إضاءة: في مثل هذا اليوم العشرين من شهر فبراير 2009م أغمضت شامة (هنا أمدرمان ) الاذاعية رجاء حسن حامد عينيها بمستشفي السلاح الطبي بأمدرمان ورحلت من عالمنا الفاني وهي في زهو الشباب ، بعد مشوار قصير في عالم الإعلام ، ولكنه زاخر بالعطاء المبدع الذي سوف يخلدها إلي أمد بعيد في ذاكرة الناس والتاريخ . ٭ سيرة مبدعة بقامة نخلة سامقة: ولدت رجاء حسن حامد ميرف التى تنحدر اصولها من منطقة الشبطاب كلى ناحية شندى، فى حى بانت غرب استاد الموردة بامدرمان، ودرست المرحلة الابتدائية بمدرستى ابو عنجة والمشاة العسكرية والمتوسطة بالشنقيطي، والثانوى فى امدرمان الثانوية، ثم سافرت الى جمهورية مصر العربية والتحقت بكلية الزراعة بجامعة الاسكندرية التى تخصصت فيها بالهندسة الزراعية، وحصلت على درجة البكالريوس بتقدير جيد جدا. ٭ الموهبة فرشت طريقها بالورود: منذ ايام الدراسة الاولى كان صوتها محل اهتمام زميلاتها ومعلمتها، لكنها لم تكن تعير الامر كثير اهتمام، ولو كان الامر كذلك لفكرت فى دراسة الاعلام، هكذا كان ردها حينما سألتها فى إحدى أمسيات عام 2002م، لكن الاقدار كانت تخبئ لها امراً آخر. وفى جامعة الاسكندرية بدأ الاهتمام بذلك الصوت يتسع عبر حفلات التخرج والاستقبال. وانتهت سنوات الدراسة ورجعت الى البلاد، وبعد عودتها بوقت وجيز واثناء زيارتها لاحدى قريباتها فى التلفزيون، وفيما هى تتحدث مع بعضهم فى باحة المكان، استمع لها الاعلامى الكبير حمدى بدر الدين بالصدفة. وقال لها بالحرف الواحد انت مذيعة ! كانت تلك اكبر شهادة يمكن يتطلع اليها اى اعلامى ناشئ، وكان ذلك الى جانب اشادة ليلى المغربى من الاسباب التى دفعت بها نحو الالتحاق بقسم المنوعات بالتلفزيون، حيث عملت فى وظيفة «ماستر بروغرام» تربط بين البرامج، وبعدها اطلت عبر «جريدة المساء» وبعض البرامج الاخرى. ٭ يسرية تقودها إلى مايكرفون هنا أم درمان: الاذاعية يسرية محمد الحسن كانت السبب فى انتقال رجاء الى استديوهات هنا امدرمان، واجازة صوتها بحضور الاعلامى الدكتور عوض ابراهيم عوض الذى كان يستعد لتقديم نشرة أنباء الثانية ظهرا حينما دلفت رجاء ويسرية الى الاستديو، وما ان استمع عوض الى صوتها حتى قال لها لو كنت مديراً تنفيذياً كنت تركت لك قراءة النشرة. وخلال مشوارها قدمت رجاء العديد من البرامج، واصبحت رقما اعلاميا يشار اليه ببنان الاعجاب، فقد بدأت ببرنامج الرياضة، وتألقت فى مدرسة «صباح الخير يا وطنى» حيث عملت الى جانب الدكتور حسن دوكة المقيم فى ماليزيا الذى كان له الفضل فى تجويدها للغة العربية، والمخرج صلاح التوم. وكانت اول مذيعة تعمل على الهواء بقسم المنوعات حينما انتقل البرنامج الى البث المباشر، وايضا اول مذيعة تدير حديثا عبر الهاتف. وعن الاذاعة تقول رجاء: «لقد عملت فيها بكل حب من اجل عيون المستمعين، وكنت اتخيل الميكرفون دوحة خضراء وانا عصفور يغرد ملء حنجرته، فتخرج الكلمات صادقة لتصادف قلوبا محبة». ٭ تحمل في يدها شهادة الزراعة وتحلم بأديم الوطن بساطاً أخضر: عادت رجاء من القاهرة تحمل فى يدها شهادة هندسة الزراعة، وقد كان أن عملت فى مجال الزراعة بعض الوقت من خلال مشاريع الخريجين بمنطقة ابو قوتة، وكانت تشعر بسعادة متناهية وسط الحقول وهى تحلم باحالة اديم الوطن الى بساط اخضر يعمل على كفاية اهله، لكن ذلك لم يستمر طويلا، لانه تعارض مع عملها الاعلامى، خاصة بعد أن انتقلت الى الاذاعة السودانية. ٭ أظلمت الدنيا أمام ناظريها في مدريد: تسبب داء السكرى الذى كانت تعانى منه الراحلة فى اضعاف الشبكية، وسافرت الى القاهرة للعلاج، ومنها الى اسبانيا حيث خضعت هناك للجراحة على يد واحد من اكبر اختصاصيي طب العيون على مستوى العالم. ونجحت العملية، لكن ارداة الله شاءت أن تظلم الدنيا امام ناظريها وهى تصلى فى اليوم الثانى لاجراء العملية، وكان ذلك بمثابة الابتلاء والامتحان الاكبر الذى نجحت فى اجتيازه بالصبر والايمان بالله، وقد عانت الراحلة كثيرا من المرض ولزمت الغرفة «207» بالسلاح الطبى اكثر من مرة. ٭ قوة الشخصية والثقافة: رجاء الانسانة كانت تتميز بقوة الشخصية وقدر عالٍ من الثقافة والحضور الطاغى امام المايكرفون، وفى الحياة تحب الصدق والصراحة وتكره الكذب والنفاق. واعلاميا كانت معجبة بطريقة الدكتور عوض ابراهيم عوض فى الاداء. ٭ لمحتك بين رجاء ومصطفى سيد أحمد: قلت لها فى احد الحوارات لمن تستمعين؟ اجابت بالحرف الواحد «اقطف من بستان كل مبدع زهرة تطربنى وتشجينى» لم اقتنع بتلك الاجابة الحيادية وسألتها ما هى الاغنية التى تحبين الاستماع لها؟ صمتت برهة قبل ان تجيب «لمحتك.. رائعة الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد، عندما استمع اليها اتوقف واصغى باهتمام، انها تعيد دوزنة احساسى». وفى السنوات الأخيرة التى سبقت رحيلها كان القرآن الكريم هو رفيقها الدائم. ٭ تأبين أسري ودعاء وختمة قرآن اليوم: تحدثنا الى شقيق الراحلة رجاء الاذاعى مأمون حسن حامد الذى بدا حزينا وهو يقول: كانت رجاء نموذجا للانسان العطوف تتحس ألم الناس، وشديدة التدين، لقد عملت معها من خلال الاذاعة السودانية فى برنامج «صباح الخير يا وطنى» فى عامى 93- 1994م، الى جانب فترات البث المباشر والمنوعات والفترة المفتوحة فى رمضان. واختتم مأمون حديثه بأن الاسرة سوف تحيي اليوم الذكرى الاولى، حيث يقام تأبين عائلي للفقيدة يحتوى على تلاوة وختمة للقرآن الكريم ودعاء بمنزل الاسرة بحى بانت غرب بحضور الاهل والاصدقاء. ٭ كلمة من «الصحافة»: كنا نتمنى أن يكون هناك تأبين على مستوى الاذاعة السودانية فى ذات المكان الذى عشقته وافنت فيه زهرة ابداعها، ولكن لم تحمل الينا الاخبار تلك البشرى. وقد سبق أن نبهنا لذلك، ونتمنى أن تعمل الاذاعة على اقامة مراسم تأبين تليق بمكانة الفقيدة وما قدمت من عطاء للوطن عبر أثير الإذاعة. ٭ وردة على قبر رجاء: فى موسم الذكرى الأول أييم شطر قبرها الطاهر بمقابر حمد النيل، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله روضة من رياض الجنة، وان يعوضها عن شبابها وصبرها على المرض والابتلاء بالجنة، واسأل كل من يقرأ هذه السطور خالص الدعاء لها، وإنا جميعا إلى الله راجعون.