افتتحت الهيئة التشريعية القومية أمس دورة انعقادها الثانية والتي تستمر حتى يناير المقبل، وسط تحديات جسام تتسم بها هذه المرحلة والمتعلقة باستكمال ترتيبات اتفاقية السلام الشامل خاصة فيما يتعلق باجراء الاستفتاء ومترتباته، بالاضافة الى التداعيات الاقتصادية والأمنية بالبلاد على ضوء حق تقرير المصير المرتقب في يناير القادم. شرف الجلسة الافتتاحية للهيئة التشريعية القومية السيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير ووزراء حكومته، بالاضافة الى مشاركة واسعة من رجال السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الخرطوم. وزير الداخلية: لا مبرر للقلق وزير الداخلية المهندس ابراهيم محمود، قال للصحافيين الذين حاصروه بهواجس المواطنين الأمنية وتوجسهم من الاستفتاء وتداعياته الأمنيه، قال «ليس هناك ما يدعو المواطنين للخوف من الاستفتاء، وان كل الترتيبات الامنية جيدة لتأمين الاستفتاء» واضاف «ثبت عملياً انه ليس هناك أساس لهذه التخوفات التي تصدر من المواطنين، وقال لا اعتقد ان هناك ما يقلق المواطنين» وقال ان الاستفتاء سيمر بأمن كما مرت الانتخابات من قبله ولن يكون هناك أي هاجس امني سيؤرق المواطنين اثناء الاستفتاء او بعده». البشير: مراجعة الترتيبات الامنية واقتسام السلطة والثروة لترجيح الوحدة وفي كلمته أمام الهيئة التشريعية القومية قال الرئيس عمر البشير انه لا بديل للوحده في الاستفتاء القادم رغم احترامه لخيار الجنوبيين، واعلن استعداده لمراجعة اتفاقية السلام في بند الترتيبات الأمنية وقسمة الثروة بما يعزز خيار الوحدة وتعزيز قدرات الجيش الشعبي لحماية الأمن القومي السوداني، واعتبر ان الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب عهد يفصل بين الحرب والسلم، مشيرا الى ان الحكومة حريصة على انجاح الاستفتاء اكثر من اي طرف آخر. وقال ان الترسيم تم بنسبة «80%» في الخرائط وتبقى التنفيذ، وأوضح انه مازال هناك خلاف حول منطقة ابيي. وقال البشير ان «توافق شريكي الحكم على الوصول لحل ازمة ابيي امر حيوي» معربا عن امله في نجاح مباحثتهما في اديس ابابا في هذا الصدد»، واضاف «اننا نمضي على مواصلة تنفيذ خطوات الاستفتاء حتى لا يطمع طامع» مشيرا الى ان الاستفتاء لا عاصم منه سوى الاتفاق على بنوده بين الطرفين، وقال»اننا على اقتناع تام بان اهالي الجنوب اذا ما توفرت لهم الفرصة الكاملة للادلاء بصوتهم في حرية فانه لا شك انه سيذهبون الى الوحدة». واضاف «اننا على اتم استعداد لمراجعة كافة الاتفاقيات الامنية مع الشركاء في الجنوب ومع الجيش الشعبي الذي يعد مكوناً اصيلاً لمكونات الجيش السوداني للحفاظ على وحدة السودان واضاف»كما اننا على استعداد للنظر في قضية الثروة لاعادة اعمار كافة ولايات جنوب السودان بما يعزز الوحدة حتى لو تجاوز الاعمار نسبة مائة في المائة من عائدات النفط». واستعرض البشير في خطابه اربعة محاور منها، استكمالُ السلامِ في جنوبِ السودان بإستكمالِ مستحقات اتفاقِ السلام في جنوبِ، بإجراء عملية الاستفتاء، خاتمةِ مفرداتِ تقرير المصير، وهي عمليةٌ تستقطبُ اهتماماً عالمياً غيرَ مسبوق، تتصاعدُ وتيرتُه كلما اقتربت الأياُم من الموعدِ المحدد، وما ذاك إلا لتفرُّدِ هذه التجربة، فتقريرُ المصير ارتضيناه ليكونَ فيصلاً بين عهد الحرب وعهد السلام، ولهذا فنحن أحرصُ ما نكون على أن نهيئَ له من الأجواء والترتيبات. وقال فيما يختص بترسيم الحدود، فقد وُفّقت المفوضيةُ في الفراغ من تحديد الخط الحدودي على الخرائط بنسبة 80 % ، ويبقى إجراءُ التطبيقِ على أرض الواقع ، ولقد صَدَرَتْ توجيهاتٌ رئاسيةٌ لتمكين المفوضية من تلافي العثرات التى تجابه عملَها ، لتمضيَ في إتمام ما أحرزته من تقدم ، إذ يظلُّ إجراءُ ترسيمِ حدودٍ وافٍ، عاملاً حاسماً في إجراء استفتاءٍ عادلٍ ونزيه، وبجانب ذلك، يبقى توافقُ الشريكين على بلوغ حل يُرضى أطرافَ النزاع في منطقة آبيي، أمراً حيوياً في ضمان استفتاءٍ لا يُفضى إلى تجددِ النزاع. وعرض البشير عدداً من الإلتزامات دعماً لمشاريع التنميةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ في الجنوب بما يرسِّخ من الوحدة ويعِّززُها، وقال فيما يتصل بالترتيبات الأمنية، فإننا على أتمِّ استعدادٍ لإجراء مراجعةٍ مشتركة تُتَمِّم ما أُنجز، وتمكِّن مؤسساتِ الحكمِ في الجنوب من تحُّمل مسئولياتِ الأمن في الإقليم كافةً، واضاف «كما سنعمل على تطوير ما ورد في الاتفاق من مسئولية الجيش الشعبي، باعتباره مكوِّناً أصيلاً من مكونات الجيش الوطني، تعزيزاً للتعاون المشترك، وتمكيناً من التوزيع الأمثل لمهامِّ الدفاع عن الوطن وحماية أمنه القومي: وفيما يتصل بقسمة الثروة، قال «إننا مستعدون لتبني تطوير البرامج والمشروعات التي اعتُمدت في صندوق دعم الوحدة، في مجالات التعليم والصحة والكهرباء والبُنى التحتية والمشروعات الزراعية والتصنيع، حتى تبلغ مستوىً يماثل ما يُقدم من خدماتٍ في بقية ولايات السودان، ونتعهد هنا بالعمل على توفير الموارد المالية لتلك المشاريع سواءٌ من الميزانية القومية، أو المنح والقروض حتى ولو تجاوز ذلك نسبة ال 100% من عائدات النفط. أما في ما يتعلق بقسمة السلطة، فسوف ندعو إلى مراجعةٍ في إطارٍ قوميّ، لطبيعة العلاقات اللامركزية على المستوى الولائي والمحلي في القطر كلِّه، وبما يعززُ من التجربة، ويوسِّعُ من دائرة مشاركة أبناء الوطن، وأبناء الجنوب خاصة، في بناء الوطن الكبير. وأكد البشير التزامه القاطع بالاستفتاء واضاف «لا نرتضي عن وحدة السودان بديلاً، ولا نرى سواها عاصماً يصون أرضنا من التفتُّت والضياع». واشار البشير الى ان حكومته اعتمدت سياسة اللامركزية لتطوير الحكم المحلي وتمكين المواطن من كافة حقوقه السياسية والمدنية، وقال ان الهدف من لامركزية الحكومة هو تعزيز التواصل والتفاهم بين كافة الولايات وليست الفرقة. وفي محور السياسة الخارجية قال انها تقوم على حسن الجوار والتعاون مع المجتمع الدولي، مشيرا الى ان السودان اعتمد الحوار نهجاً على الندية والاحترام المتبادل في ضوء من احترام الشرعية الدولية دون املاءات خارجية. ونبه الى ان الخرطوم ستواصل تصديها للجهات التي تسعى لفصل السودان، وانتقد المحكمة الجنائية الدولية التي وصفها بانها لعبة في يد الاغنياء لارهاب الفقراء بها. وقال ان الازمة المالية العالمية القت بآثارها على جميع اقتصاديات العالم، مشيرا الى ان السودان نجح في تحقيق معدلات تنمية كبيرة من خلال ارث كبير استدعى اهتمام العالم وترحيبه. وكشف عن صياغة قانون جديد للاستثمار لاعطاء القطاع الخاص والمنظمات الدولية فرصة لتحقيق اكبر معدل من التنمية، واكد ان السودان سيسعى الى تحقيق منتجات تلبي معايير المنافسة في مجال الزراعة وان السودان سينتج 50 نوعاً من الادوية خلال الايام المقبلة. الجنوب: حضور وغياب الصحافيون الذين تابعوا جلسات افتتاح الدورة الثانية للهيئة التشريعية القومية تلاحظ غياب عدد كبير من النواب الجنوبيين خاصة المنتسبين للحركة الشعبية، حيث تكاد تخلو قائمة الحضور من الوجوه الجنوبية سوى القليلين الذين توزعوا بين الحضور، ماجعل بعض الصحافيين يعلقون بان الانفصال ربما يكون إكتمل، وربما يكون هؤلاء النواب قد بدأوا في حزم حقائبهم والتوجه جنوباً حسبما نص الدستور الانتقالي للعام 2005م، ورغم قلة الحضور الجنوبي في هذه الجلسة بعكس ما كان في الجلسة الافتتاحية الاولى للدورة الاولى للمجلس الوطني، إلا ان موضوع الجنوب والاستفتاء كان حاضراً بقوة في الجلسة الافتتاحية من خلال كلمتي رئيس الجمهورية عمر البشير، ورئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم الطاهر، وحوارات الصحافيين من البرلمانيين والدستوريين التي تركزت جلها حول القضايا المتعلقة بالاستفتاء ومترتباته المرتقبة. الطاهر: مستعدون لاستفتاء حر ونزيه قال الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني في كلمته امام الجلسة الافتتاحية للهيئة التشريعية القومية، ان هذه الدورة هي بداية الطريق الوعر الذي توقع ان يقود الى بر الأمان، لأنها ستشهد اجراء الاستفتاء، والمعالجات النهائية لمشكلة دارفور، وربما تشهد الدورة القادمة الترتيبات الدستورية والادارية لما بعد الاستفتاء، وقال الطاهر ان المجلس الوطني شكل لجنة طارئة للاستفتاء وزارت جوبا ولكن واجهتها بعض العقبات في طرح موضوع الوحدة من حكومة الجنوب، واضاف «اننا نهيب من حكومة الجنوب اعلان حيادها في قضية الاستفتاء وتفتح الباب للكل حتى تجد نتيجة الاستفتاء القبول من الجميع» وقال الطاهر ان موجهات الدورة الحالية للهيئة التشريعية القومية ستكون متابعة اجراءات الاستفتاء حتى يكون بشكل شفاف ونزيه حتى تجد نتائجه الاحترام والاعتراف به، ومتابعة نهايات قضية دارفور بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية التي وضعت لمعالجتها، والاستماع للخطط التنفيذية للوزراء في المجالات المختلفه، ومناقشة الميزانية العامه للدولة، ومباشرة الاعمال التشريعية، والاستمرار في اعمال الرقابة على الجهاز التنفيذي. حديث الاستفتاء من خلال الحديث الذي دار بين ردهات فناء المجلس الوطني فإن موضوع استفتاء جنوب السودان وتداعياته المرتقبة كانت الهم الشاغل لكل المشاركين في الجلسة الافتتاحية للهيئة التشريعية القومية امس، فخطاب رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر صدره بأن اكبر التحديات في المرحلة القادمه ستكون استفتاء جنوب السودان واجرائه بطريقه نزيهة وشفافة تقود لقبوله والاعتراف بنتائجه، وكما توقع الحاضرون ان يعتلي حديث الاستفتاء خطاب الرئيس البشير فقد كان كذلك، حيث تحدث الرئيس في خطابه عن أربعة محاور كان المحور الأول حول الاستفتاء وحق تقرير المصير وسعي الدولة الى جعل خيار الوحده خيارا لا بديل له رغم التحديات الماثلة. أما خارج قاعة المجلس الوطني الرئيسية التي شهدت افتتاح الجلسة فإن لقاءات الصحافيين وحواراتهم مع البرلمانيين والدستوريين في فناء قبة البرلمان تركزت كلها حول اجراءات الاستفتاء المرتقب وتداعياته على المشهد الداخلي من خلال القضايا المتصدرة جدول الخلاف بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. لوكا: الخطاب متزن من أبرز القيادات التنفيذية للحركة الشعبية الذين حضروا الجلسة الافتتاحية كان الدكتور لوكا بيونق وزير رئاسة مجلس الوزراء، الذي قال للصحافيين ان خطاب الرئيس البشير إلتزم بالتنمية للجنوب ومضي اكثر من المتوقع، لأن التنمية بحسب رأيه يجب ضمانها أياً كانت خيارات الاستفتاء، ووصف الخطاب بالمتزن وانه حوى نظرة بعيدة لما بعد الاستفتاء، ويعطي مؤشرات بأن مستقبل السودان سيكون افضل بناء على اي من الخيارين، مشيرا الى ان الخطاب عمد في نظرته المستقبلية في ترتيبات ما بعد الاستفتاء ان لايكون الجنوب مصدر قلق للشمال وكذلك الشمال بالنسبة للجنوب، واضاف لوكا «من المهم ان تكون الترتيبات الامنية للحكومة متوفرة لضمان الهدوء والاستقرار لما بعد الاستفتاء» واشاد لوكا بما جاء في الخطاب حول ترسيم الحدود وقال هناك التزام سياسي مهم لحل بقية المشاكل حولها المتمثلة في نسبة «20%» منها، وشدد لوكا على ان الخلاف في أبيي حول فهم المؤتمر الوطني لمسألة المواطنة فيها، ودعا الى ان لا يكون هناك خلط بين حقوق العرب الرحل، مشيرا الى ان هذه القضية محتاجه لنظرة تنموية تحفظ كل الحقوق، لكن مشاركتهم في الاستفتاء خارج الاطار القانوني والاتفاقية ومن يحق لهم التصويت هم دينكا نقوك والسودانيون الآخرون، واضاف «لم نتوصل لاتفاق حول ابيي لكن نرى ان يكون لدينا التزام سياسي للوصول للحل الأمثل او ايجاد حلول تعتمد الرغبة الشعبية في ابيي، ونتواصل لإيجاد آلية لتعبر عن رفض شعب ابيي لماحدث في اديس ابابا.