بسم الله الرحمن الرحيم أم سلمة الصادق المهدي شهر رمضان فرصة العباد للرجوع إلى الله والتوبة إليه والوقفة المتأنية مع الذات لمراجعة أعمال السنة كلها في معاملات العبد الرأسية مع ربه، والأفقية مع الناس. فنرجوه سبحانه وتعالى أن يوفقنا للقيام بحقه. وببركته وببركة الدعاء فيه ندعوه سبحانه وتعالى الأخذ بيد السودان لبر الأمان وأن يحسن خلاصنا ويجنبنا مخاض التغيير وسكراته انه سميع مجيب. في الاسبوع الأول من الشهر الفضيل انطلقت دعوة من جمعية حماية المستهلك تناشد المواطنيين السودانيين المشاركة الفاعلة في حملة مقاطعة اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والطماطم ببيان أصدرته لجنتها التنفيذية ابتداء من يوم الاثنين الموافق 23 يوليو 2012 –ثالث أيام الشهر الفضيل وقد عزت الجمعية الخطوة لمحاربة ارتفاع الأسعار (غير المبرر) بحسب نتائج دراسة تقول الجمعية أن لجنة البحوث والدراسات الزراعية قد أجرتها في مناطق الانتاج والأسواق بولاية الخرطوم ورفعت تصوراً بشأن الوصول إلى الأسباب الحقيقية لزيادة الأسعار. نحن نعلم أن مثل تلك النداءات –لو كانت بحقها تقع في صلب اختصاص جمعية حماية المستهلك فهي كغيرها من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية تمثل القطاع الثالث أو الفضاء الثالث وهو قطاع يقف في منتصف الطريق بين القطاع الأول وهو الحكومي والقطاع الثاني وهو قطاع المال والأعمال أو القطاع الخاص. ومنظمات المجتمع المدني التي تقع في ذلكم الفضاء الثالث تقوم أساسا من أجل المطالبة بحقوق المواطنيين وحمايتهم من مظلمات القطاع الأول متمثلة في القوانين الجائرة وغيرها ومظلمات القطاع الثاني متمثلة في تفاعلات السوق المتوحشة وغيرها . وتستمد منظمات المجتمع المدني ذات السمة الطوعية قوتها من قوة المجتمعات التي توجد فيها والنظم السياسية أو الدول التي تفرزها ومثلما يقول غرامشي هي ابنة الدولة التي تلدها فان كانت الدولة الحاضنة قوية فتجد مجتمعا قويا ومنظمات مجتمع مدني قوية تمثله وتدافع عن حقوقه والعكس أيضا صحيح. لكن رغم ضعفها في حال الدول الضعيفة مثلما هو كائن عندنا في السودان تستطيع تلك المنظمات تغطية جوانب عديدة انسحبت منها الدولة تماما مما يؤكد أهمية الدور الذي تستطيع أن تلعبه مثل تلك المنظمات حتى في حال كون الدولة حاضنتها ضعيفة - بالطبع إن أمنت استغلال الحكومات لها وتوظيفها في خدمة أغراضها بما ينفي عنها الحيادية وهو مبدأ مهم في العمل الطوعي ،ويحولها استغلال الحكومات لها الى امتداد للدولة وسياساتها . ومثل تلك الممارسات الفاسدة أي استغلال العمل الطوعي للترويج لسياسات حكومية واخضاعه لها ،ممارسات شائعة في عهد حكومة المؤتمر الوطني بأمثلة عديدة منها تحويلها للنقابات المنافحة عن حقوق منسوبيها الى مجرد أجسام حكومية مدجنة سميت (نقابة المنشأة) بل نجد على رأس اتحاد عمال السودان السيد ابراهيم غندور وهو قيادي بالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم مما يجعل النقابات والاتحادات في عهد الانقاذ حتى اشعار آخر لا تعدو أن تكون منظومات للتسبيح باسم الحزب الحاكم والعزف على أوتاره وليس للمطالبة بحقوق العمال مثلما هو منوط بها. نحن لا نملك معلومات تجعلنا نضع جمعية حماية المستهلك تحت هذا الباب الذي يصنفها كمحض ذراع حكومية مثلما وجدنا في أحد المواقع الاكترونية (الجمعية السودانية لحماية المستهلك، هي في الاساس جسم من اجسام المؤتمر الوطني يحاول من خلالها أن يشي بأن هناك منظمات مجتمع مدني ومتطوعين يهتمون بالمواطن وغذائه ودوائه وكسائه، لكن الهدف من هذه المنظمات المجهولة هو تضليل وتتويه الشعب من جهة، و التغطية والتجيير علي جرائم هذا النظام والبحث عن شماعة لتعليق سيئاته من جهة اخري. فقد جعلوا من الجزار-الذي هو واحداً من الغبش الغلابة-بمثابة شخص يمتص دماء الشعب،وبهذا تكون الحكومة قد بُرأت من المسئولية عن ارتفاع الأسعار!) انتهى ، خاصة وعند مراجعتنا لأعمال الجمعية في موقعها الالكتروني وجدنا أن من انجازاتها مثلا انها قد ساهمت في ايقاف الكثير من الصفقات المشبوهة مثل صفقة النفايات البشرية التي كانت سوف تستخدم كسماد ومواقف قوية أخرى في وجه الحكومة منها مطالبة الجمعية السودانية لحماية المستهلك بضرورة رفع مذكرة عاجلة لمجلس الوزراء والاعتصام أمام المجلس في خطوة لإيجاد حل لرفع الأسعار كما ورد في صحيفة الأخبار في 20 مايو 2012 رغم أننا لا ندري ما كان مصير ذلك النداء الهام للوقوف في وجه السياسات الحكومية بضراوة فعالة.. ولكننا لا نستطيع كذلك أن نغمض أعيننا أو نخفي ريبتنا عند مطالعتنا لحملة الجمعية لمقاطعة السلع التي حددتها تزامنا مع تزايد الغضب الشعبي ضد سياسات الانقاذ فالغلاء الفاحش لم يقتصر على تلك السلع التي تم تحديدها والحديث عن أن الغلاء (غير مبرر) كما ورد في بيان الجمعية وعلى لسان السيد ياسر ميرغني عبدالرحمن رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك للعربية .نت يكتنفه الغموض:"اللحوم أصبحت باهظة الثمن رغم أنها تنتج في أغلبها محليا. لا يوجد من يبرر ارتفاع الأسعار". و عدم الوصول بنتائج مسح السوق الى أن الغلاء الفاحش قد طال كل السلع والتضخم بلغ 37% وأن ذلك يعني أن هناك مظلة أشمل ربما لأسباب الغلاء الحقيقية تتجاوز (التجار الجشعين) لتطال السياسات الحكومية هو ما يجعل دعوة الجمعية في ظلال من الشك والريب عندنا كما أن اقتصار تفسير الجمعية للغلاء فقط بكونه (جشع التجار) يجعلنا نتشكك في حيدية ومهنية الدراسة التي ذكرت الجمعية أن لجنة البحوث والدراسات قد أجرتها دون تفاصيل إذ كيف تغفل أي دراسة تجرى لبحث أسباب الغلاء لو كانت بأقل درجة من مهنية عن ربط ذلك الغلاء بالاجراءات الحكومية الأخيرة التي زادت الضرائب والمحروقات والكهرباء وما صار اليه سعر الدولار من أرقام فلكية !؟ وكيف تعجز مثل تلك الدراسة ان تحلت بأي قدر من مهنية في ادراج واقع مؤسف للاقتصاد السوداني بسبب فساد سياسات الحكومة في حيثيات خطابها ؟ وهو الواقع الذي يجعل اقتصاد الدولة مرهون الأقدار تماما للمحاسيب من (أولاد المصارين البيض) ولشركاتهم الوهمية بمثلما طالعتنا صحيفة السوداني في حوار مع شاب ثلاثيني قدم للجمهور على أساس أنه المدير العام لشركة تسمى (تسابيح لتجارة المواشي وهو يدير مجموعة شركات "شركة افرودان العالمية للتجارة والخدمات , شركة فيض النعم للإلكترونيات , شركة تسابيح للمواشي والمنتجات الزراعية , شركة جارم العالمية " وشركة (تسابيح) بحسب تصريحات مديرها العام تصدر حوالي (44) طناً من اللحوم يومياً لمصر على الخطوط المصرية.بما يقول مديرها العام أنه يصل الى 70 مليون دولار للشركات المتوسطة! وما أدهشنا أكثر في تصريحات هذا المدير الثلاثيني قوله بلا خجل أو مواربة :(أن ارتفاع الدولار أثر على الاقتصاد ككل ولكننا نحن كتجار نقوم ببيع ما بحوزتنا منه للسوق الأسود للحصول على المزيد من الأرباح) انتهى حديث مدير تسابيح فالحكومة تصطفيهم بالعطاءات والمكرمات والشركات وهم يدمرون الاقتصاد بتغذية السوق الأسود والتعامل معه (على عينك يا تاجر)! لا شك أن مثل تلك النتيجة التي قادت بها الجمعية حملتها من تجريم لطرف واحد من أطراف القضية دون تأصيل لها بخلفيتها الحقيقية من سياسات حكومية خاطئة ومشوهة للاقتصاد حولته الى اقتصاد (خصوصي) مثلما ذكر الامام الصادق المهدي في بعض محاضراته ومثلما تبدّى لنا في صولات وجولات مدير شركة تسابيح غض الايهاب على صفحات السوداني فيما أوردنا من حديث . كل ذلك يجرد الجمعية من المصداقية ويلقي بظلال كثيفة من الشك على أهدافها المعلنة ويجعل أفعالها -أمثال تلك الحملة تصب رأسا في خدمة حجب اللوم عن سياسات الحكومة بما يؤمن لها هروبا آمنا ويلقي باللوم كله على التجار وجشعهم لتخفيف غضب الشارع ضد تلك السياسات الحكومية المعيبة وهي الأسباب الحقيقية من وراء غلاء الأسعار .وهي السياسات التي تحرك الشارع السوداني الآن ليرفضها في طريق الثورات العربية. نحن لا نريد الدفاع عن التجار ولا نقول ببرائتهم كلهم من الجشع أو استغلال الأوضاع فقط يجب اكمال الصورة بتسليط الضوء على كامل المشهد واستصحاب وجهات نظر هؤلاء التجار فهم أيضا مواطنون لهم حق العيش كالآخرين من مثل ما يقوله السيد حاج الطيب الطاهر الأمين العام للغرف التجارية وهو يحمل الدولة مسؤولية ارتفاع الأسعار وأرجع ذلك للقرارات التي تصدرها، بجانب رفع الضرائب، مؤكداً التزامهم بخفض أسعار السلع إلى 50%في حالة استجابة الدولة لمطالبهم المتمثلة في خفض الضرائب) وفي السياق تساءلت آمنة محمد إبراهيم مدير عام نقطة التجارة كيف تطلب الدولة من التجار خفض الأسعار في وقت لا تقدم فيه تسهيلات للمستورد، داعية لأهمية إرجاع إدارة الأسعار لوزارة التجارة، بجانب تحديد أسعار السلع حسب الدولار وبالتالي تستطيع أن تفرض سيطرتها على الأسواق)، وطالب عباس كرار رئيس الاتحاد التعاوني بولاية الخرطوم بإعادة ترتيب وزارة التجارة للسيطرة على التعاون، بجانب إعداد دراسة عن أسباب اضمحلاله، مؤكداً صعوبة طلب الدعم من الدولة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد). و نقول أن جشع التجار من ناحية مقدور عليه إذ تحده قدرة المواطن الشرائية وهي متدنية السقوف في ظل الأوضاع الحالية والمقاطعة غير المعلنة هي ما يفعله المواطنون كل يوم عندما يريدون شراء سلعة لا قبل لهم بدفع ثمنها مهما بلغت ضرورتها وحاجتهم لها . أما المشكلة الأكثر عمقا والتي تحتاج للجميع يدا واحدة لمواجهتها فهي السياسات الحكومية التي حولت الدولة السودانية من دولة رعاية الى دولة جباية مما جعل تكلفة الانتاج فلكية فكيف نكبل المنتجين بكل تلك الجبايات ثم نطلب منهم البيع بأسعار متدنية ؟هل التجارة عمل ربحي أم خيري ؟ وكل تلك التكاليف تزيد الأعباء على التاجر فكيف نطلب منه أن يتحمل التكاليف الباهظة ثم يبيع بخسارة؟ كما أن مثل تلك الدعوة غير المربوطة بحقها ومستحقها قد تنتهي بنا الى وقف الانتاج بشكل تام فقد يضطر التاجر ومن خلفه المنتج الى خفض الأسعار والبيع بسعر منخفض لكنه غير حقيقي لعدم مرونة المُنتج ثم يتجه لوقف الانتاج تماما حتى لا يخسر فتكون النتيجة الحتمية شللا اقتصاديا تاما . والأكثر سوء أن تلك الجبايات الكبيرة لا عدالة في فرضها لأنها تفرض على أسس من المحاباة فهناك المحاسيب ممن لا تفرض عليهم الاتاوات وهم معفيون من الضرائب وهناك المغضوب عليهم الذين تؤخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون ثم يطالبون بالبيع بسعر متدني والا اتهموا بتخريب الاقتصاد الوطني! بل يقف مسئولو المؤتمر الوطني بمعزل عن سياسات كانوا هم السبب فيها ليرموا بسواءاتها ومسئولياتها على غيرهم فيصف الخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي الوزير الانقاذي السابق المجتمع السوداني بأنه مجتمع استهلاكي، وقال إن قيمة الاستيراد وصلت «11» مليار، نصيب الدولة من البترول فيها «4» مليارات فقط.. وعزا تدهور الصادر وقلة العائد منه الى الطمع في أرباح عالية.. ما أدى الى ثقافة الربح الفاحش..) ويعرف القاصي والداني من شوه الاقتصاد السوداني وأحاله مسخا لا يرجى براؤه ومن أشاع ثقافة الربح الفاحش وكذلك القول الفاحش. ثم دون وعي منه يصرح الخبير الاقتصادي على استحياء بأغوار الأزمة المستحكمة إذ يقول: ( إن ميزانية الدولة الحالية 72% منها مرتبات، وعزا ذلك لأسباب سياسية، وأشار الى أن توصيات الاقتصاد تنفذ بواسطة القطاع الخاص الذي تراجع بسبب الأزمة). مثلما أسلفنا وحسب ما هو موثق في موقع جمعية حماية المستهلكين الاكتروني هي جمعية قد تأسست من أجل المواطن ولانصافه من جور السوق ومن تعدي الحكومات لذلك لا نريد لها مغادرة صف المواطن للاصطفاف بجانب (الوطني) في مثل هذا الوقت المفصلي من عمر الزمان ليكون الناس يد واحدة من أجل هدف لا يتزحزح :مغادرة من شوهوا اقتصادنا وخرّبوا حيواتنا.