2008 .. وبذلك أتاح له المزج في دراسته وعمله بين 'التسويق والاقتصاد والتمويل فهماً أفضل لدراسة احتياجات السوق، وتصميم المنتجات التي تلبي هذه الاحتياجات، وترويج هذه المنتجات للجمهور المستهدَف'. ونظراً إلى خلفيته الهندسية ؛ فقد تعلَّم 'من هذه المادة كيف يدير المشروعات ماليّاً' .. غير أنه لم يخطر ببال وائل غنيم 'أن كل هذه الدراسة والمهارات ستتراكم وتساعد في الترويج لمنتج لم أتخيل نفسي أسوِّقه في يوم ما: الديمقراطية والحرية !' . وَلِمَ لا، وقد تعلَّم في مشواره الإنترنتي عبر شركة غوغل' ثقافة الاستماع للآخرين .. وأن السلطة لمن لديه المعلومة وليست للمدير الأكثر خبرة .. والسعي لإرضاء المستخدمين، والتعرف على احتياجاتهم وآرائهم وتحليل استخدامهم لبرامج الشركة ؛ ومن ثم استخدام ذلك في تطوير المنتجات'.. من خلال ثقافة التجربة التي تتيح له ولأضرابه ' التقويم وإعلان النتائج سريعاً' .. بالإضافة إلى 'قاعدة ال 20% التي تتبعها شركة غوغل في كل فروعها في العالم ؛ فالشركة تترك لموظفيها حرية اختيار ما يودون القيام به خلال 20% من وقتهم (يوم في الأسبوع) حتى لو كان خارج إطار المشروعات المكلَّفين بها . مما أدى إلى إخراج العديد من المنتجات الرائعة مثل خدمة البريد الإلكتروني الرائدة ( gmail)، أو أكبر شبكة لإدارة إعلانات مواقع الإنترنت ( adsense ) ومن ثم ؛ التأكيد على فكرة ' أن إشراك الموظفين في قرارات الشركة وأنشطتها من أهم الإستراتيجيات ' . وعلى هذا النحو، أدرك وائل غنيم أن الفصل بين العلم والسياسة والدوافع السياسية لم يعد مجدياً .. كما أنه بات غطاء يخفي واقع القوة الاقتصادية ومراميها .. وأن الأفكار الاقتصادية كما أكد جون ماينارد كينز تُعَدّ هادياً للسياسة، ولكن الأفكار أيضاً وليدة السياسة والمصالح التي تخدمها ..لهذا أصبح سعيه دائباً للتلاؤم مع التغيير .. الأمر الذي حضَّه على القول بحسم وجلاء: 'الشيء الوحيد الثابت في شركة غوغل هو التغيير . فالشركة تغيِّر دائماً وتطوِّر من منتجاتها، كما أن طريقتها في التعامل مع تطوير المنتجات فريدة'. بَيْدَ أن أهم ما في سيرة وائل غنيم الذاتية هذه، إزاحته النقاب عن اختلال العلاقة بين النظام السياسي والمجتمع، وانفصال الدولة عن فعل القوى المجتمعية ؛ لهذا فإن غياب الديمقراطية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي، ومن ضمنه مصر، إنما هو نتيجة للاستقطاب الناتج عن التوسع الاقتصادي العالمي، الذي يؤدي بدوره إلى استقطاب اجتماعي كما يقول د. سمير أمين ؛ مما يُفضي إلى إضعاف التطور الديمقراطي فيها، ونشوء ظاهرة تهميش فئات واسعة من المجتمع، وبروز ظاهرة الاعتقال الإداري لتشمل أعداداً كبيرة من الأبرياء، وتفاقم ظاهرة العنف الاجتماعي ؛ نتيجة استخدام قانون الطوارئ بشكل مُغالى فيه ضد الفئات الاجتماعية الفقيرة التي لا تحصل على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية ؛ ونتيجة تعرضها للتعسف الإداري والأمني. لهذا كله ؛ لم يتردد وائل غنيم في المشاركة واقتحام ساحة الوغى، برغم اعترافه بأنه لم يكن 'مستعدّاً بعدُ للمواجهة المباشرة مع النظام، خاصة أن لديَّ الكثيرَ الذي أخسره؛ فانا أعمل في وظيفة مرموقة في شركة هي حلم الكثير من الشباب في العالم، ومصنَّفة كأفضل الشركات احتراماً لموظفيها، ولديَّ طفلان وزوجة أعولهم، وكذلك بسبب إيماني بأن التغيير في مصر سيتطلب وقتاً طويلاً برغم بصيص الأمل. ولكنني قررت أن أستخدم خبرتي في الإعلام والتسويق والإنترنت في دعم البرادعي الذي أختلف في العديد من القضايا والآراء الفكرية معه، إلا أنني لم أتردد في الترويج له كمرشح للرئاسة، فقضيتي شخصيّاً هي التغيير، وليس ترشح البرادعي للرئاسة أو حتى فوزه بها'. وهكذا راح وائل غنيم يميط اللثام عن الوجه القميء للدولة البوليسية في مصر، عبر مطارداتها وتعقبها له أنَّى كان، وفضح ما صنعوه بخالد سعيد، واستمر في 'الحشد على صفحته الإلكترونية، ناشراً الصور والتقييمات والكتابات الداعية للنزول والمشاركة في الثورة، والتي كان ينشرها الأعضاء فيها . حاولت أن أبثَّ في الصفحة الثقة بالنفس، والإيمان بقدرة الشباب على التغيير، وأبرزت ردَّ فعل الحكومة الخائف والمرتعد'. ثم يضيف وائل غنيم قائلاً: 'قررت أن أجمع كل المعلومات عن يوم 25 يناير في وثيقة يسهل طباعتها وانتشارها على الإنترنت ؛ حتى نكون جميعاً على قلب رجل واحد . كتبت ورقة كاملة عن سبب التظاهر، وسر اختيار اليوم، وأماكن المظاهرات، والهتافات الموحدة، وكذلك أرقام هواتف النشطاء المسؤولين عن غرف العمليات لدعم المتظاهرين في حالة القبض عليهم، أو توجيههم لأماكن أخرى للتظاهر في حالة تفريق المظاهرات. وانتشر نص الورقة على مختلِف المنتديات والمواقع الاجتماعية والسياسية والإخبارية' . . لينجزَ مع ملايين المصريين 'المَهَمَّةَ الأولى، وينزاحَ كابوس نظام مبارك، ولنجدَ مصرنا التي حاول النظام لسنوات طويلة أن يقنعنا أنها لم يعدْ لها وجود'. وليهتف بكل ما يملك من قوة : حمدالله على السلامة يا مصر .. وحشتينا' .. حتى إنه لم يستطع أن يخلد إلى نوم عميق قبل أن يكتب على صفحته الإلكترونية: فخور إني مصري'. هذا هو وائل غنيم مفجِّر الثورة المصرية .. شاب مصري متواضع، ظلَّ يهرب على الدوام من أي هوية ثابتة ؛ لكي يكونَ نفسه باستمرار ؛ وكأني به يهتف مع ميشيل فوكو: لا تسألْني من أنا، ولا تطلب مني أن أظلَّ كما أنا .. لنترك مَهَمَّة فحص أوراقنا وترتيبها لبيروقراطيتنا وشرطتنا' ..لهذا شكَّ في القيم الأخلاقية والسياسية المطلقة، وسخر من نموذج المثقف الذي يتحدث باسم العالم ؛ بصفته سيدَ الحقيقة والعدالة. بعد أن اكتسب من حقل تخصصه الإنترنتي ذلك الإطار العام المستنير نظريّاً، وليس الرؤى السياسية المؤسسية . فتعلَّم طرح الأسئلة السياسية الجادة بعيداً عن المعتقدات السياسية المقبولة والمعتمَدة .. أي كيف نطرح الأسئلة على السياسة، بدلاً من إعادة كتابة فعل التساؤل في إطار عقيدة سياسية ما . وبذلك عاش وائل غنيم علاقة بوطنه مصر طابعُها الحلمُ والأملُ والعفويةُ والوعيُ .. الأمر الذي انعكس على لغة كتابته رفضاً للسكون وللرتابة .. وسعياً إلى التحول والتغير في رحلة الاستكشاف الذاهبة نحو الجذور .. والعثور على تفرده في ملحمة الإنسان الحوارية .. الصراعية مع الحياة .. وهو ما يمكننا التنقيب عنه في تكوينه الفردي الذي تتكامل فيه شخصية حرَّة ترفدها قدرة التفاعل مع ما تشعه العلاقات الإنسانية الحية المتحركة.. المتناقضة المتقاطعة في الآن عينه. فقنع بدور المثقف النقدي الذي يعتمد على سعة علمه بالتاريخ ومهاراته التحليلية، وصاغ حياته من نسغ خبراته المتجددة، ومن فعل التمرد الكامن فيه الذي دفعه إلى إيثار المخاطرة والمغامرة، على طمأنينة الاضطرارإلى الطاعة .. وكلنا يعرف كيف واجه الموت أكثر من مرَّة .. فروى لنا قصته معه (الموت) بكل ضعف الإنسان وقوته وهواجسه الإنسانية من دون ادعاءات بطولات زائفة أو متوهمة، بعد أن آمن أن هناك نوعاً من المصداقية في قبول الموت ؛ بوصفه ثمن الحرية المحتمَل. وائل غنيم .. شكراً. *كاتب وناقد من مصر القدس العربي