ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



Arbitration and Seperation of Southern Sudan
التحكيم وانفصال جنوب السودان
نشر في الصحافة يوم 27 - 10 - 2010

إن انفصال جنوب السودان عن وطنه الأم السودان خسارة كبيرة وفاجعة تطيح بكل التضحيات الجسيمة التي بذلها الأجداد وبذلها كل السودانيين من ساسة وقادة عسكريين ومدنيين.
إن حرب جنوب السودان التي استمرت لنصف قرن من الزمان أو يزيد كانت هي سبب تخلف السودانيين عن ركب الحضارة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا التخلف هو الذي أقعد السودان عن التطور وأورثه الفقر والحرمان.
ان المشكلات الوطنية التي توجد بهذا البلد أو ذاك، يمكن أن تحل عبر النوايا الحسنة وعبر المحادثات التحكيمية التي تدل على وعي الساسة في البلد المعين.
ان الجنوح للحرب لحل المشكلات الداخلية ونزاعات الحدود دائماً ما تؤدي إلى الدمار والقتل وإهدار الموارد وتدمير البنيات الاقتصادية والنفسية. إن اللجوء للتحكيم والمفاوضات في حل هذه المشكلات هو البلسم الشافي لكل الجروح الملتهبة التي يسببها القتال بين الاطراف.
إن جرحنا في جنوب السودان كان يلتئم فترة ثم ينفتح فترات. ان فتر الالتئام هي فترة الرجوع للعقل عبر المفاوضات والتحكيم. لقد بدأت هذه الحرب اللعينة عام 1956م وانتهت بعد ستة عشر عاماً من القتال في 27 فبراير 1972م عبر اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية بقيادة الرئيس السابق جعفر محمد نميري ورئيس الأنيانيا الفريق جوزيف لاقو. وكان قرار التحكيم منح الجنوب الحكم الذاتي وتم تقسيمه إلى ثلاث مديريات وهي:
(أ) الاستوائية.
(ب) بحر الغزال.
(ج) أعالي النيل.
لقد كانت اتفاقية أديس أبابا هذه انتصاراً لسياسة المفاوضات والاتفاقيات والتحكيم.
لقد نمت البنية الاقتصادية في هذه الفترة السلمية، بل أصبح يسمى السودان بسلة الغذاء (bread basket).
وتدهور نظام مايو السياسي بسبب الفساد والانتكاسات الاقتصادية وأهمها مجاعة عام 1980م. لذلك فإن كل هذه الأسباب دعت قائد حامية «بور» العقيد جون قرنق إلى معاودة التمرد في مايو 1983م.
واستمر التمرد رغم الانتفاضة عام 1985م ورغم الحكومة الديمقراطية، إلى أن قامت ثورة الإنقاذ الوطني 30 يونيو 1989م.
أيضاً عبر المفاوضات والاتفاقيات والتحكيم تم عقد اتفاقية الناصر مع فصيل ريك مشار، لام أكول، غوردن كونج شول.
وفي عام 1992م بدأت المحادثات التحكيمية بكثافة في دولة نيجيريا، وكانت تسمى محادثات السلام «أبوجا1 أبوجا11».
وبعد ذلك بدأت المفاوضات التحكيمية لدول الإيقاد «وهم إثيوبيا، إريتريا، يوغندا، كينيا» لحل مشكلة الحرب الأهلية في السودان.
لقد أقرَّت محادثات كوكودام مبدأ الاستفتاء لشعب جنوب السودان لتقرير مصيره، وذلك للانفصال أو الوحدة. والشيء المهم هنا أن المحادثات والتحكيم كانا سبباً في حل كل المآسي التي اعترضت السودان في فترة الحرب الأهلية.
وفي يناير عام 1997م قام جيش الحركة الشعبية بعملية عسكرية تسمى «الثعلب الأسود» باحتلال الكرمك، قيسان، ديم منصور، اورا بالنيل الازرق، ولكن تصدت لها القوات المسلحة ودحرتها، وكان نتاج هذه الحملة انه لا بد لهذه الحرب أن تتوقف، ولا سبيل لايقافها إلا عبر المحادثات والتحكيم وتحكيم العقل. وفي عام 2004م نتج عن ذلك توقيع بروتكول تقسيم الثروة والسلطة بين قرنق/ علي عثمان، وأخيراً توجت المحادثات والمفاوضات بالتحكيم بين الطرفين المتنازعين، ونتجت عنها اتفاقية نيفاشا التي وضعت الدستور وأعطت الحكم الذاتي لجنوب السودان.
وقُسمت السلطة إلى قومية، ولائية، حكومة جنوب السودان. ان اتفاقية عام 2005م ودستورها هو نتاج للمفاوضات وأسس التحكيم السلمية التي وضعت حداً للحرب الأهلية التي أهلكت الزرع والضرع.
ان التحكيم من الاجراءات الضرورية التي تحسم النزاع وتسترد الحقوق عبر الوسائل السلمية. إن اللجوء للتحكيم يكفي الدول شر النزاع المسلح، ويكفي شر تدمير البنية الاقتصادية الذي يؤدي إلى الفقر والجوع - إن التحويل غير العنيف للصراع (Non- violent retransformation of Conflict) هو الصيغة القانونية التي يقوم بها التحكيم، لأن التحكيم هو الوسيلة السلمية الودية لحل النزاعات. لذلك يجب على مفكرينا وعلمائنا الاجلاء أن يهبوا لمنع الانفصال وتفكك الوطن، وإن كان لا بد فيجب عليهم أن يفكروا في السلام ويؤسسوا فلسفة السلم ويضعونها موضع التنفيذ.
لقد كانت وحدة الأوطان منذ قديم الزمان - لقد دعا المفكر الفرنسي «بير دوبيس» في كتابه «في خلاص الأرض المقدسة» «سوف يكون أمراً عظيماً إذا ما اتفق كل الكاثوليك على وحدة دولة واحدة، لأن مثل هذه الوحدة لن ينفرط عقدها» تخيلوا ان هذا التفكير عن وحدة الأوطان كان منذ عام 1300م، ونحن نريد أن نفصل جنوب السودان عام 2010م. إن فلسفة السلام وحل النزاعات بالطريقة الودية هي من الأفعال الطيبة، ويجب على الأشخاص عمل الفعل الطيب، ويجب عليهم أن يتصدوا لأي نزاع يمكن أن يؤدي إلى حرب ودمار.
إن الاتفاق المشترك «التحكيم» والعقلانية والمثل والأخلاق والعيش في وئام هي الفلسفة التي تقود إلى السلم العالمي ونبذ الحروب، وكما يقول العالم اينشتاين، «السلام الحقيقي يتم باشراك كافة الناس»، ولقد ذكر د. أبو القاسم قور في كتابه «مقدمة في دراسات السلام والنزاعات عام 2010م أن العالم الفيلسوف (Emiric cruc) الذي عاش في القرن السابع الميلادي، قد ذكر ان الناس ترغب في سلام دائم مبني على الاختيار والعدل، سلام يعطي كل شخص حقه، تجارة واتصال عالمي وتوفير فرص ارحب في التنقل في كل ارجاء القارة الاوربية.
يجب القول إن كل المفكرين الغربيين يدعون لوحدة اوروبا، ولكنهم يدعون لتفرقة القارة الافريقية. لماذا هذا التناقض البغيض؟ الإجابة تكمن في أن القارة الإفريقية بها موارد يسيل لها اللعاب. إن مصالح الولايات المتحدة في استقلال الجنوب منها الاقتصادي والسياسي. أما بالنسبة للاقتصادي فهو يتمثل في أن شركة شيفرون كانت تنقب عن بترول الجنوب وانسحبت لتحل محلها شركات آسيوية، ولذلك فإن انفصال الجنوب سوف يعيد لها موقعها لكي تنتقم من الشركات الآسيوية. ومن الناحية السياسية فهذا يبرز مقدرة الولايات المتحدة على صناعة الدول، وكما صنعت دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول يوغسلافيا السابقة، فهي قادرة على احداث نفس الأمر في إفريقيا.
لقد أثبت التاريخ بأن كثيراً من السكان الاصليين في العالم قد أبيدوا بسبب المطامع الاقتصادية للقوى الرأسمالية. ومثال لذلك ابادة الهنود الحمر في امريكا بواسطة أساطين السياسة والاقتصاد.
أيضاً حدث نفس الشيء للقبائل المستوطنة في استراليا، لقد عامل المهاجرون البريطانيون والأمريكيون السكان الأصليين بقسوة وهضموا حقوقهم وثرواتهم.
إن انفصال الجنوب سوف يجر عليه هذه القوى الاستعمارية الاقتصادية الكبرى، ولسوف ينفرط عقد النظام الاجتماعي في الجنوب. ان ثقافة الجنوب وتراثه ونظامه الاجتماعي قد يعد من أرقى الانظمة الاجتماعية في الحضارات السابقة. ان نظامه هذا قد يضاهي الحضارات الفرعونية والصينية والبابلية، وتحديداً نظام السلطة والزواج والميراث والكجور. لذلك فإن انفصال الجنوب كما ذكرنا آنفاً سوف يقود إلى محنة واهدار للتركيبة الاجتماعية فيه، مما يؤدي إلى صدام في الحضارات والمعتقدات تعيد تاريخ الهنود الحمر وما حدث لهم في أمريكا.
إن حدث هذا الأمر سوف ينزوي المواطن الجنوبي إلى ركن سديد وراءه التهميش في بلده، أو يلجأ إلى الشمال دولته القديمة ليعيش فيها آمناً بدلاً من الدخول في صراعات وحروب قبلية لا تعرف معنى للإنسانية والتحضر، وانما تعرف سيادة القبيلة هذه على تلك.
أيضاً فإن الانفصال سوف يقود إلى عزل الجنوب وحصره في دولة ليس لها منفذ على البحر، وهذا هو المحك الرئيسي لتطور الاقتصاد النفطي، لأن الشمال هو المعبر الرئيسي لهذه الثروة النفطية، وهو ايضاً ارخص في رسومه وترحيله من ميناء ممبسا بكينيا.
خلاصة القول إننا سوف نعاني من تدخلات سياسية عسكرية في أيامنا المقبلة. وعلينا أن نكون أكثر حذراً واستعداداً لهذه الظروف إذا قدر الله فصل الجنوب فيجب ومنذ الآن وضع استراتيجية واضحة للتعاطي مع الدولة الوليدة، ويجب أن تكون شاملة من الناحية العسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.
ويجب علينا عقد اتفاقيات للدفاع المشترك مع ليبيا أو تشاد أو إثيوبيا، وذلك من باب الحذر، كما يجب علينا حشد الجبهة الداخلية وتوعيتها بمخاطر المرحلة المقبلة، لأن صمود الجبهة الداخلية هو الذي يفشل المخططات والمؤامرات ضد الوطن.
يجب احترام مبادئ وقيم الحوار والمفاوضات والتحكيم إذا حدث انفصال جنوب السودان، ويجب علينا الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة ومنظماتها، خاصة منظمة اليونسكو التي تحدد في وثيقتها عام 2000م المبادئ الآتية:
1- احترام الحياة بكل أنواعها:
احترام حياة وكرامة كل كائن بشري بلا تمييز.
2- نبذ العنف:
يرفض العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والاجتماعي، لاسيما تجاه أضعف الناس وأشدهم حرماناً، كالأطفال والمراهقين.
3- العطاء:
هو الكرم والسخاء لوضع حد لنبذ الطغيان السياسي والاقتصادي.
4- الإصغاء سبيل التفاهم:
هو الدفاع عن حرية التعبير والتنوع الثقافي عبر الاصغاء والحوار دائماً، وعدم الانسياق وراء التعصب والقبلية.
5- صون كوكبنا:
الدعوة إلى أهمية الحياة بكل أنواعها وصون توازن الموارد الطبيعية للكوكب.
6- تضامن متجدد:
احترام مشاركة النساء الكاملة في ظل احترام المبادئ الديمقراطية.
أيضاً حددت المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة أن يكون حل كل النزاعات سلمياً.
«The parties to any dispute, seek asolution by negotiation, enquiry, mediation, conciliation, arbitration, judicial settlement or other peaceful means of their own choice».
لقد أكدت قوانينا الداخلية على الطرح القانوني الدولي أدناه، ولقد أكدت قوانينا الداخلية ميثاق الأمم المتحدة فيما ذهب إليه، من أن الصراعات الداخلية والخارجية يجب أن تحل عبر الوسائل السلمية التي تشمل المفاوضات والوسائط والتوفيق ومن ثم التحكيم ومن بعدها التسويات والقرارات القضائية.
لقد نصت المادة 33 البنود (5.4) من قانون الاجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م على اجراءات رفع الدعوى ضد أي جهاز من أجهزة الدولة «لا يجوز رفع دعوى ضد أي جهاز من أجهزة الدولة أو ضد موظف عام عن فعل نسب إليه بصفته أو أثناء قيامه بواجبات وظيفته أو بسببها إلا بعد أن يقوم المدعى بإبلاغ وزير العدل أو من ينوب عنه في مكاتب النيابة العامة بالنية في رفع الدعوى بعريضة واضحة ومختصرة تتضمن كافة البيانات المطلوب توافرها في عريضة الدعوى، وبعدد كافٍ من الصور، ويمضي شهران من تاريخ ذلك التبليغ ما لم يأذن وزير العدل أو من ينوب عنه في رفع الدعوى أو المضي في اجراءات رفعها قبل انهاء تلك المدة».
لقد حدد البند (5) من المادة أعلاه ان اجهزة الدولة تعني الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية وأجهزة الحكم المحلي والهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام.
ولم تمنع المادة أعلاه اللجوء للقضاء لمساءلة الدولة، وإنما حددت زمنا معينا ترفع الدعوى بعد انتهائه، وهو مدة الشهرين - إن الحكمة من هذه المدة هي اعطاء الفرصة للمحامي العام لكي يقوم بإجراءات التحكيم لحل النزاع القائم.
لقد كان المبدأ السائد قديماً هو عدم مسؤولية الدولة، وذلك استناداً إلى مبدأ السيادة - إن مبدأ السيادة وبمفهومه المتطور الآن لا يمنع من مساءلة الدولة عن الأضرار التي تلحقها بالآخرين، وعليها أن تراعي حقوق أفرادها. إن عدم مساءلة الدولة هو مساس بالعدالة وإهدار لمبدأ مساواة المواطنين أمام التكاليف العامة، وهذا مبدأ دستوري مهم، وقد يعتبر حرمان أي شخص من اللجوء للعدالة انتهاكا للمبادئ الدستورية وحقوق الانسان، ومع ذلك فإن الدولة لا تسأل عن أعمال التشريع والأعمال التي أوجب الدستور موافقة البرلمان عليها، كذلك فإن الدولة لا تسأل عن أحكام القضاء باعتبار أن القضاء هو الذي يحمي الحقوق وتحقيق العدالة. إن قانون القضاء الدستوري والاداري السوداني لسنة 1996م قد شمل حالات الطعن في القرار الاداري الذي يصدره المسؤولون في الدولة، كما اخضع القانون اعلاه الدولة لرقابته عند قيامها بوظائفها المختلفة، وحق الافراد في الحصول على تعويض عن الأضرار التي تلحق بهم بسبب قيام الدولة بأعمال وظائفها المختلفة.
ومن هنا يتضح لنا أن حل كل النزاعات التي تنشأ سوى داخل الدولة او على الحدود مع دولة اخرى، يجب أن تحل عبر الوسائل السلمية، لا الجنوح للحرب والاقتتال.
لقد كانت أعمالنا ومبادئنا دوما تصب نحو الحلول السلمية لمشكلاتنا الداخلية، وكانت اتفاقية نيفاشا خير دليل على ما ذكرناه.
ايضا فإن المشورة الشعبية هي احدى وسائل حل النزاعات بالطرق السلمية، لأنها تقوم باشراك الجماهير لادارة شؤونها، ولضمان بناء سلام دائم وقفل الباب نهائيا امام اية طرق اخرى بخلاف الحوار لحل مشكلات المناطق التي بها مشكلات تنموية وسياسية. إن ورشة العمل التي عقدت في الفترة من 5 7 يونيو 0102م بمدينة كادوقلي، قد تم فيها التوافق على تعريف المشورة الشعبية على انها طريقة قانونية لأخذ الحقوق والمتابعة لاكمال النقص من الحكومة القومية.
أيضا فإن حل مشكل أبيي عن طريق التحكيم قد ساعد كثيرا في استقرار المنطقة. وتبلغ مساحة مثلث أبيي نحو 1% من مساحة السودان. ويقع هذا المثلث في الحدود بين الشمال والجنوب. وتحد هذا المثلث شمالا المناطق التي تسكنها قبيلة المسيرية وجنوبا بحر العرب القريب منها.
ويعيش في هذا المثلث مزيج من القبائل السودانية، وهم دينكا «نقوك» والرزيقات. ويتبع هذا المثلث اداريا لولاية جنوب كردفان. وسُمي مثلثا لانه يلمس ثلاث ولايات، فمن الناحية الشرقية يحادد ولاية الوحدة، وجنوبا يحادد ولاية شمال بحر الغزال واما من ناحية الغرب فإنه يحادد ولاية جنوب دارفور.
إن مشكلة أبيي قد تم حسمها بواسطة محكمة التحكيم «محكمة لاهاي» التي قضت بتقليص حدود منطقة ابيي من «18500» كلم الى «10.000» كلم، وبناءً عليه تتحرك الحدود الشمالية والشرقية والغربية للداخل.
ومنح قرار المحكمة تبعية بلدة «ميرم» لشمال السودان وهي في حدود غرب أبيي، كما أن الحدود الجديدة لشرق أبيي تعني احتفاظ الشمال بحقلي نفط هجليج وبامبو ودفرا.
وبالرغم من حكم محكمة لاهاي فإنه تجرى بعض المحادثات بالعاصمة الإثيوبية بين شريكي نيفاشا حول القضايا العالقة في ملف ابيي، للوصول الى حلول ودية ترضي اطراف النزاع في المنطقة.
إن اتفاقية الثروة قد وزعت صافي عائدات بترول أبيي على ست حصص كالآتي:
الحكومة القومية 50%.
حكومة الجنوب 42%.
بحر الغزال 2%.
غرب كردفان 2%.
دينكا «نقوك» 2%.
المسيرية 2%.
الجملة 001%.
إن الاتفاقية والاحتكام الدولي الذي تمَّ، قد بين أن معظم الآبار تقع في الشمال، ولذلك لا بد من الاستفادة من الموارد النفطية لكي تعم الفائدة على الجميع حتى ولو حدث الانفصال.
إننا نرى أن تكون العلاقة بين الشمال والجنوب في حال حدوث الانفصال هي نفس العلاقة التي كانت سائدة في منطقة أبيي، وذلك منذ القدم «رحم الله الناظر بابو نمر والناظر دينق مجوك».
إن انفصال الجنوب يجعله دولة قائمة بذاتها، لذلك فإن الجنوبيين الذين يقطنون في الشمال يعدون رعايا دولة أجنبية، ويجب معاملتهم وفقا للقانون الدولي الذي يحكم الدول ويحكم رعايا الدول في الدول الأجنبية.
يجب أن تسود روح التسامح واحترام حقوق الجنوبيين، كما يجب احترام حقوق الشماليين في الجنوب، وقد أكد طرحنا هذا مؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي بجوبا بتاريخ 71/01/0102م، على عدم العودة للحرب، وبسط الحريات العامة وحماية الملكية الشخصية.
أما بالنسبة للحقوق والواجبات بين الدولتين، فإن هذا الأمر يحكمه القانون الدولي والمعاملات الدولية. إن الاتفاقيات بين الدولتين يجب أن تكون على النسق الدولي، وهو إلزام الاطراف على التنفيذ Pacta Sunt Servanda كما يجب حل النزاعات بينهما بالطرق السلمية التي حددها ميثاق الامم المتحدة.
إن الجنوبيين والشماليين نفس واحدة وأرحام، ويجب احترام هذه النفس والرحم، ويجب علينا المحافظة على هذا الرحم حتى ولو تم فصله. إن المحافظة على الرحم هنا هو المعاملة الحسنة للجنوبيين الموجودين في الشمال، وكذلك الموجودون في الجنوب، ودرء المشكلات والحروب عنهم، واذا حدث اي نزاع يجب أن يحل عن طريق التحكيم.
إننا إذا نظرنا إلى خريطة السودان وموقع القبائل، نجد أن قبائل السودان بكل أنواعها تقع متاخمة لبعضها البعض، مثال لذلك أبيي، فإنك تجد الدينكا «نقوك» الرحم الممتد للمسيرية، وتراهم متصاهرين مع بعضهم البعض، وأصبحت علاقاتهم علاقة تمازج أسري وسياسي واقتصادي.
لذلك فإنه يجب أن تكون العلاقة في حالة انفصال الجنوب عن الشمال، هي نفس العلاقة السائدة في أبيي منذ القدم «رحم الله الناظر بابو نمر والناظر دينق مجوك».
ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله «يا أيها النَّاس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً».
إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلَّمه البيان، ويجب عليه الابتعاد عن عمل الشيطان والجنوح للسلم.
«هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام».
كبير مستشارين
وزارة العدل - الخرطوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.