ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال أن انفصال الجنوب سيثير مسائل صعبة. ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والممتلكات والمحفوظات والديون والمعاهدات وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة. وقد عرضنا في الجزء الأول لمسألة الجنسية. وسنبدأ في مستهل هذا الفصل بتناول مسائل الخلافة في ممتلكات الدولة السلف PROPERTY ومحفوظاتها ARCHIVES ودينها العام DEBT STATE. وفي هذا السياق نعيد ما سبق أن قلناه من أن الأساس في مسائل خلافة الدول هو التفاوض بين الدول المعنية بالخلافة للوصول إلى تسوية منصفة للمسائل التي تطرحها مسائل الخلافة. ولها أن تستصحب في ذلك ممارسات الدول والمنظمات الدولية والقانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. 2- الخلافة في ممتلكات PROPERTY الدولة السلف «دولة الشمال»: بموجب المادة «8» من اتفاقية عام 1983م بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون «من بعد اتفاقية عام 1983م»، فإن ممتلكات الدولة السلف تعني الممتلكات والحقوق RIGHTS والمنافع INTERESTS التي تكون في تاريخ خلافة الدول ووفقاً للقانون الداخلي للدولة السلف، ملكاً لتلك الدولة. أهم ما يُلاحظ في هذه المادة أنها أحالت للقانون الداخلي للدولة السلف «دولة الشمال» تحديد ما يعتبر ملكاً لها. وفي تعليقها على مشروع المادة «8» قالت لجنة القانون الدولي إن التعبير «ممتلكات وحقوق ومنافع» يعني الحقوق والمنافع ذات الطبيعة القانونية فقط. ومن الأحكام العامة التي وردت في الاتفاقية أن انتقال ممتلكات الدولة السلف «دولة الشمال» إلى الدولة الخلف «دولة الجنوب» يكون بلا تعويض إلا إذا اتُفق على خلاف ذلك «المادة 11». كما أن الاتفاقية تلزم الدولة السلف «دولة الشمال» بأن تتخذ كافة الإجراءات لمنع التلف أو الضرر للممتلكات التي تنتقل إلى الدولة الخلف «المادة 13». طبقاً للمادة (A) 1/17 من الاتفاقية، فإن الممتلكات غير المنقولة PROPERTY IMMOVABLE للدولة السلف «دولة الشمال» وموجودة في إقليم الدولة الخلف «دولة الجنوب» تنتقل إلى تلك الدولة «أي دولة الجنوب». ويعتبر حكم هذه المادة تدويناً لعرف دولي ثابت. وفي الرأي رقم «14» أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا السابقة بأن الممتلكات غير المنقولة الموجودة في إقليم الدولة الخلف تنتقل حصرياً إلى تلك الدولة، بغض النظر عن مصدر تمويل تلك الممتلكات أو أية قروض أو مساهمات قدمت من أجلها. أما الممتلكات المنقولة فقد نصت المادة (B) 1/17 على أنه ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، فإن ممتلكات الدولة السلف «دولة الشمال» المنقولة PROPERTY MOVABLE المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم موضوع الخلافة تنقل إلى الدولة الخلف «دولة الجنوب». ولكن الفقرة (C) 1 من نفس المادة نصت على أن ممتلكات الدولة السلف «دولة الشمال» التي لم تذكر في الفقرة الفرعية (B) تنتقل إلى الدولة الخلف «دولة الجنوب» بنسبة منصفة. ويفهم من هذا أن ممتلكات الدولة السلف المنقولة «دولة الشمال» غير المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم محل الخلافة - كأن تكون خارج الإقليم محل الخلافة مثلاً - تنقل بنسبة منصفة إلى الدولة الخلف. وقد اعتبرت هذه الفقرة الفرعية مثيرة للجدل لأنها عدلت مبدأ الإقليمية PRINCIPLE TERRITORIAL السائد في الخلافة في ممتلكات الدول. لم يرد في اتفاقية عام 1983م نص يحكم ممتلكات الدولة السلف «دولة الشمال» غير المنقولة الموجودة خارج إقليم الدولتين السلف والخلف. ويبدو أن الممارسة تفترض أن هذه الممتلكات تظل مع الدولة السلف. ولكن الأمر يختلف في حالة تفكك الدولة السلف أو زوالها. فقد نصت المادة (B) 1/18 على أن مثل هذه الممتلكات تؤول للدول الخلف بنسب منصفة، وقد حدث هذا في حالة تفكك يوغسلافيا السابقة. فبمقتضى المادة «2» من الملحق (B) لاتفاقية مسائل الخلافة المتعلقة بيوغسلافيا السابقة المبرمة في 29 يونيو 2001م أُتفق في إطار ترتيبات معينة على توزيع المقار الديبلوماسية والقنصلية ليوغسلافيا السابقة في الخارج بين الدول الخمس الخلف. 3- الخلافة في محفوظات ARCHIVES الدولة السلف «دولة الشمال»: عرّفت اتفاقية عام 1983م في المادة «20» محفوظات الدولة السلف بأنها كل الوثائق من أي نوع أو تاريخ التي انتجتها الدولة السلف أو تلقتها في ممارستها لمهامها، وتكون في تاريخ خلافة الدول مملوكة لها بموجب قانونها الداخلي، ومحفوظة من قبلها مباشرة أو تحت سيطرتها كمحفوظات لأي غرض كان. ويكون انتقال المحفوظات للدولة الخلف بلا تعويض، إلا إذا اتفقت الدول المعنية على خلاف ذلك أو قررته هيئة دولية مناسبة «المادة 23». والدولة السلف «دولة الشمال» ملزمة بأن تتخد كافة الاجراءات لمنع الضرر أو التلف للمحفوظات المنقولة للدولة الخلف «المادة 26» ويترتب على انتقال المحفوظات انقضاء حقوق الدولة السلف فيها ونشوء حقوق الدولة الخلف «المادة 21». وتشمل المحفوظات التي تنتقل من الدولة السلف «دولة الشمال» إلى الدولة الخلف «دولة الجنوب»، ضمن أمور أخرى ما يلي: - ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يجب أن يكون تحت تصرف الدولة الخلف «دولة الجنوب» لغرض الإدارة العادية للإقليم موضوع الخلافة. - ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يخص حصرياً أو بصفة رئيسة الإقليم موضوع الخلافة. - المحفوظات التي توفر للدولة الخلف «دولة الجنوب» أفضل الأدلة المتاحة التي تتصل بسند حقها TITLE في الإقليم المنقول وحدوده. - أية نسخ مناسبة من المحفوظات المرتبطة بمصالح الإقليم المنقول التي تطلبها الدولة الخلف ويكون ذلك على نفقتها «المادة 27». 4- الخلافة في الدين العام DEBT STATE للدولة السلف «دولة الشمال»: يعني دين الدولة وفقاً للمادة «33» من اتفاقية عام 1983م، أي التزام مالي لدولة سلف ينشأ وفقاً للقانون الدولي تجاه دولة أخرى أو منظمة دولية أو أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي. وبمقتضى المادة «36» فإن خلافة الدول لا تؤثر على حقوق والتزامات الدائنين. ويقسم القانون الدولي الديون إلى ثلاث فئات وهي: دين تقترضه الحكومة الوطنية أو المركزية للدولة للصالح العام ويعرف بالدين الوطني DEBT NATIONAL، ودين تقترضه الحكومة الوطنية لمشروع محدد في منطقة جغرافية معينة ويعرف بالدين الإقليمي DEBT TERRITORIAL أو DEBT LOCALIZED، ودين تقترضه سلطة محلية أو كيان محلي يتمتع باستقلال مالي ويُعرف بالدين المحلي DEBT LOCAL. ووفقاً للقانون الدولي العرفي وتطبيقاً لمبدأ الإقليمية PRINCIPLE TERRITORIAL، فإن الدينين الإقليمي والمحلي ينتقلان إلى الدولة الخلف. وبمطالعة ممارسة البنك الدولي في خلافة الدول في حالتي انفصال، نجد أنه قد فرق بين الدين الوطني DEBT NATIONAL والدين الإقليمي DEBT TERRITORIAL. فعند انفصال سنغافورة من اتحاد ماليزيا في عام 1965م، تحملت سنغافورة التزامات ناشئة من اتفاقية ضمان أبرمها اتحاد ماليزيا مع البنك الدولي بشأن قرض تمويل مشروع مياه في سنغافورة. وبذلك أُخليت ماليزيا من أية التزامات بمقتضى اتفاقية الضمان. وعندما انفصلت بنغلاديش عن باكستان في عام 1971م، أقنع البنك الدولي بنغلاديش بتحمل التزامات قروض لتمويل مشاريع واقعة كلية في إقليم بنغلاديش. ولكن البنك لم يوفق في اقناع بنغلاديش بقبول حسابه لحصة باكستان المنصفة في الدين الوطني لفترة ما قبل الانفصال. لذلك ابلغ البنك باكستان بأنه سيستمر في اعتبارها مسؤولة عن كل الدين الوطني. وقد قبلت باكستان هذا الترتيب. وحتى يكون القارئ على بيِّنة من الأمر، نورد هنا أنه وفقاً لتقرير أعدته لجنة ثلاثية من بنك السودان ووزارة المالية وصندوق النقد الدولي، فإن دين السودان الخارجي قد بلغ حتى 31 ديسمبر 2009م: 35 مليارا و 687 مليون دولار أمريكي. علماً بأن أصل الدين هو 15 مليارا و 407 ملايين دولار، وأما باقي المبلغ فهو عبارة عن فوائد وجزاءات. ويعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقرضين الأساسيين للسودان ضمن المقرضين الدوليين. وأفردت اتفاقية عام 1983 المادة «40» لمسألة الخلافة في ديون الدولة في حالة الانفصال. فقد نصت على أنه عندما ينفصل جزء من إقليم دولة ويكوّن دولة، فإنه وما لم يتفق الطرفان المعنيان على خلاف ذلك، ينتقل دين الدولة السلف إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة، مع الأخذ في الاعتبار بوجه خاص الممتلكات والحقوق والمنافع التي تنتقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لدين الدولة. ونلاحظ في هذه المادة أنه لحساب النسبة المنصفة من الدين التي تنتقل للدولة الخلف «دولة الجنوب» هناك تركيز على التناسب بين دين الدولة السلف والأصول ASSETS التي تنقل إلى الدولة الخلف. ونجد توضيحاً للطريقة التي صيغت بها المادة «40» في تعليق لجنة القانون الدولي على مشروع المادة «35» «2» المشابهة للمادة «40» وتتعلق بانتقال الديون في حالة انتقال جزء من إقليم دولة إلى دولة أخرى. فقد قالت اللجنة إن المادة «35» قد صيغت بطريقة تغطي كل ديون الدولة سواء أكانت عامة أو إقليمية LOCALIZED.. وأضافت أنه يمكن أن يُرى بيسر في الفقرة «2» أن الديون الإقليمية LOCALIZED ستنتقل إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الاعتبار «الممتلكات والحقوق والمنافع» التي تنقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لديون الدولة الإقليمية. 5- الخلافة في عضوية المنظمات الدولية في حالة الانفصال: إن العضوية في المنظمات الدولية لا يمكن اكتسابها بالخلافة في حالة الانفصال مادامت الدولة السلف «دولة الشمال» لا تزال قائمة وتتمتع بشخصيتها الدولية. لذا فإنه يتعين على الإقليم المنفصل الجنوب مثلاً إذا تم الانفصال أن يتقدم بطلب عضوية للمنظمة المعنية. وقد حددت الأممالمتحدة موقفها من هذه المسألة منذ عام1947م عندما رفضت إدعاء باكستان بأنها خلف مشارك CO-SUCCESSOR للهند وتستحق عضوية الأمم التحدة تلقائياً، وقررت أن باكستان دولة جديدة وينبغي عليها التقدم بطلب عضوية. وإبان الأزمة اليوغسلافية ثار جدل حول ما إذا كان ما حدث يعد انفصالاً أو تفككاً. إذ ادعت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية «صربيا والجبل الأسود» أن الجمهوريات التي أعلنت استقلالها قد انفصلت عن الاتحاد، وأنها هي - أي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية - الدولة الخلف لاتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية. ولكن مفوضية التحكيم أفتت في الرأي رقم «1» بأن الاتحاد يمر بمرحلة تفكك. وفي الرأي رقم «8» أفتت بأن عملية التفكك قد اكتملت وأن اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية لم تعد له شخصية قانونية، الأمر الذي يرتب نتائج خطيرة في القانون الدولي. وأفتت في الرأي رقم «10» بأن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية دولة جديدة وليست مواصلة ليوغسلافيا السابقة. وبالقرار رقم «777» بتاريخ 19 سبتمبر 1992م قرر مجلس الأمن أن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية «صربيا والجبل الأسود» لا يمكن أن تواصل بطريقة تلقائية عضوية يوغسلافيا السابقة في الأممالمتحدة. وأوصى المجلس بأن تقرر الجمعية العامة أنه على جمهورية يوغسلافيا الاتحادية أن تتقدم بطلب للعضوية في الأممالمتحدة، وألا تشارك في أعمال الجمعية العامة. إذن فإن الدولة التي قد تنشأ في إقليمجنوب السودان ستعتبر دولة جديدة. وبهذه الصفة يتعين عليها أن تتقدم بطلب عضوية. ويبدو من ممارسات البنك الدولي أن الدولة التي تفقد جزءاً من اقليمها بالانفصال لا تفقد عضويتها في البنك أو حقها في الحصص التي اكتتبت فيها. وبالمقابل فإن على الإقليم المنفصل أن يتقدم بطلب عضوية، وعند قبوله يكتتب في حصص البنك غير المخصصة. وحدث هذا في حالة انفصال باكستانوسنغافورة وبنغلاديش. وتجري نفس الممارسة في صندوق النقد الدولي. وعلى ضوء ما تقدم فإن عضوية السودان في البنك وفي الصندوق وكذلك اكتتاباته لن تتأثر بانفصال الجنوب. وسيكون بمقدور الجنوب الحصول على عضوية البنك الدولي والصندوق عبر الاجراءات العادية ويكتتب في حصص المؤسستين غير المخصصة. 6- الخلافة في معاهدات الدولة السلف: «1» إن مفاوضات شريكي نيفاشا بشأن الخلافة في المعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف «دولة الشمال» لا بد لها أن تسترشد باتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978م، وما استقر من قواعد القانون الدولي العرفي، وممارسات دول شرق ووسط أوربا خلال العقدين السابقين. «2» إن معاهدة عام 1978م لم تدخل حيز النفاذ إلا في عام 1996م ولعدد قليل من الدول، ولن تكون واجبة التطبيق إلا على خلافة الدول التي تنشأ بعد بدء نفاذها. «3» إن معاهدة عام 1978م لا تعكس القانون الدولي العرفي. فغالب أحكامها يندرج تحت باب التطوير المضطرد للقانون الدولي DEVELOPMENT PROGRESSIVE. فهي لا تجسد القانون الدولي العرفي إلا في حالات محددة أهمها حالة الخلافة في نظم الحدود «المادة 11» والنظم الإقليمية الأخرى مثل حقوق المياه والملاحة في الأنهار «المادة 12». ومعلوم أن هذه النظم تدمغ الإقليم بوضع دائم لا يتأثر بالتغييرات التي تطرأ على شخصية الدولة التي تمارس السيادة على الإقليم. «4» أخذت اتفاقية عام 1978م بمبدأ الصحيفة البيضاء SLATE CLEAN في حالة الدولة التي استقلت حديثاً، وعرّفتها بأنها دولة خلف كان إقليمها قبل تاريخ الخلافة مباشرة إقليماً تابعاً تتولى الدولة السلف مسؤولية علاقاته الدولية. ومؤدى نظرية الصحيفة البيضاء أن الدولة حديثة الاستقلال «الدولة الخلف» غير ملزمة بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف. ولم تستثن معاهدة عام 1978م من ذلك سوى معاهدات الحدود والمعاهدات المنشئة لنظم إقليمية أخرى كما سبقت الإشارة. وحري بالذكر أن سنغافورة عندما انفصلت عن اتحاد ماليزيا في عام 1965م اختارت أن تتصرف بوصفها دولة حديثة الاستقلال مع أنها لم تكن كذلك، إذ أعلنت أنها غير ملزمة بالالتزامات التعاهدية للدولة السلف إلا إذا وافقت هي عليها. «5» إن قاعدة الخلافة التلقائية: SUCCESSION AUTOMATIC ليست من قواعد القانون الدولي العرفي. ولم تقطع محكمة العدل الدولية برأي حول هذا الموضوع في قضيتين نظرتهما أخيراً، غير أن المادة «34» من اتفاقية عام 1978م أخذت بقاعدة الخلافة التلقائية في حالة انفصال أجزاء من دولة وظلت الدولة السلف قائمة. وبموجب هذه المادة فإن معاهدات الدولة السلف تظل تلقائياً نافذة على الدولة الخلف إلا إذا اتفقت الدول المعنية على غير ذلك، أو ظهر من المعاهدة بأن تطبيقها على الدولة الخلف يتنافى مع موضوع المعاهدة وغرضها، أو يحدث تغييراً جذرياً في ظروف تنفيذها. «6» إن الدولة الخلف «دولة الجنوب» ستكون ملزمة بالاتفاقيات والصكوك التي تحدد نطاق إقليمها. ولكنها لن تكون ملزمة بالاتفاقيات الشخصية أو السياسية التي أبرمتها دولة الشمال، وهي الاتفاقيات التي يكون موضوعها مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بعلاقات الدولة السلف «دولة الشمال» بدولة أو دول أخرى. ومن أمثلة ذلك اتفاقيات الصداقة أو التحالف أو الدفاع. «7» في حالة الاتفاقيات الثنائية نرى أنه من الأصوب أن تبرم الدولتان السلف والخلف «الشمال والجنوب» اتفاقية ايلولة AGREEMENT DEVOLUTION لنقل الحقوق والالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات من الدولة السلف «دولة الشمال» إلى الدولة الخلف «دولة الجنوب». وهذه الاتفاقية لا تلزم الدول الاخرى، أي الأطراف الثلاثة في الاتفاقيات مع الدولة السلف «دولة الشمال». ولكن تكمن أهميتها في أنها تبرز التوجه العام للدولة الخلف «دولة الجنوب» إزاء اتفاقيات الدولة السلف. بعد ذلك يكون من الميسور للدولة الخلف «دولة الجنوب» أن تدخل في ترتيبات خلافة معاهدات مع الاطراف الثلاثة. «8» لا توجد خلافة تلقائية في المعاهدات متعددة الأطراف، فالدولة الخلف مثل دولة الجنوب تستطيع الانضمام لها بإشعارات تُقدم وفقاً للأصول المرعية للمنظمة، أو الدولة الوديع للاتفاقية أو الاتفاقيات. ولكن هناك نفر من الشرَّاح يرى أن الخلافة تكون تلقائية في حالة الاتفاقيات الشارعة مثل اتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقيات القانون الدولي الإنساني، بينما يرى نفر آخر أن إلزامية الحقوق والحريات التي كفلتها هذه الاتفاقيات تعود إلى أن أحكامها قد أصبحت عُرفاً دولياً، أو حقوقاً مكتسبة لسكان الإقليم محل الخلافة، وليس إلى خلافة تلقائية في المعاهدات. وفي الجزء الثالث والأخير من هذه الحلقات سنتناول مسألة الخلافة في اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929م و1959م، ونبدي بعض الملاحظات الختامية. [email protected]