توقع مستشار الرئيس السوداني، مصطفى عثمان إسماعيل، التوصل لاتفاق سلام شامل في دارفور تحت سقف الدوحة قبل نهاية الشهر الجاري، لافتاً إلى أنه في حال كانت «العدل والمساواة» و»تحرير السودان» ترغبان في تحقيق مصلحة أهل دارفور فسوف تنضمان إلى الاتفاقية في النهاية. وفي حين رأى إسماعيل في تصريحات صحافية أدلى بها أمس، أن التأخر في حسم عملية سلام الإقليم إلى ما بعد استفتاء الجنوب قادر على إدخال دارفور في تعقيدات الاستفتاء، أعلن بالمقابل أن انفصال الجنوب أصبح وارداً ولكنه ليس حتمياً، وإن عبر عن قناعته بأن القاعدة الجنوبية ستصوت لصالح الوحدة إذا ما أعطيت حرية وشفافية للتصويت. مستشار الرئيس السوداني الذي وصل عصر أمس إلى الدوحة حاملاً رسالة خطية من الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، لحضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير البلاد المفدى، تتعلق بالعلاقات الثنائية المتطورة بين البلدين، والقضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لتكون فرصة أيضاً لوضع سموه في أجواء تطورات الأوضاع في السودان لا سيما تلك المتعلقة بملفي اتفاقية السلام الشامل والاستفتاء، إضافة إلى الأوضاع في دارفور. وتتضمن أيضا الرسالة التي يفترض أن يسلمها إسماعيل إلى سموه يوم غد الاثنين جانبا آخر مهماً، وهو مشاركة قطر في المؤتمر الدولي للمانحين والمستثمرين في شرق السودان والذي تستضيفه الكويت في الأول والثاني من ديسمبر المقبل، وذلك كترجمة لاتفاقية السلام الشامل في شرق السودان الموقعة في أكتوبر 2006، أي بعد مضي حوالي 4 أعوام من توقيع الاتفاقية في العاصمة الإريترية أسمرة التي شاركت فيها قطر بوفد عالي المستوى، لتسهم في هذا الإطار بتنفيذ مشاريع إنسانية بواسطة قطر الخيرية. ووفقاً لإسماعيل يأتي المؤتمر في وقت نفذت فيه الاتفاقية بالكامل في شرق السودان، سواء لجهة توزيع السلطة أو الترتيبات الأمنية، أو توزيع الثروة، حيث تم الاتفاق بالتنسيق مع المسؤولين القطريين على عقد المؤتمر في الكويت، معتبراً أن المؤتمر المرتقب يتميز عن غيره من المؤتمرات بكونه موجهاً للمانحين والمستثمرين على حد سواء. وعلى صعيد متصل يلتقي إسماعيل مساء اليوم أعضاء غرفة التجارة ورجال الأعمال والمستثمرين القطريين في فندق رتاج الريان، ليعرض عليهم المشاريع المقترحة، ليجتمع أيضا خلال زيارته التي تستمر يومين بعدد من المسؤولين في منظمات خيرية. وستكون زيارة إسماعيل للدوحة فرصة لمتابعة ومراجعة الاستثمارات القطرية في السودان الذي يشهد طفرة في المجالات كافة الزراعية والعقارية والثروة الحيوانية. وقال «تقود شركة حصاد مشروعاً قطرياً ضخماً جداً في المجال الزراعي، كما تعمل شركة الديار القطرية على تنفيذ مشروع عقاري كبير أيضا على ضفاف النيل، وقد قطع أشواطاً كبيرة. وفي مجال الثروة الحيوانية تنفذ شركة مواشي عدداً من مشاريع التسمين والتصدير»، متوقعا أن يلعب المستثمرون القطريون دورا كبيرا جدا في الاستثمار في المنطقة الشرقية الغنية بالثروات، ليؤكد في السياق عينه أنه بناء على توجيه مباشر من الرئيس البشير هناك حرص سوداني على التعاون مع قطر لتوفير الأمن الغذائي ليس فقط للشعبين القطري والسوداني، وإنما للتصدير لأسواق المنطقة. سلام دارفور ويتابع السودان عن قرب -وفقا لإسماعيل- جهود الوساطة القطرية من أجل تحقيق السلام في دارفور، متوقعا التوصل لاتفاق في هذا الإطار قبل نهاية الشهر الجاري. وقال» نقدر بشكل كبير قطر أميراً وحكومة وشعباً، لجهودها الهائلة المبذولة، وها نحن نشهد الآن نهايات قضية دارفور، حيث نتوقع في ما تبقى من أيام هذا الشهر أن نصل إلى اتفاق سلام خاص بدارفور، وهو ما يعد إنجازاً كبيراً للقضية التي أرقت العالم الذي لم يستطع التوصل لحل لها، مقارنة بجهود قطر التي تقود مسيرة الوصول إلى اتفاق سلام بإصرار وعزيمة وتنسيق إقليمي ودولي». تفاؤل الخرطوم بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل في دارفور بنهاية الشهر الجاري في ظل غياب حركتي العدل والمساواة و»تحرير السودان» عن مفاوضات الدوحة، يقرنها إسماعيل باستيعاب منبر الدوحة للقوى الدارفورية الداخلية التي كانت مهملة ومهمشة، والتي سينعكس رأيها في الاتفاق الذي سيتم الوصول إليه. أما العامل الآخر الذي يستند إليه إسماعيل فيرتبط بالأوضاع على أرض الإقليم التي تشير كلها إلى أن دارفور ماض إلى السلام والأمن. وقال «طالما سيلبي الاتفاق الذي سنصل إليه رغبة أهل دارفور، فسيكون له إمكانات الثبات، ومن أراد في أية لحظة أن يأتي وينضم إلى هذا الاتفاق فنحن قطعا لن نقف في وجهه». وأضاف «سيذهب هذا الاتفاق بعد أن ينتهي من الدوحة إلى أهل دارفور الذين سيشكلون العماد الرئيسي لإنجاح تنفيذه». وتتابع الخرطوم وفقا لإسماعيل ما يجري في الدوحة وما يدور أيضا على أرض دارفور، لافتا إلى أنها على علم بمدى تراجع فصيلي خليل إبراهيم وعبد الواحد، حيث ينضم يوميا بعض المنتسبين إليهما إلى مسيرة السلام. وقال «في النهاية إذا كان فعلا يرغب كل من خليل وعبد الواحد في مصلحة أهل دارفور وفي استقرار الإقليم، فسوف ينضمان إلى هذه الاتفاقية في النهاية»، معتبرا في رده على سؤال حول ما إذا كانت الاتفاقية المزمعة ستسير بوجودهما أو لا، أن الاتفاقية الموقعة ستكون للجميع، وبالتالي سيتم الترحيب بأي جهة تنضم إليها في أي لحظة لا سيما وأنها ستكون شاملة. من ناحية أخرى، تبقى معالجة قضية دارفور قبل موعد الاستفتاء خطوة مهمة جدا بالنسبة لإسماعيل، موضحا أن التأخر في حسم عملية السلام إلى ما بعد الاستفتاء قادر على إدخالها في تعقيدات الاستفتاء، «لذلك إن نجاح عملية السلام في الدوحة والوصول إلى اتفاق بمساندة المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن إضافة إلى جامعة الدول العربية وأهل دارفور، يشكل أقوى ضمانة لاستمرار هذا الاتفاق». ولم ينس إسماعيل التنويه بمواقف سمو الأمير عند كلامه عن موضوع الاستفتاء وجنوب السودان، قائلاً «لقد بدا سموه واضحا في اجتماع القمة العربية الاستثنائي الأخير في سرت، حيث قاد المقترح الداعي إلى دعم السودان بمليار دولار وذلك نتيجة للجهود التي بذلتها قطر». بين الانفصال والوحدة يربط مستشار الرئيس السوداني الخطوات التي قامت بها الخرطوم لصيانة وحدة السودان باتفاقية السلام الشامل التي أعطت الجنوبيين حق تقرير المصير، لتلزم في الوقت نفسه الأطراف المختلفة بالعمل على جعل الاستفتاء الذي يقود إلى الوحدة الجاذبة هو المطلوب. وقال «يفترض بالحركة الشعبية حاليا أن تلعب دورا لأنها هي من يحكم الجنوب، لكنها تراجعت مؤخرا عن الدور الداعم لوحدة السودان، رغم كونها عنصرا أساسيا في تحقيق الوحدة». وأضاف «لكن تراجع الحركة الشعبية لا يعني قطعا تراجع بقية القوى السودانية عن العمل في سبيل الوحدة، وبالتالي نستطيع القول إن الانفصال أصبح واردا ولكنه ليس حتميا، لأننا على قناعة بأن القاعدة الجنوبية الواسعة إذا ما أعطيت حرية وشفافية للتصويت فإنها ستصوت لصالح الوحدة، ولكن سيطرة الحركة عسكريا وتحكمها بالجنوب سيجعل تأثيرها سلبيا على الوحدة»، مؤكدا أنه إذا كانت رغبة الجنوبيين هي الانفصال في ظل استفتاء شفاف ونزيه، فإن الخرطوم ستحترم هذا الخيار. أجندة الحرب مستشار الرئيس السوداني كان حاسماً لجهة عدم اشتمال أجندة الخرطوم على أي نوايا حربية تجاه الجنوب في حال حصول الانفصال، قائلا «كيف يمكن أن يصدق عاقل كلاما مماثلا إذا جاء الانفصال بطريقة سلسلة». وأوضح أن «السودان وقع اتفاقية السلام واضعا وحدة البلاد في خطر من أجل السلام، والقوى السودانية كلها مضت في حق تقرير المصير، وأول من أجاز ذلك هي القوى المعارضة التي كانت موجودة في أسمرة، وذلك من خلال قرارات أسمرة المصيرية التي اتخذت عام 1995، حيث كان موجودا حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني والحركة الشعبية. بعد ذلك جاءت اتفاقية فرانكفورت فنيفاشا، فقضى القرار بأنه إذا أراد الجنوبيون بمحض إرادتهم إقامة دولتهم ويعيشون بسلام فليتفضلوا»، معتبرا أن كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن احتمال سقوط ملايين القتلى بين الشمال والجنوب، يستند إلى تقارير صادرة عن جهات لا تعرف ماذا يجري في السودان، إضافة إلى مجموعات الضغط. إسرئيل في إفريقيا.. لم يتوان مستشار الرئيس السوداني عن اتهام بعض مجموعات الضغط الأميركية المرتبطة بإسرائيل بالدفع نحو الانفصال، في سياق رده على الحديث الذي يقول إن انفصال الجنوب هو مؤامرة غربية لزرع إسرائيل أخرى في إفريقيا. وقال «اسألوني من يقف وراء الانفصال.. فالحركة الشعبية أعلنت على لسان رئيسها أنها مع التوجه المذكور، والأحزاب الجنوبية منقسمة، فبعضها مع الوحدة والأخرى مع الانفصال، وأصوات الوحدويين للأسف مكبوتة، وليس متاحا لهم الحديث عن مخاطر الانفصال، أما في الشمال فالغالبية وحدوية لكن هناك انفصاليين. إن تصرفات الحركة الشعبية جعلت من انفصاليي الجنوب يميلون إلى الوحدة، وجعلت من وحدويي الشمال التحدث عن الانفصال». وأضاف «إن العالم العربي موحد مع الوحدة، وإفريقيا كذلك الأمر، ما عدا أوغندا التي تدعم الانفصال، أما الغرب فهو في حالة سكون، والولايات المتحدة كانت تقول في البداية إنها تريد للسودان أن يبقى موحدا، ثم تحركت قليلا للقول إن ما يريده الجنوبيون تقبل به، ليرتفع حاليا حديثها عن الانفصال الذي تراه حتميا، وهذا يظهر أن هناك مجموعات ضغط أميركية مرتبطة بإسرائيل هي التي تتحدث وتدفع لذلك». العرب القطرية