السودان الواحد المتحد، حلم كل وطني مخلص، لأن قوة الأوطان في وحدة الشعوب والأعراق والقبائل والأفخاذ التي تتشكل منها، ولا يوجد بلدٌ في العالم يتكون من عنصر إثني أو عرقي واحد، ومن آيات الله تعالى كما يقول في محكم التنزيل «اختلاف ألسنتكم وألوانكم»، ومن هنا فإننا لا نجد في تنوع الأعراق والثقافات في بلادنا إلا داعما إيجابيا للوحدة الراسخة التي نحلم بها في وطننا، ولذلك فإننا نؤكد أهمية دعم الوحدة الترابية والقومية والوطنية لهذا السودان، لأن التشظي سيعني الضعف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والدبلوماسي والأمني. وسأعرض في هذه العجالة، نموذجا حياتيا لتجربة إنسانية واجتماعية من الجزيرة، كان مسرحها يمتد من جنوب السودان الى قرية التكينة في محافظة الكاملين وإلى الرياض عاصمة السعودية. تعود القصة إلى ستينيات القرن الماضي، عندما ذهب العم الشيخ عبد الرؤوف حامد التكينة للتدريس والدعوة في جنوب السودان لأشهر طويلة، وقد عاد وبصحبته فتى جنوبي تعلق بالشيخ ورفض البقاء في الجنوب، حيث وصل «لادو» إلى التكينة، وأقام فيها والتحق بالمدرسة، وتربى في منزل الشيخ عبد الرؤوف، مع أولاده الطاهر ومحمد وأمير، ومعنا نحن أبناء الأسرة الكبيرة، وعندما كنت أحضر إلى والدي في التكينة، كنت أجد محمد سليمان مع الجميع في حوش الشريف. وهو قد التحق بخلوة الشيخ مضوي اللخمي في مسجد الشريف، وكان يلعب البلي مع أقرانه: زكريا عبد الله، وكمال حسين ويوسف عبد العزيز، وقد غير «لادو» اسمه إلى محمد سليمان، ثم سافر محمد سليمان إلى السعودية ليدرس في المعاهد العلمية في جامعة الإمام. وبين الرياض والتكينة وجنوب السودان، استمرت الحياة بمحمد سليمان، حيث تزوج من إحدى بنات التكينة، وأنجبت له محمد المجتبى، وأذكر قبل سنتين عندما ذهبت للسلام على العم الشيخ عبد الرؤوف رحمه الله في بيته بالتكينة، أن من فتح لي الباب صبي شديد السمرة، فسألته: اسمك منو؟ فأجابني: عبد الرؤوف محمد سليمان! فمحمد سليمان منا وفينا، وعاش معنا الحياة بحلوّها ومرها، وهنا في الرياض عندما كان يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة، كان فاكهة المجالس، وقد أخذ من أهل التكينة طرافتهم وذكاءهم، وله قصة مشهورة مع العم أحمد الشريف حامد رحمه الله الذي كان رجلا مرحا حلو اللسان والمعشر، عندما قال العم أحمد لمحمد سليمان مداعباً: إنك تأكل مع المشايخ !، فأجابه محمد سليمان: يا عم أحمد أنا أكلت مع بن باز! ولا يزال محمد سليمان في التكينة، وهو يسافر من حين لآخر إلى أهله في الجنوب فيُحضر خيراته، وما فيه من هدايا قيمة، وهو ابن التكينة الذي لا يغيب عن فواتحها وأعراسها، ولا فرق بينه وأي من لداته من أبنائها، وهو نموذج أهدانا مجتبى وعبد الرؤوف، ونهديه نحن رمزا لوطن واحد.