«ليلة الجنرالات» فيلم شهير بطولة الممثل الإنجليزي بيتر أوتول وعمر الشريف، يحكي عن محاولة انقلاب فاشلة شارك فيها عدد من كبار جنرالات الجيش النازي الألماني ضد قائدهم أودلف هتلر، ويقال إن الجنرال النازي الشهير الفيلد مارشال رومل كان متورطاً في هذه المحاولة، فخيره هتلر ما بين الانتحار والاحتفاظ بمجده العسكري أو المحاكمة والإعدام، فاختار الانتحار. وقد سبق لي في هذه المساحة أن وصفت الصراع ما بين الرئيس المصري أنور السادات والمجموعة التي أُطلق عليها «مراكز القوى» بليلة الجنرالات، إذ كانت هذه المجموعة تضم علي صبري نائب رئيس الجمهورية والفريق فوزي وزير الحربية والقائد العام وشعراوي جمعة وزير الداخلية، إلى جانب معظم القيادات السياسية في مجلس الشعب والاتحاد الاشتراكي. هذه المجموعة في نظر بعض الكتاب كان في يدها إقصاء أنور السادات بسهولة بحكم سيطرتها على الجيش والشرطة والأجهزة السياسية، إلا أنها أفلتت الفرصة من يدها وتصرفت بسذاجة سياسية بالغة. وفي خلال العهد المايوي راح البعض يطلق ليلة الجنرالات على ذلك الاجتماع الصاخب في يناير 1982م، والذي واجهت فيه قيادة القوات المسلحة وعلى رأسها الفريق أول عبد الماجد حامد خليل النائب الأول لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع والقائد العام والمرحوم الفريق عز الدين علي مالك رئيس هيئة الأركان وكبار جنرالات الجيش.. واجهوا رئيس الجمهورية الراحل المشير جعفر نميري مواجهة ساخنة تطرقوا فيها بصراحة وشجاعة إلى الفساد السياسي الذي يكتنف الدائرة المغلقة حول الرئيس بالقصر الجمهوري، إلى جانب اتهامات الفساد المتعلقة بجمعية ود نميري. وانحنى النميري للعاصفة وأعلن استقالته لكبار الضباط وخرج من الاجتماع، ولكنه ظل يرقبه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة ويرصد كل ما فيه. وبعد أن امتلك زمام المبادرة قام بإعفاء ثلاثة وعشرين من كبار قادة الجيش بما فيهم الفريق أول عبد الماجد ورئيس الأركان ونوابه وقائد الحرس الجمهوري. وحول هذه الواقعة كتب السيد أبيل ألير في كتابه «جنوب السودان.. نقض المواثيق والعهود» إن هذه رابع استقالة يلوح بها النميري، وإنه كان الأجدر بالفريق عبد الماجد أن يتقلد السلطة في تلك اللحظة التاريخية، لما يتمتع به من سند قوي داخل الجيش. ولم ينكر السيد أبيل أن بعضاً منهم قد شجعه على التحرك لملء الفراغ الدستوري، وقال أنه قام بزيارة الفريق عبد الماجد بمنزله بعد إعلان الرئيس لاستقالته، فوجده غاضباً من حدة الرئيس، لكنه كان عازفاً من حيث المبدأ عن تلك الخطوة وزاهداً في المضي فيها. السيد الفريق أول عبد الماجد حامد خليل، يظل موضع احترامنا وتقديرنا، لما يتمتع به من روح وطنية وكفاءة وقدرات، وقد رجوته في المرات التي قابلته فيها أن يكتب مذكراته، حتى يتسنى للباحثين والمهتمين، أن يقفوا على دقائق ومنعطفات تاريخنا المعاصر.. ليته يفعل وليت الآخرين يفعلون.