محمد آدم علي، خريج جامعة دنقلا تخصص آثار، من ولاية شمال دارفور الفاشر، أعمل في سلك الضباط الإداريين «ضابط إداري» في الدمازين منذ عام 1997م، حيث شغلت عدداً من المناصب في الولاية، مدير تنفيذي بمكتب المعتمد، أمين عام المجلس التشريعي بمحلية الدمازين، ومن ثم مدير تنفيذي بمكتب رئيس المجلس التشريعي منذ عام 2006م وحتى الآن، وعضو مشارك في المسح الأثري للتراث وتوثيق السلطنة الزرقاء. ٭ حدثنا عن الآثار في ولاية النيل الأزرق؟ ولاية النيل الأزرق غنية بالآثار، ولكن لم تجد حظها من الإعلام، وسبق أن زار المنطقة عالم الآثار المشهور أركل في الأربعينيات، وتعرف على بعض المواقع، ومن ضمنها «أبو رماد الديسة، أقدي، قولي، فازوغلي وسوبا الروصيرص»، وزارها أيضاً أول مدير لمصلحة الآثار في الستينيات نجم الدين محمد شريف، وتحديداً موقع سوبا الروصيرص. ٭ هل امتدت حضارة سوبا إلى المنطقة؟ لا استطيع أن أعطيك إجابة قاطعة، فالموضع يحتاج إلى دراسات عميقة وتنقيب وبحث، وهو ما لم يتوفر حتى الآن، ولكن هناك إشارات وبعض الأدلة تشير إلى امتداد حضارة سوبا جنوباً الى المنطقة، ومن الدلائل أنه يوجد موقع يطلق عليه «سوبا الروصيرص» وبعض الآثار المشابهة والممارسات الدينية والاجتماعية، ولكن ذلك يحتاج إلى تعمق أكثر حتى تتضح الصورة. ٭ أشرت إلى وجود رسومات صخرية في بعض المواقع؟ نعم توجد رسومات صخرية في أربعة مواقع، وهي «أقدي رورو القرابين وقولي»، وحسب المسوحات الأولية التي أُجريت في المواقع فإنها ترجع إلى فترة ما قبل الميلاد، أي حوالي عام «2500» قبل الميلاد، وامتدت الى سنة «500» ميلادية، اي الى دولة حضارة الفونج، وتظهر رسومات تصور الخيول، وفي واحدة منها يبدو أن الرسام يحكي عن معركة يشير فيها الى النصر. ٭ هل يعني ذلك وجود حضارة ضاربة في القدم؟ كل الدلائل المتوفرة تشير إلى ذلك، واستطيع ان أقول انها ترجع إلى فترة التغيرات الجيولوجية المعروفة التي شهدها العالم في ذلك الوقت، ونتجت عنها هجرات لمجموعات كبيرة من القبائل خاصة الرعوية التي هجرت الكهوف لتحل في المناطق النيلية مخلفين وراءهم رسومات صخرية منحوتة في الكهوف. ٭ كيف تم اكتشاف هذه المواقع؟ كانت هناك مناطق معروفة منذ الأربعينيات، خاصة التي زارها أركل، بجانب عدد من المواقع اكتشفت حديثاً بعد المسح الأثري الذي قامت به هيئة الآثار القومية بالتعاون مع برنامج تعلية خزان الروصيرص. ومن خلال المسح تم التعرف على أكثر من «50» موقعاً ترجع الى فترات تاريخية متفاوتة منذ مرحلة ما قبل التاريخ والفترة المسيحية والفترة الإسلامية، بإلاضافة الى الحكم التركي المصري، بجانب مواقع لم يتم التعرف على فتراتها الزمنية، وتحتاج الى مزيد من الدراسة وحفريات لإلقاء الضوء على كثير من المعلومات المتعلقة بتلك الفترات. ومتوقع خلال الفترة القادمة وصول بعثة ثانية من الهيئة القومية للآثار بالتعاون مع وحدة تنفيذ السدود بالدمازين. ٭ هل تم العثور على مخلفات مادية.. فخار مثلاً؟ نعم عثر على عدد من أنواع الفخار في «حي اللعوتة بالروصيرص»، بجانب أدوات جنائزية يتم دفنها مع الميت، بالإضافة الى أدوات محلية تستخدم في طقوس وعادات الدفن. ٭ صف لنا أشكال الفخار؟ هناك نوع من الفخار الأسود الفنجاوي يرجع الى فترة السلطنة الزرقاء عُثر عليه بمنطقة قولي، وهي أحد المراكز الثقافية في دولة الفونج، ويشبه تماماً الفخار الذي وجد في منطقة جبل موية وسنار، وعثر أيضاً على ادوات وأوانٍ عبارة أقداح ومباخر وخينوم «كدوس»، وأدوات فخارية صغيرة تستخدم للعطور الجافة والسائلة، وعليها نقوش وزخارف الفونج المشهورة في أشكال خطوط متعرجة ومثلثات وخطوط أفقية وطولية، أما موقع سوبا الروصيرص الذي زاره نجم الدين الفاضل مدير مصلحة الآثار السابق في الستينيات، فمخلفاته الفخارية تشبه الى حد كبير من ناحية التقنية والجودة فخار حضارة مروي المصقول من سلطانيات وأكواب وأقداح صغيرة. ٭ كلمة أخيرة؟ كل الشكر لصحيفة «الصحافة»، ونتمنى تسليط مزيدٍ من الضوء على المواقع الأثرية بالمنطقة من أجهزة الإعلام، لتحدث الناس عن تاريخ السودان المتنوع وحضاراته الضاربة في القدم.