لملموا الهديمات عدلوا ركبوا «اللواري» وقبلوا.. ولكن تغيرت اللواري الى العربات آخر موديل، والبصات السياحية تحمل في جوفها ابناء الاقاليم في رحلة العودة السنوية الى مناطقهم، فللعيد الكبير طعم خاص ما بين الاهل والاحباب، فيحرص الكل على قضائه في مسقط رأسه هو والاسرة الصغيرة. فللوجود في احضان الاسرة الكبيرة احساس لا يقدر بثمن، ولاجله يتحمل الكثيرون زيادة اسعار التذاكر وازدحام الناس في المواقف وفي الميناء البري اكثر المناطق الخرطومية ازدحاما في ايام ما قبل العيد الكبير، ومعها السوق الشعبي ام درمان.. الحقائب والشنط والتلفونات المتبادلة ما بين الجميع في المركبات العامة.. نحن ماشين عليكم.. الولايات ومناطق السودان ستستقبل هؤلاء القادمين في رحلة الاستمتاع بالعيد، إلا أنه في المقابل فإن الخرطوم ستفتقد الكثير من ألقها ودهشتها المكتسبة من ازدحام الناس فيها، فالخرطوم بلا ناس لا طعم لها ولا رائحة ولا هوية.. هكذا قال أمجد فاروق، وهو أحد الخرطوميين المتشددين في انتمائهم.. حكاياتنا مع ناس الولايات دي غريبة، لا بندور زحمتهم ولا بنحمل براهم.. واضاف امجد: بصراحة الخرطوم في العيد ممتعة ومملة في وقت واحد. سوسن الفاتح إحدى الامدرمانيات.. سألتها عن الخرطوم ايام العيد، فقالت: مش الخرطوم بس، دي الحلة في ايام العيد بتكون موحشة، خصوصا ان معظم الجيران قفلوا بيوتهم وسافروا للعيد في الولايات. وتمنت أن يعودوا سالمين، لتعود للخرطوم حركتها الدؤوبة. لكن أسامة يوسف اتخذ وجهة نظر أخرى، حيث قال إن خرطوم الأعياد طعمها تاني ونكهتها مختلفة، خصوصا عندما يقل الازدحام وتتوفر المواصلات وتتسع الحدائق العامة للجميع. إلا أن علي عبد المجيد صاحب مطعم في قلب الخرطوم، اتخذ موقفا مغايرا تماما لموقف أسامة، وقال: إن ذهاب الناس للعيد في الولايات يوقف الحال تماما. وأضاف حتى قدرة الفول تتأثر بهذه العملية، والسوق بقيف «دوت» قبل أن يضيف انهم في تلك الفترة يجلسون في انتظار عودة ناس الأقاليم. وما ينطبق على علي عبد المجيد ينطبق على حال خاطر سائق الحافلة في خط الفتيحاب، الذي يقول: الخرطوم في العيد الله لا قعدك فيها، دي الفردة بتكون من آخر محطة للسوق، ومرات انت براك، لانه الكمساري نفسه بكون رجع اهله، يعني البلد بتكون بدون نكهة عديل كده. وشوارع الخرطوم نفسها بدت خالية من المارة، ونجيلها الذي يكتسب اخضراره من الناس بدا مصفرا وفاقدا للحياة، وكان لسان حاله يخاطب أهل الاقاليم: ارجع تعال عود لينا رجع حنينك لينا.