الضياء الأرجواني غمر الساحات فاخضرت ملايين الأماني عزفت قيثارة الشاعر أحلى ما لديها من أغاني نبتت فوق الروابي تحت اقدام الملايين التي تزحف زهرة تشرب الأحقاد تروى بالدم المسفوك غدرا ثغرها يا أصدقائي ظل يفتر عن النور الذي يمتد جسرا للملايين لتمشي حرة تستنشق البارود عطرا من عاصمة الحديد والنار «عطبرة» قدم الشاعر الراحل حاج حمد عباس في عام 2004م، الديوان المخطوط: «أشعار ريفية» للشاعر الذي قدمته حاضرة نهر النيل شندي.. لمجلة الآداب البيروتية في الفترة بين نهاية سنيّ الستين والنصف الاول من سنيّ السبعين.. عبد الرحمن الحفيان.. «بياتي السودان الصغير»: «اشعار ريفية مجموعة اراد لها شاعرها أن تسمع بأذن تهوى المنبرية، وأن تقرأ بأعين الحداثة. وهو شاعر مقتدر ومتمكن من ادواته الشعرية، وبإمكانه، صياغة الجماليات، وله من الخصائص ما يؤهله لخطاب شعري حداثي، وهو إضافة حقيقية للصوت الشعري المعاصر...».. وبعد انتصار اكتوبر الاخضر في عامه المشهود 1964م تطلع الحفيان مثله مثل كل المبدعين في بلاده الى غدٍ زاهٍ نبيل، وكان أكتوبر الملهم لذلك الغد، وكان اكتوبر الشعلة الحمراء بالأمس.. دماء قانيات .. وشهداء ماجدين.. وعرائس يخطرن بثيابهن البيض... الى القصر ليلة المتاريس ... في شارع الجامعة.. يمسن والهتاف ملء الحناجر.. تشرين الثورة والبطولة.. لله والحرية..!! إيه يا أكتوبر العاصف حدث عن سجون الظلم كيف ابتلعت أمس البرايا عن ليالٍ شهدت سُهدَ الضحايا عن جباه صمدت حتى النهاية هنا ألمح طيف الشاعر محمد مفتاح الفيتوري في «الحصاد الإفريقي» حين يأخذه الصمت عنا: إيه يا إفريقيا الكبرى التي تبني المشارق أنا مازلت أرى وجهك في ضوء الحدائق أمسِ والظلمة كانت تسكن الدرب الطويل والخطى فوق الخطى والجفن فوق الجفن عالق يا بلادي... ويتحدى الحفيان: رغم أهوال الأعاصير التي كانت تهب عبر أعوام الظلام الست والإرغام والسوق الى ما لا نحب وفي كلمة «الست» هنة من الهنات، فأعوام الظلام ستة، بالتاء، لأن الأعداد من ثلاثة الى عشرة تخالف المعدود تذكيرا وتأنيثا سواء أكانت مفردة، أم مركبة، ام معطوفة. والدجى فوق المدينة باسطا أجنحة الرعب عن الأرض الحزينة وخطى السجان في قلب السكون ونداءات سجين وسجينة وتعتمل حركة الجماهير في الشارع، متجاوبة مع التصوير والتشخيص والتمثيل والتجريد وغيرها.. من الادوات التي تنتخبها لغة الفنون، واذا الفجائية في قلب المشهد: فإذا بالأرض بركان يثور تحت خطو الوحش والرؤية اللعينة مزقتها الريح داستها الملايين السجينة وسرت عبر بلادي فرحة النصر الذي حطم عن سُمر الأيادي قبضة القيد فعادت تحمل الفأس وتجتث الأعادي قوله: «سمر الأيادي» يحلك الى صوت محمد الفيتوري.. قادما من بعيد.. من أدغال إفريقيا .. من ابنوسيات سولارا ومن كهوف الدجى العقيم: أصبح الصبح... لنا خلفك يا صبح الحصاد ألف صبح قد نسجناه على ضوء العيون أيها القادم محمولاً على سمر الايادي يا حصاد العرق الدامي.. وميراث الجهاد أيها التاج على جبهة شعبي وبلادي آه ما أروعك اليوم على هذا الجبين..!! وفي السطر الشعري: «تحمل الفأس وتجتث الأعادي» تتداعى الشطرة مشوبة بالحنين.. الى «آسيا وإفريقيا».. حيث يتمدد الصوت الخمسيني شجياً يرتاد الأفق.. «القلب الأخضر».. قلب تاج السر الحسن: سوف نجتث من الوادي الأعادي ولقد كان الشاعر الحداثي المرحوم حاج حمد عباس بصوته الهادر هدير الاتبراوي وبالتزامه جانب الفن والموقف، مصيبا عندما قدم الحفيان فهو «لا ينطلق من أي منبر ايديولوجي سواء أكان الايديولوجي السياسي او الفكري، فإرثه الثقافي ثر بالايقاعات والمقولات التي تقود المرء الى الفعل الميتافيزيقي»: كيف كانت أرضنا يا أصدقائي تحت جنح الليل ممتد إلى ما لا نهاية ينفث الأحقاد يقتات بآلام الضحايا وبأحزان البرايا فعبرناه وحطمنا القيود حين دقت ساعة الصفر وأدهشنا الوجود وتخطينا إلى الفجر السدود وكتبنا للدياجير النهاية تقرأ الحفيان فتذكر تقدمة الناقد مجذوب عيدروس «انتظرني أيها البرق الجنوبي الرفيف».. «هو بعيد عن أضواء المدن وصخبها... قريب من نبض جماهير الأمة من محيطها الى خليجها .. وهو شاعر .. وكفى.. ينقل إحساسه للآخر بصدق وتلقائية .. وهو شاعر رمز لشعراء السودان في صدقهم، ووعيهم، وبساطتهم.. وهو بميراث الشعر العربي يمزج الخاص بالعام- ويرتقي إلى التعبير عن ضمير الأمة وروح العصر». تقرأ الحفيان... وتذكر تقديم شاعرنا الراحل مصطفى سند «الليل والصمت»: «تناقض بين الداخل والخارج حيث لا بد من دلالات مادية تربط بين الحدس والمحسوس.. وتنبئ عن الطبع الذي راغَ هنا وهناك باحثا للصياغات الجديدة.. أيضا عن ايجاز غير مخلّ.. ومع ذلك فهو يتوضَّع ويتشكك ويكاد يشفّ». .. وتقرأ الحفيان.. فتكتُبُكَ كلمتُه في ذاك الليل الذي صمت.. وقد نشر الملاك جناحيه، وأنشد كعب بردته، واسترقنا السمع إلى صوت طاغور، ورباعيات الخيام، ولاذ فيثاغورس بنظريته. أَيُهذا الشاعر الحفيان.. ها وقد نشرت مع أجنحة الفجر ضياءك الأرجواني.. ها وقد تمددت حروف رَوِيِّك خيوطَ صُبْحٍ.. لكَ ما لم يُقَلْ بعد..!!