106 جامعة جاءت نتاجا لثورة التعليم العالي التي عمت انحاء البلاد، تضاف إليها هذا العام جامعة المغتربين لتزيد العدد رقماً اضافياً وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر حول ثورة التعليم العالي فمع انها وفرت فرص الدراسة الجامعية لكل الراغبين إلا ان ذلك نتجت عنه زيادة في اعداد خريجي الجامعات الذين لم يستوعبهم سوق العمل إلى ان اعلنت البلاد بأن بها مليوني عاطل أعلى نسبهم وسط خريجي الجامعات لتعلن ولاية الخرطوم اخيراً عن خمس آلاف واربعمائة ومئتين وظيفة بالولاية، كانت من ضمن تلك الوظائف قرابة الاربعمائة وظيفة صحية ولعل ارتفاع معدلات البطالة يرجع إلى التوسع الكمي في التعليم على حساب النوع، وفتح أبواب الاستثمار في التعليم التي ولدت مجموعة من التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل هذا ما حدا بوزارة التعليم العالي إلى ايقاف الدبلومات النظرية هذا العام ضمن سياسات القبول. كما ان هناك مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالوصف الوظيفي والتدريب والتأهيل والاحتياج إلى تخصصات دقيقة لا يفرزها سوق التعليم هذا بالاضافة إلى ضعف التنمية في الولايات الذي يمثل عائقاً أمام الاقبال على فرص العمل بها واختيار الخريجين فرص المنافسة في وظائف ولاية الخرطوم. ولكن الاختلال الحالي في سوق العمل جعل من الضروري اجراء مسح شامل وحقيقي لاحتياجات سوق العمل العام والخاص حتى تخرج الجامعات طلابها بحسب احتياجات ومتطلبات العمل، مع الاتجاه إلى التوسع النوعي في ايجاد تخصصات دقيقة لا الكمي الذي يأتي على حساب النوع في الغالب. وفي الحديث عن الجوانب الاقتصادية المتعلقة بضرورة عملية المسح في سوق العمل وربط ذلك بمخرجات عملية التعليم تحدثنا هاتفياً مع الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير والذي تحدث إلينا قائلاً بأنه من المؤكد حتى الآن لم تجر أية مسوحات أو دراسات لتحديد احتياجات سوق العمل في السودان وبتصنيفاته المختلفة في كافة المستويات على القطاع العام والخاص وبالتالي فإن سياسات التعليم العالي تأتي بمخرجات لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل نسبة لعدم تناغم السياسات الخاصة مع مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل وهذا من شأنه زيادة معدلات البطالة من جهة، وفي جهة أخرى يحدث خللا يزيد من أعداد البطالة وبالتالي ومن أجل تقويم هذا الأمر لا بد من اجراء دراسة متكاملة تحدد احتياجات سوق العمل على المدى القصير والمدى المتوسط والمدى البعيد مع مراعاة كل التطورات التي تطرأ في سوق العمل. ففي الوقت الراهن يجب أن تراعي عمليات المسح ما سيشهده مستقبل السودان بعد انتهاء مرحلة تقرير المصير على ان يتم بموجب هذه الدراسات التنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتوجيه القبول لاحتياجات سوق العمل حتى يكون هناك احتياج ومكان لكل طالب يتخرج في جامعة في سوق العمل. وهذا يختلف حسب المرحلة ففي فترة سابقة كان طلاب الطب من أكثر الخريجين الذين يجدون حظهم في سوق العمل بعد اجتيازهم مرحلة الامتياز أما الآن وبعد ازدياد أعداد كليات الطب وزيادة الخريجين بشكل كبير لم يعد طلاب الطب يحظون بمكانتهم السابقة في سوق العمل. لذا لا بد أن يكون هناك توافق بين احتياجات سوق العمل والرغبات وذلك من وضع الطالب لعدة رغبات يفاضل بين رغباته واحتياجات سوق العمل حتى ان ادى ذلك إلى النزول عن الرغبة الاولى والثانية طالما الثالثة تتوافق مع سوق العمل من خلال نظرة مستقبلية. ومع زيادة سوق الاستثمارات بالبلاد في الفترة الاخيرة والقادمة نستطيع ان نقول بأنه سيكون هناك طلب على الكوادر المالية والمحاسبية نتيجة طبيعية للتطور في الاستثمارات الاجنبية التي تتطلب كوادر محاسبية شريطة أن تكون مؤهلة. وعن التعليم المهني والتقني يقول الناير بأنه مهم جداً مع انه لم يجد اهتماماً إلا في الفترة الاخيرة من خلال تخريجه لكوادر وسيطة أو خريجي الجامعات بدرجة الدبلوم أو البكلاريوس والاستثمار أصبح مهما وضرورة في كل شئ حتى في مجال التعليم طالما يخرج كوادر يحتاجها سوق العمل الذي يجب ان يخضع لعمليات مسح متجددة كل ثلاث أو اربع سنوات حتى تستوعب الدراسة كل المستجدات الموضوعية على المدى القصير والمتوسط والطويل. وبذلك نعالج مشاكل البطالة والخلل في الوظائف بصورة عامة. وعن الاختلال الوظيفي ومشاكل الخريجين في كافة انحاء البلاد ومشاكل الوصف الوظيفي وقضية العطالة وما إلى ذلك تحدثنا إلى الأمين العام للأمانة العامة لتشغيل الخريجين علي دقاش والذي ابتدر حديثه معنا قائلاً: بأن هناك اختلالا في سوق العمل نتيجة وجود وظائف خالية ووجود عطالة وسط عدد كبير من الخريجين، واذا ما تحدثنا عنها نجد ان واجبنا في امانة تشغيل الخريجين عملي باستقصاء وبحث الامر من جميع جوانبه وبشروعنا في ذلك فعلاً وجدنا بأن هنالك (250) مئتين وخمسين وحدة مالية في القطاعين العام والخاص تعاني من نقص في الوظائف وهي وظائف مرغوبة في سوق العمل ولكن لم يجد اصحاب تلك الوظائف التخصصات المناسبة لملئها بعناصر مؤهلة وذات كفاءة وهذا ما دعانا إلى الاتجاه لمسار التدريب التحويلي بإخضاع الخريجين إلى تدريب وفق مسح سوق العمل وما يحتاجه أما بغرض اكسابهم تخصصات دقيقة أو بغرض تمكينهم داخل تخصصهم وهذا بالاتفاق مع هيئة التعليم التقني والتي تملك حوالي اثني عشر (12) كلية تقنية في ولايات السودان المختلفة. ومن خلال نتائج المسح اتضح بالفعل ان هناك ست مجالات هندسية بداخلها 34 تخصصا تقع ضمن التي تعاني من الخلل الوظيفي وهي تقنية العلوم الادارية والهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية والهندسة المدنية وتقنية الهندسة الزراعية وبرمجيات الحاسوب غير ان هناك كليات نظرية في المجال النظري مثل الاحصاء والحاسوب والتمريض والسكرتارية التنفيذية والتسويق وادارة المنظمات والاخيرة دربنا فيها ألف خريج تم استيعابهم جميعاً بحسب الاحتياج، ولكن اخيراً توقف التدريب التحويلي لأسباب متعلقة بالتمويل لأن الخريج يحتاج إلى 200 ساعة تدريبية لمدة شهرين تكلف 700 جنيه، وهي تكلفة عالية عجزت الدولة عن سداد قيمتها وأصبحنا غير قادرين على تنفيذ المشروع. وعن الولايات الأخرى مقارنة بولاية الخرطوم قال بأن هناك عددا كبيرا من التخصصات بالولايات لا يجد القبول لدى الخريجين خاصة بالنسبة للعنصر النسائي حيث توجد وظائف خالية في وقت تتكدس فيه العطالة بالخرطوم. كما تحدث إلينا دقاش عن مشاكل الوصف الوظيفي بقوله بأن وزارة الموارد البشرية هي المسؤولة عن تحديد الوظائف بدقة ولكن تكمن المشكلة في انه يتم الاعلان عن الوظائف وفق تخصصات تكون بعيدة كل البعد عن الوصف الوظيفي مما يضطر المؤسسة المعنية للاتجاه إلى تدريب وتأهيل الخريجين، من ثم استيعابهم وفقاً للوصف الوظيفي التي تحتاجه، لذا نعاني من عدم وجود وصف وظيفي دقيق، كما نعاني من عدم وجود توازن في الكليات النظرية ففي الكليات الخاصة يكون الاتجاه الاستثماري إلى الكليات النظرية باعتبار انها غير مكلفة في الاعداد والتقنيات والمعدات العالية، لذا نجد ان الكثير من اصحاب هذه الكليات والجامعات الخاصة يعمدون إلى ترخيص كلياتهم في المجال النظري مما خلق زحاما في سوق العمل بالنسبة للدراسات النظرية هذا بالاضافة إلى ان المناهج التعليمية تفتقد المرونة ولا تتحلى بأوصاف جديدة وكأنما هي حلول مؤقتة لكن لا بد من ان تهتم وزارة التربية والتعليم بإجراء مسوحات حقيقية تعمل من خلال نتائجها على ابراز الفجوات في سوق العمل واسراع الخطى نحو سد تلك الفجوات وتوازن الخلل الماثل. وفي ختام حديثه ل(الصحافة) قال دقاش بأن قضية العطالة وسط الخريجين قضية كبيرة يزيد من حجمها طموح الشباب بحكم المرحلة العمرية خاصة وان شبابنا يعانون من ضعف ثقافة العمل الحر وعن تجاربنا في تمليكهم المشاريع الانتاجية نجد انهم ينظرون إلى مشاريعهم باعتبارها مشاريع مرحلة مؤقتة، لذا تأتي ضعيفة ولا تفي بالغرض وهذا نتاج النظرة إليها باعتبارها مشروعات ذات صبغة اجتماعية بدون النظر إلى الناحية الاقتصادية المرجوة منها من خلال تضمين ذلك داخل دراسات جدوى تلك المشروعات. وكان خبراء تربويون قد وصفوا ادارة التعليم التربوي بفشلها في اعداد مسوحات للعملية التعليمية ووضعها لاستراتيجيات عامة للتأهيل والتدريب، وان عدم تمويلها لمشاريع التدريب يقلل من الانتاج في التعليم ويحدث في المستقبل مشاكل وتعقيدات أمنية واجتماعية واقتصادية. وقال الخبير التربوي البروفيسور الطيب عبد الوهاب في حديثه بالورشة التي نظمها مركز تدريب القيادات بأكاديمية الأمن العليا الأسبوع الماضي حول التخطيط الاستراتيجي التربوي قال بأن ادارة التعليم بالقطاع التربوي فاشلة خاصة في اختيارها للمديرين والقيادات التعليمية وذلك بسبب القصور الحاصل في وضع الاستراتيجيات العامة ومن ضمنها الكفاءة والتأهيل والتدريب في وقت اصبح فيه التعليم استثماراً في رأس المال البشري، وان معالجة الوضع الراهن تتطلب وضع خطط وآليات مع ايجاد تمويل ضروري واختيار التربويين بطريقة سليمة وفق خارطة واضحة المعالم حتى تتمكن من ردم الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية. كما تحدث للورشة الدكتور سلام عبد الله عن عدم وجود مسوحات ومعلومات عن سوق العمل بالبلاد إلا انه ومن خلال البحث والتقصي والمتابعة تأكد بأن هناك خللا واضحا واحتياجات للتخصصات الدقيقة تغطيها العمالة الاجنبية. وكان الخبير الدولي في مجال العمل والمدير الأسبق لادارة شؤون العمل الدكتور شرف الدين أحمد حمزة قد تحدث ل (الصحافة) عن ان سوق العمل يعاني العديد من المشاكل والمعضلات وانها مع الايام تحولت إلى كرة ثلج تتزايد مع تدحرجها وكل ذلك يزيد منه عدم وجود مسوحات علمية وعملية لمتطلبات سوق العمل بالبلاد، مع ان هناك ميزانيات كانت قد رصدت لعمليات المسح.