أطلق تظاهر عشرات من الأشخاص (من بينهم سلفيون) مُنتصف الشهر الجاري أمام السفارة الأميركية بباريس العنان للإعلام الفرنسي للحديث عن "الخطر السّلفي" بطريقة غير مسبوقة بعد أن أصبحت فرنسا العلمانية تخشى خروج الفكر السّلفي من بعض المساجد المُتواجدة على ترابها، فتطغى على شوارعها. ولم تتأخر قناة تلفزيونية ولا محطّة إذاعية ولا صحيفة أو مجلّة عن الخوض في السّلفية وإجراء تحقيقات مُعمّقة لسبر أغوار التّيّار السّلفي والبحث عن جذوره في فرنسا والتّعريف بنشأته وخصوصياته والأفكار التي يروج لها والجهات التي تدعمه أو التي هو موالي لها. واستعانت بعضها بأهل الذّكر من المُحلّلين وعُلماء الاجتماع المُختصّين في المجموعات المحسوبة على هذا التّيّار. الغوص في أعماق السّلفية ويرجع "الفضل" في هذااللغو المحموم إلى "المُحتال" القبطي نقولا بسيلي نقولا المُخرج المُفترض للفيلم "براءة المسلمين" المُعادي للإسلام وللسفير الاميركي كريستوفر ستيفنز الذي قُتل في قُنصلية بلاده في 11 سبتمبر/ايلول على يد مُسلحين يُعتقد أنهم من جماعة انصار الشريعة السّلفية رغم أنها نفت ضلوعها في الهجوم، وكذلك لمجلة "شارلي هيبدو" التى زادت الطّين بلّة بنشرها رُسوم كاريكاتيرية مُسيئة للنبي محمد أثبت استطلاع رأي بأن الفرنسيين مُنقسمين الفرنسيين حول نشرها. من أبرز ما نُشر في خضمّ هذا الجدال، تحقيق عن جُذُور السّلفية في فرنسا، أجرته الكاتبة برنديت سوفاج (Bernadette Sauvage) لصحيفة ليبراسيون. مما جاء في التّحقيق أن السّلفية نبتت بفرنسا بداية تسعينات القرن الماضي بفعل "نشاط قُدماء مُناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين فروا من قمع النظام الجزائري (...) ونشاط طلبة تلقوا تعليمهم في السعودية عن طريق نشاط طلبة تلقوا تكوينهم في جامعات العربية السعودية، هذا البلد الذي يُوفّر منحا سنوية لطلبة قادمين من فرنسا"، بحسب عالم الاجتماع، سمير أمغار. وبحسب الصحيفة، فمع بداية سنة 2000، تبنّت بعض المجموعات المحسوبة على التيار السلفي إستراتيجية تقضي ب"احتلال المساجد" لنشر أفكارها التي تكللت نوعا ما بالنجاح. وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا تضم ما يقرب من خمسين مسجدا يطغى عليها الفكر السّلفي من بين الألفي مسجد المُتواجدة على التراب الفرنسي. وأشارت الصحيفة بالخصوص إلى أن "مسجد فيليي سور مارن (Villiers-sur-Marne) بضواحي باريس أصبح يتمتع بإشعاع ملفت، خاصة وأن إمامه، الداعية التونسي الأصل الشيخ البشير، كان يتمتع بشخصية كاريزمية. لكنه قرر العودة إلى بلاده العام الماضي ليُشرف على أحد المساجد هناك وقد أصبح، بحسب أحد المختصين، أحد المُخاطبين المُفضلين لدى حزب النهضة الحاكم في البلاد". واعتبرت الصحيفة أن "التيار السّلفي الحديث النشأة داخل المشهد الإسلامي الفرنسي نجح خلال العشر سنوات الماضية في استقطاب العديد من الأتباع، خاصة من بين أبناء المهاجرين، الذين تحدوهم رغبة في العودة إلى التشبث بمبادئ الدين". وأشارت إلى أن "التكتيك الثاني" لهؤلاء السّلفيين تمثل في "مُعارضة رجال الدين المحليين الذين كانوا ينادون باندماج الإسلام في الجمهورية". وأوضح سمير أمغار أن بعض السّلفيين الفرنسيين اختار طريق الهجرة نحو بلدان شهدت نشأة أحزاب سلفية، مثل تونس ومصر، ل"الهروب من المُجتمعات الغربية الكافرة. وقد رحل بعضهم فعلا نحو بلدان المغرب العربي أو الخليج". وأشار الكاتب بنجمين بارت (Benjamin Barthe) في صحيفة لوموند إلى أن "السّلفيين انحشروا في تيّار الإخوان المسلمين الذي أصبح حاكما في مصر وفي تونس، ويُظهر نفسه على أنه مُعتدل وفسح مجالا صغيرا للتعبير. وأصبح السّلفيون يُشكّلون واجهة المُعارضة لمثل هذه الأنظمة التي أفرزها الربيع العربي ووجدوا الفرصة السانحة لهم من أجل زعزعة استقرار منافسيهم الذين أصبحوا قادة هذه الأنظمة الحديثة النشأة". وهل يستوي الحجاب بالقلنسوة؟ وفي غمرة الغضب الإسلامي والهوس الإعلامي اندفعت مارين لوبين، زعيمة "الجبهة الوطنية"، حزب أقصى اليمين الفرنسي، لرُكوب الحدث والنّقر على وترها المُفضّل، وجازفت بالمُطالبة بحظر اعتمار القلنسوة اليهودية على غرار الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة في فرنسا. وقالت لوبين في مقابلة مع صحيفة لوموند "من البديهي أنه إذا ما منعنا ارتداء الحجاب، فعلينا أن نمنع اعتمار القلنسوة في الأماكن العامة"، مؤكدة أن هذا المنع يجب أن يطبق في "المتاجر ووسائل النقل والشوارع". ودعت إلى "التطبيق الصارم لقانون 1905" حول العلمانية. وأضافت "لا تمويل بعد الآن للمساجد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لا للتمويل الأجنبي بعد الآن. باستثناء الحالات المحددة في اتفاقيات المعاملة بالمثل". وفجّرت لوبين بركان غضب أعظم عشية انطلاق الجامعة الصيفية ل"لجبهة الوطنية" في الوضع المُضطرب الذي تعيشه فرنسا منذ أشهر. وتساءل العديد من فرنسيين "كيف هي تضع على قدم المساواة الرموز الدينية للإسلام واليهودية؟". وكان الرئيس فرانسوا هولاند في طليعة منتقديها، حيث وصف دعوتها هذه بأنها دعوة "للتقسيم والتفريق والتمزيق" وبأنها "خطأ بحق الوطن". وأضاف هولاند على هامش تدشين نصب تذكاري لضحايا المحرقة النازية في درانسي (شمال شرق باريس) أن "كل ما يمزق ويقسم ويفرق هو أمر أخرق، لذلك من الضروري تطبيق القواعد. والقواعد الوحيدة التي نعرفها هي قواعد الجمهورية والعلمانية". ووصل الأمر بأحد وزرائه إلى اتهام لوبين ب"الأصولية".