500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث القتال: الدلالات اللفظية والدعاية الجديدة
نشر في الصحافة يوم 12 - 07 - 2010


روبرت فيسك الإندبندنت
الصحافة والحكومة الإسرائيلية يقعان في الحب مرة ثانية عقب آخر ما طرأ من الدلالات اللفظية حول الخبر: إنه الإرهاب الإسلامي، الإرهاب التركي، إرهاب حماس، إرهاب منظمة الجهاد الإسلامي، إرهاب حزب الله، إرهاب الناشطين، الحرب على الإرهاب، الإرهاب الفلسطيني، إرهاب المسلمين، الإرهاب الإيراني، الإرهاب السوري، الإرهاب المعادي للسامية... ولكنني أظلم الإسرائيليين، فقاموسهم وقاموس البيت الأبيض وقاموس صحافيينا هو ذات القاموس في معظم الوقت. نعم دعنا ننصف الإسرائيليين، فقاموسهم يسير على الوتيرة الآتية: الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب. فكم عدد المرات التي استخدمتُ فيها بالضبط مفردة « الإرهاب»؟ عشرين مرة. ولكن يمكن أن يكون عدد المرات أيضاً 60 مرة أو 100 مرة أو 1000 مرة أو مليون مرة، فنحن نحب هذه الكلمة فهي كلمة تغرينا، توقفنا، تهاجمنا، تنقضُّ علينا، تغتصبنا وتلزمنا بخطِّها. إنه الحب والسادية والموت في مقطع واحد مزدوج، إنه لحن الموضوع الرئيس، إنه افتتاح لحن التلفزيون الموسيقي، إنه عنوان كل صفحة، إنه علامة التنقيط في صحافتنا، علامة وقف، فاصلة، علامة الوقف الكبيرة. «الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب»: أيُّ تكرارٍ للكلمة يبرر سابقه وأغلبه حول إرهاب السلطة وسلطة الإرهاب، فالسلطة و الإرهاب أصبحتا متبادلتين، ونحن الصحافيين تركنا ذلك يحدث فلغتنا لم تصبح حليفاً وضيعاً فحسب بل أصبحت شريكاً شفاهياً كاملاً في لغة الحكومات والجيوش والجنرالات والأسلحة. أتذكرون «مدمرة المخابئ» و»مدمرة الإسكود» و»البيئة الغنية بالأهداف» في حرب الخليج الأولى؟ ودع عنكم «أسلحة الدمار الشامل». ولكن «أسلحة الدمار الشامل» في حرب الخليج الثانية كانت لها قوتها الخاصة بها في شكل شفرة سرية ربما هي شفرة جينية مثل الحمض النووي غرضها مفردة الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب. إن السلطة ووسائل الإعلام لم تكن فقط حول العلاقات الحميمة بين الصحافيين والقادة السياسيين ولا بين المحررين والرؤساء، ولم تكن حول العلاقة التنافذية الطفيلية بين الصحافيين الشرفاء المفترضين وعلاقة السلطة التي تسير بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون، وبين الداوننق ستريت ووزارتي الخارجية والدفاع البريطانيتين، وبين أمريكا وإسرائيل. في السياق الغربي تكون السلطة ووسائل الإعلام حول المفردات واستخدام المفردات، تكون حول دلالات الألفاظ، حول توظيف العبارات وأصولها، كما أنها تكون حول إساءة استخدام التاريخ وحول جهلنا بالتاريخ. واليوم أصبحنا نحن الصحافيين أسرى لغة السلطة أكثر فأكثر، فهل يعني هذا أننا لم نعد نهتم بعلم اللغويات أوعلم دلالات الألفاظ؟ وهل هذا لأن أجهزة اللابتوب تقوم ب»تصحيح» تهجئتنا و»تهذيب» علم نحوِنا حتى أن جُمَلنا كثيراً ما تصبح مشابهة لجُمَل حكامنا؟ هل هذا هو السبب الذي يجعل افتتاحيات الصحف اليوم تبدو مثل الخطابات السياسية؟ فالآن باتت القيادات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والفلسطينية لعقدين من الزمان تستخدم كلمتي «عملية السلام» لتعريف الاتفاقية اليائسة والناقصة والمخزية التي سمحت للولايات المتحدة وإسرائيل أن تهيمنا على أيٍّ من قطع الأرض التي تمنح لشعبٍ محتلةٍ أرضه. لقد استفسرتُ في البداية عن هذا التعبير ومصدره في أيام اتفاقية أوسلو، رغم أننا ما أسهل أن ننسى أن التنازلات السرية التي قدمت في أوسلو كانت هي نفسها مؤامرة بدون أي أساسٍ قانوني. فأنا دائماً أقول إنها أوسلو القديمة المسكينة، فماذا فعلت أوسلو حتى تستحق ذلك؟ لقد كانت تلك هي موافقة البيت الأبيض التي ختمت هذه الاتفاقية الخرقاء والمريبة التي أجلت فيها قضايا اللاجئين والحدود والمستوطنات الإسرائيلية بل والجداول الزمنية حتى لم يعد بالإمكان مفاوضتها. وما أسهل أن ننسى مرج البيت الأبيض رغم أننا نتذكر الصور الذي وقف عليه كلنتون وهو يستشهد بالقرآن ومعه عرفات الذي آثر أن يقول لكلنتون «شكراً لك، شكراً لك، شكراً لك، السيد الرئيس»، وماذا سمينا هذا السخف فيما بعد؟ نعم سميناه «لحظة تاريخية»! هل كان لحظة تاريخية؟ أهو كذلك؟ هل تذكرون بم وصفه عرفات؟ وصفه ب»سلام الشجعان». ولكنني لا أذكر أن أشار أيٌّ منا إلى أن عبارة «سلام الشجعان» قد استخدمها الجنرال ديجول عن نهاية الحرب الجزائرية، فالفرنسيون خسروا الحرب في الجزائر، ولكننا لم نكتشف هذه المفارقة الغريبة. وما أشبه الليلة بالبارحة، فلقد ظللنا نحن الصحافيين الغربيين يستخدمنا سادتنا مرة ثانية ننقل عن جنرالاتنا المبتهجين في أفغانستان تصريحاتهم وهم يقولون: [إن حربهم يمكن كسبها فقط بحملة «قلوب وعقول»]. ولكن لم يسألهم أحد السؤال الواضح: أوَلم تكن هذه هي ذات العبارة التي استخدمت عن المدنيين الفيتناميين في حرب فيتنام؟ وأوَلم نخسر ألم يخسر الغرب الحرب في فيتنام؟ ومع ذلك نستخدم نحن الصحافيين الغربيين عبارة «القلوب والعقول» حول أفغانستان في تقاريرنا وكأنها تعريف قاموسي جديد بدلاً عن كونها رمزاً للهزيمة للمرة الثانية خلال أربعة عقود. انظر فقط للمفردات الشخصية التي اخترناها في الآونة الأخيرة من الجيش الأمريكي، فعندما نكتشف نحن الغربيين أن عدونا القاعدة مثلاً أو طالبان قام بتفجير قنابل أكثر وشن هجمات أكثر من المعتاد فإننا نصف الأمر بأنه «موجة عنف». آه، نعم «موجة»! فكلمة «موجة» استخدمت في هذا السياق أول مرة وفقاً لملفاتي بواسطة عميد في الجيش وذلك في المنطقة الخضراء ببغداد عام 2004م. ومع ذلك نحن نستخدم تلك العبارة ونرتجلها وننقلها على الهواء وكأنها عبارتنا واختراعنا الصحفي. نحن نستخدم حرفياً تعبيراً استحدثه لنا البنتاغون، ف»الموجة» بالطبع هي الارتفاع بحدة ومن ثم الهبوط بحدة، لذا تتفادى «موجة العنف» الاستخدام المشؤوم لكلمتي «التصاعد في العنف» لأن التصاعد بالطبع قد لا يهبط مرة ثانية فيما بعد. وعندما يشير الجنرالات الأمريكيون إلى زيادة مفاجئة في قواتهم لشن هجوم على الفلوجة أو وسط بغداد أو قندهار فهناك حركة جماعية من الجنود يؤتى بها إلى البلدان المسلمة بعشرات الآلاف فإنهم يسمُّون ذلك «تدفق» والتدفق مثل إعصار التسونامي أو أية ظاهرة طبيعية أخرى يمكن أن يكون مدمِّراً في آثاره. هذه «التدفقات» هي في الحقيقة «تعزيزات» إذا استخدمنا المفردات الحقيقية للصحافة الجادة، والتعزيزات ترسل إلى مناطق الصراعات عندما تخسر الجيوش تلك الحروب. ولكن أبناءنا وبناتنا في التلفزيون والصحف ما زالوا يتحدثون عن «التدفقات» دون أن ينسبوها إلى مصدرها أبداً مما يجعل البنتاغون يكسب مرة ثانية. وفي ذات الوقت نجد «عملية السلام» انهارت ولذا يحاول زعماؤنا أو «اللاعبون الرئيسون» كما يحلو لنا تسميتهم أن يجعلوها فاعلة مرة ثانية، فكان من الواجب وضع العملية «على المسار». إن المسألة عبارة عن قطار كما ترى حيث انحرفت عربات القطار عن الخط، ونجد أن إدارة كلنتون هي أول من استخدم هذه العبارة ثم تلاها الإسرائيليون ثم هيئة الإذاعة البريطانية. لكن كانت هناك مشكلة عندما وُضعت «عملية السلام» مراراً وتكراراً «على المسار» بيد أنها ما تزال تنحرف عن الخط. ولذا قدمنا «خارطة طريق» تسيِّرها مجموعة رباعية يقودها صديق ربِّنا السابق توني بلير الذي نشير إليه الآن في عملٍ تاريخيٍّ مشين باعتباره «مبعوث سلام». ولكن «خارطة الطريق» لم تنجح وأنا ألاحظ الآن أن «عملية السلام» القديمة تعود إلى صحفنا وشاشات تلفزيوننا، ففي مطلع يونيو الماضي أطل علينا في السي. إن. إن أحد أولئك الأشخاص المملين الذين يصفهم أبناؤنا وبناتنا العاملون في التلفزيون ب»الخبراء» ليقول لنا مرة ثانية إن «عملية السلام» توضع «على المسار» نسبة لافتتاح «المحادثات غير المباشرة» بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولم يكن هذا الخبر حول الكليشيهات فقط، إنها الصحافة الخرقاء. فليس هناك معركة بين وسائل الإعلام والسلطة لكن نحن الإعلاميين أصبحنا كلتيهما من خلال اللغة. وها هنا قطعة أخرى من الجبن الإعلامي تجعل أسناني التي تبلغ من العمر 63 عاماً تَصرُّ مع بعضها بعد 34 عاماً من أكل الحمّص والطحينة في الشرق الأوسط: فقد قيل لنا في كثير من المقالات الصحفية التحليلية إن ما يجب أن نتعامل معه في الشرق الأوسط هو «الروايات المتنافسة»، فليس هناك عدالة ولا ظلم، هناك فقط شخصان يرويان قصصاً مختلفة. «الروايات المتنافسة» تقفز الآن بانتظام في الصحافة البريطانية: فهذه العبارة المأخوذة من لغة علم الأجناس الزائفة تمحو احتمال أن تكون مجموعة معينة من الناس في الشرق الأوسط مثلاً محتلة أرضها في حين أن المجموعة الأخرى تصنع الاحتلال. ومرة أخرى لاعدالة ولا ظلم ولا قمع ولا قامع، هناك فقط بعض «الروايات المتنافسة» الودية، مباراة كرة قدم إن شئت، ميدان لعب مسطح لأن الطرفين أليسا كذلك؟ «في منافسة». وهناك طرفان يجب أن يمنحا وقتاً متساوياً في كل قصة، لذا كلمة «احتلال» تصبح «نزاع» وبالتالي فإن كلمة «جدار» تصبح «سور» أو «حاجز أمني». وبهذا تصبح تصرفات الاستعمار الإسرائيلي للأرض العربية منافاةً للقانون الدولي برمَّته «مستوطنات» أو «بؤر استيطانية» أو «أحياء يهودية». إن كولن باول في ظهوره المسرحي العاجز وزيراً لخارجية جورج دبليو بوش هو الذي أمر الدبلوماسيين الأمريكيين أن يشيروا إلى الأرض الفلسطينية المحتلة بأنها «الأرض المتنازع عليها»، وكان ذلك كافياً جداً لمعظم وسائل الإعلام الأمريكية. ليس هناك بالطبع «روايات متنافسة» بين الجيش الأمريكي وطالبان، وعندما تكون هناك «روايات متنافسة» بينهما ستعرفون أن الغرب قد خسر. ولكنني سأعطيكم مثالاً للكيفية التي تأتي بها «الروايات المتنافسة» على السجية: في شهر أبريل قدمتُ محاضرة في تورنتو بمناسبة الذكرى الخامسة والتسعين للإبادة الجماعية الأرمنية في 1915م متمثلة في القتل الجماعي العمد ل1.5 مليون مسيحي أرمني بواسطة الجيش التركي العثماني ومليشياه. وقبل تقديم محاضرتي أجرى معي حوار في التلفزيون الكندي الذي يمتلك أيضاً صحيفة «جلوب آند ميل» التي تصدر في تورنتو، ومن البداية عرفت أن المحاوِرة كانت لديها مشكلة: فكندا فيها جالية أرمنية كبيرة ولكن تورنتو فيها أيضاً جالية تركية كبيرة حيث أن صحيفة «جلوب آند ميل» تقول لنا دائماً إن الأتراك يرفضون بشدة أن الحادثة كانت إبادة جماعية. لذا فإن المحاوِرة وصفت الإبادة الجماعية بأنها «مذابح قاتلة»، وبالطبع اكتشفتُ مشكلتها المحددة في الحال فهي لم تستطع أن تصف المذابح بأنها «إبادة جماعية» لأن هذا يجعل الجالية التركية تستشيط غضباً. ولكنها شعرت أن «المذابح» وحدها خاصة مع صور الاستديو الخلفية للأرمن القتلى لم تكفِ لتعريف مليون ونصف المليون قتيل. إذن هي «مذابح قاتلة»، ولكن ما أغرب هذا الوصف! فإذا كانت هناك مذابح «قاتلة» فهل هذا يعني أن هناك مذابح غير «قاتلة» يتحرك منها الضحايا أحياء؟ إنه حشو كلامٍ مضحك. ومع ذلك فإن استخدام لغة السلطة استخدام مفرداتها المثيرة وعباراتها المثيرة ما زالت مستمرة بيننا، فكم مرة سمعتُ الصحافيين الغربيين يتحدثون عن «المقاتلين الأجانب» في أفغانستان؟ وهم يشيرون بالطبع إلى المجموعات العربية المختلفة التي يفترض أنها تساعد الطالبان. وسمعنا ذات القصة من العراق: فالجنرالات يسمون المقاتلين السعوديين والأردنيين والفلسطينيين والشيشان ب»المقاتلين الأجانب». وعلى الفور نقوم نحن الصحافيين الغربيين بتسميتهم بذات الاسم، فوصفهم ب»المقاتلين الأجانب» يعني أنهم قوة غازية. ولكني لم أسمع ولا مرة واحدة محطة تلفزيون غربية رئيسة تشير إلى أن هناك على الأقل 150000 «مقاتل أجنبي» في أفغانستان وأنهم جميعاً كانوا يرتدون زياً رسمياً أمريكياً وبريطانياً وأزياء رسمية أطلسية أخرى. إنهم «نحن» هم «المقاتلون الأجانب» الحقيقيون. وبالمثل فإن عبارة «أف باك» Af-Pak بحسبانها عبارة عنصرية مثلما هي عبارة غير أمينة سياسياً تستخدم الآن بواسطة الصحافيين رغم أن الذي ابتدعها في
الأصل هي وزارة الخارجية الأمريكية في اليوم الذي تم فيه تعيين ريتشارد بروك ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة لدى آفغانستان وباكستان. ولكن العبارة تتفادى استخدام كلمة «الهند» التي يعتبر نفوذها ووجودها في أفغانستان جزءاً مهماً من القصة. علاوة على ذلك فإن «أف باك» بحذف الهند تكون قد حذفت أزمة كشمير كلها من الصراع في جنوب شرق آسيا. وهي بالتالي تكون قد حرمت باكستان من أي دور في سياسة الولايات المتحدة المحلية حيال كشمير، وبعد كل شيء فإن هولبروك الذي عُيِّن مبعوث «أف باك» تم منعه من مناقشة قضية كشمير تحديداً. وبالتالي فإن عبارة «أف باك» التي تتجنب تجنباً كاملاً مأساة كشمير تعني أننا نحن الصحافيين نقوم بعمل وزارة الخارجية الأمريكية عندما نستخدم ذات العبارة «أف باك» التي صنعت قطعاً لنا نحن معشر الصحافيين.
والآن دعنا ننظر للتاريخ، فزعماؤنا يحبون التاريخ ومعظمهم يحب الحرب العالمية الثانية: ففي عام 2003م ظن جورج دبليو بوش أنه تشيرشل. صحيح أن بوش خاض حرب فيتنام ليحمي أجواء تكساس من خطر الفيتكونغ، ولكن في عام 2003م وقف بوش في وجه المهادنين الذين لم يريدوا حرباً مع صدام حسين الذي كان «هتلر دجلة» بالطبع. والمهادنون كانوا هم البريطانيون الذين لم يريدوا أن يقاتلوا المانيا النازية في 1938م، وبالطبع حاول توني بلير أيضاً أن يرتدي بذلة تشيرشل ليصير بحجمه، فهو لم يك مهادناً حيث أعلن قائلاً إن أمريكا كانت هي الحليف الأقدم لبريطانيا وأن كلا بوش وبلير ذكَّرا الصحافيين بأن الولايات المتحدة سبق لها أن وقفت كتفاً بكتف مع بريطانيا في ساعة الحاجة في عام 1940م. ولكن لم يكن أي شيء من هذا صحيحاً ذلك أن الحليف الأقدم لبريطانيا لم تكن هي الولايات المتحدة بل البرتغال تلك الدولة الفاشية المحايدة خلال الحرب العالمية الثانية التي نكَّّّّّست أعلامها القومية إلى نصف السارية عندما مات هتلر (حتى الآيرلنديون لم يفعلوا ذلك). كذلك ولم تقاتل أمريكا بجانب بريطانيا في ساعة حاجتها عام 1940م عندما هدد هتلر بالغزو وهاجم سلاح الطيران الألماني لندن. كلا، ففي عام 1940م كانت أمريكا تستمتع بفترة حياد ناجحة ولم تنضم إلى بريطانيا في الحرب حتى هاجمت اليابان القاعدة البحرية الأمريكية في ميناء اللؤلؤة في ديسمبر عام 1941م. وبالمثل وبالرجوع إلى عام 1956م نجد إيدن قد وصف عبد الناصر ب»موسليني النيل»، ويعتبر هذا الوصف خطأً شنيعاً لأن عبد الناصر كان محبوباً بين العرب وما كان مكروهاً مثل موسليني الذي يكرهه أغلب الأفارقة خاصة العرب الليبيين. إن نظير موسليني لم تهاجمه الصحافة البريطانية ولم تستجوبه، وكلنا يعلم ما حدث في السويس عام 1956م. فنحن الصحافيين ندع الرؤساء ورؤساء الوزراء يخدعونا عندما يأتي الحديث عن التاريخ. إن أخطر جانب لحربنا ذات الدلالات اللفظية الجديدة واستخدام مفردات السلطة رغم أنها ليست حرباً طالما أننا استسلمنا بدرجة كبيرة أن هذا الجانب منها يعزلنا من مشاهدينا وقرائنا. وهؤلاء المشاهدون والقراء ليسوا سذجاً فهم يفهمون الكلمات في حالاتٍ كثيرة أفضل مما نفهمها نحن وكذلك التاريخ، فهم يعلمون أننا نستمد ذخيرتنا اللغوية من لغة الجنرالات والرؤساء مما يُسمون بالنخب، ومن غطرسة خبراء معهد بروكنغز أو من خبراء مؤسسة راند، وبذا أصبحنا جزءاً من هذه اللغة.
في الشهر الماضي عندما حاول الأجانب نشطاء إنسانيين أو «إرهابيين ناشطين» أن يأخذوا الغذاء والأدوية بحراً إلى فلسطينيِّ غزة الجوعى كان حرياً بنا نحن الصحافيين أن نذكِّر مشاهدينا ومستمعينا بيومٍ قديم عندما ذهبت أمريكا وبريطانيا لمساعدة شعبٍ محاصر وهما تحملان الغذاء والوقود وكان جنودنا أنفسهم يموتون وهم يقومون بذلك لمساعدة مواطنين جائعين حيث كان أولئك المواطنون محاصرين بسورٍ نصبه جيشٌ وحشي كان يعتزم أن يجعل ذاك الشعب يجوع لدرجة الاستسلام. كان الجيش المعني هو الجيش الروسي وكانت المدينة المحاصرة هي برلين أما السور فقد أتى لاحقاً، فأولئك الناس كانوا هم أعداؤنا قبل ثلاث سنوات فقط، ومع ذلك قمنا بتسيير نقل برلين الجوي لإنقاذهم. واليوم انظروا إلى غزة: فطالما أننا مولعون بالنظائر التاريخية، فمن هو الصحافي الغربي الذي ذكر حتى برلين 1948م في سياق الحديث عن غزة؟ فماذا أصبنا بدلاً عن ذلك؟ «ناشطين» تحولوا إلى «ناشطين مسلحين» في اللحظة التي عارضوا فيها الأطراف الداخلية للجيش الإسرائيلي. كيف يتجرأ أولئك الرجال على إرباك القاموس؟ فقد كان عقابهم واضحاً، لقد أصبحوا «إرهابيين». وأن الغارات الإسرائيلية التي قتل فيها «الناشطون» (وهذا دليل آخر على «إرهابهم») أصبحت من ثم غارات «قاتلة». وفي هذه الحالة كانت كلمة «قاتلة» أكثر تسبيباً للعذر مما كانت عليه في التلفزيون الكندي، فتسعة قتلى من أصلٍ تركي أقل قليلاً من مليون ونصف مليون أرمني في عام 1915م. لكن الشيء المثير هو أن الإسرائيليين الذين ظلوا يجارون بكل خزي الرفض التركي للمذبحة الأرمنية لأسبابهم السياسية الخاصة أرادوا فجأة أن يبلغوا العالم عن الإبادة الجماعية في 1915م. وقد أثار هذا متعة من الدهشة المفهومة وسط كثيرٍ من زملائنا، فالصحافيون الذين باتوا بانتظام يتجنبون أي ذكرٍ لأول «هولوكوست» في القرن العشرين استطاعوا فجأة أن يشيروا إليها، فالمصلحة التاريخية الجديدة لإسرائيل جعلت الموضوع مشروعاً رغم أن كل التقارير تقريباً قررت تجنب أي تفسير لما حدث فعلاً في عام 1915م. وماذا أصبحت الغارة الإسرائيلية المنقولة بحراً؟ أصبحت غارة «فاشلة» botched ، وكلمة «botched» كلمة محببة إذ اشتقت من الكلمة الألمانية «بوتشين» في القرون الوسطى لتصبح كلمة إنجليزية معناها «يصلح الشيء بطريقة سيئة». وقد احتفظنا تقريباً بذلك التعريف حتى قام مستشارو قاموسنا الصحفي بتغيير معناها ليصبح «محاولة لإصلاح قطعة من المادة» كأنْ نقول: (استطعنا أن «نحبك» قطعة من المخيط، بل استطعنا أن «نحبك» محاولة لإقناع رئيسنا ليمنحنا درجة ترفيعية). ولكننا الآن «نحبك» عملية عسكرية، فالعملية لم تكن كارثة ولم تكن نكبة بل كانت قتل بعض الأتراك فقط. لذا وبالنظر إلى الدعاية السيئة فإن الإسرائيليين «حبكوا» الغارة فقط. والغريب أن الصحافيين والحكومات في المرة السابقة استخدموا هذه الكلمة المحددة بعد أن حاولت إسرائيل قتل قائد حماس خالد مشعل في شوارع عمان. وفي هذه الحالة تم القبض على قتلة إسرائيل المحترفين بعد أن حاولوا تسميم مشعل وأن الملك حسين أرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك (أحد النتنياهوات) أن يوفر الترياق (وأن يطلق سراح كثير من «إرهابيي» حماس من السجن)، وقد أنقذت حياة مشعل. ولكن بالنسبة لإسرائيل وصحافييها الغربيين أصبح هذا «محاولة محبوكة» لحياة مشعل لا لأن موته لم يكن مقصوداً لكن لأن إسرائيل فشلت أن تقتله. وبهذا يمكن أن «تحبك» عملية بقتل الأتراك أو يمكن أن «تحبك» عملية بعدم قتل فلسطيني. فكيف يمكننا أن ننهي علاقتنا مع لغة السلطة؟ فهي بالتأكيد لغة تقتلنا، وأنا أشك أن ذلك هو واحد من الأسباب التي جعلت القراء يشيحون بوجوههم من الصحافة الرئيسة إلى الإنترنت، لا لأن الإنترنت يستخدم مجاناً لكن لأن القراء يعرفون أنهم غرِّر بهم وخدعوا، فهم يعرفون أن ما يشاهدونه وما يقرأونه في الصحف هو امتداد لما يسمعونه من البنتاغون أو الحكومة الإسرائيلية ذلك أن مفرداتنا أصبحت مترادفة مع لغةٍ مصادقٍ عليها حكومياً وهي لغة تعتم على الحقيقة بكل تأكيد مثلما تجعل منا نحن حلفاء سياسيين وعسكريين لكل الحكومات الغربية الكبيرة. إن كثيراً من زملائي في الصحف الغربية سيخاطرون في النهاية بوظائفهم إذا استمروا في تحدي واقع الصحافة الخبرية المزيفة، أيْ تحدي علاقة سلطة الوسائل الإعلامية/ الحكومة. فكم من المنظمات الخبرية يعتقد أنها وثقت بالصور في لحظة كارثة غزة وفي ساعة النقل الجوي لكسر حصار برلين؟ هل فعلت هيئة الإذاعة البريطانية ذلك؟ لقد قلت لاجتماع الدوحة الذي عقد يوم 11 مايو إن الساسة لم يريدوا لرحلة غزة أن تصل مقصدها سواءً أكانت نهايتها ناجحة أو كوميدية أو مأساوية. نحن نؤمن ب»عملية السلام» و»خارطة الطريق» و»ضرب السور حول الفلسطينيين»، فدع «اللاعبين الأساس» يقوموا بترتيب الأمر وتذكر ما يدور حوله كل هذا إنه «الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.