الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومن الذهب ما قتل..حكايات ونوادر ضحايا «الكنز المدفون» بين فكى التماسيح وأساطير «العفاريت» وقسوة الطبيعة
نشر في الراكوبة يوم 09 - 07 - 2012

«حمى الذهب» تخطت حواجز الزمن والجغرافيا لتحط فى أطيب بقاع القارة السمراء وأكثرها بكارة وخيراً، إنها السودان الشقيق، وتحديداً فى المنطقة الصحراوية الممتدة من ولاية نهر النيل شمال العاصمة الخرطوم، حتى جبال العلاقى والصحراء الشرقية المصرية. آخر المعلومات والإحصاءات السودانية تقول إن نحو «نصف مليون» مواطن انتشروا خلال الأشهر الأخيرة ينقبون عن الذهب فى صحراء «العتمور» وجزء واسع من سلسلة جبال البحر الأحمر، بعد أن اكتشف السكان المحليون فى ولاية نهر النيل خلال العامين الماضيين كميات من الذهب فى الجبال والوديان والخيران ومراقد المياه، وهو ما دفعهم لامتهان التنقيب «البدائى» والتقليدى، الذى درّ عليهم مبالغ مالية كبيرة، حيث يؤكد السكان أن هناك فقراء فى المنطقة حوّلهم التنقيب عن الذهب وبيعه للتجار إلى أغنياء بين عشية وضحاها. قيام السلطات السودانية بتقنين مهنة التنقيب عن الذهب دفع عشرات، بل مئات الآلاف من السودانيين إلى التوافد على الصحراء، بحثاً عن كنوز الطبيعة المدفونة، مما خلق مجتمعات عمرانية جديدة، أتت باقتصاديات عشوائية تدر أرباحاً هائلة، بدءاً من وسائل النقل ومروراً بالأطعمة والمشروبات والملابس، وانتهاءً بكروت الاتصالات. ما رصدته منحنى شعوراً بالأمل فى إمكانية المطالبة بنقل تجربة تقنين التنقيب عن الذهب إلى مصر، وفق ضوابط تضمن حقوق الدولة وتنظم عمليات التنقيب وبيع الذهب المستخرج، لاسيما أن العوامل الجغرافية والعديد من آراء الجيولوجيين تؤكد أن كنوز صحراء مصر لا تقل عن امتدادها فى السودان الشقيق، فقررت الذهاب إلى السودان ليس للتنقيب عن الذهب، إنما للتنقيب عن خلاصة التجربة، لأطرحها أمام الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسى، آملاً أن يقوم بتمصيرها.
«الدهّابة».. 15 يوماً من «العزلة» بحثاً عن «كنوز الأرض»
فى الليل، ومع زئير مولدات الكهرباء كما الأسد حتى الفجر، يمكث الدهّابة ملثمين بأقنعة تقيهم شر الرمال والأتربة التى يعيشون بينها أكثر من 15 يوماً فى الشهر، معزولين عن حياة البشر، ليقضوا الوقت فى لعب الورق واحتساء الجَبَنة «القهوة» والشاى، يتهامسون فيما بينهم تحت النجوم المتلألئة التى تفترش ثوب السماء فى مشهد يجبرك على العصف الذهنى، بل يغيبك عن الواقع، الذى سعيت للتمسك به عبر حوار فتحته مع بعض الشباب عن أسباب لجوئهم إلى تلك المهنة الخطرة.
محمد محجوب، حاصل على بكالوريوس فى العلوم، وأمضى عامين بحثاً عن وظيفة مستقرة فلم يجدها، يقول: «إن صديقاً لى توجه إلى مناجم الذهب وعندما عاد استطاع أن يكمل نصف دينه، واشترى لنفسه سيارة دفع رباعى، وأنا بدورى أريد أن أتزوج وأن أقتنى ما اقتناه، بعد أن فشلت حظوظى فى الحصول على وظيفة، رغم أننى قدمت طلبات للالتحاق بوظيفة أكثر من تسعين مرة منذ تخرجى، وأجريت أكثر من ثلاثين مقابلة شخصية دون جدوى».
ويقول الصادق طه: «جمعت أنا وأصدقائى مبلغاً قوامه ثلاثة آلاف دولار أمريكى، حصلنا عليه عن طريق الاستدانة أو من بيع حلى ومجوهرات أمهاتنا وأخواتنا، ثم استأجرنا جهازاً للكشف عن المعادن واستعنا بخدمات رجل اشتهر بأنه على دراية بكيفية العثور على الثروات الدفينة أو الكنز المدفون».
فيما يقول شاب آخر يدعى «وليد»: «حضرت من الخرطوم لتغيير وضعى المالى وتحسين المستوى المعيشى لى ولأفراد أسرتى، وحتى أستطيع تكوين نفسى بصورة سريعة حسبما سمعت، لكنى وجدت الحياة ليست صعبة كما تخيلتها، فكل شىء متوفر عدا وسائل الاتصال، وحتى الآن العائد بسيط لكن الحمد لله».
ويقول «أحمد» من الخرطوم: «أرغب فى إكمال دراستى الجامعية بعد أن أغلقت فى وجهى أبواب العمل دون مؤهل، ولذلك قررت أن أعتبرها رحلة جميلة إن لم تحقق أهدافى، لكن أملى كبير فى أن أجد قطعة ذهب تزن 10 كيلوجرامات، حتى يكون نصيبى كبيراً».
ويلتقط «محمد» أطراف الحوار قائلاً: «أنا من بربر وخرجت عدة مرات مع مجموعات أخرى وكان العائد مجزياً، وتبقت لى بعض الاحتياجات لإكمال مراسم زواجى، ولذلك عدت إلى هنا، ولاسيما بعد أن وعدت خطيبتى بغنيمة كبيرة من الذهب فى هذه المرة، وآمل أن تتحق أمنيتى حتى أوفى بوعدى».
عبّر شباب يعملون بالتنقيب عن سعادتهم بحصولهم على جرامات بدّلت حياتهم من الفقر إلى الثراء، بيد أن هناك البعض فقدوا أرواحهم وأصيب عدد كبير منهم بالأمراض، إذ إن العمل فى التنقيب يتم عادة بصورة بدائية أولية، أكثرها حداثة الأجنة والجاكوش.
«أحمد دفع الله» القادم من الولاية الوسطى يروى قصته مع التنقيب، قائلاً: «من دفعنى للذهاب لولاية نهر النيل هو صديقى محمد الذى أتى إلى هنا قبلى بشهر كامل، وعندما عاد كان معه مبلغ ضخم من المال بعد بيعه أوقيات الذهب التى عثر عليها»، لافتا إلى أن شبكات الاتصال الهاتفى لا تعمل فى تلك المناطق النائية ما يصعب مهمة التواصل.
كرم الله محمد سر الختم «بحار» طاف أكثر من «50» ميناء عالمياً لكنه ترك ذلك ليصبح منقباً عن الذهب، فأسبوع واحد قضاه «سر الختم» فى صحراء «قبقبة» جعله يفكر جاداً فى عدم العودة لوظيفته المرموقة، حيث يقول: «إذا ما قارنت بين البحر والصحراء، ستجد الأخيرة أكثر أماناً، لكثرة الباحثين حولى، فالصحراء باتت ممتلئة بالمركبات والبشر من وادى العشار بعطبرة إلى حلفا القديمة، فأكثر من مليونى شخص و40 ألف عربة يجوبون الصحراء بحثاً عن الذهب».
ويصف البحّار «سر الختم» الحياة فى الصحراء بأنها «عادية»، فهم يحملون معهم مؤناً وماء تكفى لشهر، معتبراً تقنين البحث عن الذهب «علاجاً للبطالة».
ويقول: «أكثر من مليونى عاطل موجودون فى البلاد قدم نصفهم إلى هنا بحثاً عن كنوز الأرض، وذلك رفع الحرج عن الحكومة فى توفير وظائف لهم ولو مؤقتاً، كما أن مستوى دخل الفرد ارتفع فى ولاية نهر النيل، وتبدل سكون الحياة فى المدن إلى زخم وعمار، ويكفى أن قريتى وحدها شهدت فى عيد الأضحى الماضى أكثر من 70 زيجة، كان غالبية عرسانها من رواد الذهب».
بعد جلسة سمر ليلية تجاوزت الساعتين، راح الجميع فى سُبات عميق، ومع أول خيوط للفجر هب فريق من «الدهابة» قاصدين مواصلة عملهم بنشاط دبَّه أمل العثور على مبتغاهم فى عروقهم، فساروا فى عمق الصحراء حاملين الجهاز الخاص بالتنقيب عن الذهب.
والتنقيب عن الذهب يتم فى «ورديات»، بحيث تضم كل وردية شخصين، أحدهما يحمل الجهاز، والآخر يقوم بحمل «كوريك»، على أن يتبادلا المهام بعد ساعة، لأن كل وردية مدتها ساعتان حسب اتفاق الدهابة، وقد تتصادف المجموعات فى الصحراء وتنشأ علاقات المعرفة والصداقة بين الأشخاص.
وبعد عدة ورديات متواصلة كانت الحصيلة بعض القطع من الذهب، التى لها أسماء معينة حسب أحجامها وأشكالها، منها «ناموسة، قرادة، تسالية، جنزبيلة، ضفدعة، دجاجة»، ولكن يبقى أكبرها على الإطلاق «الخلية»، لأنها تشبه خلية النحل، ويتراوح وزنها ما بين 2 و14 كيلوجراماً، ومن يعثر عليها فقد دخل مملكة الثراء من أوسع أبوابها.
«الملايين بل المليارات جناها الباحثون عن الثراء الذين قدموا من ولايات أخرى، وأحياناً من دول أخرى كإثيوبيا وإريتريا واليمن».. هذه كانت آخر الكلمات التى سمعتها وأنا أودّع من عشت معهم التجربة «الذهبية» فى قلب الصحراء السودانية، لأعود أدراجى إلى أرض الوطن، وفى جعبتى ما يمكن أن أقدمه لمصر
ومن الذهب ما قتل..حكايات ونوادر ضحايا «الكنز المدفون» بين فكى التماسيح وأساطير «العفاريت» وقسوة الطبيعة
يهرب الباحثون عن الذهب فى صحراء ولاية نهر النيل من حرارة الجو إلى نهر النيل، الذى يبعد كيلو مترات قليلة عن قرية «أبوحمد»، لكن الهروب من الحرارة أحياناً قد يكون استئذاناً للرحيل من الدنيا، حين يصبح مصير بعضهم بين فكى تماسيح النيل العملاقة المنتشرة بكثافة فى تلك المنطقة.
«العمدة موسى وأحمد سمّاكة».. أشهر صيادى التماسيح فى القناة، التى تفصل بين جزيرتى آل البركية وآل صندلوبة بمنطقة دكاية شمال السودان، يرويان ل«المصرى اليوم» أبرز وأغرب حوادث التماسيح مع راغبى الثراء، فالعمدة «موسى» يقول: «الناس هنا كانوا يعتقدون أن التماسيح تصطاد الحمير والبهائم فقط، لكن منذ بداية توافد الدهابة على أطراف السودان تغير هذا الاعتقاد، خاصة بعد أن التهم أحد التماسيح عاملاً، وكانت هى الحادثة الأولى من نوعها، بعد يوم من البحث عن الذهب فى صحراء غرب السكوت».
ويضيف «موسى»: «بشكل عام الدولة تتحمل مسؤولية الحوادث التى نراها ونسمع عنها بين الدهابة، فمنهم من يموت بين فكى التماسيح، وآخرون جراء انهيار الكهوف والحجارة يهم فى الصحراء»، مرجعاً اتهامه للدولة إلى أنها لم تتكفل بتوظيفهم وتركتهم فى الصحراء.
قصة أخرى يرويها «سماكة»، قائلاً: «هناك منطقة لا يجرؤ أحد على السباحة فيها لشدة وعورتها، حيث تضع السلاحف والتماسيح بيضها ليلاً قرب شاطئ الجزيرتين، لكن منذ شهور قريبة نزل واحد من الدهابة ليسبح فيها، ورغم أن الناس حذروه من وجود تمساح، لكنه لم يهتم وأخذ يسبح، وعندما استقر وسط النهر رأوا تمساحاً ضخماً بجواره، فصرخوا عليه لتنبيهه، لكنه لم يسمع، وسرعان ما كان بين فكى هذا الوحش الذى نزل به إلى القاع ولم يظهر ثانية».
ويختتم «سماكة» حديثه عن وحش النيل بآخر واقعة شهدتها المنطقة، قائلاً: «التهمت خمسة تماسيح شاباً أمام أعيننا خلال سباحته فى النيل منذ أيام، فقام بعضنا بإطلاق أعيرة نارية لمحاولة إنقاذه، لكن التماسيح نزلت به إلى القاع، باستثناء أحدها الذى تمكنا من اصطياده بالرصاص وسحبناه إلى البر وقطّعناه انتقاماً لزميلنا».
صديقى ودليل رحلتى «عبدالله» كان فى جعبته الكثير من الأساطير والنوادر «الذهبية» التى سمع عنها، بل عاش بعضها، فحكى لى أن رعاة من بدو «قبقبة» هبت عليهم ريح عاتية تبعتها أمطار غزيرة ظلت تنهمر طوال الليل، وفى الصباح خرجوا من خيامهم المبللة، ليجدوا بين الصخور كتلاً ضخمة من الذهب، جرفتها مياه السيول، مؤكداً أن هذه الكتل تخطى وزنها عشرات الكيلوجرمات، فغيّرت حياتهم، فباتوا فى رمشة عين أثرياء لهم خدم وحشم، ومستشارون ومساعدون من الأهل والأقارب وفى مختلف التخصصات.
فى الليل يلجأ الدهابة لجلسات سمر يتبادلون خلالها لعب «السيجا» و«الكوتشينة»، والأحاديث التى حوّلت أطراف بعضها إلى قصص الأساطير والحكايات التى سمعوها عن الذهب والمنقبين، فقال عبدالله الجمعى، وهو رجل شارف على الخمسين من عمره: «من المعلوم أن الكنز يتم تقسيمه على ثلاثة، ثلث للعاملين، وثلث لصاحب العربة، وثلث لصاحب الزئبق وجهاز البحث عن الذهب، فبعد رحلة شاقة وطويلة خلد بعض الدهابة إلى الراحة، بعد أن فشلوا فى الحصول ولو على جرام من الذهب، فخرج أحدهم إلى الخلاء لقضاء حاجته، وأثناء تبوله انكشف له بريق كنز ذهبى ثمين بفعل الماء الذى شكل حفرة، وعندما عاد إلى أصحابه، مستبشراً بما خصه به قدره، قاموا عليه وطالبوه بنصيب الثلثين من الكنز المكتشف، فاشتبكوا فى عراك محموم أودى بحياتهم جميعاً». لم ينتظر الجالسون أن أناقشهم عن كيفية علمهم بتلك الرواية، رغم موت جميع أطرافها، فما انتهى «الجمعى» مما قال، إلا وتبعه شاب يدعى محمد بشر، من أم درمان، بقص رواية أخرى أكثر غرابة، فقال: «ذات يوم عثرت مجموعة من الدهابة على مغارة مليئة بأحجار الذهب، فأخذوا منها ما استطاعوا وعادوا إلى الخرطوم ليبيعوا كنزهم، وبعدما حصلوا على أموال طائلة قرر كل منهم الذهاب إلى بيته، ليعلن وفاة فقره وميلاد ثرائه، إلا أحدهم الذى قرر العودة إلى المغارة ثانية، ليحصل على المزيد من الذهب، وحينما دخل المغارة فوجئ بجنيه تنتظره وتقول له: (كنت أعلم أنك ستعود، لكونك أكثر زملائك طمعاً وحباً للمال، ولأجل هذا لن تحصل على المزيد، بل ولن تتمتع بما أخذت)، فانهارت المغارة وهو بداخلها، لينال جزاء طمعه».
وأمام ما سمعته من «بشر» وما رأيته ممن استمعوا معى إلى قصته، والذين أخذوا يتمتمون بقناعة تامة بما حملته الكلمات من حكم ومواعظ، يجب أن ينتهجوها أثناء عملهم هذا، قررت التخلى عن الواقعية، يقيناً منى بأنهم سيعتبرونها جهلاً وعمى، بل عدم منطقية، فأمّنت على ما قالوا وتمتمت معهم بكلمات تدل على اتعاظى.
ما شاهدته من جرارات عملاقة ولوادر حفر تغزو الصحراء أثار فضولى، ودفعنى للحديث عن أصحاب تلك الآلات، فقال عم إبراهيم زيدان: «عندما سمع رجل أعمال سودانى قصص الثراء السريع، ترك رفاهية وراحات الخرطوم وتوجه الى المناطق الصحراوية البعيدة، متحملاً معاناة سخونة الجو واللصوص والأفاعى بحثاً عن الذهب، فنصب هو ومجموعته معسكراً فى الخلاء اعتادوا عليه، وبدأوا البحث عن الذهب باستخدام آلاتهم وأجهزة كشف المعادن، وأثمرت جهودهم خلال أسبوعين فقط عن كميات من الذهب بلغ وزنها 2 كيلو جرام تقريباً، فكان هذا كافياً لإغراء باقى رجال الأعمال بالقيام بالرحلة الشاقة مع كثيرين تداعبهم أحلام الثراء».
قد يكون وجود الرجال للبحث عن الذهب أمراً مألوفاً، لكن وجود نساء وفتيات فى مناطق التنقيب عن الذهب هو أمر قد يبدو غريباً، لاسيما مع قسوة طبيعة مناطق التنقيب غير المناسبة لطبيعة المرأة.. لكن فى منطقة صحراوية قريبة من دنقلا بالولاية الشمالية، يوجد عدد كبير من النساء والفتيات الباحثات عن الذهب ليس للزينة، بل لبيعه وشراء ما يسد الرمق من عائده. طه عثمان، أحد شيوخ الدهابة، قال لى عن هذه الظاهرة: «عدد الباحثات عن الذهب فى صحراء دنقلا يقدر بأكثر من 250 امرأة قدمن من مختلف أنحاء الولاية على أمل العثور على الذهب، وهن يعملن فى ظروف أقل ما توصف وقاسية ولا تتماشى أو تنسجم مع طبيعة الأنثى، ويتلخص عملهن فى غسل التراب الذى يستخرجه الرجال من الآبار والحفر، بحثاً عن حبيبات الذهب، حيث تقوم النساء بشراء «جركانة» الماء بجنيه من (تنكر المياه) لغسل الذهب، وتحتاج المرأة فى اليوم الى أكثر من أربعة جراكن، ويعملن فى مختلف ظروف الطقس، تحت الشمس الحارقة وعند هطول الأمطار». أضاف «عثمان»: «هناك نساء يقضين أياماً وليالى بمنطقة الذهب، حيث يعتمدن فى أكلهن على الوجبات الشعبية والعصيدة، ويقمن بصناعتها بأنفسهن ويواجهن صعوبات فى أحوال معيشتهن، لكنهن أكثر إصراراً من الرجال على العودة بالذهب الذى يعشقنه
المصري اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.