مثلما ادى اعتراف الرئيس المصري الراحل انور السادات بان 99 في المائة من اوراق اللعب عند امريكا، الى توقيع سلام مستمر بين مصر واسرائيل تجني بموجبه الدولة العبرية اعترافا متواصلا مدفوع الاستحقاقات وتجني منه مصر مليارات الدولارات ثمنا سائغا لذةً للمصريين، توشك اعترافات شريكي الحكم السوداني بالدور الامريكي ان تقود الى جَنْي الشريكين ثماراً بعضها دانية تحتاج فقط لهز اشجارها برفق لتساقط معونات ومناً وسلوى، واخرى يحتاج قطافها الى صعود سلم وحبال ولكنها متاحة اكثر من أي وقت حصاد آخر. وغير خاف ان امريكا صارت قبلة الحل الوحيدة المتاحة لحزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية المسيطران على مقاليد الأمور بموجب قسمة نيفاشا، ولا يتردد أي شريك في اعلان تعويله المؤكد على امريكا للوصول لحلول في ما أشكل وأستعصي من قضايا ما قبل المحطة الأخيرة من اتفاقية السلام الشامل (الاستفتاء)، فالحركة الشعبية ترى في امريكا حليفا ولا افضل، يراعيها في حضورها وغيابها، والمؤتمر الوطني يرى في الولاياتالمتحدة عدوا ما من صداقته بد، فالعالم صار احادي القطبي، وليس هناك من هو اكثر واقعية من الاسلاميين الوطنيين الذين ضحوا بشيخهم من اجل دولتهم. خصام الشريكين يتمركز في كون الطرفين بعد ان تصادمت مشاريعهما يعتزمان طلاقا بلا خسائر، بالرغم من الاستحقاقات الواجبة السداد لعلاقة زوجية استمرت كرها على كره لسنوات جاوزت الخمس، وصار فصم عراها دون تجاوز خلافات ليست سهلة غير ممكن، لانها تدخل في باب ما لايتم الواجب الا به، وهي قضايا ترتبط بما يتبقى من السودان الذي صار محكوما بالشريكين وحاكما لهما، كالخلاف حول الحدود، الديون، البترول وطرق نقله وتصديره، الخلاف حول أنصبة مياه النيل، الخلاف حول العلاقات مع الدول المجاورة، الأثر على المناطق الثلاث، الأثر على أوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، الأثر على الالتزامات الخارجية وأصول الدولة، الانعكاسات على الأوضاع الامنية في الجنوب والشمال، الانعكاسات على الأوضاع الاقتصادية في الشمال والجنوب، وكلها مشاكل يدفع ثمنها - إن لم تناقش وتحل بحكمة وجدية - آلاف المواطنين السودانيين، اما خسائر الزوجين النفسية فلا احد يهتم بها وعليهما ان يكابداها وحدهما. ويمثل اللجوء الى امريكا لتجاوز كافة هذه المعضلات الخيار الأخير لشريكي الحكم بعد ان اجتمعا وانفضا مرات ومرات في جوباوالخرطوم عبر اللجان السياسية والمؤسسة الرئاسية وظلت الخلافات مستعرة كما كانت ويزداد اوارها كلما اقترب التاسع من يناير القادم في موعده من كل عام، و إن كانت خلافات الشريكين حول الاستفتاء مبررة لعدم وجود توافق حتى الآن حول الرؤية التي يمكن أن يتم بها الاستفتاء وما يمكن ان يترتب على الاستفتاء من تعقيدات، الا ان السؤال هو: هل بامكان امريكا العبور بالشريكين الى بر الأمان. الشريك الأكبر في الحكم يذهب الى واشنطن ولديه خصمان الأول الحركة الشعبية والثاني الولاياتالمتحدة، الأول خصومته لم تغب يوما رغم الشراكة التي لم تنقطع الا شكليا ولفترة قصيرة في خواتيم 2007 اوان خروج وزراء الحركة من مجلس الوزراء، وتنحصر خصومته معها في ترتيبات ما بعد الاستفتاء. اما امريكا فهي بالنسبة للمؤتمر الوطني، بحسب محللين، خصم ابدي طالما انها تستهدف وجود الاسلاميين في السلطة، وان بذلوا لها المطارف والحشايا والقواعد وقدموا لها التعاون الاستخباري اللامحدود بحق الخلايا النائمة والقائمة من القاعدة وما يشابهها من تنظيمات، ومع ان محللين يشيرون الى ان امريكا تدرجت في التعامل مع الاسلاميين من محاولات اقصائهم بالكامل مطلع التسعينيات الى السماح لهم بوجود جزئي وليس كاملا عبر الاتفاقيات الموقعة برعايتها، من لدن نيفاشا وابوجا واسمرا والقاهرة، الا ان الاسلاميين يأخذون حذرهم ويستمسكون بعناصر القوة لديهم مما ساعدهم برغم كل شئ على الاحتفاظ بنسبة تتجاوز النصف دائما في معادلة السلطة، وفي هذا الصدد نشير الى ان المستشار الامني برئاسة الجمهورية صلاح قوش كان قال ابان توليه رئاسة جهاز المخابرات ان الدول الغربية وعلى رأسها امريكا غير مرتاحة للحكومة لكنها لا تريد تغييرها بصورة »راديكالية« وانما يريدون اعادة ترتيبها على اساس ان يكون الإسلاميون جزءا منها على ان لا يكونوا الاكثر تأثيرا في صناعة القرار، بقضم نصيبهم من السلطة حتى لا تكون مؤثرة في معادلة السلطة والقرار. ولعل ادراك قيادة المؤتمر الوطني لهذه الحقيقة وهذه المخاطر المحدقة بهم وايضا ادراكها لقدرتها على المناورة في كل الظروف وتحقيق مكاسب تتيح لهم الاستمرار والاستقرار بافضل مما كانوا عليه كما اثبتت التجارب هي ما دفعت بنائب الرئيس علي عثمان محمد طه ان يدعو امريكا للتوازن حيال مطالبها من حكومته، ولا يتوانى طه في تقديم فاتورة واجبة السداد لامريكا ويطالب بالدفع فورا قبل حلول موعد الاستفتاء المتفق عليه، حيث قال إن واشنطن تريد من السودان حل مشكلة دارفور، وإجراء الاستفتاء في الجنوب، ومواجهة »النتائج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة إذا انفصل الجنوب«، وفي نفس الوقت »لا تريد واشنطن أن تسأل نفسها كيف نقدر على كل هذا؟ وهي تمارس سياسة لإضعاف الوطن، ولإضعاف رئيسه، الذي يملك قراري الحرب والسلام النهائي«،. ملوحا بكرت تعرفه امريكا جيدا، وهو الاضطراب الذي قد يعم المنطقة كلها ويصدر لامريكا ما تخشاه، حيث هي مصابة برهاب الارهاب وتخشى كما يعلم طه (جر الحبل)، لذا كان حريصا ان يخاطب الامريكان بقوله (المشكلة ليست السودان فقط.. ولكن المنطقة كلها، التي لا بد أن تتأثر إذا انقسم السودان، بسبب حملة شرسة لتشويه صورته وإضعافه، عن طريق سياسات المقاطعة والعزلة) ومن جهتها يبدو ان امريكا تدخر شيئا للشريك الأكبر وتخاطب مخاوفه ومطامحه ومطامعه جملة واحدة، فقد قال مبعوثها للسودان اسكوت غرايشن عن تفاصيل العرض الامريكي للمؤتمر الوطني ان الولاياتالمتحدة سوف تبدأ فورا بمنح تراخيص لبنود مثل الآلات الزراعية لمساعدة القطاع الغذائي في السودان، وهو هنا يخاطب على نحو مباشر مشاريع النهضة الزراعية التي تعول عليها حكومة المؤتمر الوطني في الخروج من عنق الزجاجة بعد خروج عائدات البترول الجنوبي من خزينتها، وايضا ستعمل امريكا على تخفيف القيود على ما كانت تكافحه لعقد من الزمن تقريبا، وبعد ذلك، ? الحديث لغرايشن لوكالة رويترز - إذا كان هناك حل سلمي وأجري استفتاء يتمتع بالمصداقية في 9 يناير، واحترم كلا الجانبين نتائجه، فإن الولاياتالمتحدة ستتخذ خطوات إضافية للسماح للتجارة والاستثمار في السودان في بعض القطاعات غير النفطية، وقال المبعوث إن الولاياتالمتحدة ستوافق كذلك على تبادل السفراء إذا اتفق الجانبان على المبادئ الأساسية للتعايش بعد الاستفتاء في هذه المرحلة، وايضا، إذا تمكن السودان من التنفيذ الكامل لاتفاق السلام لعام 2005 وتسوية النزاع في دارفور، فإن حكومة الولاياتالمتحدة ستعمل مع الكونغرس لرفع العقوبات الاقتصادية، ومحو اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب ودعم المساعدات الدولية والغاء ديونه الخارجية. اما الشريك الأصغر فيذهب الى هناك، وذهنه خال الا من عدو واحد، المؤتمر الوطني، الذي يرجو ان يصرعه بالنقاط امام الحكم النزيه والعادل بالنسبة له، امريكا، فالحركة الشعبية مرتاحة ومطمئنة لعلاقتها بامريكا، وتجد منها سندا ممتدا، ومن ذلك بحسب تقرير واشنطن العدد 256 بتاريخ 10 اغسطس 2010، فان إدارة الرئيس أوباما، مثلها مثل إدارة الرئيس السابق بوش تقدم دعما ماليا كبيرا لجنوب السودان، ضمن جهودها المكثفة الرامية إلى مساعدة الجنوب على الانفصال، وقالت صحيفة ال واشنطن تايمز أن واشنطن تقدم دعما ماليا سنويا يقدر بمليار دولار للجنوب السوداني، وقالت ان هذه المبالغ الضخمة تصرف في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل جيش قادر على حماية المنطقة الخاصة بالدولة الجديدة. وبينما يشكك مراقبون في النوايا الامريكية تجاه شمال السودان، وفي احتمال انجازها لما تعد به حكومة المؤتمر الوطني، رغم التفاؤل الذي جاء قبل يومين على لسان وزير الخارجية حيال المباحثات التي ترعاها امريكا، حيث يقول الدكتور يوسف نور عوض في مقال له بصحيفة القدس العربي نشر قبل يومين أن الحكومة الأمريكية لا تفكر مطلقا في مساعدة السودان لحل مشاكله، بل تفكر فقط في إجراء استفتاء يؤدي إلى انفصال جنوب البلاد. يذهب آخرون الى ان هذا عين ما تطلبه الحركة الشعبية من مباحثات نيويورك، فالحركة الشعبية التي صارت مطالبها اكثر وضوحا وتحديدا، استقلال كامل عن شمال لا يشبهها ولا تشبهه، ولا تريد دفع اثمان عليه اكثر مما دفعت، استقلال عبّر عن الكيفية التي يجب ان يكتمل بها رئيسها سلفاكير ميارديت حين علق على ما وصفها نداءات متزايدة تدعو الجنوب أن يقوم بتسويات وتنازلات إذا كان يتوقع ان يوافق الشمال على استقلاله، بالقول انه منزعج من فكرة أن الجنوب سيتحتم عليه (دفع ثمن حريته)، فما تصبو اليه الحركة من الاحتكام الى واشنطن - كما يذهب محللون - تختصرها عبارة (لا تنازلات) لا للمؤتمر الوطني ولا لغيره. التقي محمد عثمان: [email protected] الصحافة رئيس أفريقي سابق يترأس فريق المراقبة الدولية للاستفتاء توقعات بطرح تأجيل الاستفتاء شهرين في مؤتمر نيويورك الخرطوم: واشنطن: علوية مختار: علمت «الصحافة،» ان الادارة الأميركية تتجه للدفع بمقترح بشأن العلاقة بين الشمال والجنوب حال الانفصال، يرضي الطرفين ويحقق المصالح المشتركة، بينما اعلن وزير السلام بحكومة لجنوب باقان اموم، مشاركة اكثر من 40 رئيس دولة على رأسهم باراك اوباما في مؤتمر نيويورك الخاص بالسودان. وابلغت مصادر «الصحافة» ان هناك عددا من الدول بما فيها أميركا ينتظر أن تطرح خلال اجتماعات نيويورك قضية تمديد الاستفتاء لفترة لا تتجاوز الشهرين في حال تعذر اجراؤه لوجستيا، واقتناع الاطراف بالاسباب الموضوعية للتمديد. وأوضحت أن الإدارة الأميركية اقترحت على الشريكين تبني العملة المزدوجة لمدة 10 اعوام في حال الانفصال، مع استمرار استخدام خطوط انابيب النفط بالشمال لفترة بين 20 - 25 عاما، لضمان عدم انهيار اقتصاد الشمال. في ذات السياق، اكد وزير السلام بحكومة الجنوب، باقان اموم، استعداد الحركة الشعبية للتفاوض في كل القضايا المطروحة بشأن مابعد الاستفتاء في اتجاه خلق علاقات جيدة بين الشمال والجنوب لتبادل المنافع والمصالح المشتركة، نافيا بشدة وجود ضغوط امريكية على حركته. وكشف أموم عن سلسلة لقاءات عقدها وفد الحركة الزائر لواشنطن بقيادة سلفاكير ميارديت مع المسؤولين الامريكيين، واشار للقاء تم مع نائبة رئيس مجلس النواب الامريكي بانتي كلوزوي والسناتور جون كيري واخرين، وذكر ان الاجتماعات بحثت قضايا الدعم الأميركي للتنفيذ الكامل لاتفاقية نيفاشا واجراء استفتاء الجنوب وابيي في موعده، بجانب مناقشة القضايا العالقة وعلى رأسها ترسيم الحدود وتكوين مفوضية استفتاء ابيي والمشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق. وذكر أموم أن القيادات الأميركية وعلى رأسها الرئيس اوباما اكدت دعمها لاجراء استفتاء حر ونزيه والاعتراف بنتائجه، بجانب مساعدة الشمال والجنوب على خلق علاقات حسن جوار. إلى ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن الاستفتاء الذي سيجرى في يناير بشأن جنوب السودان «ستكون له أهمية بالغة في تحديد مستقبل السودان وضمان تحقيق الأمن والسلام في البلاد». وأضاف في لقاء مع «الجزيرة» أن هدف الأممالمتحدة هو إجراء الاستفتاء بطريقة واضحة وديمقراطية وحرة، مشيرا إلى أنه سوف يشكل لجنة رفيعة المستوى لمراقبة الاستفتاء برئاسة رئيس أفريقي بارز سابق وتضم مراقبين دوليين بارزين. ودعا المجتمع الدولي إلى دعم إجراء الاستفتاء في إطار الالتزام بروح اتفاقية السلام الشامل، مؤكدا أن الأممالمتحدة على استعداد للقيام بذلك.