إذا كانت اللغة الإنكليزية هي اللغة الطاغية على محتوى الإنترنت، أو بالأحرى الويب، منذ البدايات الأولى للشبكة، فإنه من اللافت أن لغات أخرى بدأت تثبت وجودها على الإنترنت في السنوات الأخيرة. التعدد اللغوي هو سنة كونية وحقيقة ثابتة في كل دول العالم. فمن بين أكثر من 6000 لغة تتواصل بها شعوب الأرض، نجد قرابة 2000 لغة في إفريقيا وحدها. فإذا كنا نود أن تكون الإنترنت لكل شعوب الأرض فيجب لا محالة أن يجد كل مستعمل للشبكة، محتوى مكتوبا بلغته، يربطه بحضارته وتاريخه ويستشرف بالتالي من خلاله مستقبله. لقد أصبح يُنظر للتعدد اللغوي على أنه حق من حقوق الإنسان الذي يجب على الجميع أن يساهم في حمايته لكونه يُمثل إرثا حضاريا للإنسانية جمعاء الى حد أن منظمة اليونسكو تعتبر أن اللغة هي الناقل الأساسي للتواصل وتبادل المعارف والمعلومات والتقاليد، وهي المحددات الرئيسية لتكوين الثروات، والضامنة للتحول الاجتماعي والتنمية البشرية، وبالتالي فإن فرصة استخدام لغة ما على شبكات المعلومات العالمية مثل شبكة الإنترنت هي التي تحدد إلى أي مدى يمكن للمرء المشاركة في مجتمعات المعرفة الناشئة. إن التعدد اللغوي في الإنترنت هو أيضا من أهم شروط النماء و الانتعاش الاقتصادي. فالإنترنت هي الآن أكبر خزان للمعلومات والمصدر الأساس للمعرفة والتواصل وبالتالي فإن غياب لغة ما عن هذا المصدر ستكون له انعكاسات جد سلبية على تلك اللغة والناطقين بها وعلى ولوج أهلها للإنترنت وهذا هو بيت القصيد. فالعديد من الشعوب لا تستطيع اليوم استعمال الإنترنت رغم إمكانيتهم بالولوج إليها (تقنيا) لأن العائق الأساس هو اللغة وغياب مادة معرفية وبرمجيات وتطبيقات مكتوبة بلغتهم. الإحصائيات الرسمية التي يعطيها لنا موقع http://www.internetworldstats.com تشير أنه من بين قرابة الملياري مستعمل للإنترنت هناك أكثر من 535 مليون مستعمل للإنترنت باللغة الإنجليزية مقابل 445 مليون للغة الصينية، بينما تأتي اللغة العربية في المرتبة السابعة بما يناهز 65 مليون مستعمل للإنترنت بهذه اللغة ما يشكل نسبة 3،8 ' من العدد الإجمالي لمستعملي الإنترنت في العالم. هذه النسبة ورغم ضعفها، إلا أنها في تزايد سريع بالمقارنة مع باقي اللغات ! بالفعل فإن نسبة نمو عدد مستعملي الإنترنت باللغة العربية هو 2،29 ' بين سنتي 2000 و 2009 في حين شهدت نفس الفترة تناقص عدد مستعملي الإنترنت باللغة الإنكليزية من 50 ' الى 27،5 '. وهذا مؤشر آخر لتزايد حضور لغات أخرى غير الإنجليزية في الإنترنت. لكن بالمقابل لا توجد هناك إحصائيات تمكننا من معرفة ما نوع المادة المعرفية المتداولة في الإنترنت باللغة العربية ! تجدر الإشارة أن شركة الإنترنت للأرقام والأسماء المُخصصة ('ICANN') قامت في سنة 2010 بالمصادقة على استعمال أسماء النطاقات (noms de domaines) بأحرف غير لاتينية. وهكذا ظهرت على الشبكة عناوين من قبيل (موقع.وزارة-الاتصالات.مصر) أو العربية.com في خطوة لتفعيل التعدد اللغوي ليشمل كذلك أسماء المواقع أو النطاقات الموجودة في الإنترنت. اصُطِلح على هذه التقنية ب IDN ) أسماء النطاقات الدولية). لكن بعض اللغات مثل اللغة العربية تكتب من اليمين إلى اليسار. وبالتالي لا تعتبر IDNs نافعة بشكل كبير للمجتمعات التي تستخدم هذه اللغات وذلك بسبب أن المستخدمين يحتاجون إلى تغيير كل من اتجاه النوع والنص خلال عملية إدخال اسم النطاق. بالمقابل، فإن الحاجة إلى النطاقات العربية تتولد من حقيقة أن أسماء النطاقات الحالية تشكل عائقا يمنع شريحة واسعة من المستخدمين من استخدام الإنترنت بالشكل الأمثل، أو قد تمنع فئة من المستخدمين من الاستفادة من الإنترنت بشكل كامل، حيث ما زالت نسبة القادرين على التعامل مع اللغة الإنكليزية أو الفرنسية متدنية في المجتمعات العربية مقارنة بالمجتمعات الأخرى، كما جاء في موقع http://arabic-domains.org فإذا رغب مستعمل عربي للإنترنت أن يزور موقعا على الإنترنت يقدم مادة باللغة العربية فإن عليه أن يُخمن كيف يكتب اسم الموقع بالأحرف اللاتينية والتي قد تعطي مجموعة من الاحتمالات كلها واردة، وفي كل الأحوال لن يستطيع معرفة التهجئة الإنكليزية للإسم العربي مباشرة ، لكن بالعربية ليس لها إلا تهجئة واحدة صحيحة ! المطلوب الآن هو توحيد الجهود بين الدول العربية من أجل حضور أمثل للغة العربية في الإنترنت، لزيادة حجم المحتوى العربي الرقمي على شبكة الانترنت لم له من دور في المحافظة على الهوية والثقافة العربيتين. ولعل شعار المنتدى العربي لحَوكَمَة الإنترنت والذي ستنعقد دورته الأولى في أكتوبر المقبل بالكويت: إنترنت أفضل لعالم عربي أفضل ، له دلالة خاصة في هذا النطاق ! *أستاذ باحث