بمبادرة من المملكتين المغربية والسعودية أقرت اليونسكو (المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة)، اتخاذ اليوم الثامن عشر ديسمبر/كانون الأول من كل سنة يوما عالميا للغة العربية. ونحن إذ نعبر عن اعتزازنا وفخرنا المشروع بهذه المناسبة عميقة الدلالة، فإننا نرى أن خير خدمة نقدمها للغة الأمة العربية والإسلامية في هكذا سياق، هو أن ننكب على دراسة واستجلاء واستقراء المناهج والطرق والوسائل الكفيلة بإعادة الاعتبار إليها، وإحلالها المكانة الرفيعة التي تليق بها. وغني عن القول إننا لسنا في حاجة إلى تدبيج قصائد الثناء والمدح في حق هذه اللغة العظيمة، كما اننا لسنا معنيين بالدفاع الحماسي المندفع عنها، والوقوف في وجه أعدائها الظاهرين والمستترين. إن اللغة العربية أقدر إلى أبعد مدى على أن تواجه الأعاصير والمسلكيات المغرضة والرخيصة! وفي المقابل كثيرة هي الندوات والمؤتمرات والتظاهرات الثقافية التي أقيمت سواء داخل الوطن العربي او خارجه، للتنديد بالتهميش الممنهج والمكائد التي تحيط بها من كل حدب وصوب، ندرك أن جهات أجنبية وداخل الاقطار العربية تروم تحجيم العربية والحد من انتشارها لدواعي سياسية واقتصادية ضيقة الأفق، عبر عديد من المزاعم أقلها أن اللغة العربية متحجرة ومنغلقة على نفسها، وغير قابلة لمجاراة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الرهيبة، وعاجزة عن احتضان مفردات العولمة وانفجار الثقافة الإلكترونية. والواقع أن وضع العربية المأساوي مقلق وينذر بنتائج وخيمة قد يؤدي العرب قاطبة بسببه الثمن غاليا، إذا لم يسرعوا من أجل وضع حد لحالة التسيب وانعدام المسؤولية اللذين أصبحا يسيجان راهن المعطى اللغوي عندنا. فإذا اقتصرنا على تأمل الميدان التعليمي لاستخلصنا نتيجة مؤلمة؛ مفادها أن المتعلمين وغالبية المدرسين تعوزهم القدرة على التواصل اللغوي السليم والفصيح شفهيا وكتابيا، ويحتاجون إلى بذل جهود من العيار الثقيل لمعالجة هذه الإعاقة التي تؤثر على وعي الفرد وإدراكه لذاته والعالم المحيط به. تماما كما هو الشأن بالنسبة لمجال الإعلام السمعي البصري - الورقي والإلكتروني، الذي وصل فيه الاستهتار باللغة العربية حدا لا يطاق، حيث الأخطاء الإملائية والصرفية والنحوية والمعجمية أضحت القاعدة! وقد أسهمت في إضعاف اللفظ العربي المبين ثلة من جمعيات المجتمع المدني/الأهلي، الداعية إلى تجاوز "معاناة" اللغة العربية عبر الاستعانة باللغات الاجنبية واللهجات المحلية، بدعوى أن هناك هوة سائرة في الاتساع بين المواطن العربي ولغته الاصلية. وبعيدا عن الركون إلى فكرة المؤامرة يمكن القول إن إصلاح أعطاب لغتنا الجميلة بيد أبنائها، وفي هذا المضمار يتعين تكثيف الجهود العربية الرسمية والشعبية، من أجل إحداث ثورة جذرية وتغيير هيكلي في المعطى اللغوي العربي، وغني عن الإشارة التنبيه أن رفوف المجمعات والمؤسسات العربية ذات الصلة بالموضوع المعني بالأمر حافلة بالاقتراحات والتوصيات والتقارير عالية الجودة، ولا تنتظر سوى الأجرأة وترجمتها ميدانيا وتنفيذها في الواقع الملموس. إن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية على الرغم من أهميته الرمزية، لا يمكن أن يحمل أي قيمة مضافة من دون تخطيط استراتيجي عربي يروم إقلاعا حقيقيا وليس مناسباتيا، يستند إلى سياسة الدعم من اجل الإبداع و الابتكار والإنتاج، وتشجيع القراءة وتكريم الكتاب والمبدعين الذين خصصوا قسطا وافرا من عمرهم للكتابة والتفكير عربيا، وتطعيم وسائل الاتصال الحديثة وبالخصوص الوسائط السمعية – البصرية بالبرامج الحوارية والدرامية والثقافية الراقية ب "لسان عربي مبين". والعمل على الرفع من وتيرة أداء التعليم العربي وتجويده وجعله معمما وملزما في التعليم العمومي والخاص، وإعادة النظر المستمرة في الطرق والوسائل البيداغوجية، والاستعانة بالنظريات والمعطيات التربوية الكونية، وسن قوانين تحمي اللغة العربية من المقامرين بالمصالح العليا للأمة، وتجريم من يخوض حربا ضدها بالوكالة! إن الرقي المنشود لا يمكن أن يتجسد خارج لغة الأمة، وكما قال البروفسور المغربي المهدي المنجرة: "لا توجد أي دولة في العالم انطلقت في المجال التكنولوجي دون الاعتماد على اللغة الأم". الصادق بنعلال كاتب من المغرب [email protected] ميدل ايست أونلاين