ردود أفعال شاجبة ومنتقدة، صوَّبت جام نقدها لقانون النظام العام على خلفية نشر فيديو لجلد فتاة بإحدى محاكم النظام العام فيما بات يعرف ب(فتاة الفيديو) المتداول على المواقع الإلكترونية، وإنتظم المجتمع المدني حراك محموم للعمل على إلغاء هذا القانون، فيما شكلت هيئة قيادة الشرطة برئاسة الفريق العادل العاجب المدير العام بالإنابة لجنة تحقيق برئاسة العميد شرطة يوسف المأمون للوقوف على الحقائق بشفافية وحسم؛ غير أن رئيس الجمهورية قطع الطريق، وبحسم بقوله في لقاء جماهيري بمدينة القضارف: (كل من يرى أن جلد الفتاة أمر مخجل ومسيئ يجب أن يراجع نفسه ويجدد إيمانه.. لا مجاملة ومداهنة في تطبيق الحدود الشرعية وكل من يخالف حدود اللّه سيُعاقب بالجلد أو قطع الأيدي من خلاف أو الصلب)! وعاد الرئيس ليؤكد مجدداً لدى حديثه في إفتتاح كوبري الحلفايا كرري بأن: “(الحدود البتغيظ الناس ديل بنطبقا" و"نحن بنجلد حداً وتعزيراً".. حادثة أخرى، لا تقل (بشاعةً) عن حادثة (فتاة الفيديو) جرت مؤخراً وكلَّفت ولاية الخرطوم تقديم إعتذار رسمي لمواطن وزوجته، وذلك في أعقاب مداهمة الشرطة لمنزل المواطن (أسعد الريح) وإلقاء القبض عليه وعلى زوجته بتهمة القيام بأعمال فاضحة وإقتيادهم بما يرتدون من ثياب، ليتبين لاحقاً أن الإثنان متزوجين، الأمر الذي حدا بوالي ولاية الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر لتقديم اعتذار رسمي للمواطن، بعد أن تأكد لاحقاً للشرطة صدق المواطن بعد أن قدم للسلطات وثيقة زواج رسمية. ويعتبر قانون النظام العام لسنة 1996م من أكثر القوانين السودانية، إثارةً للجدل، ويعترف كبار مسئولي الدولة والتنفيذيين بضرورة تغييره، صدر القانون ك(أمر ولائي) في 1996م، ويحتوي القانون على إشكالات كبيرة، من الناحية القانونية والإجتماعية والثقافية، ووضع في سياق دولة شمولية ذات أحادية ثقافية (نظام الإنقاذ الوطني)، وتشير دراسة أعدها الخبير القانوني نبيل أديب والأكاديمي والناشط عمر القراي والناشطة النسوية ناهد جبر الله (صياغة المجتمع بالسوط) الصادرة عن دار مدارك للنشر بالقاهرة، إلى أن القانون يمثل أداة لإستخدام العنف ضد النساء، ويخلط بين مفهومي “التحريم" و"التجريم" عبر الخلط بين الأخلاق والدين والقانون كما تشير نصوص القانون نفسه، كما أن القانون يكرِّس بجلاء لا يدانيه الشك لذهنية الإسترابة من الأنثى بإعتبارها مصدراً ل(الغواية) بجانب غموض الفعل المكون للجريمة وتجريمه لأفعال لا ضرر منها، بجانب إنعدام المعقولية وإختلال المعايير التي تقوم عليها مواد القانون وغموض نصوصه، وبعبارة رشيقة يلخِّص القانوني نبيل أديب قانون النظام العام ب(قانون تجريم الأنوثة). وغير آراء الناشطين والقانونيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يلقى قانون النظام العام، حظاً غير يسير من النقد داخل كابينة القيادة الخاصة بنظام المؤتمر الوطني الحاكم، فسبق وأن وجهت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي أميرة الفاضل نيراناً كثيفة نحو القانون في وقت سابق من هذا العام، وقالت أن قانون النظام العام يحتاج إلى إعادة نظر وتعديل، وأضافت للزميلة (الرأي العام) أن القانون أسيء استخدامه ضد المرأة، مضيفةً بأن والي الخرطوم مقتنع تماماً بضرورة تغيير هذا القانون، وقالت أميرة إن القانون الجنائي في السودان لم يَتضمن الاغتصاب كجريمة منفصلة، وكشفت عن سعي وزارتها لإعداد مقترحات لتعديل القانون الجنائي باعتبار أن المادة الموجودة فيه تتحدث عن الزنا وتغفل الاغتصاب، وأكدت أميرة أن المرأة في السودان تعامل بقدر كبير من الاحترام، لكنها أشارت إلى أخطاء فردية تحدث أحياناً من بعض الأفراد، وطالبت بضرورة معاقبة من يجنحون لارتكاب الجريمة ضد المرأة. من جانبه، أقر والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم بضرورة إدارة حوار حول قانون النظام العام بمشاركة المعنيين بالتشريعات القانونية والشريعة الإسلامية، للوصول إلى صيغة إجماع حوله. وأعترف خلال لقاءه التنويري مع الاعلاميين بحسب (السوداني، فبراير 2012) بوجود بعض القضايا التي تحتاج الى موازنات حتى لا يتم التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين بما يعتبر انتهاكاً للحريات الخاصة. وتشير الناشطة أروى الربيع إلى أن أخطر ما في قانون النظام العام كمية السلطات التقديرية الممنوحة لمنقذ القانون، بجانب المصطلحات الفضفاضة التي تشتمل عليها من “الحشمة"، مضيفة بأن غالبية المحاكمات تتم بصورة إيجازية دون شهود دفاع أو وجود محامي للمتهمين، إضافة إلى أن الأحكام تكون فورية ويتم تنفيذ العقوبة، دون منح حق الإستئناف، وقالت عادة مايكون الشرطة الشاكي والشاهد، وفقاً لتقديراته الذاتية. وأوصت دراسة إجتماعية نفسية حول القانون بعنوان (بحث حول عنف قانون النظام العام على المرأة) بضرورة تضافر الجهود لإلغاء القانون نظراً لكونه يشكل إنتهاكاً فظَّاً للحقوق الإنسانية والسلامة البدنية والنفسية للأفراد، لا سيما النساء منهم، ويمثل وصاية غليظة على المجتمع ويهدر كرامة الأسر؛ بجانب رفع وعي الأسر لكيلا تستشعر الحرج والوصمة حال توقيف بناتها، مما يدفعها إلى المواقف السلبية والإنهزامية والميل للسكوت على الضيم والصمت والتغطية وعدم الإحتجاج، مما يؤدي لحالة من التعايش مع الظلم وقتل روح العدالة في المجتمع، بجانب توفير الدعم القانوني للضحايا وربطه بالدعم النفسي والإجتماعي. الميدان