بيان رسمي سعودي بشأن حادث طائرة الرئيس الإيراني    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانفصال وأثره على الأمن الوطني السوداني (12)
نشر في الصحافة يوم 23 - 12 - 2010

على الرغم من أن حق تقرير المصير تم رفضه من قبل القوى السياسية في مؤتمر المائدة المستديرة بالخرطوم في العام 1964م عقب انتفاضة أكتوبر إلا أن القوى السياسية في السودان عادت ووافقت عليه فيما بعد، سواء كانت منفردة كما هو الحال في الاتفاق الذي تم بين حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي وزعيم الحركة الشعبية الراحل دكتور جون قرنق فيما عرف باتفاق شقدوم عام 1994م، أو كانت هذه القوى مجتمعة كما هو الحال في التجمع الوطني الذي وقع مع الحركة الشعبية اتفاقية أسمرا في العام 1995م واالتي نصّت على حق تقرير المصير، أو أحزاب التوالي فيما بعد والتي ارتضت الدستور الانتقالي الذي تضمن اتفاقية السلام التي نصت على حق تقرير المصير.
لقد تضمنت اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان حق تقرير المصير للجنوب، وقد مثلت هذه الاتفاقية الأرضية التي انطلق منهاا الاستفتاء المزمع إقامته في مطلع يناير 2011م وعبره يتم توصيف وضع الجنوب إما أن يكون دولة مستقلة أو جزءً من السودان.
يتناول هذا البحث الآثار الامنية المترتبة علي انفصال الجنوب, حيث تناول مفهوم الامن الوطني واسقاطاته المعاصرة كما تناول الاهتزاز الواقع علي القوي السياسية واثره علي الجبهة الداخلية كثغرة امنية وتعرض للامن الاقتصادي وتداعياته والامن الدبلوماسي كاطار للامن الخارجي اضافة الي ثغرات امنية اخري كالحدود والمناطق الثلاث وكلها قنابل موقوتة وثغرات في جدار الامن الوطني.
مفهوم الأمن الوطني
هناك مجموعة مبادئ وأسس، تحدد القصد من هذا المصطلح، يجب الإلمام بها في البداية، حتى يمكن استيعاب قواعد التغيير، في محددات هذا المصطلح، وإمكانيات بناء مفهوم خاص له:
1. الفكرة الأساسية لهذا المصطلح، هي التزام الدولة بحماية أفرادها، وأعضائها الطبيعيين، والمعنويين، بما يكفل لهم كفاءة الأداء، وسلامة الحقوق، مقابل انتمائهم لها، من دون أن يعرضها ذلك إلى المخاطرة بكيانها، في أي صورة كانت. وهذه الوظيفة للدولة، هي في الأساس ممارسة طبيعية، تلقائية، تقوم بها، ويأتي مفهوم المصطلح ليقوم بتوصيفها، في إطار الصياغة المقبولة.
2. مبدأ الحماية، هو من الأولويات البديهية للفرد، والجماعة، والمجتمع، وتمّ للدولة، والأمة، والمجموعة من الأمم. وهي سابقة لأي وظائف أخرى، في أي مجال، وعلى أي مستوى، ولا توجد دولة، أو رئاسة لأي تنظيم، لا تمارس هذا المفهوم، وإلا فلا معنى لمناقشة استخدام الاصطلاح أصلاً. وهذا المبدأ يكسب المصطلح صفة العموم، والعالمية، في الانتشار.
3. ضوابط المفهوم وحدود تطبيقاته مرنة، إلا أنها أيضاً غير مطلقة، وتخضع من ثم للنظام والشرعية، الذي وضع أسسها، والذي عادة يغير من تلك الحدود لتعبر عن متطلباته الأمنية الجديدة والتي يطبقها في مواجهة الآخرين. وتضييق نطاق المفهوم، يمكن أن يصل إلى مجرد حماية الحدود، من مفاجآت الدول المجاورة، وهو أدنى حد للتعبير عن الأمن الوطني، والاتجاه المعاصر، يوسع من نطاق المفهوم، في إطار من الضوابط، الخاضعة لمنطق معين.
4. لم يعد المصطلح قاصراً، على الشكل السياسي للدولة فقط، كما كان سابقاً، بل إن المرونة في تطبيقاته، يمكن أن تشتمل على التجمعات، والقوميات، أيا كانت، من دون أن تنتقص من إرادة عضو منفرد، أو الجماعة ككل، وهو ما لم يكن متاحاً، في ظل التقاليد القديمة، للرؤيا السياسية للأمن. (الأمن الأوروبي الأمن العربي الأمن الخليجي …).
5. تتداخل العلاقة بين مفهوم الأمن الوطني، والمصالح الوطنية، والأهداف الوطنية، وهو ما يمكن أن يندرج كله تحت مظلة الأمن الوطني نفسه، من دون تناقض، أو تعارض، أو حتى تشابه بينهما.
6. من غير المقبول أن يكون مفهوم المصطلح غامضاً، بحيث تكون تطبيقاته مرنه فضفاضة، فهو مازال مرتبطاً بالمعنى الأصيل، وإن توسع تفسيره، كحماية لها حدود، في ظل أوضاع إستراتيجية، وخصائص جيوبوليتيكية.
الاتجاهات الرئيسية لتعريف مفهوم الأمن الوطني يعزى السبب الرئيسي، في تأخر وجود تقييم أكاديمي لمفهوم الأمن الوطني، من خلال البحوث العلمية، (مقارنة بالفروع الأخرى لعلم السياسة). إلى الاختلافات الظاهرة في تعريف المفهوم، التي شملت، في اختلافها أيضاً، اختلافاً في تحديد هوية التهديدات الموجهة إليه، وهوية أولئك المقصود أن يردعهم الأمن الوطني بأدواته وإستراتيجياته، التي هي أيضاً محل خلاف.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك ثلاثة اتجاهات واضحة، لتعريف الأمن الوطني. كل اتجاه منها، له منظوره الخاص، في تحديد المفهوم. يركز الأول على الأمن الوطني كقيمة مجردة، مرتبطة بالاستقلال وسيادة الدولة الوطنية. ويهتم الاتجاه الثاني بالجانب التنموي، لحيويته في إطاره الاقتصادي والإستراتيجي.
أما الثالث وهو الأحدث بالنسبة للاتجاهات الثلاثة فهو يؤمن بالأبعاد المتكاملة الشاملة، للأمن الوطني.
1. الاتجاه الأول (الأمن الوطني كقيمة مجردة)
يخص هذا الاتجاه، الأمن الوطني بالأولوية في موارد الدولة، باعتباره القيمة الأساسية، والحيوية، وهو ما يسميه آدم سميث «مأزق الاختيار بين الرخاء والدفاع». ويكون الاختيار من منظور هذا الاتجاه في صالح البندقية، على حساب رغيف الخبز. ويرى هذا الاتجاه، أن الاستقلال والسيادة الوطنية، أكثر أهمية من الأمن الوطني، لذلك فإن البعد العسكري، يجب أن تحسب قدراته، على أساس التفوق على الخصم (الحقيقي أو المحتمل). ويستخدم بعض المؤيدين لهذا الاتجاه، عند قياسهم لقدرات الدولة الشاملة (القوى الشاملة للدولة)، متغيرات معنوية، يصعب قياسها، مثل الإرادة الوطنية، والروح الوطنية كأسس للأمن الوطني.
والتركيز على جوهر الأمن الوطني، في مفهوم هذا الاتجاه، على أنه بعد عسكري أصيل ذو محددات، يمكن تقييمها، ويثير عديداً من الاعتراضات والنقد، فهناك من يرى أن هذا المنظور غير كافٍ، للدول الأكثر قوة في النظام الدولي، والتي تسعى، بالتأكيد، لزيادة قدراتها العسكرية، وقوتها، في شتى المجالات، ويسيطر المفهوم العسكري للأمن عادة على سياسات هذه الدول، ويكون دور المدنيين من القادة والسياسيين محدوداً للغاية. حيث يرى العنصر العسكري، أمنه في استمرار وجود عناصر تهديد للأمن. هذا التنافس الشديد، بين الدول الأقوى في النظام الدولي، يوجه تلقاء الجزء الأكبر من الموارد، لمواجهة هذا التنافس وتداعياته، منحياً مطالب التنمية، في القطاعات الأخرى، غير الأمنية (غير العسكرية). ويضع هذا التورط في سباق القوة، الدول المتنافسة، في دائرة مفرغة، لا مهرب منها للحصول على مزيد من التسلح ونظم الدفاع، حيث يسود مناخ من التشكك، وعدم الثقة، في العلاقات الدولية.
ومن أكثر الانتقادات الموجهة لهذا الاتجاه، نظرته للنظام الدولي، من خلال تدرج هرمي، يكون الغاية منه الحفاظ عليه، من خلال تأكيد تبعية الأصغر للأكبر، والأضعف للأقوى، وهو ما يعكس نتائج دراسة الصراعات في العالم النامي، والمرتبطة أساساً بهيكل النظام الدولي، وكذا هياكل النظم الداخلية لها.
2. الاتجاه الثاني (الأمن الوطني ذو بعد اقتصادي إستراتيجي أكثر أهمية)
أوضحت تداعيات أزمة النفط في حرب أكتوبر 1973، أهمية تأمين الموارد الحيوية والإستراتيجية، والحفاظ على معدلات تدفقها إلى شرايين الاقتصاد العالمي، الذي في معظمه يخص الدول العظمى والكبرى (الدول الصناعية). وقد أدى ذلك إلى تصاعد أهمية الموارد الإستراتيجية في درجات الأمن الوطني، وأصبحت إحدى ركائز الأمن الوطني للمجتمع الأوروبي والأمريكي. وعُرّف الأمن الاقتصادي بأنه «غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية». كما وُضع تعريف للسيادة الاقتصادية؛ باعتبارها أكثر أبعاد الأمن الوطني خطورة وأهمية، بأنها «القدرة على التحكم في أكبر عدد ممكن من أدوات السياسة في المجال الاقتصادي».
ارتبط مفهوم الأمن الوطني لهذا الاتجاه، ذو المنظور الاقتصادي، بالحرب، ووضع كسابقه اختياراً صعباً بين السلاح والغذاء. فبينما عارض بعض الناس ارتفاع نفقات التسليح ونظم الدفاع عن الدولة، رأي آخرون خاصة الدول المصدرة للسلاح أنها غير ذلك، حيث تُوفر عماله، وتضخ في شرايين الاقتصاد الوطني، عائدات مهمة، وتطوّر الصناعة الوطنية، فضلاً عن الاستثمار في خدمة ما بعد البيع، بتوريد مستلزمات الإصلاح والصيانة والتدريب والذخائر والتطوير. وقد رفضت الدول النامية مره أخرى باعتبارها الأكثر تضرراً من هذا المفهوم الاعتراف بهذا الاتجاه قولاً، ومارسته فعلاً من دون الشق الأخير، الخاص بمنافعه التصديرية، واقتصرت على تكديس الأسلحة لصالح الدول الأغنى والأقوى، التي يهمها تأمين الموارد الاقتصادية الإستراتيجية، لدى تلك الدول النامية (الموارد الخام)، أو في المناطق القريبة منها (الاستفادة من موقعها الجغرافي).
3. الاتجاه الثالث (النظرة الشمولية في تعريف مفهوم الأمن الوطني)
عبر روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، عن هذا الاتجاه في كتابه عن جوهر الأمن. فقد لاحظ أن امتلاك الأسلحة، لم يمنع الثورات والعنف والتطرف، وأن مثيري الشغب والاضطرابات من الفقراء. كما أن الدول الأكثر استخداماً للأسلحة والعنف والحروب، هي الدول الأكثر فقراً، في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. وأرجع ماكنمار هذه الظاهرة إلى الفقر، وضعف البنية الاقتصادية لتلك الدول، مما يضر بالأمن. وأن السلاح والقوه العسكرية، قد تكون جزء من الأمن ولكن ليست أهمها. وهذا المفهوم ينطبق على الدول الغنية والقوية، كما ينطبق على الدول الفقيرة. وربط ماكنمارا بين الأمن والتنمية، وأوضح أنها لا تعني فقط أي التنمية البعد الاقتصادي، بل يجب أن تشمل كل الأبعاد. فتنظيم الأمة لمواردها، وتنمية قدراتها، يجعلها قادرة على الحصول على احتياجاتها الذاتية، وهو ما يساعدها على مقاومة الإخلال بالأمن، أو اللجوء إلى العنف.
أدى مفهوم الأمن الوطني من منظور تنمية شاملة، إلى زيادة الفهم لمطالب وظروف الدول الفقيرة، وأن معالجة مشاكلها، تتطلب حلولاً اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية، من دون اللجوء إلى المغالاة في رفع القدرات العسكرية وحدها. وبذلك، تنجو تلك الأمم من الوقوع في براثن دائرة الغذاء والسلاح، والبعد عن ممارسة الأمن القمعي. ومن الغريب أن الدول النامية تتبنى اتجاهات الدول القوية في الأمن الوطني، وأدى ذلك إلى أن تصبح هذه الدول المستورد الرئيسي للسلاح، بينما تصبح الدول العظمى والكبرى، هي المُصَدِّرْ الرئيسي له.
الجبهة الداخلية الثغرة الأمنية الكبرى
موقف القوى الحزبية السودانية من تقرير مصير جنوب السودان:
من الحقائق المؤسفة والموثقة أن القوى الحزبية في الشمال قد إعترفت بتقرير المصير للجنوب وإستوت في ذلك القوى التقليدية والحديثة والأحزاب المنشقة عن الأحزاب التقليدية فيما عرف بأحزاب التوالي، كل هذه القوى قد نادت بتقرير المصير للجنوب خلافاً لإجماعها على رفض تقرير مبدأ التقرير إبان مؤتمر المائدة المستديرة بالخرطوم 1964م.
ففي عام 1994م عقدت إتفاقية شوقدوم ببين الحركة الشعبية وحزب الأمة تضمنت حق تقرير المصير وفي ذات العام أشارت مبادئ الإيقاد إلى حق تقرير المصير. وقد وقع التجمع الوطني في ذات فخ تقرير المصير عام 1995م ضمن إتفاقية أسمرا وقد تضمنت إتفاقية الخرطوم للسلام حق تقرير المصير في العام 1997م وكذلك إتفاقية فشودة مع رث الشلك في ذات العام 1997م.
في العام 2002 تحدثت إتفاقية مشاكوس عن حق تقرير المصير والذي تطور إلى إتفاق السلام الشامل.
مما سبق يتضح أن كل القوى السياسية حديثها وتقليديها ومعارضتها ومتواليها يمينها ويسارها، كل هذه القوى السياسية أقرت حق تقرير المصير لجنوب السودان ليظل السؤال الذي يطرح نفسه لماذا طرحت هذه القوى حق تقرير المصير ضمن إتفاقياتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان؟
هل الأمر كله في إطار المناورات السياسية؟ أم أن القوى الحزبية توصلت إلى حقيقة صعوبة إدارة مليون ميل مربع من منطلق دولة واحدة؟
مهما يكن من أمر فإن رفض مبدأ إعطاء الجنوب حق تقرير المصير في مؤتمر المائدة المستديرة بالخرطوم في العام 1964م يعكس وطنية القوى السياسية في ذلك الوقت ونضجها السياسي خلافاً لواقعها الآن الذي إتسم بالمناورة والمكاسب الآنية والكيد الحزبي والإستقطاب السياسي والتشظي والتشرذم والتمرد والعصيان داخل الحزب الواحد مما جعل القوى الحزبية مترددة في شأن الإستفتاء وتقرير المصير لجنوب السودان كما هو شأن الموقف من قضايا الوطن كأزمة دارفور وقضايا التحول الديمقراطي والحراك السياسي عموماً.
واقع الأحزاب السياسية:
ما يميز الأحزاب السياسية السودانية التقليدية سيما الشمالية منها الجذور الطائفية في تكوينها حيث تعود إلى بيوتات دينية معروفة في السودان واستندت على هذا الإرث الديني الذي عجزت في تحديثه وجعله مواكباً لمطلوبات العصر والواقع، كما عجزت في الابتعاد عن الشعارات الدينية حتى لا تفقد هويتها لتظل العلاقة بين الحزب والدين تكتنفها الضبابية، وما زاد الأمر سوءً هو استيعاب نخب علمانية ضمن الجسم الحزبي لدواعي التحديث مما ألقى بظلاله على الرؤية والرسالة الحزبية.
لقد ألقت الجذور التكوينية للقوى الحزبية التقليدية أيضاً بظلالها على الهيكلة التنظيمية للحزب، حيث تولت القيادات الطائفية أمر الحزب ولعقود من الزمان لتصبح سياسات الزعيم هي برامج الحزب مما ينعكس سلباً على الحراك السياسي العام بالبلاد.
يضاف إلى ما يميز الأحزاب التقليدية ما يعرف بدوائر الانتشار التقليدي والتي لا تستطيع تجاوزها وإحداث اختراق في مناطق نفوذ لأحزاب أخرى مما يؤثر على فاعلية هذه القوى الحزبية على الساحة السودانية.
فإن كان ما سبق يعبر عن واقع القوى الحزبية التقليدية التاريخية فإن واقع القوى الحديثة ليس بالأفضل، فهي أحزاب نخبة عجزت عن استقطاب الشارع السوداني واكتفت بممارسة أنشطة موسمية تعبر عن وجودها، وهي بذلك عاجزة بالطبع في أن تؤثر على مجريات الأحداث الكبرى مثل حق تقرير المصير وأزمة دارفور.
ما يقال عن القوى الحديثة الشمالية يمكن قوله على أحزاب جنوب السودان والتي استسلمت لإرادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بحكم مآلات ما بعد اتفاق السلام الذي أعطى الحركة الشعبية كل ما تريد وزيادة لتجد الأحزاب الجنوبية نفسها كالأيتام في موائد اللئام.
إقصاء الحركة الشعبية لتحرير السودان لبقية أحزاب الجنوب الأخرى وعدم تنسيق هذه القوى مع أحزاب الشمال قلل من إمكانية لعب الدور الفاعل في مواجهة قضايا السودان ومن بينها قضايا الاستفتاء وتقرير المصير.
أما عن الشريكين الحاكمين «حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان» فهما اللذان نبعت منهما مسودة تقرير المصير، وهما اللذان اعتمداها ضمن دستور جمهورية السودان الانتقالي، وهما اللذان يرجى منهما فعل الكثير لتحقيق وحدة السودان سواءً عن طريق دولة واحدة بنظامين كما هو الآن أو دولة كونفدرالية أو أي طرح من شأنه الحفاظ على السودان الموحد.
الانفصال وأثره على الحدود والمناطق الثلاث2:
المناطق الثلاث ضمن القنابل الموقوتة التي تنفجر في اي وقت فالاوضاع الخاصة التي حصلت عليها المناطق الثلاث (النيل الأزرق جنوب كردفان أبيي) في اتفاقية نيفاشا تجعل مآلات هذه المناطق عند اختيار الانفصال مناطق نزاعات وتوترات وشد وجذب وربما تتأثر بالأوضاع عن جيرانها الجدد وتسعى للتداخل معهم الأمر الذي قد يؤدي إلى هشاشة في الأوضاع الحدودية لاسيما وأن هذه المناطق قد ارتبطت بالجنوب عسكرياً لوجود عناصر كبيرة العدد من أبنائها ضمن الجيش الشعبي لتحرير السودان. وهؤلاء يمكن أن يصبحوا نواة لإحداث توتر في هذه المناطق بعد انتهاء أي علاقة شرعية بالجنوب وانتقالهم كعبء على شمال السودان الذي ينتمون إليه أصلاً.
من القنابل الموقوتة و المعضلات الكبيرة المتوقع الخلاف حولها ايضا الحدود بين البلدين، ورغم أن الاتفاقية والدستور قد حسمت الأمر بحدود (56) عند الاستقلال وهي حدود المديريات (بحر الغزال أعالي النيل) مع المديريات الشمالية المحاددة لها في ذلك الوقت (دارفور كردفان النيل الأزرق) إلا أن العلاقات المحددة كذلك قد طال عليها العهد والخلاف حولها وارد خصوصاً وأن المناطق المعنية أصبحت مصادر لثروات نفطية غنية وزراعية ومرعى للثروة الحيوانية. كما أن الحدود القديمة في البلد الواحد لم تمنع القبائل المتجاورة من التداخل في المرعى والتجارة وغيرها... ولابد أن الوضع بعد الانفصال لو حدث سيكون مختلفاً وأدعى لحد وث الاحتكاك.
تمثل المناطق الثلاث والحدود معضلات امنية كبري تحتاج الي المزيد من التدابير الحكيمة لمنع العودة الي مربع الحرب
تنويه:
ورقة قدمت في مؤتمر «قضايا ما بعد الاستفتاء»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.