* لم يتطفل جيشنا الباسل على الثورة، بل استضاف شبابها على أسواره بدءاً، ثم فتح أبواب قيادته لهم، كي يجيرهم من محاولات فض اعتصامهم بالقوة، قبل أن يفتح نيرانه على من حاولوا قتلهم رمياً بالرصاص ليلاً، بغدر اللئام. * زاد جيشنا المقدام على ذلك أن قدَّم ثلة من الشهداء، وأعداداً مقدرةً من الجرحى في حرم الثورة، فأصبح شريكاً أصيلاً فيها، بأرواح ودماء فرسانه الأشاوس. * لم يتدخل الجيش لاستلام السلطة إلا استجابةً لنداء الثوار، ومضت استجابته أبعد من ذلك، بضغطه لتنحية الرئيس الأول المجلس العسكري ونائبه، استجابةً منه لنبض الشارع. * سارع الفريق أول البرهان إلى التأكيد على الاستجابة لمطالب القوى التي قادت الثورة، بدءاً باجتثاث إرث النظام السابق، وملاحقة قتلة المتظاهرين، ومحاكمة المفسدين، وإطلاق سراح المحكومين بموجب قانون الطوارئ، والتشديد على ترقية وتعزيز حقوق الإنسان، والتعهد بتكوين حكومة مدنية، وإعادة هيكلة الدولة ومراجعة مؤسساتها لإنهاء كل مظاهر التمكين، وتفكيك الدولة الموازية التي قامت على المحسوبية والمحاصصات الحزبية. * دخول المجلس العسكري في جولات تفاوض سريعة مع ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير، لبحث مطالبهم، والاستماع إلى رؤاهم، يشكَّل خطوة إيجابية أخرى، تدل على الجِدِّية، وتعزِّز المصداقية، وتشير إلى رغبة حقيقية في استكمال مطلوبات الثورة، علماً أن إنجازها جميعاً بين يومٍ وليلةٍ يُعَّد من سابع المستحيلات. * نحن نتحدث عن دولةٍ عميقةً، ضربت بجذورها في الأعماق على مدى ثلاثة عقود، فترسخت وقويت وتمكَّنت. * اجتثاث إرث الإنقاذ، وتصفية مؤسساتها الموازية، مهمة شاقة، لا يمكن أن تكتمل (بالتسرع) الذي يطلبه ممثلو قوى إعلان الحرية والتغيير وبقية أطياف المعارضة. * مطلوب إمهال المجلس وقتاً معقولاً لتحسس جديته في تنفيذ تعهداته، سيما وأن مواجه بتحدياتٍ جِسام، ومهام في غاية الخطورة، يأتي في مقدمتها إعادة ترتيب أوراق الجيش نفسه، بعد أن فقد رئيس أركانه، ومعظم قادة هيئة قيادته، وتعرَّضت منظومة (الضبط الربط) التي تحكم عمله إلى هزَّةٍ قويةٍ، في الأيام الأخيرة لفترة حكم الإنقاذ. * الجيش هو الضامن الأول لاستقرار البلد، وأي هزةٍ تصيبه، أو ضعفٍ يعتري منظومة القيادة فيه سينعكس سلباً على أداء كل وحداته، ويُعرَّضه إلى خطر التفكك، ليحيق به ما حدث لعدة جيوش من حولنا، فقدت لُحمتها، وتحولت إلى مليشيات متناحرة، وفصائل متحاربة في ظروفٍ مماثلة. * المطالبة بتعزيز الثقة في قيادة الجيش، ومساعدة المجلس العسكري الانتقالي على إعادة ترتيب أوراق القوات المسلحة لا يعني إسقاط مطالب الثوار، ولا تجاهل تنفيذ الوعود التي بذلها البرهان لممثليهم، ويأتي على رأسها الإسراع في حل التنظيمات المسلحة الموازية للجيش وبقية القوات النظامية الأخرى، وجمع سلاحها، وتوقيف قادتها، وتأمين مقارها. * المطلب الخاص بالمسارعة إلى إعادة هيكلة الدولة للقضاء على إرث التمكين وتوقيف الفاسدين ومحاكمتهم لا يحتمل التلكؤ، وينبغي إنجازه بالخطوة السريعة. * الإنقاذ نفسها اقتنعت في أواخر أيامها بأهمية تفكيك الدولة الموازية، وشرعت في ذلك طوعاً، بجملة قراراتٍ أصدرها رئيس وزرائها إيلا، وبالتالي يصبح من غير المقبول ولا المعقول أن تتعطل تلك العملية في زمن الثورة. * دعونا نتعاون مع من دافعوا عن الثورة، وسهلوا نجاحها، وحموا شبابها، ونثق في أنهم سينفذون وعودهم، ويُسرِّعون وتيرة التغيير، كي تكتمل عملية الإصلاح، بالقضاء على أركان دولة التمكين في أجواء هادئة وآمنة، نضمن بها محافظة الجيش نفسه على قوته وتماسكه، كي يواصل أداء مهامه الجسام، حمايةً للأرض والعِرض والثورة المباركة.