عندما تختل المعايير تبنى المواقف على أحكام خاطئة ولعل ردود الفعل على مشاركة السودان في أولمبياد لندن وتحديدا تجاه البطل كاكي لاكبر دليل على اختلال المعايير واصدار الاحكام بغير المنظور الذي يحكموا به على كرة القدم والتي شهدنا ولا زلنا نشهد الاشادة بإنجازاتها باستقبالات واحتفالات على كل المستويات مع أنه ليس بينها من حقق ما حققته المشاركة في فعلى مستوى كرة القدم لم يعرف تاريخ الكرة أي تأهل لنهائيات على مستوى عالمي إلا عام 72عندما تأهل المنتخب الأولمبي لأولمبياد ميونخ كما تأهل منتخب الناشئين لإيطاليا سنة 91 ومع ذلك فكلاهما لا يضاهي إنجاز إسماعيل وكاكي لأن الأخيرين لم يكتفيا بالتأهل فقط ولكنهما سجلوا أرقاماً في النهائيات لا يضاهيها تأهل كرة القدم حيث أحرز إسماعيل المركز الثاني عالمياً بينما حقق كاكي المركز السابع وكلاهما إنجازات غير مسبوقة للسودان فأي معايير هذه تبخس لكاكي ما أنجزه. نعم من حقنا أن نتحسر على عدم تحقيقه لميدالية في لندن والتي علقنا عليها آمالاً كبيرة ولكن عدم تحقيقه هذا الحلم لا يقلل من الإنجاز الكبير الذي حققه فهو إنجاز بكل المقاييس. طوال الأيام الماضية لم ينقطع من يسألني ما رأيك في إخفاق السودان في لندن حيث يحكم عليه مسبقاً أنه إخفاق ويريد رأيي في الإخفاق وكنت أستعجب لمن يسمي ما حدث في لندن إخفاقاً. صحيح أن إنجاز السودان في الأولمبياد كان أفضل في بكين لتحقيق بطلنا إسماعيل ميدالية فضية ولكن الحقيقة الأكبر أن ما حققه السودان في لندن يأتي امتداداً لبكين وكلاهما وإن تفاوتا في الدرجة فهما يظلا الأفضل في تاريخ السودان في أي محفل رياضي عالمي ومن احتفى وهلل لما هو دون إنجاز كاكي لا يحق له أن يحكم عليه بالإخفاق وذلك لسبب بسيط أن السودان في بكين حل بين أفضل ثلاثة في سباق الثمانمائة متر على مستوى العالم والسابع في لندن فمن حقق في كرة القدم إنجازاً أفضل فليكذبنا ويقدم لنا الدليل على ذلك. ما هو المنتخب أو النادي أو اللاعب في كرة القدم حقق ما حققه كاكي منذ دخلنا عالم الرياضة الخارجية في عام 57. وما حققه كاكي سابع العالم وأؤكد عليها العالم بين 204 دولة تتمتع بعضوية اللجنة الأولمبية الدولية وتشارك بدءاً في التنافس للتأهل للأولمبياد أكبر تظاهرة رياضية على مستوى العالم من كل قاراته بدءاً من مراحل التصفيات حتى التأهل للأولمبياد ثم حتى نهاية التنافس والتتويج بالميداليات فلقد شهدنا الاحتفالات تنظم على أعلى المستويات احتفاءً بكرة القدم وتتفاخر الجهات المعنية الرسمية والإدارية والجماهيرية، بل والإعلامية من مدمني كرة القدم بإنجازات كرة القدم المتواضعة فأين تقع إنجازات كرة القدم من إنجاز كاكي وهو إنجاز على مستوى العالم وليس قارة حتى استحقت كرة القدم الاحتفاء على النحو الذي نعايشه في كرة القدم ولتحكم بأن إنجاز كاكي إخفاقاً.. فأفضل إنجاز للسودان كان عام 70 عندما حل السودان في المركز الأول في أفريقيا عندما أحرز كأس الأمم الأفريقية فكان الأول على مستوى قارة وليس العالم ولعدد لا يصل العشرين دولة ومع ذلك هو حقاً إنجاز في كرة القدم ولكنه دون ما حققه كاكي سابع العالم وبسن أفضل ثمانية تأهلوا لنهائيات لندن. ثانياً تأهل المنتخب خلال أربعين عاماً لنهائيات الأمم الأفريقية بين أفضل 16 في قارة أفريقيا وحل طيش المجموعة في التصفيات ولم يتأهل ثم تأهل ثانية بين أفضل ثمانية ولكنه أخفق في التأهل لنصف النهائي وكلاهما إنجاز على مستوى القارة فهل يضاهي هذا إنجاز كاكي الذي تأهل للنهائي على مستوى العالم فلماذا إذن الاحتفالات. على مستوى الأندية حدث ولا حرج بالرغم مما شهدناه من احتفالات واستفبالات بالنحاس والطبول والتظاهرات بالاستادات فكل ما حققه الهلال أنه تأهل لنهائي بطولة الأندية الأفريقية مرتين وهي بطولة على مستوى القارة وليس العالم وتحسب له ولكن هل تضاهي من تأهل لنهائي على مستوى عالمي حتى يحسب تأهل الهلال للنهائي إنجازاً وكاكي إخفاقاً والأخير تأهل على مستوى العالم.. أما المريخ ففشل في التأهل للبطولة الأولى وحقق بطولة كأس الاتحاد مرة واحدة وهي البطولة القارية الثانوية في ترتيب التنافس قارياً ومع ذلك كانت إنجازاً لا نقلل منه ولكن كل هذه الإنجازنت هل بينها ما يقارن بإنجاز الذي تأهل لنهائيات الأولمبياد وحل حل سابعاً من بين 204 دولة في أكبر محفل رياضي عالمي وواصل تأهلة بلندن حتى نهائي البطولة. ليحل السابع على مستوى العالم إنجاز كاكي لاتضاهيه كرة القدم إلا إذا تأهلت لنهائيات كأس العالم على المستويين منتخبات وأندية وأن يتفوفا عليه بالفوز بالكأس وإلى ذلك الحين اتقوا الله واعدلوا في الحكم فإن كان الحديث عن التأهل فقد تأهل لاعبنا لأكبر محفل رياضي عاليى تتنافس فيه كل دول العالم ومن يحتفون بالتأهل لبطولات قارية هل يحق لهم أن يقللوا من تأهل لبطولة تضم كل دول العالم. 204 دولة خضعت للتصفيات تأهل منها151 دولة وأخفقت فيها 53 لم يكن السودان بين الفاشلين منهم بفضل كاكي ورفاقه فلو لاهم لغاب علم السودان عن ساحة التنافس في ملاعب لندن لعدم وجود لاعب مؤهل يشارك في الملعب تتسابق على نقله القنوات العالمية. أليس التأهل هنا إنجازاً في حد ذاته أكبر من أي تأهل قارياً فلماذا نقلل من التأهل عالمياً ونهلل له قارياً. ثانياً من بين 151 دولة شاركت في لندن نجحت ثمانين دولة فقط في أن تخرج بميدالية فهل كان اهتمامنا بالرياضة يبرر لنا أن نكون بين الثمانين ولا نكون بين السبعين مكاننا الطبيعي قياساً بالاهتمام وما نصرفه من مال. من بين هذا العدد وبالرغم من عدم تحقيقنا أي ميدالية ألا يعتبر المركز السابع الذي حققه كاكي على مستوى العالم إنجازاً بعد أن تخطى مرحلتين من التصفيات حتى أصبح بين أفضل ثمانية في العالم في لندن. دعونا نسأل أنفسنا ولا نجعل مما حققه إسماعيل ولم يكن متوقعاً حتى لاتحاده الذي فوجئ به قبل أن نفاجأ نحن وهو حالة استثنائية شاذة نسأل أنفسنا: هل نحن دولة جديرة بأن يكون لها موقع في أي منافسة عالمية تشارك فيها كل دول العالم أن نكون بين أفضل ثلاث دول من 204 دولة, فكم من المال صرفناه على الرياضات التي تملك رفع راية السودان على مستوى العالم لو وجدت الاهتمام وكم عدد الميداليات التي حققتها هذه الأنشطة على مستوى قاري مقارنة بالعدم على مستوى كرة القدم، وحتى الحلقة القادمة أقول لكم أفيقوا وإذا حكمتم بين الرياضيين فاحكموا بالعدل.
