مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    عقار يؤكد ضرورة قيام امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخطط الجديد للهيمنة الأمريكية
التدخل العسكري الأمريكي في إفريقيا:
نشر في الصحافة يوم 18 - 10 - 2010


بول رايت مركز البحوث الدولية للعولمة
إن تدخل الولايات المتحدة في إفريقيا تحركه رغبة أمريكا في تأمين الموارد الطبيعية القيِّمة والنفوذ السياسي الذي يضمن إطالة أمد النظام الرأسمالي الأمريكي والتركيبة الصناعية العسكرية والعلوية الاقتصادية الدولية التي تحقق عبر الهيمنة المالية والمادية لصادرات المواد الخام. وفي حين أن الازدهار الأمريكي قد يتضاءل بسبب عدد من العوامل الحالية نجد صناع السياسة يحاولون الحفاظ على الهيمنة الدولية لأمريكا وسيتبنون أهدافاً سياسية بغض النظر عن الكساد في الاقتصاد بشكلٍ عام. إن للولايات المتحدة تاريخاً طويلاً من التدخل الأجنبي وقد أجادت منذ فترة طويلة فن الدخول إلى أسواق الموارد الطبيعية والبشرية والمالية في البلدان الأخرى وذلك من خلال استغلال مبادرات السياسة التجارية الخارجية والقانون الدولي والدبلوماسية بل من خلال التدخل العسكري عندما تفشل كل المبادرات الأخرى. فالجهود الدبلوماسية باتت تاريخياً وأنموذجياً كافية للولايات المتحدة لكي تجعل من نفسها لاعباً في سياسات واقتصادات الدول الأخرى. وفي حين أن التدخل الأمريكي في إفريقيا ليس شيئاً جديداً إلا أن الطريقة التي تتدخل بها الولايات المتحدة تبرز نهجاً جديداً يتم تنفيذه على نطاق العالم. لقد أتبعت الولايات المتحدة كثيراً من تدخلاتها الدبلوماسية بإنشاء شبكة مكثفة من المواقع العسكرية الخارجية التي صممت للتأثير على الدول الأخرى وحماية ما يسمى بالمصالح القومية الاستراتيجية للولايات المتحدة. وتقف دليلاً على هذا الهدف الدولي شبكة مكثفة تربو على ال737 منشأة عسكرية على نطاق العالم من الإكوادور إلى أوزبكستان ومن كولمبيا إلى كوريا. ويتغير أنموذج الوصول الناجح إلى هذه الدول وإلى أسواقها السلعية والمالية الضرورية سيما وأنه يرتبط بالتدخل المتجدد في إفريقيا، فالتدخل الجديد يرتبط ارتباطاً مباشراً بعامليْن اثنين هما: المعركة المتسارعة والساخنة مع الصين وروسيا حول الحصول على الموارد الطبيعية وعجز الولايات المتحدة عن إدارة شبكة عالمية متضخمة من المخافر العسكرية الخارجية.
I. التنافس على الموارد
إن الحصول على الموارد الطبيعية خاصة النفط والعناصر الأرضية النادرة تعتبر ضرورية للولايات المتحدة لكي تظل قوة صناعية وعسكرية مهيمنة سيما وأن الولايات المتحدة باتت تشهد تردياً في إنتاج الموارد الطبيعية في الوقت الذي ازداد فيه إنتاج الصين وحصولها على المواد الاستراتيجية الأجنبية. لقد باتت الزيادة المستمرة في واردات النفط جارية منذ أن بلغ إنتاج النفط الأمريكي المحلي ذروته في السبعينيات مع تفوق الواردات النفطية على الإنتاج المحلي في مطلع التسعينيات. إن المعادن الاستراتيجية مثل التيتانيوم الذي يستخدم للطائرات العسكرية والعناصر الأرضية النادرة التي تستخدم في أجهزة توجيه الصواريخ تنتجها باضطراد الصين أو تجدها تحت سيطرة الشركات الصينية. إن القضية لمن الأهمية بمكان حتى أن العام 2009م شهد حدوث المؤتمر السنوي للمعادن الاستراتيجية والمؤتمر عبارة عن منبر صمم لمعالجة الشئون المرتبطة بحصول الولايات المتحدة على المعادن ذات الاستخدامات الصناعية والعسكرية المهمة. وقد عبَّر المؤتمر السنوي الذي عقد في كليفلاند بولاية أوهايو في يناير 2010م والذي حضره عشرات المهندسين والعسكريين عن القلق البالغ حيال احتكار الصين للمعادن الأرضية النادرة. فالصين تسيطر على 95% من نتاج الأرض العالمي النادر وقد قررت تقييد تصدير هذه المعادن تاركة المستهلكين العالميين مفتقرين لعشرين ألف طن تقريباً في عام 2010م. إن الاقتصاد الصيني النامي نمواً سريعاً بحيث تخطى أخيراً اليابان بحسبانها ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم ظل يسجل نمواً سنوياً بنسبة تسعة إلى عشرة في المائة من إجمال الناتج المحلي حيث تحركه طبقة وسطى نامية نمواً سريعاً فضلاً عن أسواق صادرٍ جديدةٍ على نطاق العالم. لقد قاد الطلب على المواد الخام إلى مبادراتٍ سياسية جديدة اتخذت فيها إفريقيا مركز الصدارة بالنسبة للاستثمار الصيني، فالصين كسبت إفريقيا في الغالب عن طريق منح حزم العون الإيجابية التي تقدمها لدول عديدة حيث تشمل هذه المنح القروض وإعفاء الديون والتدريب الوظيفي، كما أن العون الصيني مرتبط بشروط قليلة، إن كانت هناك شروط، وذلك خلافاً لحزم العون الغربي. لقد كان البرنامج الصيني لتطوير التجارة مع إفريقيا وتقديم العون لها ذا أهمية بحيث تم تدشين منبر التعاون الصيني/ الإفريقي في أكتوبر عام 2000م حيث شاركت خمسون دولة إفريقية في المنبر الذي يمثل الأساس لبناء جسور التجارة الاقتصادية فضلاً عن التبادل السياسي والثقافي، وقد بات المنبر بل في الواقع الاستراتيجية الصينية لإفريقيا على العموم ناجحاً جداً بحيث بدأ الأفارقة ينظرون إلى الصين بحسبانها شريكاً مكافئاً لهم في التجارة والتنمية مؤكدةً سياسياً وثقافياً على أن التحالف الاقتصادي المهم لدول «الجنوب الجنوب» الذي يبرهن عليه منبر التعاون الصيني/ الإفريقي لهو تعاون يكمن في أسِّ مشاركتها مع إفريقيا. ويلعب هذا التعاون على المفارقات التاريخية التي خلقتها القوى الغربية واستغلتها في علاقاتها «الشمالية/ الجنوبية» الاستعمارية مع إفريقيا إذ باتت هذه المفارقات تمثل عاملاً رئيساً في تطوير الروابط القوية وتطوير رأيٍ إيجابي عن الصين وسط الأفارقة. وتشير معلومات استطلاعية إلى أن معظم الأفارقة يشاطرون الرئيس السنغالي عبد الله واد الرأي عندما يقول: (إن تعاطي الصين مع احتياجاتنا يعتبر ببساطة أفضل تكييفاً من التعاطي البطئ وذي الصبغة الوصائية أحياناً من جانب المستثمرين الأوربيين والمنظمات المانحة والمنظمات غير الحكومية لحقبة ما بعد الاستعمار. ففي الحقيقة إن الأنموذج الصيني لإنعاش التنمية الاقتصادية السريعة يحمل الكثير الذي تتعلم منه إفريقيا، فبالعون المباشر والقروض الميسرة والعقود المعقولة ساعدت الصين الدول الإفريقية على إنشاء مشاريع البنى التحتية في زمن قياسي، ومن هذه المشاريع الجسور والطرق والمدارس والمستشفيات والسدود ومقار البرلمانات ودور الرياضة والمطارات. إن التحسينات في البنى التحتية ظلت تلعب أدواراً مهمة في إنعاش النمو الاقتصادي في كثير من الدول الإفريقية بما فيها السنغال. إنها إشارة قوية لعقلية ما بعد الاستعمار أن ترفض بعض المنظمات المانحة في الغرب الاتفاقيات التجارية بين الدول الإفريقية والبنوك الصينية التي تدخل هذه التحسينات المهمة وكأن إفريقيا من السذاجة أن تهدر مواردها الطبيعية الثمينة في الصفقات لكي تحصل على تعهدٍ مقابل إنشاء دار رياضة أو دار برلمان). وتكشف استطلاعات الرأي بوضوح أن الأفارقة ينظرون إلى النفوذ الصيني على أنه أكثر إيجابية من النفوذ الأمريكي بكثير، فالصين قد كسبت فائدة ملموسة بالعمل مع عشرات الدول الإفريقية مع استمرار اضمحلال النفوذ الأمريكي. كما أن روسيا اتخذت لها أيضاً مصلحة جديدة في إفريقيا تذكِّر البعض في وسائل الإعلام الأمريكية بطبعةٍ جديدة من استراتيجية الاتحاد السوفيتي في إفريقيا والتي خلق فيها الاتحاد السوفيتي اتفاقيات «صداقة وتعاون سوفيتيتين» عديدة في موازنةٍ مضادة للرأسمالية والمؤسسات الغربية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. لقد ظل الرئيس الروسي ميديفديف ورئيس الوزراء بوتين يقومان بجولاتهما في إفريقيا مع «جحافل من رجال الأعمال الروس الذين يستهدفون الماس والنفط والغاز واليورانيوم» كما ظلا يقران اتفاقيات إنتاج للسلع مع عدة دول. إن تحرك بوتين لتجديد صورة روسيا الدولية وقوتها وهيبتها قد قادت روسيا إلى شراء ما يربو على خمسة بلايين دولار من الأصول الإفريقية في الفترة ما بين 2000م إلى 2007م. ولكن حجم استثمارات روسيا في إفريقيا وتجارتها معها ضئيل جداً مقارنة مع الولايات المتحدة والصين على السواء، ومع ذلك خلقت روسيا زيادة في حجم التجارة والحصول على المواد الخام الإفريقية بحسبان ذلك ضرورة جيواستراتيجية.
إن النفوذ الصيني والروسي سرعان ما انتشر حيث ينظر إليه في حالاتٍ كثيرة باعتباره بديلاً قابلاً للبقاء ومفضلاً على الأنموذج الغربي الذي يربط آخذين في الاعتبار الماضي الاستعماري لإفريقيا الشروط غير المُرْضيَة بالعون والتنمية وهي شروط وضعت لإثراء الغرب على حساب شعب إفريقيا. وفي الواقع أن الأفارقة مازوا ما يسميه عالم الاجتماع يوهان غالتونغ ب»تنافر المصالح» والذي تحاول الولايات المتحدة إدارته من خلال جهود دبلوماسية جديدة. إن الولايات المتحدة تظل تفقد نفوذها في إفريقيا لصالح الصين وروسيا اللتين يعملان على زيادة نفوذهما بخطىً ثابتة كما تظل الولايات المتحدة توصف بالإمبريالية في أعين الأفارقة وهي تدرك جيداً أنها في حاجة لتحسين صورتها في إفريقيا لكي تحقق أهدافها الاستراتيجية.
II. ثقل الامبراطورية
في الوقت الذي لم تكن فيه هناك معلومات معتمدة حول التكلفة الدقيقة للحفاظ على شبكة الولايات المتحدة العسكرية التي تربو على ال700 قاعدة عسكرية لكن التكلفة تقدر ب250 بليون دولار في العام، ويشكل هذا المبلغ نسبة 38% من الميزانية الكاملة المعلنة لعام 2010م الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية والبالغة 663.7 بليون دولار. وتشمل التكلفة المنشآت والموظفين والأسلحة والذخائر والمعدات والغذاء والوقود والماء وأي شيء آخر مطلوب لتشغيل المنشآت العسكرية. ففي عام 2004م أعلن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رمسفيلد أن الوجود العسكري الدولي للولايات المتحدة يجب أن يتغير ويتكيف على عالم ما بعد الحرب الباردة، فعالم ما بعد الحرب الباردة لم يتطلب حاميات كبيرة من الدرع الثقيل على نطاق المسرح الأوربي، تلك الحاميات التي اكتظت بجنودٍ كفاية وتسلحٍ كافٍ لمجابهة الجيش السوفيتي الضخم ودول حلف وارسو على حدود أوربا الشرقية والغربية. فالجيش الحديث يجب أن يكون ذا طبيعةٍ أخفَّ وأسرع ومعتمداً أكثر على مشاة قليلين وقوات خاصة ويستخدم لخوض حروب متعددة على نطاق أصغر في ما يوصف بالحرب الدولية الدائمة على الإرهاب. وفي رأي رمسفيلد أن الولايات المتحدة ستدخر ما يبلغ ستة بلايين دولار من ميزانيتها السنوية بإغلاق «أو إعادة ترتيب» 100 إلى 150 قاعدة خارجية أو محلية وتدخر 12 بليون دولار بإغلاق 200 إلى 300 قاعدة. ومن الواضح أن تكلفة الاحتفاظ بالجيوش الأمريكية كانت أساسية لمبادرة التحول التي أعلنها رمسفيلد وللدور الجديد للجيش الأمريكي. هذا التحول العسكري من شأنه أن يخفض عدد الحاميات الثقيلة في الخارج وسيعتمد باضطراد على المواد الحربية المُعدَّة مسبقاً التي تديرها هيئات حربية أصغر لدى المنشآت العسكرية الخارجية حيث تكون هذه المنشآت العسكرية متاحة لتدفق كبير من الجنود الأمريكيين إذا اقتضت الحاجة. إن الاتفاقيات الثنائية واتفاقيات وضع القوات التي صاغتها وزارة الدفاع والدول المضيفة ستضمن إتاحة هذه المنشآت إلى المدى المطلوب للجيش الأمريكي وستضمن عمل الجيش الأمريكي بحرية وبقيود قليلة حيال أنشطته القانونية أو خلافها. وفي حالة معسكر ليمونير في جيبوتي الذي يعتبر مخفراً عسكرياً رئيساً وقطعة عقار مهمة استراتيجياً في القرن الإفريقي حيث يلتقي فيها تحديداً البحر الأحمر بخليج عدن فإن حكومة الولايات المتحدة قد دخلت في اتفاقية مع حكومة جيبوتي وهي اتفاقية ذات ملامح عديدة بارزة، ومن ملامحها:
*أفراد الجيش الأمريكي لديهم حصانة دبلوماسية.
*الولايات المتحدة لها سلطة وحيدة على الأعمال الجنائية التي يرتكبها أفرادها.
*يمكن لأفراد الجيش الأمريكي أن يحملوا الأسلحة في جمهورية جيبوتي.
*يمكن للولايات المتحدة أن تستورد أية مواد ومعدات تطلبها إلى داخل جمهورية جيبوتي.
*لا يمكن إقامة دعاوى ضد الولايات المتحدة بسبب خراب الممتلكات أوفقدان الأرواح.
*يمكن للطائرات والسفن والسيارات أن تدخل وتخرج وتتحرك بحرية على نطاق جمهورية جيبوتي.
إن اتفاقية كهذي تسمح للولايات المتحدة أن تحتفظ بوجود قليل دائم في جيبوتي ولكنها تتزود بكثير من الجنود والأسلحة كما تراه مناسباً لأية عملية معينة داخل إفريقيا أو خارجها كما هو مطلوب. إضافة لذلك فإن الاتفاقية تعطي الولايات المتحدة المرونة التي تريدها لتعمل بحرية دون تدخل أو مساءلة من شعب جيبوتي وحكومتها.
III. آفريكوم الأنموذج الجديد
مع كل القلق حيال وصول الولايات المتحدة إلى الموارد الطبيعية الرئيسة إلا أنه لم يكن مفاجئاً أن تفكر الولايات المتحدة في إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (آفريكوم) وتدشنها أخيراً في 2007م. إن آفريكوم استحدثت تحت رعاية إقرار السلام والأمن والديمقراطية والنمو الاقتصادي للأفارقة، لكن المنطق الخيري لإنشاء قيادة عسكرية جديدة يكذبه الاعتراف بدءأً بأن آفريكوم كانت قيادة «مقاتلة» صُنعت تجاوباً مع الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لإفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة ونعني بذلك «حجم سكانها وثروة مواردها الطبيعية وطاقتها الكامنة». لقد كان الأفارقة على علم بالمصالح القومية الاستراتيجية للولايات المتحدة في حقول نفطهم وغازهم والمواد الخام وذلك قبل أن تكون لمعظم الأمريكيين أية فكرة عن التخطيط للتدخل الجديد في إفريقيا. ففي نوفمبر 2002م عقد مجلس الشركات الأمريكية الاستشاري لإفريقيا مؤتمراً في هوستن بولاية تكساس بخصوص النفط والغاز الإفريقي. وافتتح المؤتمر الذي رعته شركتا إكسون موبيل وشيفرون تكساكو بين شركاتٍ أخرى مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية وولتر كانشتاينر الذي سبق أن قال عندما كان في زيارة إلى نيجيريا: (إن النفط الإفريقي لذو أهمية قومية استراتيجية بالنسبة لنا وسوف يزداد ويصبح أكثر أهمية في الوقت الذي نخطو فيه إلى الأمام). وفي الحقيقة أن الرئيس فراديك دو مينيزيس رئيس جزيرتي ساو تومي وبرينسيبي قد قال آنذاك إنه توصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة بحرية أمريكية هناك هدفها حماية مصالح النفط الأمريكية، وقد شرع سلاح البحرية الأمريكي بخططه الاستنادية في جزيرة ساو تومي حيث أعد في الآونة الأخيرة تقريراً في شهر يوليو 2010م عن أنشطته في تلك البلاد وذلك على موقعه الالكتروني. ومنذ تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا «آفريكوم» تم تنفيذ تدريباتٍ عديدة في إفريقيا بواسطة القوات العسكرية الأمريكية وتمت صياغة اتفاقيات مع العديد من الشركاء الأفارقة على نطاق القارة حتى في وجه معارضةٍ قوية من جانب مواطني بلدانٍ عديدة. لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تخلق هذه العلاقات من خلال جهود الهيكلة الدقيقة لعملياتها وحجم أفرادها وتكوينهم ومن خلال جهود العلاقات العامة. إن بنية آفريكوم كانت عنصراً ضرورياً في جعلها مستساغة للأفارقة، فبعد أن اعترضت دول عديدة على وجود حسي لمقار الرئاسات العسكرية في إفريقيا مضى القائد العسكري لقوة آفريكوم الجنرال/ وليم وورد لأن يقول في مراتٍ عديدة إن وجوداً عسكرياً حسياً لم يكن مطلوباً في إفريقيا (رغم أن الولايات المتحدة اجتهدت بادئ ذي بدء بشدة ولكن بشكل غير مقنع في أن تؤسس قيادة عامة دائمة هناك). إن القيادة الأمريكية تقوم الآن في شتونغارت بألمانيا وستبقى هناك للمستقبل المنظور وذلك احتراماً للاعتراضات الإفريقية في الأساس. وكان حجم قوة آفريكوم عاملاً مهماً أيضاً، فهي ليس لديها حاميات كبيرة ولا عدد مقدر من الجنود فوق القيادة الموجودة في ألمانيا والعدد الضئيل من القوات وموظفي الدعم المدني المقيمين في معسكر ليمونير في جيبوتي والذين يمثلون جزءاً من قوة المهام المشتركة المدمجة للقرن الإفريقي ولا توجد ترسانة أسلحة كبيرة للحفاظ على عمليات الكتيبة أو اللواء. ويعتبر الحجم القليل والجنود القليلون لعمليات الإسناد الأمريكية مثل قوة المهام المشتركة المدمجة للقرن الإفريقي هما الأنموذج الجديد للتدخل الأمريكي الخارجي. وبدلاً عن الحاميات الكبيرة قامت الولايات المتحدة بتأسيس سلسلة من مواقع التشغيل المتقدمة وهي مواقع أصغر وأرخص ويمكن بالتالي أن تكون أوفر، وباختصار يمكن لمواقع التشغيل المتقدمة أن تبقى في الانتظار بتكلفة منخفضة ريثما تحدث أزمة سرعان ما يمكن تمديدها فيها لترقى إلى أيِّ مستوىً تتطلبه الحالة. لقد وُضعت الترتيبات مع عديد من البلدان في الشمال والجنوب والشرق والغرب والتي تشمل الجابون وكينيا ومالي والمغرب وتونس وناميبيا وساو تومي والسنغال ويوغندا وإثيوبيا وزامبيا.
إن الهيكلة الوظيفية لآفريكوم عبارة عن هجين عسكري/ مدني لسببين: إيصال رسالة فحواها أن القيادة المقاتلة ليس لديها هدف عسكري حصري ولكي يكون لها النفوذ على السياسات المحلية والخارجية للدول الإفريقية. ولآفريكوم نائب قائد وعدد كبير من الموظفين المدنيين يتكونون جزئياً من موظفي وزارة الخارجية الأمريكية ويضم هؤلاء الموظفون المدنيون مستشارين سياسيين أجانب من المكتب الأمريكي للشئون الإفريقية ومستشاري مساعدات إنسانية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فضلاً عن مستشارين من وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة الأمن الداخلي. إن علاقات إفريقيا المزدهرة مع الصين ينظر إليها بحسبانها علاقات تعمل على تقويض الجهود الغربية لدعم الحكم الرشيد وتحسين احترام حقوق الإنسان وخفض حدة الفساد، ومن هنا أتت الحاجة للخبرة المدنية للموضوع لمساعدة الأفارقة على إدارة شئونهم المدنية وأمنهم. لقد بات المسؤولون الأمريكيون لمدة طويلة مدركين للعداء الإفريقي لأية محاولات يمكن أن تصور على أنها محاولات استعمارية جديدة وإمبريالية، وقد حُدد عدد من الخطوات الخاطئة «وما زالت تحدد» لتصحيحها في الوقت الذي اتخذت فيه القيادة شكلها الجديد، كما أطلقت عدة تصريحات متناقضة فيما يتعلق بدور آفريكوم سواءً أكان بخصوص الإرهاب أو الموارد الطبيعية أو الصين أو عسكرة القارة. وحتى توقيت تأسيس القيادة قد وجد الانتقاد، فهي أنشئت خلال فترة الحرب التي تشهد انتكاساً مذهلاً في العراق ذلك أن تصرفات الحكومة الأمريكية قد بعثت إشارات مختلطة وأججت الشعور المناوئ لأمريكا وسط المواطنين الذين سيصبحون في النهاية مضيفين غير راغبين في القوات الأمريكية. وللتغلب على العلاقات العامة الضعيفة قامت القيادة بتأسيس أنشطة عديدة في بنية آفريكوم لتشمل بناء المدارس في القرى الفقيرة ومشاريع منشآت موانئ جوية وبحرية وتوزيع الدواء والكتب المدرسية للأطفال وبرامج التدريب العسكرية والدعم العملي القانوني. واتخذ الأفراد العسكريون أيضاً لهجة أكثر احتراماً في الحديث حول الطريقة التي تتعامل بها آفريكوم مع الدول الإفريقية حيث أوضح نائب قائد البحرية روبرت مولر قائلاً: (نحن لا نمسك بدفة القيادة أو نصوغ السياسة.... فبرامجنا مصممة للاستجابة لما طلب منا شركاؤنا الأفارقة أن نقوم به). لقد كانت جهود العلاقات العامة ذات أهمية للجيش فقد نشرت الكلية الحربية للجيش الأمريكي ورقة بحث في مارس 2008م بعنوان «مواجهة الأسئلة الإفريقية حيال شرعية آفريكوم» حيث عبَّرت الورقة عن أهمية إفريقيا الاستراتيجية للولايات المتحدة رغم ما أثاره تأسيس آفريكوم من ردٍّ عدائي من جانب القادة الأفارقة. لقد شجعت آفريكوم الولايات المتحدة على أن تتعلم أكثر عن المؤسسات الإفريقية وتعمل على إشراكها بدلاً عن تجاهلها وأثبتت أيضاً أن الموظفين الأمريكيين يكسبون فهماً أقوى لماضي إفريقيا الاستعماري مع حث الدول الإفريقية على أن تصبح أكثر إجماعاً في العمل نحو هدفٍ مشترك. ودعت إلى استخدام أكثر للقوة الناعمة التي يمكن أن تستخدمها وزارة الخارجية الأمريكية في كسب معركة العلاقات العامة لإفريقيا. إن آفريكوم اعترضها قطعاً عدد من العوائق ولكن يبدو أن القيادة الجديدة ستزدهر نتيجة لجهود العلاقات العامة والدبلوماسية المكثفة التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة، كما أن بنية آفريكوم وعملياتها المحلية تجعلها أكثر استساغة للقادة الأفارقة الذين يمكن لهم بسهولة أن يزعموا أن لهم توافقاً لا تنافراً من المصالح مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة ببناء الطرق وتدريب القوات العسكرية وتمرير الكتب المدرسية إلى أطفال المدارس. إن شبكة مخافر عسكرية أصغر وأقل حجماً وأقل تدخلاً وأكثر مشاركة ثقافية تعتبر هي مشروع أمريكا الجديد للتدخل الخارجي والهيمنة الدولية.
*بول رايت هو محامٍ ومستشار أعمال تجارية وباحث قانوني مارَسَ القانون العسكري والمدني، وشملت مجالات ممارسته القانونية القانون الجنائي والدولي وقانون التأمينات وقانون المستهلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.