٭ استفادت صنعاء الى اقصى حد من الترويج الإعلامي يوم امس الاول مع استقبال المسؤولين اليمنيين للداعية الاسلامي المصري الشهير عمرو خالد مصافحا ايديهم ومبتسما. وان نظرنا الى ابعد من اطار الصورة ربما نرى دلائل تشير الى ان الحكومة اليمنية ربما تبحث عن مخرج جديد لمشكلة الارهاب والتطرف. فقد لجأت اليمن ضمن خططها لمكافحة الارهاب والتطرف الديني الذي القى بظلاله السالبة على جملة الاوضاع باليمن لجأت الى وضع معالجات جديدة واساليب متطورة ومستحدثة وذلك من خلال استجلابها للداعية الاسلامي عمرو خالد مالك قناة اقرأ ومؤسس منظمة صناع الحياة العالمية باطلاق ضربة البداية لحملة يتم خلالها نشر منهج الوسطية والاعتدال واقتلاع جذور التطرف الديني حيث يعتبر عمرو خالد المصنف في خانة الدعاة المعتدلين والمستنيرين شريكا للحكومة اليمنية في محاربة الارهاب والتشدد والعمل على محاورة الشباب وماقشتهم بغية اقناعهم بالعدول عن تبني الافكار المتطرفة التي تقود للارهاب وافساد الحياة بجميع النواحي... وبالفعل بدأ عمرو خالد مهمته في صنعاء وعدن ليغطي المشروع كافة المدن اليمنية. لكن... هل تسمح وضعية ومكانة الرجل نفسه بانجاز وانجاح هذه المهمة ام ان الرياح ستأتي بما لا تشتهي سفن عمرو خالد وينتهي المشروع الى فشل...؟!! فالمهندس يحيى علي محسن المنحدر من والد يمني وام سودانية الذي دلني عليه البروفيسور حسن مكي بوصف الرجل خبيرا في الشأن اليمني واكثر دراية بالمجتمع اليمني يقول لي ان الشيخ عمرو خالد شخصية مقبولة ومحبوبة الى حد بعيد في اوساط الشباب اليمني الذين يقبلون على حضور محاضراته وإلتهام مؤلفاته والاستماع الى محاضراته عبر اشرطة الكاسيت والاسطوانات نظرا لاسلوبه الشيق وطريقة عرضه للقضايا الدينية بصورة جاذبة ومبسطة ومقنعة.. ويعرب علي حسن عن اعتقاده في ان الحكومة اليمنية باتت مقتنعة بأن استعمال القوة العسكرية لن يحل المشكلة لهذا جاء لجوؤها لمحاربة الفكر بالفكر ومقارعة الحجة بالحجة من خلال استقدامها لدعاة ومفكرين وعلماء وهذا في حد ذاته منهج جديد واتجاه ايجابي يصادع الارهاب والتطرف المستنير.. وحسب قراءة محدثي للواقع اليمني فإنه لا يمكن محاربة ارهاب الجماعات الجهادية بارهاب الدولة لأن الامر فيه الكثير من التعقيدات لكون ان التركيبة الاجتماعية في اليمن يغلب عليها الطابع القبلي والنظام العشائري الذي يتحكم في مفاصل الحياة خاصة وان معظم الجهاديين ينتمون الى قبائل معروفة في اليمن... ويعتبر يحيى علي محسن ان تجربة بلاده اليمن متشابهة الى حد كبير مع النموذج المصري في معالجته لقضية التطرف والارهاب ومحاربة الجماعات الجهادية من خلال اللجوء لتبني خيار (فقه المراجعات) الذي يفضي الى عقد تسوية مع القيادات الجهادية ومحاورتهم من خلال رجال الدين والدعاة والعلماء من جهة واطلاق سراح بعضهم كخطوة لبناء الثقة وابداء حسن النوايا من الحكومة من جهة ثانية وبالتالي الحد من ظاهرة التطرف. ويعرب عن امانيه في ان تكلل جهود الحكومة اليمنية بالنجاح في اقتلاع الارهاب من جذوره وعقد ميثاق بين الحكومة والجماعات الجهادية.. ٭ حسنا... لكن رغم ما يبديه محدثي من تفاؤل تجاه نجاح التجربة المصرية دعوني اقول ان الشباب الجهادي المصري الذي كان نزيلا بزنزانات وسجون النظام المصري لم يكن متحمسا لمشروع المراجعات الذي تبنته الدولة لمعالجة التطرف باعتبار ان العلماء والدعاة المناط بهم اقناع هؤلاء الشباب كانوا محلا للتشكيك والاتهام من قبل هؤلاء الشباب باعتبار ان اولئك الشيوخ هم علماء سلطان دفعت بهم الدولة لمحاورتهم لكنهم لا يحظون بأي قبول لدى الجهاديين القابعين في السجون او خارجها.. ٭ وبالطبع يمكن ان يقول قائل ان الوضع في اليمن مختلف عن مصر كما ان الظروف ليست هي الظروف لأن الظروف السابقة ليست هي الظروف والاوضاع الحالية كما ان تنظيم القاعدة حاليا ليس هو الجماعات الجهادية المصرية السابقة مثلا... وهذا قول مشروع فالقاعدة نفسها استدركت بعض اخطائها لتلافي الكثير من الممارسات التي اضرت بمسيرتها وتحركاتها وتكتيكاتها، فالقاعدة في اليمن تحاول الآن تفادي ما ارتكبته القاعدة في العراق وباكستان وافغانستان مثلا لكن الأهم من ذلك ان عمرو خالد رغم (مصريته) ليس هو كعلماء مصر السابقين الذين تمت الاستعانة بهم لمحاربة ومكافحة الارهاب والتطرف الديني..!! فالرجل شخصية تقدمية و(مودرن) الى حد كبير في فكره ومنهجه ومتطور في وسائل واساليب الخطابة بلغة حديثة وطريقة مشوقة واسلوب درامي يستميل الى كل من يستمع اليه الامر الذي يجعله يحظى بمقبولية وسط الشباب... ٭ ثمة ملاحظة مهمة يبديها يحيى علي محسن تتعلق بأن تنظيم القاعدة وفي اطار استراتيجيته الجديدة بدأ يستهدف الشباب صغيري العمر قليلي التجربة والخبرة والتحصيل العلمي ويستميلهم ويشحنهم بمعاني وقيم الجهاد ويغسل ادمغتهم لتنفيذ اجندته واهدافه. ربما لكن ولأن بالشئ يذكر فإن الحكومة اليمنية عملت بالمقولة الشهيرة و(داوهم بالتي كانت هي الداء) فقدمت لهم الداعية الشبابي عمرو خالد الذي هو ايضا محل ارتياح وترحيب واعجاب قطاع عريض من الشباب في العالم العربي والاسلامي .. ٭ اخيرا.. فإن امريكا تحاول ان تتذرع بحجج مكافحة الارهاب للتدخل في شؤون الدول العربية واستقدام جيوشها لمحاربة القاعدة في تلك الدول.. هذا ما يقوله محدثي يحيى علي محسن ويضرب مثلا بكل من افغانستان والعراق وحاليا يبدو انها تتجه الى اليمن بحجة محاربة تنظيم القاعدة.. لكن الطريف هو ان اسلام الوسطية والاعتدال الذي يتبناه عدد من الدعاة من بينهم عمرو خالد نفسه يصنفه قادة تنظيم القاعدة بأنه ايضا اسلام امريكي..!! فهل بدأت امريكا تضع يدها على المعتدلين ودعاة الوسطية مثلما تريد ان تضع يدها على الارهابين ..؟!!