تحية طيبة مباركة...وبعد، طالعت في عمودك المقروء (سطر جديد) حديثاً بعنوان(في ذكرى19 يوليو نحروه ام انتحر) - والواقع ان الحزب الشيوعي السوداني كان يعتبر من أقوى الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث وذلك لاتساع دائرة المد الاشتراكي بعد قيام ثورة 23 يوليو بمصر وبروز الزعيم جمال عبد الناصر ومعه كوكبة من الزعماء تضم جواهر لال نهرو وجوزيف ،بروز نيتو وكوامي نكروما واحمد سيكوتوري واحمد بن بللا ولوممبا كزعماء للعالم الثالث..وظلت شخصية عبد الناصر هي الطاغية والمسيطرة حتى حدثت النكسة في يونيو 1967 وكانت الصدمة عنيفة على عبد الناصر فكاد ان ينهار ولم ينقذه سوى مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم والذي استطاع من خلاله القادة السودانيون ان يذيبوا خلافات عبد الناصر مع بقية الزعماء العرب فخرجت القمة (باللاءات الثلاثة) ودعم عبد الناصر. وفي 25 مايو 1969 استطاع مجموعة من الضباط بقيادة العقيد جعفر محمد نميري ومعه بعض الضباط الشيوعيين ومجموعة من القوميين العرب ان يسيطروا على الحكم ومقاليد الامور في السودان وبدأت مرحلة جديدة كان ابرزها قرارات التأميم والمصادرة ثم الصدام مع الانصار في الجزيرة ابا وود نوباوي ثم بدأ الخلاف يشتد بين الشيوعيين المتعاونين مع النظام بقيادة احمد سليمان والشيوعيين خارجه بقيادة عبد الخالق محجوب، حتى اصدر نميري قرارا بفصل الضباط الثلاثة من مجلس قيادة الثورة وهم(بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله) ثم تم اعتقال عبد الخالق محجوب . وفي اوائل يوليو 1971 تم تهريب عبد الخالق محجوب من معتقله في مصنع الذخيرة بالشجرة-وبعد ذلك بأيام قليلة حدث انقلاب 19 يوليو بقيادة هاشم العطا الذي أعلن ان رئيس مجلس قيادة الثورة الجديد المقدم بابكر النور والمتواجد في لندن ومعه الرائد فاروق حمد الله سيصلون في اقرب فرصة..لكن الطائرة التي كانت تقل بابكر وفاروق اعترضتها طائرات ليبية واجبرتها على الهبوط في مطار طرابلس. كانت الاحداث في الخرطوم هادئة والامور تسير سيرها الطبيعي المعتاد وقد عاد الناس الى اعمالهم المعتادة ومارس الموظفون عملهم بعد الاجتماع الذي عقده الرائد هاشم العطا مع وكلاء الوزارات..ولكن وبمجرد سماع نبأ انزال الطائرة في ليبيا تكهرب الجو فجأة وانطلقت الشائعات في كل مكان ..بعد ذلك حدثت مجزرة بيت الضيافة والتي راح ضحيتها ثلاثون ضابطا.ثم تحركت من الشجرة بعض القوات الموالية لجعفر نميري واستطاعت اخراجه من معتقله وذهبت به للاذاعة ليعلن من خلال التلفزيون والاذاعة عودته مرة اخرى للحكم والناس بين مصدق ومكذب. يقول الدكتور محمد سعيد القدال في كتابه(الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب 25 مايو):- (أعقب هزيمة 19 يوليو مجازر الشجرة فقد قامت السلطة باتخاذ اجراءات فاشية وحشية لم يعرف لها السودان مثيلاً في تاريخه القريب.بدأت بضرب المعتقلين من مدنيين وعسكريين ضرباً اوشك ان يؤدي ببعضهم الى الموت..ثم عقدت لهم محاكم صورية لم يستغرق بعضها سوى دقائق وحكم على اثرها بالاعدام على كل قادة الحركة...بل ان بعض العسكريين اعدموا بدون محاكمة وبدأت حملة هيستيرية في الصحف شاركت فيها اقلام سقطت في مستنقع آسن..بل ان بعض الذين انقسموا من الحزب الشيوعي 1970 شاركوا جهاز الامن في الارشاد الى الشيوعيين والادلاء بالشهادات ضدهم امام المحاكم الصورية)...انتهى. أخي الفاضل..هذه بعض الحقائق أوردها بتجرد وباختصار عن انقلاب 19 يوليو عساها تساهم في تبيان الحقائق حول تلك الأحداث الشائكة والغامضة والخطيرة..ولك جزيل شكري وتقديري. إبراهيم أبوشنب (صحفي وباحث)