** رحم الله أستاذنا حسن مختار، لم يتخل عن قلمه الساخر إلا قبل رحيله عن دنيا الناس بأسبوع.. عندما تكاثف عليه المرض وعجزت يده عن الإمساك بالقلم، ظل يقاوم المرض ويأتي الى مكاتب الصحيفة فجراً كأول الحاضرين، ثم ينتظرنا لنكتب له ما يمليه علينا بسلاسة ورصانة وسخرية ..تعلمت منه الكثير، وفي الخاطر إصراره على تفاصيل النص التي من شاكلة : ( هنا أعمل شولة، يلا افتح القوس، ابدأ فقرة جديدة، ماتنسى دي جملة إعتراضية، و...)، هكذا كان يحاضرني عند كتابته زاويته الرشيقة (حزمة تفانين)، فتخرج الزاوية رائعة، وأكون قد تعلمت..كنت أداعبه بين الحين بإختراع سؤال من شاكلة : ( يا أستاذ ليه هنا شولة واحدة؟، كدى الليلة نجرب شولتين تلاتة ونشوف يحصل شنو)، فيرد ساخراً : ( شولتين تلاتة دي بيكون جابوها ناس ثورة التعليم العالي ديل، نحن ما أدونا ليها)..وذات مساء كان التلفاز ينقل هلال مريخ أبرز ما فيها غبار الملعب ولكمات اللاعبين، فسأله أحد الزملاء : ( يا أستاذ هسة ناس برشلونة لو شافوا المباراة دي ح يقولوا علينا شنو؟)، فرد بمنتهى الهدوء الساخر : ( لا ما تخاف، ما ح يقولوا شئ كعب، ح يفتكروا دي رياضة جديدة) .. !! ** مات، وما ماتت غرائبنا وعجائبنا - وبلاوينا - التي يمكن تغليفها ثم تقديمها للعالم باعتبار انها (عبقرية جديدة)..على سبيل المثال ، تقدم وزير الزراعة قبل العيد بأسبوع ونيف بإستقالته الى رئاسة الجمهورية، ثم إعتكف بمنزله لحين قبول أورفض الإستقالة..الأسباب لاتزال في طي ورقة الإستقالة، بحيث لم يفصح عنها الوزير ولم تكشفها الرئاسة..إجتهدت الصحف في كشف الأسباب، وترجحت مصادرها ما بين فشل القطن المحور وراثياً وفشل الموسم الزراعي - كلو على بعضو - بقطنه المحور وراثياً وذرته المجندلة إهمالاً وتمويلاً بالقضارف، وغيرها.. وهناك من الإجتهاد الصحفي ما أرجع سبب الإستقالة الى صراع جهير بين وزارة الزراعة وأمانة النهضة حول السلطات..المهم، أسباب الإستقالة ليست مهمة ولا ذات جدوى للناس والزراعة، وما أسباب إستقالة وزير الزراعة إلا بمثابة قطرة ماء في بحيرة فكتوريا، ولذلك البحث عن تلك الأسباب مضيعة للوقت والجهد..فالمهم إعتكاف الوزير بمنزله - في العشرة الأواخر من رمضان - بلسان حال قائل ( خلاص خليتها ليكم، إرتعوا فيها).. وهذا شئ طبيعي، إذ هذه ليست الإستقالة الأولى في الكرة الأرضية ،وبالتأكيد لن تكون الأخيرة ..!! ** ولكن كل عجائب الدنيا وغرائبه تتجلى لاحقاً، تابع .. بعد إستقالة وزير الزراعة وإعتكافه بمنزله ، أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً باعفاء مدير إدارة وقاية النباتات عن منصبه، وذلك بالغاء عقد الإستبقاء.. فالمدير كان قد تقاعد الى المعاش قبل ثلاث سنوات، ولكنه ظل مديراً بعقد يسمى (عقد الإستبقاء)، وألغت الرئاسة هذا العقد .. شئ طبيعي، وبتحصل في أرقى الدول .. فالرئاسة هي السلطة البلد العليا، ومن سلطاتها إلغاء مثل هذه العقود، وليس في الأمر عجب .. إمتثل وزير الدولة بالزراعة - والذي يحل محل وزير الزراعة في حالات الغياب و الاستقالة والاعتكاف- إمتثل للقرار الرئاسي، وأصدر قراراً وزاريا بتعيين مدير آخر في إدارة وقاية النباتات، بحيث يحل محل المدير السابق المحال الى التقاعد بقرار إلغاء عقد الإستبقاء .. عادي جداً، وبتحصل في أرقي الدول، وقبل كدة حصل في مدغشقر.. نعم، من حق وزير الدولة بالزراعة بأن يمارس سلطات وزير الزراعة المستقيل والمعتكف، ولذلك عين مديراً أخر لوقاية النباتات ليحل محل المدير السابق..!! ** لحد هنا تمام، مُش كدة ؟..حسناً، ولكن تأمل ما يلي، إذ ما يلي هو ( الشولتين تلاتة اللى ما إدوها لحسن مختار)، وكذلك هو ( الرياضة الجديدة).. قطع وزير الزراعة إستقالته وخرج من إعتكافه، وذهب الى مكتبه بالوزارة و أصدر قراراً بالغاء قرار وزير الدولة وفصل المدير الجديد، ثم عاد الى منزله ( مستقيلاً ومعتكفاً)، ولايزال ..نعم هذا ما يحدث تحت سمع وبصر الرئيس والنائب الأول و النائب والناس والصحف.. غادر الوزارة غاضباً، وإعتكف بمنزله مستقيلاً، وما أن سمع نبأ تعيين المدير الجديد، سارع بالعودة الى الوزارة ومكث بمكتبه خمس دقائق، حيث أصدر خلالها قرار إلغاء تعيين المدير الجديد، ثم رجع الى منزله - زي الما حصل شئ - مستقيلاً ومعتكفاً.. هذا يذكرني بحكاية الزوج الذي طلق زوجته، وبعد عام سمع بأن عريساً تقدم لأهلها طالباً الزواج ، فذهب الى الأهل ليرفض إقتران زوجته السابقة بالعريس الجديد بتبرير مفاده ( لا ما تدوه، أنا يمكن في أي لحظة برجعها )..هل بالأرض قانون أو قانوني - أو عقل- يفسر ما يحدث بوزارة الزراعة ؟.. يغادرها وزيرها، ثم يعود اليها خمس دقائق، ويمارس سلطة محدودة، ثم يغادرها، ما هذا؟، وهل من تفسير ؟.. نعم، فالبعض ظل يطالب الحكومة بترويض السياسة بدلا عن تسييس الرياضة، وها هي الحكومة تستجيب لطلبهم، وتقدم لهم أروع (دافوري) في تاريخ البلاد وسياستها وخدمتها المدنية .. !! [email protected]