يلهثون وراء بريق الذهب يبحثون وينقبون «عشوائياً» في مجاهل الصحارى فتتقطع بهم السبل وينهش أعضاءهم الجوع والعطش بعد نفاد الزاد والزوادة فيتلقفهم الموت ليواريهم الثرى فتكون المحصلة النهائية «تبر و تراب»!! ومع تواتر الايام يرتفع عدد الضحايا الذين طحنتهم الضغوط الاقتصادية فهاموا بحثاً عن مورد يعينهم على مواجهتها، ومما يؤسف له حقاً أن الدولة لا تحرك ساكناً حيال هذه المأساة بل تقف موقف المتفرج حين تتناقل اجهزة الاعلام المختلفة مآل الضحايا الذين هلكوا في الفيافي جوعاً وعطشاً قبل ان يبلغوا غايتهم، والاخطر من ذلك ما يتعرض له العمال المنقبون من امراض تسلمهم إلى الهلاك ما لم يتدارك امرهم وذلك نتيجة لعدم الاهتمام بالصحة المهنية وصحة البيئة، وهذا الأمر دعانا إلى الجلوس مع البروفيسور «عثمان يوسف ابو سالمة» الخبير في مجال صحة البيئة والصحة المهنية ليلقى المزيد من الضوء حول الموضوع من خلال هذا الحوار: مخاطر عديدة: هلا حدثتنا عن اضرار عنصر الزئبق وسط المواطنين والعاملين في مجال التنقيب التقليدي للذهب؟ - التنقيب موجود في «افريقيا» كمصدر رزق للمواطنين بالريف والحضر، بل أصبح مصدر ثراء لكثيرين منهم علماً بأن هذا التنقيب ممارسة معروفة في السودان منذ قديم الزمان.. ويقدر عدد العاملين في هذا المجال في افريقيا ما بين «3-4» ملايين شخص وبحسب افادة وزير المعادن «عبد الباقي الجيلاني» يقدر عدد العاملين في السودان في مجال التنقيب ب «200000» «مائتي ألف» وقد يصل العدد إلى «مليون» علماً بأن الذهب موجود في اماكن جغرافية متعددة في مناطق الشرق والغرب والآن في الشمال. «مخاطر التنقيب» وتتلخص مخاطر التنقيب بخلاف الزئبق في عدة عناصر فهناك مخاطر فيزيائية وكيميائية وميكانيكية وخير مثال على الميكانيكية هو انهيار البئر الذي وقع مؤخراً وراح ضحيته عشرة أشخاص وهناك أيضاً العوامل الطبيعية من حرارة وبرودة حيث ان هؤلاء المنقبين يعملون تحت هجير الشمس وصقيع البرد خاصة في المناطق الشمالية التي تتميز بارتفاع وانخفاض درجتي الحرارة. ? هناك ايضاً المخاطر الميكانيكية التي ذكرنا نقطة منها سابقاً وهي هنا تتمثل في الانهيارات - الاحمال الثقيلة الحفر «التنقيب». ? وتوجد مخاطر كيماوية تتمثل في التعرض للأغبرة «الزئبق» وتعتمد خطورة هذه الاغبرة على النسبة «المئوية» لتركيز «الرملة الحرة» أي «اكاسيد السليكا» وهي تسبب امراض «تليف الرئة» وجاء ب «الأدبيات» انه توجد في «الصين» مليون حالة من هذا النوع حيث «ضيق التنفس» وهذا المرض من اوائل الامراض التي ذكرت منذ القرن السادس عشر وسط عمال المناجم. إحذروا الزئبق ? هل هناك فئة أخرى من غير المنقبين تتعرض لخطورة معدن الزئبق؟ - إذا جئنا لمخاطر التعرض للزئبق نقول انه من اخطر المعادن ويتعرض له العاملون في الحقل الطبي بالاجهزة الطبية كذلك «الصاغة» ممن يتعرضون للزئبق وماء النار ونقول أيضاً الزئبق لديه «شغف» مع «المخ» كأول المتأثرين به لذا يؤثر على الجهاز العصبي المركزي ولكن تبدأ التعرضات بالاعراض التالية: تذوق طعم المعدن بالفم- سيلان اللعاب مع قئ مخلوط بالدم، التهاب الاغشية واهتزاز وارتجاف في عضلات الوجه واليدين وعندما تتدهور حالة المريض ترتفع حرارة الجسم مع زيادة ضربات القلب، انخفاض ضغط الدم تنفس غير منتظم، قلة البول، مع وجود بروتين ثم فشل كلوي، التهاب اللثة مع تورم وفقدان للاسنان بتساقطها- ايضاً عند وضع الزئبق في «أوايد» يحدث التبخر» فيتعرض المنقبون للاستنشاق كما ان تناوله بالايدي في ظروف الصحراء حيث انعدام المياه مع عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية يدخل التلوث عن طريق «الفم» بتناول الأكل وذلك عن طريق تلوث الأيدي وبصفة خاصة عند استنشاق الزئبق حيث يتبخر هذا الزئبق سريعاً ويسرى في الدم بصورة اسرع، ايضاً من الفئات التي تتعرض لمخاطره العمال الذين يعملون في مصانع ا لبطاريات الجافة الخاصة بالاجهزة الكهربائية. «تأثيرات أخرى». ? وهل هناك تأثيرات أخرى بخلاف ما ذكر؟ - نعم ، توجد تأثيرات على البيئة والمياه حيث يمكن ان تتسرب مادة الزئبق إلى المياه وتخلق مادة «الزئبق العضوي» وهو اشد خطورة عما سواه وتتم معرفته في «الشعر» لأن هناك علاقة بين التعرض في الشعر والتعرض في الدم. ? ما هي الكيفية التي يستخلص بها الزئبق؟ - من الصخور الحاملة للذهب حيث يتم تكسيرها وطحنها في شكل «بودرة» وتغسل في «صناديق» لانتاج تراكيز ثم توضع في أوايد وتخلط جيداً مع عنصر الزئبق ويتم عصرها بخرق قماش من القطن للتخلص من الزئبق الفائض بعد التفاعل مع الذهب ثم يسخن في النار في أوانٍ للتخلص النهائي ويبقى الذهب. صمت الدولة ? نعلم ان من حق أي مواطن التمتع واستغلال الموارد الطبيعية المتوافرة في بلاده من معادن وغابات وصيد وغيره كمصدر لرزقه غير ما نراه الآن نجده يتعارض مع هذا الحق بحيث اصبح يموت في مجاهل الصحراء بحثاً عن الذهب دون ان يكون للدولة دور في حمايته فما قولك كخبير في مجال صحة العاملين والبيئة؟ - في كل المجالات المرتبطة بصحة العاملين فإن الدولة لا تعير العاملين أي رعاية صحية في هذا المجال وقد رفعت يدها عن الكثير من الواجبات المناط القيام بها من حيث البنيات التحتية التي تتمثل في الكوادر «المدربة» من اطباء واختصاصيين في بيئة العمل والسميات، ايضاً هناك قصور في المعدات الطبية ومعدات رصد الملوثات داخل بيئة العمل والبيئة الخارجية الا من محاولات طفيفة لا تغطي «2%» والموضوع المطروح الآن بين ايدينا من تعرض المنقبين التقليديين للزئبق كان يمكن ان يثير حفيظة الدولة بالتحرك السريع للوقوف علي الموقف الصحي بالنسبة لهؤلاء المنقبين واجراء استبيانات كأضعف الايمان للاعراض التي ذكرناها سابقاً وأقول هنا ان ما ينفق في عقد المؤتمرات كان يمكن ان يتيح فرصة للتحرك كأتيام لمنطقة واحدة من هذه المناطق وذلك لإجراء دراسة «تجريبية» لتكون أنموذجاً لبقية المناطق حتى تعمم علماً بأننا إذا اردنا عمل دراسات علمية دقيقة للتعرض للزئبق فإنه يجب اخذ «عينات» من «البول» ومعرفة تراكيز الزئبق به. «المحرر» ? قبل ان يجف المداد طالعتنا احدى الصحف السيارة بخبر مفاده وفاة «4» مواطنين واصابة آخرين اثناء قيامهم بعمليات التنقيب عن الذهب بمحلية «البطانة» بولاية القضارف مما يدفعنا لمناشدة المسؤولين المختصين بالدولة على رأسهم وزير المعادن «عبد الباقي الجيلاني» النظر بعين الاعتبار لهذا الأمر منعاً وصوناً وحماية لأرواح المواطنين. الرأي العام