أخذت "مجزرة الوظائف والرواتب" الصحفية منحى جديدا عندما وافق أعضاء نقابة الصحافيين في صحيفة "نيويورك تايمز" على عقد جديد يظل ساري المفعول حتى آذار(مارس) 2016 وينص على زيادة طفيفة في الأجور وإعادة تنظيم رواتب التقاعد. ويأتي قرار "ترضية" الصحفيين كنوع من الحل في أشهر الصحف الأميركية بعد أسابيع من استلام مارك تومسون رئاسة التحرير واستقالته من إدارة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". وقال ستيف بيرمن أحد المسؤولين النقابيين "لسنا فرحين كليا، لكننا حصلنا على أكثر مما كان معروضا علينا قبل 20 شهرا". وأضاف "لم نحصل على العرض الذي نستحقه، لأننا أفضل صحافيين في العالم، لكن في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة نأمل أن يساعدنا تضامننا على إبرام عقد أفضل في المستقبل". وتراجعت عائدات الإعلانات في الصحيفة الورقية، لكن هذا الانخفاض يعوض جزئيا من خلال ارتفاع الاشتراكات الإلكترونية. وسبق وان قررت "نيويورك تايمز" فرض رسوم مقابل الأخبار التي تنشر على الإنترنت مجازفة بتقليل حجم مستخدميها مقابل الحصول على مكاسب محتملة من خلال أيرادات الاشتراكات. وسيدفع اي مستخدم للانترنت يقرأ أكثر من 20 مقالا على موقع "نيويورك تايمز" الالكتروني اشتراكا يختاره من بين ثلاثة مقترحات: 15 دولارا في الشهر لولوج الموقع الالكتروني من خلال جهاز كمبيوتر او هاتف نقال او 20 دولارا للولوج الى الموقع من خلال جهاز كمبيوتر او جهاز لوحي او 35 دولارا للولوج اليه من أي وسيلة رقمية. وعرضت صحيفة "نيويورك تايمز" صيغتها المدفوعة لنسخاتها الرقمية التي تراهن عليها لتعويض تراجع عائدات نسخها الورقية وهو رهان سيراقبه منافسوها بحذر. وقالت ايلين مورفي الناطقة باسم الصحيفة الاميركية ان "نيويورك تايمز تبقى الموقع الاول بين الصحف في العالم". ويحصي موقع "نيويورك تايمز" الإلكتروني بحسب بياناته الخاصة نحو 50 مليون زائر شهريا وكذلك على صفحات "الرأي" في النسخة الورقية للصحيفة. ويتلقى الموقع اكبر عدد من الزيارات بين مواقع الصحافة الأميركية مع 3.85 % من السوق متقدما على "يو اس ايه توداي" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" الصحيفة الرئيسية الوحيدة التي تفرض رسما على نسختها الرقمية. وسبق وان أقدمت شبكة "إن بي سي" الأميركية على "مجزرة وظائف" وتخفيض أجور مقدمي برامج شهيرة، في محاولة منها لتوفير أموال لتقديم محتوى متميز تنافس فيه الشبكات ألتلفزيونية وتنافسها المتصاعد مع الانترنت. واستغنت شبكة "إن بي سي" الأميركية عن خدمات 20 إلى 25 موظفاً وعمدت إلى تخفيض أجر مقدم البرامج الشهير "جاي لينو" لتفادي صرف عدد أكبر من الموظفين. وذكرت مصادر صحفية أن لينو "62 عاما" تبرع بتخفيض راتبه 30 مليون دولار للمحافظة على أكبر قدر من العالمين وعدم الاستغناء عنهم. وتسعى إدارة الشبكة الى تخفيض ميزانية إنتاج برنامج "جاي لينو شو" من 2.3 مليون دولار إلى 1.7 مليون دولار، عندما كانت ميزانيته قبل ان يقدمه لينو. وبشكل عام فان عائدات الاعلانات في مواقع الانترنت الأميركية التي تشهد ارتفاعا تجاوزت للمرة الاولى في 2010 عائدات النسخ الورقية للصحف التي تتراجع بحسب مكتب الاستشارات "اي ماركتر". ووصلت إلى 25.8 مليار دولار للاولى في مقابل 22.8 مليار دولار للثانية. وتشهد مهنة العمل الصحفي أسوأ أزمة في تاريخها مع تنافسها مع المواقع الالكترونية وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. وسبق وان وضعت دراسة منهجية وظيفة المراسل الصحفي والمذيع التلفزيوني بين أسوأ الاعمال وعدم اختلافها عن غسال الصحون والنادل وحتى بائع اللحم "القصاب". وذكرت الدراسة التي أعدها موقع "كارير كاست" المتخصص بشؤون الوظائف لأفضل وأسوأ الوظائف في عام 2012، ان التوظيف في الغرف الإخبارية أصبح في أدنى مستوياته منذ 34 عاماً. وجاءت وظائف متصلة بالبرمجة والكمبيوتر ضمن قائمة أفضل 15 وظيفة، الأمر الذي قد يسفر عن تقاطع وظيفتي الصحافة والمعلومات مع وظائف جيدة لبعض أنواع وسائل الإعلام التي تعتمد على المحتوى المتميز. وأعتمدت الدراسة في تحديد تصنيف أفضل مئتي وظيفة لعام 2012 على معايير البيئة، والدخل، والتوقعات، والإجهاد البدني والمطالب. وانحدرت وظيفة المراسل الصحفي في الاستطلاع إلى قاع الوظائف من خلال النظر في مجموعة عوامل "الضغط"، والتي تتضمن المخاطر المهنية التقليدية "المواعيد، والقدرة التنافسية، وتعريض حياة المرء للخطر" إضافة إلى عدم توفر عدد كاف من الوظائف. واشارت الدراسة التي قدمت خلاصتها "شبكة الصحفيين الدوليين" الى انه لم يبق أحد لم ينافس الصحفيين على وظائفهم مما جعلها واحدة من أسوأ المهن على الإطلاق ولا يمكن مقارنتها إلا بمهن نادلي المطاعم والقصابين الذين يقضون وقتهم في تقطيع اللحم وتكسير العظام. وتشغل صناعة الإعلام "المزدهرة" أقل عدد من الصحفيين في تاريخها سواء أكانوا من محرري الأخبار في مركز المؤسسة الصحفية أو في الميدان. وواجه الصحفيون تراجعا كبيرا في فرص عملهم بعد أن أدى التحول نحو الإعلام الالكتروني إلى تراجع الاهتمام بالصحف والمحطات التلفزيونية، وتحول الاهتمام الى الاعلام الترفيهي. وقبل ان يستفيق الصحفيون من أزمتهم "الالكترونية"، قضت الأزمة المالية العالمية على آفاق الإعلان مما أجبر كل المؤسسات الصحفية على تقليص الكادر والاعتماد على تدوير الأخبار وترشيق الصحيفة الورقية وتقليص ساعات الأخبار. وكأن الإنترنت والأزمة المالية العالمية لم تكونا كافيتيين، ها هو الصحفي المواطن الذي يحمل كاميرا في هاتفه ويرتبط بشبكة عملاقة من المهتمين عبر الفيسبوك والتويتر، يسرق السبق الصحفي من المراسل المحترف. ولكن ماذا يفعل الصحفيون؟ وفي اجابة على هذا السؤال قال متابع متخصص في تحليل الرأي ل "ميدل ايست اونلاين" "تبدو الخيارات قليلة وكلها تعتمد على التحليل والمواقف من الأخبار، فعالم اليوم ما عاد يحتمل المناطق الرمادية". وعبر عن خشيته ان تجعل هذه المعطيات المحرر والكاتب الصحفي ومقدم البرامج أكثر عدوانية، ولكنه أكثر قلقا. وأضاف "المنطقة الرمادية في الصحافة تحمي الصحفي، لكن المواقف تدفعه الى المواجهات اليومية مما يزيد من حجم الضغوط النفسية عليه ويرفع من احتمالات أن يكون مستهدفا بالفصل او الاستبعاد او القضايا القانونية". وشدد المحلل والتدريسي في أحدى جامعات لندن ويدير مؤسسة صحفية بقوله "إذاً القلق هو ما يطارده، القلق من فقدان الوظيفة بسبب أنه فائض عن الحاجة، أو القلق من فقدان الوظيفة لأن عائدات الإعلان ما عادت تكفي، او القلق من فقدان الوظيفة لأن معدة المؤسسة الصحفية لا تهضم الكثير من القضايا القانونية والمشادات السياسية التي تؤطر شكل الحياة اليوم". واتفق المتابع الذي فضل الاحتفاظ باسمه مع نتائج الاستطلاع بأن مكان المراسل الصحفي محجوز في قاع الوظائف. وذكر الاستطلاع الذي أعده "كارير كاست" ان "العالم الإلكتروني سيستمر في هيمنته وفي توفير المعلومات وفق الطلب، وبالتالي فإن الحاجة إلى الصحف المطبوعة ونشرات الأخبار اليومية تأخذ في التضاؤل" وأضاف "ومن المؤكد أن وظيفة المراسل الصحفي والمذيع كانت تبدو براقة في يوم من الأيام، ولكن الضغط الوظيفي، وتراجع فرص العمل ومستويات الدخل، أدى إلى وضعها على قائمة أسوأ الوظائف". وأتفق صحفي واحد على الأقل مع التقييم الذي توصل له استطلاع موقع "كارير كاست". وقال ديفيد كامبل، المراسل والمحرر في جريدة بنسلفانيا "يمكنك أن ترى بالتأكيد تراجعاً في هذه المهنة. وبصفتي مراسلاً رياضياً، فقد كان يتواجد عادةً عدد من الصحفيين لتغطية الحدث، أما الآن، فإنني أكون وحدي فقط في بعض الأحيان". وأضاف "لا يبدو أن جيل شباب اليوم يهتم بالأخبار، وإذا اهتموا بها، فسيهتمون أكثر بالمشاهير وهوليوود، وليس بما يجري في مدنهم". للتواصل مع كرم نعمة [email protected] ميدل ايست أونلاين