من ربوع الجزائر جاءت الإعلامية فيروز زياني لتنضم إلى الفريق الإعلامي في فضائية الجزيرة، وهي متحدرة من عائلة ثقافية معروفة، فالوالد إعلامي وسياسي عمل مديرا للتلفزيون الجزائري وكان عضوا في برلمان بلاده، وهي متزوجة من رجل الأعمال السيد الزياني. بدأت مشوارها الإعلامي في الإذاعة الجزائرية حيث امتد عملها هناك ما يقارب ثلاث سنوات، ثم انتقلت إلى الشاشة الصغيرة لتعمل محررة ومحققة ومنتجة ومذيعة أخبار في التلفزيون الجزائري حتى سنة 2000 وكان آخر المطاف في الدوحة حيث تعمل في قناة الجزيرة مذيعة أخبار ومقدمة برامج. وربما كان لقاؤها مع الأستاذ محمد حسنين هيكل من أجمل اللقاءات التي يحتفظ لها المشاهد بصورة مشرقة في الذاكرة. لن أطيل التقديم بل أتركها لتحدث قراء 'القدس العربي' بكل طلاقتها وشفافيتها العذبة. منذ مدة وأنا أترقب هذا اللقاء فأنت ابنة الجزائر، وفي ذاكرتنا تشرق الثورة الجزائرية التي نعتز بها، إضافة إلى أنك مذيعة لها حضورها الهادئ وإطلالتها الجميلة في قناة الجزيرة. كيف كانت الانطلاقة في عالم الإعلام وتأثيرات الجزائر على هذه الانطلاقة؟ * 'في البداية أنا سعيدة جدا بهذا اللقاء لجريدة بمستوى 'القدس العربي' لها جمهورها العريض ولها متابعوها ولك أنت بالتحديد، والشكر لك على هذا اللقاء. بداياتي لم تكن في الجزيرة بل كانت في الجزائر، التأثير في البداية كان من والدي الكريم فهو إعلامي وصحفي قبل أن يكون رجل سياسة. أحببت الإعلام وترعرعت عليه منذ صغري، فقد كان والدي إذاعيا يقدم برامج سياسية وكنت أول قارئة وأول منتقدة لما يكتبه من برامج سياسية أو مقالات، وفي هذا الجو نشأت وكبرت على حب الإعلام رغم أن دراستي في البداية لم تكن في الإعلام، لأن والدي كان يقول لي هذه مهنة المتاعب فابتعدي عنها. كنت بارعة في المواد العلمية فكان يشجعني على دراسة العلوم فدرست هندسة إلكترون، ولكني عدت ودرست الإعلام وتخصصت لأني أؤمن أن الموهبة شيء جميل ولكن يجب أن تصقل بالمعرفة والثقافة. الهندسة والإعلام، هناك خيط يربط بينهما خاصة في ظل الإعلام الحديث الذي يعتمد التكنولوجيا، هل فعلا هو إعلام حقيقي ينقل الحقيقة بتفاصيلها؟ أم هو إعلام موجه يعتمد على الصورة لإقناع المتلقي بما يريد؟ * 'أنا لا أستطيع أن أقوم بعملية تقييم، ففي النهاية كل أداة أيا كان الاختراع إن أحسن استخدامه فهو اختراع خير وإن أسيء استخدامه فهو اختراع شرير والناس سوف ترفضه، هذا يعتمد على الإنسان وضميره ومهنيته، ونحن نتحدث عن الإعلاميين، الإعلام سلاح ذو حدين وخاصة الوسائل الإعلامية الحديثة من إنترنت وتويتر ويوتيوب، والتي تسهم بنشر المعلومة مما يسهم بإيصال الرسالة الإعلامية التي نريد إيصالها للمتلقي. لكن أتفق معك تماما بأنه سلاح ذو حدين، ففي بعض الأحيان، وفي أغلب الأحيان، لا يتسنى لنا التأكد من مصداقية المعلومة، وهنا مربط الفرس، وهنا يظهر مدى مهارة الإعلامي وضميره ومهنيته في أن يحاول، وطبعا لا يوفق دوما، التأكد من المعلومة الموجودة في اليوتيوب ووسائل التكنولوجيا الحديثة والتي باتت منافسا حقيقا لوسائل الإعلام. - سنعود للبيت الثقافي والسياسي الذي نشأت به في بلدك الجزائر، كيف تنظرين اليوم للانتخابات التي تحدث في الجزائر؟ هل من الممكن أن تمارس الديمقراطية في الجزائر بشكل طبيعي وسلس ويكون ما جرى في الدول العربية درسا للجزائريين كي يأخذوا طريق السلامة؟ - 'أنا سأختلف معك تماما وسأقلب الموضوع رأسا على عقب، على الدول العربية أن تأخذ درسا وتستفيد من التجربة الجزائرية، وقد تحدثت عن الثورة الجزائرية ثورة التحرير وكان هناك ثورة أخرى ربما يجهلها العديد من المواطنين العرب بسبب نقص وسائل الإعلام والفضائيات والفضاء مفتوح وقتها. في الخامس من أكتوبر 1988 انتفض الشارع الجزائري مطالبا بالعدالة الاجتماعية وبالتعددية الحزبية وبحرية الرأي، لك أن تتخيلي في غضون أسابيع غدا لدينا ثلاث وستون حزبا سياسيا وأصبح لدينا أكثر من مئة صحيفة في يومنا هذا. وأول انتخابات تعددية رئاسية، وليس برلمانية، كان هذا في ال 95 فأين كان هؤلاء العرب من هذه التجربة؟ لقد حدث معنا كل ما حدث الآن في الدول العربية، وأعتقد أنه يمكن الاستفادة من التجربة الجزائرية بكل حذافيرها، بسيئاتها وحسناتها، فهي لم تكن خيرا كلها ولم تكن شرا كلها. الجزائر اليوم مقبلة على انتخابات جديدة وهناك رهان كبير يوضع على هذه الانتخابات لأنه فعلا أعطيت فرصة كبيرة كي يحدث إصلاح حقيقي، وهذا ما نأمل. والبارحة سمعت الرئيس الجزائري كان يقول إنه يجب على جيل الثورة أن يسلموا قيادة البلاد فقد انتهى دورهم بقيادة البلاد، أنا أحيي هذه الكلمة ونحن نشكرهم على كل تضحياتهم، فنحن بلد المليون ونصف المليون شهيد، ولكن آن الأوان أن يثقوا بنا وبالشباب الجزائري وأن يسلموهم المشعل وأن يوجهوهم من بعيد ويراقبوا. نعم، آن الأوان أن يستلم الشباب وليس فقط بالجزائر، يجب أن يستلم الشباب المشعل، وإن أخطئوا فقد أخطأ من كان قبلهم، ويجب أن تتاح الفرصة لهم وأن يحدث إصلاح حقيقي. وإلا فنحن رأينا ما حدث عند جيراننا وغيرهم، وطبعا لا يتمنى الإنسان أي انزلاقات، نتمنى فعلا أن نتلقف هذه الفرصة وأن يكون إصلاح جوهري وحقيقي، غدا الانتخابات وإن غدا لناظره لقريب'. لقد زرت الجزائر أكثر من مرة ولاحظت أن الإعلام الجزائري يحظى بحرية كبيرة حتى إني لاحظت أن الإعلامي يتهكم بحديثه مع الوزيرة، هل برأيك ومن خلال تجربتك الإعلامية هل يستطيع أي إعلامي في بلد آخر أن يقف مع أي وزير ويوجه له ملاحظة ونقدا في العلن وعلى الشاشات؟ * 'لقد بدأنا بمجال الحريات باكرا وقدمنا ثمنا باهظا بعد عشرية سوداء، قدمنا أكثر من مائتي ألف مواطن ذهبوا ضحية للعنف الذي حدث مابين 1990-2000 إلى أن جاء الوئام والمصالحة الوطنية. هذه الحريات التي شاهدتها في الإعلام، وخاصة الصحافة المكتوبة ليست وليدة بالصدفة ولم تمنح بل افتكت افتكاكا، وأعتقد أن هذا ما يجب أن يحدث في كل الدول العربية. بدأنا نرى ذلك اليوم في تونس. من كان يصدق أن يحدث كل ما يحدث الآن في تونس إعلاميا وليس سياسيا؟ لم يكن أحد يتخيل بأن التونسي يستطيع بهذه الجرأة وبهذا الاقتدار أن يوجه ملاحظات سواء بالصحافة المكتوبة أو على التلفاز. أعتقد أننا لا نحتاج لثورة على الصعيد الفكري فقط، بل لثورات على مستويات عدة حتى نصل لهذا المستوى ونفتك حرياتنا شيئا فشيئا. والمسؤول لم يعد الشيء المخيف فهو محترم ومسؤول أمامنا نحن نحاسبه كشعب وإعلام. وعليه أن يخشى الإعلامي الحقيقي الذي لديه ضمير وليس العكس، الحريات بدأت تفتك كما في مصر وليبيا بالرغم من أن الأوضاع مازالت هشة على الصعيد الأمني وغيره، ولكن نتمنى أن نحقق هذه الحريات رويدا، رويدا. أنت تعملين بمحطة شكلت إمبراطورية كما أن لديها منافسيها، أحيانا تقوم بسبق صحفي وأحيانا تتأخر وهناك إشكالات حولها، هل بتغيير الإدارة في المحطة يتغير شيء ببرنامجك أم أن المقدم لا يتأثر بما يجري من تغيرات في المحطة؟ * 'التغيير شيء صحي ونحن نطالب بتغيير الأنظمة ولا نريد أن نغير بإدارة مؤسساتنا، هذا عيب فالتغيير شيء مطلوب. يجب أن يكون هناك تغيير من أجل التجديد وأنت قلت أننا في عالم منافس حقيقي، لهذا يجب أن يكون الإنسان على قدر من هذه المنافسة وتجديد الدماء، وحتى تقديم برامج جديدة ومذيعين جدد. يجب أن يكون لدينا فكر متجدد وإدخال تقنيات جديدة حتى نستطيع أن نواجه ونواكب هذه المنافسة الجديدة، وأنا أحب المنافسة فهي تضخ الأدرينالين لدي وتحفزني، وها قد ظهرت سكاي نيوز، وقبلها العربية وغيرها من القنوات، المنافسة شيء جميل حيث إن الإنسان لا يركن لنجاح ما، ويجب أن يجدد دوما. الآن تسألينني إن كان التغيير في الإدارة سيؤثر، أنا لم ألحظ أي تغيير حتى الآن، هناك خطوات وهناك حديث عن أشياء وسأجيبك كفيروز، المطلوب منا دوما نفس الرسالة، أن نبدع ونقدم أفضل ما لدينا. أنت لم تطرحي سؤالك بشكل مباشر، وسأجيبك وسأكون صريحة معك بأنه هل ستتغير سياسة المحطة؟ للأسف، وأنا أقولها دوما، محطة الجزيرة تسير بخط ثابت ويتغير رأي المشاهد بها بحسب قناعاته. أنا عندما غطيت حرب 2006 كنت بطلة في نظر البعض جاءت أشياء أخرى منها القضية السورية وغيرها وغطيناها بذات الشكل، وهو الانحياز للإنسان العربي والإنسانية بشكل عام، إن كان لنا ويتأتى لنا أن نقوم بهذه المهمة الأكبر، لكن الناس ربما لم تهضم الفكرة ولم تتوافق مع قناعاتهم، وأنا لست مسؤولة أن أغير لوني مع قناعات فلان وعلان، ولا يمكنك أن تعجبي كل الناس في كل وقت. ومن يعجب كل الناس وفي كل الوقت، ليس له طعم وهو شخص متلون. يجب أن يكون لدينا مبادئ محددة ندافع عنها ومقتنعين بها، ونحن نتقبل الانتقادات ونطرح على أنفسنا أين أخطأنا؟ هل فعلا كان هناك أشياء يمكن أن نحسن بأدائنا به؟ نحن لسنا مسؤولين عن أمزجة الناس، ونحن لا نريد أن نكون قناة لفلان أو لجهة معينة، نحن نسقنا واحد. وصدقيني، نحن لو غطينا حدثا معينا في مكان آخر يتلاءم مع أمزجة هؤلاء الناس، لعادوا للجزيرة فالناس لديها ذاكرة صغيرة وضيقة، صدقيني. هل تستطيعين أن تغطي الأحداث التي تجري في بعض دول الخليج كما تغطين الأحداث في سوريا ومصر وليبيا وتونس، وبصراحة؟ * 'أنا أحيي صراحتك، نحن لا نريد أن نكذب على القارئ أو المشاهد، فهو غدا أذكى من أن يغفر لنا أخطاءنا. تتحدثين عن الأحداث في الخليج وسأكون صريحة مثلك ربما تنوهين لأحداث البحرين وما يجري بها، أنا ليست لدي عقدة تجاه هذا الموضوع لأن الجزيرة وبأمانة غطته بما أتيح لها، وكما تعلمين لقد تم إغلاق مكتب الجزيرة هناك، وتعلمين أننا قدمنا تقارير لم ترض عنها السلطات البحرينية، وتعلمين أنه كان هناك شريط وثائقي بث على قناة الجزيرة الإنكليزية أحدث مشاكل كبيرة جدا، وتعلمين أنه كلما كان هناك تقرير متعلق بالبحرين أحضرنا أحدا من جمعية الوفاق أو أيا من الجهات المعارضة ونحضر أحدا من الجهات الحكومية الموالية من نواب وصحفيين موالين، وبالتالي نحن نحاول أن نوازن. البعض يقول لماذا لم نغط ثورة البحرين بالقدر الذي غطينا به سوريا ومصر وتونس؟ هل ما يحدث بالبحرين هو بنفس كثافة ما يحدث بسوريا؟ هذا سؤال أتركه لعقل المواطن الذكي، وله أن يجيب: هل فعلا الحدث بضخامته في البحرين يتطلب مني أن أترك الشأن السوري عشرات القتلى يوميا، وأفرد مساحة كبيرة وبنفس القدر لما يحدث بالبحرين؟ لا شك أن ما يحدث بالبحرين هو حراك، ونحن نحاول أن نغطيه بما يتسنى لنا، وأنا هنا لا أدافع فقط عن وجهة نظر الجزيرة بل عن وجهة نظري أنا فيروز، وفي النهاية أنا أعطيك وجهة نظري أنا، ولا ألزم القناة بشيء، هذه وجهة نظري أنا كفيروز وكإنسان يغطي، وأعرف ما يلتصق بي وبتجربتي الشخصية كإعلامية وكيف تتم تغطية هذه الأمور'. القدس العربي