هذا البيت الرائع من الشعر الذى أستهل به الشاعر اليمنى الكبير عبد الله البردونى قصيدته الشهيرة (الغزو من الداخل) يكاد يجسد الوضع السياسى فى بلادنا فى هذى الايام الحالكات : فظيع أن تتحول نزوة الإستيلاء على الحكم الى مغامرة تُخضع الوطن الى منهج يعتمد على سياسة ( التجريب والخطأ ) ، فبتنا نحصد كل يوم مرارات التجارب الخاسرة ، وأفظع منه أن تسوق تلك السياسات الوطن الى هاوية التفكك والتصدع ، بينما يقهقه البعض ويطلقون تصريحات بائسة لا تستشعر الحد الأدنى من المسئولية الوطنية تماماً كما قهقه الامبراطور نيرون وهو يرى روما تحترق . فظيع جهل ما يجرى...وأفظع منه أن تدرى ! فظيع أن يعمد الشريكان الى التخبط فى شأن أبيى فى تجاهل تام للمكونات السكانية من أهل المنطقة وكل منهما يزعم أن بجيبه صكاً وتفويضاً من هذى القبيلة أو تلك ، بينما الواقع يقول إن أبيى ظلت لعقود طوال من السنوات نموذجاً متزناً لتعايش الأعراق المختلفة ، قبل أن يدخل البترول والارض فى زمرة (كروت ) المقايضة السياسية ، وأفظع من هذا أن تستحيل تلك البقعة الى برميل بارود قد ينسف الوطن بأكمله . فظيع جهل ما يجرى..وأفظع منه أن تدرى ! فظيع أن تغدو دارفور مسرحاً دولياً لأطماع الإستراتيجيات الغربية بسبب القصور البائن وسياسات المراهقة الحزبية التى أشعلت ضرام النيران ، ثم مضت تجاهد لشراء البنادق المتمردة بالمناصب والاموال ، وهى غافلة عن أن مئات البنادق ومئات الفصائل ستشرئب فى سماء دارفور لتطال شهد المنصب وبريق المال ، بينما أهل دارفور أصحاب الوجعة مشردون فى المعسكرات ومواطن الهجرة والنزوح لاينشدون سوى عدل غائب ومطالب مشروعة للإقليم فى السلطة والثروة والتنمية ، والأفظع من هذا أن يُستخف بعقول الناس عبر تصريحات تقول إن الأزمة سوف يُطوى ملفها ويُدرك حلها خلال شهر واحد . فظيع جهل ما يجرى..وأفظع منه أن تدرى ! فظيع أن يصبح القهر والتشريد وقطع الارزاق بنصال الصالح العام وإمساك الناس من إمعائهم الجوعى وابدانهم السقيمة التى تهفو لجرعة دواء وتتطلع الى أدنى درجات العيش الكريم ، الى جانب تفويج القُصر من الأطفال الى ساحات الموت والإحتراب...فظيع أن يغدو كل هذا منهجاً معتمداً لاذلال الناس وتطويعهم ، وأفظع من هذا أن يتم التعامى عن هذا النهج السياسى المدمر ويسعى البعض لإستنساخ وإستدعاء ذاك المناخ البائر فى هذى الايام الحالكات . فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري فقد يأتون تبغاً في سجائر لونّها يغري وفي صدقات وحشي يؤنّس وجهه الصخري وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقرى وفوق وجوههم وجهي وتحت خيولهم ظهرى غزاة اليوم كالطاعون يخفى وهو يستشري ترقّى العار من بيع إلى بيع بلا ثمن ومن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني