طرابلس – قالت صحيفة "العرب" اللندنية أن هناك "لعبة قطرية" حالت دون مشاركة الليبراليين في الحكومة الليبية الجديدة. وذكرت الصحيفة في تقرير على صدر صفحتها الأولى في عددها الذي يصدر الجمعة "أن حالة من الغضب تسود في الأوساط الليبية بعد ما وصفته تقارير بتدخل خارجي ضغط بكل قوة لإخراج الليبراليين من الحكومة التي أعلن عنها مصطفى أبو شاقور". ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من "المؤتمر الوطني" قولها إن نوابا ينتمون إلى تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق محمود جبريل قد وصفوا ما جرى بأنه لعبة خارجية تم فيها الضغط على المستقلين وممثلي القبائل كي ينحازوا إلى صف الإخوان المسلمين. وأضافت المصادر أن أحد النواب وجه اتهامات صريحة لقطر بأنها تدخلت بالمال وأغرت المستقلين لتغيّر من موازين القوى داخل المؤتمر الوطني، وتقطع الطريق أمام غالبية كان سيحوزها الليبراليون، وهو ما يفسر رفضهم الدخول في الحكومة التي شكلها أبو شاقور. وقال النائب الذي تكتمت المصادر على اسمه، خوفا من استهدافه من المجموعات المتشددة، إن حكومة تهيمن عليها مجموعات مرتبطة بقطر لا يمكن أن تكون لها أي صلاحيات. يشار إلى أن اتهامات سابقة قد وجهت الأصابع إلى الدوحة بدعم مجموعات إسلامية مختلفة سواء بالسلاح أو بالمال خلال الثورة أو بعدها، وأن هذه المجموعات أصبحت تهدد خصومها بالاختطاف والقتل إذا لم يصمتوا على دورها. وشهدت مدن ليبيا العديد من التصفيات لشخصيات عسكرية وأمنية ومواطنين حاولوا أن يقفوا في وجه سطوة هذه المجموعات، ما حدا بهذه المدن إلى أن تنتفض في مسيرات كبيرة مطالبة بوضع حد لهذه المجموعات. وعرض رئيس الوزراء الليبي مصطفى أبو شاقور على "المؤتمر الوطني الليبي" تشكيلة حكومية تضم 29 وزيرا بينهم امرأة، وبينهم عدد كبير من أعضاء الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها برئاسة عبد الرحيم الكيب. واشترط تحالف القوى الوطنية في رسالة مفتوحة الحصول على تسع حقائب وزارية وتبني برنامجه، لكن طلبه قوبل بالرفض ما جعله يقاطع المفاوضات مع أبو شاقور. ويضم تحالف القوى الوطنية أكثر من 40 حزبا صغيرا ليبراليا، ويشغل 39 مقعدا في البرلمان من أصل 80 مخصصة للأحزاب السياسية. وقال أعضاء إن الحكومة ضمت أسماء غير معروفة، وإن أبو شاقور لم يقدم برنامجا يحتكم إلى استشارة مختلف المجموعات البرلمانية والحزبية على قاعدة التوافق الوطني. واختار أبو شاقور على رأس وزارة النفط مبروك عيسى بوهرورة الذي عمل من قبل في شركة زويتينة النفطية وأيضا في قطاع النفط في الخارج. وكان كثير من المسؤولين في القطاع توقعوا بقاء الوزير المؤقت عبد الرحمن بن يزة. واختار أبو شاقور أيضا ثلاثة نواب لرئيس الوزراء أحدهم من بلدة الزنتان الغربية وآخر من الجنوب والثالث من الشرق في خطوة ينظر إليها على أنها تهدف إلى تهدئة للتنافسات الإقليمية. وعين عمر الأسود وزيرا للداخلية وعبد السلام جاد الله العبيدي وزيرا للدفاع. والعبيدي من بنغازي وهو ضابط سابق في الجيش انشق في بداية الانتفاضة التي اندلعت ضد معمر القذافي. كما عين عبد الله شامية وهو سجين سابق في عهد القذافي حيث كان عضوا في حركة الإخوان المسلمين المحظورة آنذاك وزيرا للمالية. ودرس شامية الاقتصاد في جامعة بنغازي. ويتخوف جزء واسع من الليبيين من أن تكون العملية السياسية مجرد لعبة لتأكيد هيمنة أطراف خارجية على الثورة وإفراغها من محتواها، وإعادة رهن ليبيا إلى الخارج من جديد. واقتحم محتجون مقر المؤتمر الوطني العام في ليبيا الخميس احتجاجا على تشكيلة الحكومة التي اقترحها رئيس الوزراء الجديد قائلين انها لا تعكس تمثيلا كاملا للبلاد ودعا مغردون على "تويتر" ومشتركون في "فيسبوك" إلى حملة وطنية واسعة ضد كل المجموعات والشخصيات التي ترتبط بالخارج، وهناك تركيز على المال القطري الذي يتدفق بشكل متواصل على شخصيات نافذة وتحرك المشهد السياسي من وراء الستار، وكان لها تأثير على مجموعات الثوار التي رفضت مباشرة بعد الثورة نزع سلاحها. ويقول مراقبون إن مخاوف الليبيين زادت بعد مقتل السفير الأميركي وثلاثة من معاونيه في بنغازي، ووقوف مجموعات سلفية متشددة مرتبطة بالقاعدة وراء الحادث. وتحاول المجموعات السلفية، التي استفادت من سقوط نظام القذافي، أن تجعل من ليبيا ساحة لخوض معاركها الخارجية وتنفيذ أجندات مموليها. وأشارت تقارير دولية إلى أن "القاعدة"، التي تم إضعافها في أفغانستان، تبحث عن ملاذ جديد وأنها جعلت من بلدان "الربيع العربي" هدفا لها، وبالذات ليبيا ذات المساحة الواسعة. ويتوقع مراقبون أن تبادر واشنطن إلى ممارسة ضغوط قوية على قطر للحد من سياستها في دعم الحركات الإسلامية بشمال أفريقيا، والتي يرى مسؤولون أميركيون أنها لم تنتج سوى مجموعات متطرفة تستهدف المصالح الأميركية بدل أن تدفع هذه الحركات إلى الاعتدال. وأضاف هؤلاء أن تصفية السفير الأميركي في بنغازي على يد مجموعات استفادت من دعم قطري للإطاحة بالقذافي كانت رسالة بليغة إلى واشنطن مفادها أن الاستثمار في الإسلام السياسي يمثل خطرا استراتيجيا على مصالحها بالشرق الأوسط.