اذا دخلت السوق في الغرب وارتدت احد المحال الكبيرة، تقابلك البائعات ذوات الزي الموحد وترحب بك، وتسألك البائعة ان كنت تود المساعدة، فتشكرها بدورك انك يمكن ان تجد ضالتك لوحدك، فتقول لك بابتسامة واسعة تفضل سيدي تجول في المحل الضخم النظيف الانيق الذي رتبت اغراضه بطريقة فائقة الجمال، ووزعت اقسامه بدقة ونظام، ووضعت الاغراض بتنسيق كامل كل عليه سعره الذي لا يقبل التفاوض. واذا كنت في محل للملابس فإنه من حقك تجربة وقياس ما اردت ان تدفع ثمنه، واذا وجدت ما يناسبك فإنك تدفع ثمنه، واذا لم تشتر تخرج وتجد من يودعك عند الباب بابتسامة عريضة. اما هنا في السودان فقبل دخولك السوق فيجب أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتقرأ دعاء السوق وتردده مرارا وتكرارا، فقد أصبح السوق مسكنا للشيطان ومستنقعا للاوساخ، فأول ما يلفت نظرك هو كمية الاوساخ الملقاة على الارض التي يمشي عليها الناس ويجلس عليها البائعون وآخرون يتوضأون ويتفون ويأكلون، وفي بعض فراغات الاسواق يقضون حاجتهم، ثم انك تجد الفوضى تعم المكان، فبائع الاكل بجانب اللحام وصاحب البقالة امامه صاحب الحمار الذي حمل عليه الخبز، والخبز هو الطعام الذي لا يعاد طبخه ولا يمكن غسله، ولكنه يباع في كل مكان مكشوفا، وقد تغوط هذا الحمار الذي يشكو حر الشمس الذي اوقف فيه، ولا عجب اذ ان معظم صانعيه يتسمون بعدم النظافة، وتجد بجانبه صاحبة الشاي التي ملأت الارض ب «تفل» الشاي والبن، ثم هذا يبيع ليمونا وآخر صابونا وآخر اواني ثم أحذية. ومما أدهشني انني رأيت احدهم يشوي اللحوم بين صفوف العربات المتراصة في الموقف التي جعلت الوصول الى صاحبة الفول التسالي مستحيلاً. الألفاظ القبيحة: واذا دخلت المرأة السوق وهي الملزمة بدخوله، تقابل بسيل من الألفاظ النابية من بعض ذوي النفوس الضعيفة، وبنظرات قاتلة، ثم انها اذا سألت عن شيء ولم تشتره يغضب البائع ويكيل لها كما من الشتائم مثل «تشيلك عربية» أو «إنتي شبه ده» وغيرها مما يعجز اللسان عن ذكره، كأن السوق ليس بأرض العرض والطلب، ثم أن الله قد أحل البيع وحرم الربا، فتجد المزايدات في الأسعار والغش بكل أنواعه، اما الحلف بالله وبالطلاق فهو من أهون الاشياء على كثير من السنة البائعين. الأوساخ: مما أثار دهشتي انني رأيت رجلا مسنا لا يستطيع ان يمشي يجر خلفه «قفة» كبيرة يغرف جزءا مما يمشي عليه، فيضعه في الجانب الذي يليه فيقع من الجانب الآخر، وتساءلت، فقيل انه الشخص الوحيد الذي عليه نظافة كل هذه الفوضى، ما هذا ايها الشعب السوداني الطيب المتدين يا من تملأون المساجد وتتشبعون بذكر المصطفى، اين انتم من هذا الايمان الذي ادناه إماطة الاذى عن الطريق، ولكنكم ترمون هذا الاذى وسط اقدامكم حتى يتأذى به الآخرون، أين أنت أيها المواطن من هذا الدين الذي لا يرضى لك ان تأكل الحرام وتغذي به ابناءك؟ اين أنت من هذا الدين الذي يحرم عليك القسم باسم الجلالة في اي زمان ومكان ولو كنت صادقا، وما بال نساؤكم اللائي تطلقونهن عشرات المرات في النهار الواحد؟ أين انتم من الاخلاق التي تحثكم على تقديس المرأة واحترامها، فهي امك واختك وزوجتك، فلماذا لا تحترمها؟ أين أنتم من الطيبة التي تجعلك صادقا وأمينا وعفيف اليد واللسان. ويا والي الخرطوم نعرف أن المهمة شاقة ومعقدة، ولكن ألا يحق للشعب السوداني أن يُحظى ببعض الانسانية في اسواقه، دون قطع الارزاق وإيجاد طريقة لتنظيمها.