* ماذا لو قام عشاق الكلمة المسكونة بالشجن بصنع طائرة من أنفاسهم تغادر بقيصر الأغنية السودانية «حسين بازرعة» إلى خارج البلاد ليتداوى من آهاته بعد أن تداوت من أغانيه جراحاتنا ونحن في أوج الشباب.. واستراحت على أنغامه أوجاع أيامنا.. والسفن توشك أن تغادر؟.. ماذا لو نسجنا له من أهدابنا سحابةً تقله إلى سماء مباركة تضع يدها على جرحه فيشفى؟.. ماذا لو أهدينا له من عافية عيوننا سداً يمنعه عنه ضربات زمناً لم يعد يفرق بين شموخ القياصرة وهوان العبيد؟.. جاء قيصر الأغنية السودانية عائداً لضفاف البحر الأحمر.. جاء يبحث عن مقعده القديم.. فلم يجد إلا بقايا غبارٍ أعلن إحتلاله لضفة البحر.. لقد تحوَّل البحر الأحمر في عيون «بازرعة» إلى بحرٍ أسود من الحزن يحمل لون أيامه التي أصابها رهق الغربة وقضى على إشراقها. * على ضفاف أمسية مشرقة الألوان إحتضن الأخ الفنان «أحمد شاويش» عوده العتيق ليسمعني أغنية هاجرت بي إلى مهرجان من الفرح موشحى بحبات رقيقة من الدموع.. عرفت منه أنها من كلمات المذيعة الراحلة «ليلى المغربي».. أخذتني موجة من الحنين إلى أيامها وهي تدلف إلى استديوهات الإذاعة السودانية في أواخر الستينات لتقدم لنا برنامجها الصباحي «إشراقة الصباح».. وشعرها الذهب يتناثر شلالاً على كتفها مما جعل الراحل الشاعر «أبو آمنة حامد» يخاطبها قائلاً «سال من شعرها الذهب وتدلى وما انسكب».. كان حين ينساب صوتها الذهبي النبرات يصدر النيل أمراً لأمواجه أن تسكن.. ولضفافه أن تزيد إخضراراً.. ولرماله أن تصبح أكثر بياضاً.. لأن ليلاه ستبدأ الكلام. * كان حب العراق مسيطراً على الشاعر «بدر شاكر السياب» كان يقول ان السماء في العراق اجمل من كل سماء، وأن الأرض فيها مبرأة من اثم.. وأن أهلها كانوا من حملة الرايات الأولى للفتوحات الاسلامية شرقاً وغرباً، وأن من شرب جرعة من ماء دجلة لن يظمأ بعدها أبداً.. ويقول أن نخيل العراق يثمر عشر مرات في العام.. وأن الحجارة فيها تتفتح زهراً.. عاش هذا الشاعر منفياً طوال سنوات يبحث عن لحظة دفء لا يجدها وعن عيون أم لا يتنسم حنانها.. وقد كان أثناء إحتضاره يقول: ما بال هذه الشموع سوداء أنوارها.. ثم أغمض عينيه الطيبتين على الضفة الأخرى من النهر ليرى هناك شموعاً لها إشراق أبدي. عسل شرقي جداً: بلادك حلوة ارجع ليها دار الغربة ما بترحم وطوف بجناحك الوادي وعاين الخضرة تنسى الهم بياض ورد الضفاف الساقيه ضموا عليك واتنسم تعال لي أهلك الطيبين ملوك العزة ما بتندم حمام الوادي يا راحل مع النسمه الفرايحية مع الياسمين عز الليل فواصل رابية منسيه صغارك مشتهين ترجع تضم العش بحنية فنون