الزواج الجماعي فكرة الغرض منها تسهيل وتسيير «سنة الحياة»، استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أقلهن مهراً أكثرهن بركة»، ولكن رغم ذلك نجد المجتمع أكثر تحفظاً تجاه الفكرة باعتبارها شكلاً مبسطاً لمظاهر الأفراح، خاصة أنه في الفترة الأخيرة تفشت ظواهر وعادات جديدة أصبحت عبئاً إضافياً لتكاليف الزواج تمثلت في البذخ والترف والتعالي والتفاخر والإسراف والإنفاق غير المسؤول، بعد أن أصبح فطور العريس و«مويات» رمضان من أساسيات الزواج، إضافة الى «تقليعات» جديدة، الزفة على الطريقة المصرية التي توازي ميزانيتها زواجا مبسطا، بجانب النادي. وأهم من ذلك الفندق أو الشقة التي تسببت في كثير من حالات الطلاق قبل أن تجف الضريرة، وعلى أسوأ الفروض «العكننة» وبداية عش الزوجية بأولى المشكلات، مما أثر ذلك على خارطة الحياة الاجتماعية، فتفشت حالات العزوف عن الزواج، وارتفعت نسب «العنوسة» وسن تأخر الزواج. «الصحافة» طرقت «أبواب» الفكرة لتقف على نموذج ناجح للزواج الجماعي يحتذى به، لأسرة سعيدة ومستقرة تنتمي الى مدينة كسلا الخضراء، جمعت بينهم ظروف العمل في الخرطوم، فتوجت احلامهم في قفص سعيد كان من ثماره ابنة نجيبة اسمها «بلسم» فتحت لها «الجميلة ومستحيلة» جامعة الخرطوم أبوابها لتكون طالبة في كلية الطب هذا العام لتكون بلسماً. عمر محمد علي، مساعد مدير الجهاز القضائي بالمحكمة الجزئية بالخرطوم وزوجته آسيا محمد إدريس مراقبة بمحكمة بحري، يرجع تاريخ زواجهما الى عام 1991م في زواج «العفاف» الثاني بمدينة كسلا، بصحبة «1000» زيجة احتضنتهم سواقي كسلا في كرنفال بهيج، جلسنا الى الزوج عمر فكانت كلماته بسيطة وعميقة، فقال «الزواج سترة وعفة وهو سنة الحياة. والرسول «ص» قال «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه زوجوه»، وفي نهاية الأمر «الزواج يا هو الزواج» إذا تم بأي شكل من الأشكال، فالسعادة هي التي يسعى إليها الجميع والمال ليس مشكلة، والأمثلة كثيرة لأغنياء كثر ولكنهم غير سعداء في حياتهم، واستطيع ان اقول إن «75%» من حالات الفشل لم تكن الماديات سبباً فيها، وحسب متابعتنا في مجال العمل أحب أن أشير الى ان حالات طلاق «الإعسار» تكاد تكون غير موجودة. وأضاف عمر أن الزواج الجماعي فكرة ناجحة ولكن تحيطه مخاوف البعض، وعن حكايته وارتباطه بزوجته آسيا، قال: لم تكن ضمن خياراتي في بداية الأمر، ولم تكن هناك علاقة سابقة، فجمعنا العمل، وأول مرة تقابلنا في المحكمة سنة 1988م، وفترة ثلاث سنوات سبقت زواجنا كانت كافية جداً لأعرفها، لذلك أود أن أقول ان الاختيار والتوافق هو سر النجاح الأول والأخير. وقالت الزوجة آسيا: الحمد لله تم زواجنا بنجاح ولم نجد مشاكل في محيطنا بعد ان رحبت الأسرة بالفكرة، والزواج تم في كسلا في السواقي الجنوبية في جنينة «ود عطا»، والزواج الجماعي عمل خير وناجح فقط الاختيار هو عامل النجاح. وردت على سؤالنا بابتسامة عريضة: «ما عندي مانع بنتي تتزوج في الجماعي إذا كانت موافقة على الفكرة وكانت مقتنعة باختيارها للشخص المناسب». وأضاف عمر قائلاً: كثير من الناس يتخوفون من الفشل والنظرة الاجتماعية السالبة للزواج الجماعي، وهنالك «من هدموا الفكرة» وبعض الجهات دائماً تبخس الأمر بحسابات أن المقلبين على الزواج الجماعي ناس «عدمانين»، ولكن ذلك ليس صحيحاً. واذكر انه في زواجنا وقتذاك كان هناك من لهم المقدرة ولكن حاجز الخوف منعهم، فتشجعوا بعد ان رأوا الآخرين، وزي ما بقولوا «الموت وسط الجماعة عرس»، وللأسف منظمو الزواج في الفترات الأخيرة أصبحوا يهتمون بالكم وليس الكيف، والمسألة أصبحت شبه «تفاخر» للمؤسسات المعنية تضيفها الى إنجازاتها بأنه في العام السابق زوجنا «5000» زيجة وو... ولكن ليس هكذا تتم الأمور، فالحال يحتاج مراجعة ووقفة، وعليهم ان يميزوا بين الراغبين فعلاً وبين المحسوبين على الفكرة، ولا بد أن أشير إلى منظمي الزواج عقدوا لنا أكثر من «15» اجتماعا ليس لتعقيد المسألة، بل ليتأكدوا من حرص الناس، وحالياً يرى بعض الناس ان الفكرة لا تناسب الوقت الحالي وان الزمن تغير، ولكن العكس، فما أحوجنا في هذا الوقت تحديداً الى إنعاش الزواج الجماعي، حتى نساعد الشباب والراغبين، في ظل العادات المنهكة. وأضافت آسيا قائلة: إن الزواج في الفترات الأخيرة اصبحت تكاليفه عالية وهناك عادات يجب التخلي عنها مثل «مويات» رمضان وفطور العريس وتبعاته المرهقة للعريس، فأصبح لزاماً عليه أن يهدي «نسوان» الفطور ثيابا وان كان عددهن «20». حاولنا أن نطرق أكثر من «باب» واستطلعنا أهل الشأن من الشباب بجانب الأمهات باعتبارهن حجر الزاوية لبناء الفكرة، سحر بشير خريجة، هاجمت الزواج الجماعي قبل أن نطرح عليها محاورنا، ووصفته بالفاشل، وبررت موقفها بأن نظرة المجتمع سالبة لهذه الزيجات، مما تسبب في مضايقات للمتزوجين، وانه عرضة لعدم الاستمرار. وقالت «أنا ما عندي مانع اتزوج بصورة بسيطة جداً بين الأهل وكل المظاهر البقولوها ممكن اتنازل عنها، لكن بعيداً عن اسم الزواج الجماعي. وكان رأي الموظفة ندى علي عطية إيجابياً، ولكن لا بد أن نشير الى أنها متزوجة، فقالت: «إذا رجع بي الزمن للوراء قليلاً ما عندي مانع اتزوج في الجماعي مادام الاثنان مقتنعين ببعضنا، وظروفنا ما كانت مساعدانا. وفي نهاية الأمر كل الناس يبحثون عن السعادة والعفة والاستقرار، وهي بالطبع لا يحددها المال في المقام الأول، بل ترجع الى توافق الطرفين». وأضافت نادية محجوب مديرة الضيافة بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم قائلة: دائماً الأم الواعية تهمها سعادة ابنتها أولاً وأخيراً، والزواج الجماعي ليس مدخلاً للفشل وعدم الاستقرار، وهو فكرة جريئة لحل مشاكل «الراغبين»، ولكن لا بد ان يكون مدروساً، وان المتقدم لا بد أن يكون مسؤولاً وقادراً على تحمل تكاليف المعيشة وفتح البيت بعد الزواج، وانا شخصياً ما عندي مانع ابنتي تتأهل في الزواج الجماعي بعد الموافقة على الزوج والاطمئنان الى جانبه، وانه صاحب خلق ودين، وقادر على أن يفتح بيتاً ولكن ظروفه الآنية لا تمكنه من توفير نفقات الزواج.