الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات يعترف: فقدنا الأمل في امريكا
في ذكرى حرب أكتوبر 1973م المجيدة (4)

تعتبر حرب اكتوبر 1973م، من الحروب المهمة التي شهدها القرن العشرين ، لما احدثته من تبدلٍ حقيقيٍ في مفهوم الصراع المسلح الدولي والمحلي، وما احدثته من تغيرات في مفاهيم الاستراتيجية والتكتيك والتسليح، وقد تميز العقل العسكري العربي في هذه الحرب بالنضج الاستراتيجي مما مكنه من التخطيط السليم والتحضير والاعداد الممتاز والتقييد بكل المهنية والحرية العسكرية العالمية، مما ساعدهم في تطبيق كل فنون ومبادئ الحرب الحديثة، وتميز القادة والجنود في المعركة بالخبرة والمهارة في استخدام الاسلحة المعقدة ذات التقنية العالية. و بناء على ذلك تداعى الخبراء والمنظرون العسكريون والسياسيون اصحاب الفكر العسكري من الشرق والغرب لدراستها واستخلاص الدروس المستفادة منها وما احدثته من تغييرات في المفاهيم الاستراتيجية العسكرية. بالرغم من مرور سبعة وثلاثين عاما على هذه الحرب، فما زالت هدفا للاقلام الفكرية العسكرية والسياسية، ما زالت الايام تكشف كل يوم عن خفايا واسرار هذه الحرب، مما جعلها مادة عسكرية وسياسية تجدد كل يوم ومع مرور الزمن.
10- ان اسرائيل لا تتحمل هزيمة واحدة، لأن هزيمة واحدة تغني فشل المشروع الاسرائيلي كله، لأن هذه الهزيمة سوف تضع اليهود وغيرهم والمقيمين في اسرائيل والذين يحركون اسرائيل وهذا المشروع تجاه مصالحهم، والقوة الدولية الواقفة وراء هذا المشروع، تضعهم جميعاً بأنه ليس هنالك أمل، ومن شأن ذلك ان يحولهم يحملون أمتعتهم ويخرجون من اسرائيل أي من حيث أتوا. وبالمقابل العرب يستطيعون أن يتحملوا هزائم، لانهم ثابتون في الارض، ولان جذرهم ضاربة وممتدة في أعماق التاريخ ولأنهم في أرضهم وفي اوطانهم وانهم ليسوا مغتصبين لأية حاجة - فالتاريخ والثقافة والحضارة معهم والموقع ملكهم - وعددهم يفوق (200) مليون نسمة، بينما تعداد اسرائيل لا يتعدى ال(4) مليون نسمة (عام 1973). فهنا الموازين مختلفة، موازين الجغرافيا والتاريخ الديمغرافيا، هنالك طرف لا يتحمل ضربة واحدة، والطرف الثاني، العرب قادرون على التحمل، ولكن متخذ القرار العربي والمصري أمام تحدي في ميدان القتال لا يقبل الخسارة الرابعة. وانه لا مجال للفشل، بعد الفشل الذي حدث في عام 1967م والذي مازال جرحه غائراً في كيان الأمة. وعليه لا يمكن اضاعة الفرصة القائمة، فهنالك جهد ضخم بذله الشعب العربي والمصري والسوري، وهنالك جهد وموارد واعصاب بذلته الامة العربية، وتعاطف معه العالم وبنى مواقع ومواقف وسياسات وطرق لم يعد اذا فاتت هذه الفرصة فقد اصبح بمنتهى الصعوبة تعويض على الذي بذل فيه. فالمعركة لابد ان تنجح لان الموقف الدولي سوف يتغير، وان المعادلة الدولية الموجودة والحاكمة على القمة، تسمح بالمد بالسلاح الذي سوف تتقاتل به الامة العربية اسرائيل، وهو مدد لا يمكن ان يجئ إلا من الظروف التي كانت متاحة وقتها وهي القوى السوفياتية في واقع الامر، وان فقد هذا المورد الروسي للسلاح يعني فقد فرصة الحرب والقتال. ومن الواضح في ذلك الوقت ان الحرب الباردة ارهقت كل القوى وانها مقبلة على نوع في نهايتها، وان التجربة السوفياتية تواجه أزمات، والموقف هكذا كان لابد من القتال في ظرف ما بقى في هذا التوتر الدولي على القمة. فكل هذه الاسباب قد تجعل ان التأكد من أي عمل مقبل وعلى هذا النطاق وبهذه التضحيات قد اكتملت له كل وسائله. وكل الطرق القادمة وفي كل الاتجاهات تؤدي إلى معركة، معركة تخاض والذين يخوضونها يشعرون أن فرص النجاح كلها موجودة ومتوفرة وانه ليس هنالك بدائل، ولا شيء غير النجاح. وهنالك ايضاً شيء آخر مهم كانت تتبناه الاستراتيجية المصرية، هو رفع درجة الصراع لحظة القتال وقبله وبعده، وفي المستوى المحلي العربي القومي إلى مستوى معركة عربية اسرائيلية إلى مستوى توتر دولي خطير تتحرك له موازين أكبر من الصراع العربي الاسرائيلي، لكنها تساعده بجو التوتر الذي تشيعه. اذن المطلوب ان يدور القتال في ظروف فيها تأهب دولي على الاقل، وان المعركة ليست متروكة فقط لموازين محلية على الارض في هذا الشريط عبر قناة السويس، بل ان هذه المعركة التي سوف تدور على هذا الشريط سوف تؤثر في مصائر العالم والحرب الباردة الدائرة في ذلك الوقت. وان العالم يجب ان يكون حاضراً بكل اهتماماته وقلقه. وان انظار العالم كله يجب ان تنتبه لهذا الصراع وخطورته على مستقبل العالم، لأنه يدور في منطقة استراتيجية حيوية تمثل قلب العالم لعوامل (جيوبولتيك) (وجيوسياسي) واقتصادي، ولأن أكبر قوتين في العالم موجودتان في المنطقة في مصر واسرائيل وسوريا والبحر الأبيض المتوسط. وان الوجود السوفيتي المكثف في مصر أحدث تغييراً استراتيجياً في منتهى الاهمية لانه دعا الولايات المتحدة إلى انها تطل بنظرة أخرى تماماً مختلفة على الاقل رفع درجة تنبهها إلى الازمة، ورفع درجة تنبهها إلى الخطر، ورفع درجة تنبهها الى الموازين القلقة، خصوصاً في لحظة كانت امريكا تبحث فيها عن حل لمشكلة ڤيتنام.
11- بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وخلفه على رئاسة مصر السادات في 1970/9/29م، وان انتقال السلطة هذه أرخى بظلاله على الوضع السياسي والعسكري بما يشبه الانقلاب على الافكار التي كانت سائدة في السنوات الاخيرة لرئاسة ناصر، وترى الآن حسابات عسكرية وسياسية جديدة أخرت معها ساعة ولحظة العبور والمعركة التي بذل لها على الجهد المصري والعربي والعالمي. وولجت مصر عصر تميز أوله بالصراع على السلطة بين القوى الناصرية واليسار وقوى اليمين، وكانت قوى اليسار والقوة الناصرية ترى ان تمضي السياسة المصرية في الاستراتيجية التي بناها عبد الناصر وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي ومعركة العبور والصداقة مع روسيا، بينما يرى ويتبنى الفريق الآخر والذي يمثل اليمين المصري، التعاون مع امريكا للوصول إلى حل سلمي لمشكلة الشرق الاوسط والرئيس السادات كان يؤيد هؤلاء. ولكن تحت ضغط مظاهرات الطلاب، والمذكرة التي تم رفعها بواسطة بعض الضباط الاحرار القدامى والذين اشتركوا في قيادة الثورة المصرية عام 1952م، أمثال زكريا محي الدين، كمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم وباسم (الجبهة الوطنية المصرية). اثناء هذه المواجهات اضطر السادات إلى الميل نحو تحسين العلاقات مع روسيا، واضطر لاختيار حلفاء للروس في مناصب قيادية في الدولة والاتحاد الاشتراكي العربي (الحزب الحاكم في ذلك الوقت)، وفي هذه الفترة كانت السلطة الحقيقية في أيدي هؤلاء، وان دور الرئيس كان محجماً. وذهب الصراع إلى آخر مدى لدرجة ان فكر هؤلاء على خلع السادات من الحكم في انقلاب أبيض، ولكن السادات في اللحظات الاخيرة فاجأهم وأمسك بما يسمى (بمراكز القوى) في حركة تصحيحية.. ذهبت على آثارها كل مراكز القوى إلى السجون في 1971/5/15م وتم تعيين مجموعات أخرى لقيادة مصر وتم عزل الفريق/ محمد فوزي وزير الحربية ومخطط ومهندس العبور في عهد ناصر. وتم تعيين رئيس الاركان الفريق/ محمد أحمد صادق وزيراً للحربية، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيساً للاركان، والفريق/ أحمد اسماعيل مديراً لجهاز المخابرات العامة وكان ذلك في 1971/5/16م. كلفت القيادة العسكرية الجديدة بالاستمرار في اعداد القوات المسلحة المصرية للحرب وفي نفس الوقت بدأت القيادة السياسية في البحث عن حلول سلمية للأزمة مع جهات عالمية وخاصة امريكا، وهذا التوجه كانت تدعمه فئات سياسية وعامة، كانت لا تريد الحرب مع اسرائيل وتفضل الحل السلمي، ولكن الرئيس السادات في كل خطبه ولقاءاته كان ينادي بالحرب، وان عام 1971م هو عام الحسم العسكري، ومن الواضح ان القيادة السياسية المصرية بقيادة السادات كانت تسير في اتجاهين في نفس الوقت كانت تعمل للحرب وتعمل للحل السلمي، وان غلب تيار الحل السلمي في سنوات 71 و1972م. وفي هذه الفترة تم تقديم بعض العروض السلمية، منها انسحاب جزء اسرائيلي من سيناء وفتح قناة السويس مقابل معاهدة سلام بين مصر واسرائيل، وتم رفض المقترح من قبل القيادة السياسية. واستمر التخطيط واعادة الخطط من جانب القيادة العسكرية الجديدة، وكانت الخطة (200) للفريق/ محمد أحمد صادق وزير الحربية والتي تقضي بعبور القناة وتدمير خط بارليف وتحرير سيناء والوصول إلى المضايق، وأعقبها خطة الفريق سعد الدين الشاذلي كالآتي: سميت الخطة (المآذن العالية) وتقضي بعبور المانع المائي على القتال وتدمير خط بارليف والتمركز شرق القناة في عمق 10-12كم تحت حماية مظلة الصواريخ في الجانب الغربي والتحرك في الجانب الشرقي، ومن ثم ادارة معركة دفاعية طويلة الأمد مع العدو الاسرائيلي، فهي بالتالي خطة محدودة لا تستهدف تحرير الارض، انما جذب العدو في معارك دفاعية طويلة لتحقيق الآتي:
1- عدم قدرة اسرائيل على تحمل خسائر بشرية كبيرة.
2- اطالة مدة الحرب، وهذا يؤثر على الوضع الداخلي الاسرائيلي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي وخاصة ان 18% من القوة البشرية الاسرائيلية تشترك في القتال.
3- حرمان العدو من أهم مميزاته في خفة الحركة والمرونة والحرب الخاطفة، والضرب في الاجناب، وخاصة ان الدفاع المصري يرتكز في الشمال على البحر الأبيض في الجنوب على خليج السويس وغرباً على قناة السويس، اذن ليس هنالك اجناب أو مؤخرة يمكن أن يؤثر عليها الاسرائيليون.
4- قدرة القوات المصرية على الدفاع تحت مظلة الصواريخ أيضاً تحرم العدو من ميزة الاتصال والتنسيق بين الطيران والدبابات، فالعدو الاسرائيلي يستخدم في تكتيكاته ومناوراته لا مركزية الطيران، بحيث يكون الطيران في الاسناد المباشر والطلب المباشر في مستوى فصيلة الدبابات.
5- الارض ليست له الاسبقية، الاسبقية لتدمير العدو وكسر شوكة قوته وهزيمته، ومن ثم تكون الارض قد حررت تلقائياً.
6- تحريك حائط الصواريخ إلى الامام تجاه القناة إلى الحافة الغربية للقناة، ومن شأن هذا السماح بنقل الدفاع الموجود شرق القناة التحرك إلى الأمام تحت مدى الصواريخ التي تم تقديمها، والتي تكون قد قدمت عمقاً أكبر.
من الواضح ان الخطة في مجملها لا تختلف كثيراً عن الخطة (فرنيت1) التي تم اقرارها في عهد الرئيس عبد الناصر، ولكنها تختلف عن خطة الفريق صادق (200)، باعتبار ان خطة صادق خطة شاملة هدفها تحرير كل سيناء حتى المضايق، وهذه تحتاج إلى امكانيات عالية لا يمكن تحقيقها في المنظور القريب بالمقارنة مع الامكانيات الاسرائيلية. واما خطة الفريق الشاذلي (المآذن العالية) فهي خطة محدودة وتتناسب مع الامكانيات المصرية وتحقق الاهداف الاستراتيجية لاحقاً. ولكن في يوم (6 يونيو 1972م) دعا الرئيس السادات إلى مؤتمر في مقره بالقناطر الخيرية، دعى له كل من وزير الحربية ورئيس الاركان ومدير المخابرات العامة الفريق أحمد اسماعيل وآخرون من العسكريين، وفي هذا المؤتمر قدم مدير المخابرات العامة تقريراً أمنياً، يشير فيه على عدم قدرة القوات المصرية بالقيام بحرب في الوقت الحالي، لأنها غير مؤهلة لذلك مقارنة بالامكانيات العالية التي يتمتع بها الجيش الاسرائيلي، وخاصة وان القوات الجوية المصرية لم تكن متوازنة مع القوى الجوية الاسرائيلية، وانه يقترح تأجيل العمليات لحين اكتمال بناء القدرات القتالية لتكون متوازنة مع القدرات الاسرائيلية، وأيده في هذا الاتجاه وزير الحربية محمد أحمد صادق. في الجانب الآخر من المؤتمرين كان رئيس الاركان الفريق الشاذلي ونائب قائد سلاح الطيران، يرون ان الامكانيات الحالية تكفي للقيام بمعركة محدودة وبالامكانيات المتوفرة، وانه بالامكان تحقيق الاهداف الاستراتيجية، وان الانتظار لتحقيق التوازن العسكري مع اسرائيل لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب وربما البعيد. ولم يتخذ قرار في الأمر من جانب الرئيس السادات، والذي كان واضحاً انه لا يرغب في الحرب على الأقل الآن عام 1972م. وفي (26 أكتوبر 1972م) تمت اقالة الفريق محمد أحمد صادق من وزارة الحربية وأسندت المهمة للفريق أحمد اسماعيل ليصبح وزير الحربية، وبحجة ان الفريق محمد أحمد صادق لا يرغب في الحرب، وهذا بالطبع غير صحيح لأن الفريق أحمد اسماعيل كان هو الآخر لا يرغب في الحرب، ولكن السادات كان يهدف إلى تقريب الفريق أحمد اسماعيل لتحقيق أهدافه وآرائه السياسية عبر وزارة الدفاع - وحتى يكون هو الممسك الفعلي بزمام المؤسسة العسكرية المصرية - على أن هنالك خلافات سابقة وعميقة بين وزير الحربية ورئيس الاركان وان هنالك خلافاً فكرياً عسكرياً بين الاثنين، كان من الواجب وضعه في الاعتبار حتى لا يؤثر في سير التخطيط والمعركة - وبالفعل وفيما بعد حدث الخلاف في الرأي والافكار مما أدى إلى هزيمة الثغرة.
12- في 18 يوليو 1972م أصدر الرئيس السادات قراراً يقضي بطرد المستشارين والخبراء والأفراد العسكريين الروس من مصر. وكانت مبررات الطرد عدم تنفيذ الروس للاتفاقيات معهم، وان هنالك خلافاً حول النظرة العالمية لمشكلة الشرق الاوسط، الروس يرونها مشكلة عالمية والمصريون أو السادات يراها مشكلة اقليمية، وثالثاً ان الروس لم يضعوا اعتباراً للوضع النفسي والسيكولوجي للشعب المصري في تعاملهم معه. ولكن هنالك من يقول من (المراقبين والمتابعين للشأن المصري) ان هنالك اتفاقاً سرياً بين امريكا ومصر بطرد الروس مقابل تحسين العلاقات بين امريكا ومصر وايجاد تسوية سلمية لمشكلة النزاع العربي الاسرائيلي والاسرائيلي المصري. وثانياً: السادات يريد اعلان الحرب على اسرائيل، لهذا فإن طرد الخبراء والعسكريين الروس يحرم الاسرائيليين من القول ان الروس يحاربونهم. وبالتالي هناك فرصة مناسبة للحكومة الامريكية وللشعب الامريكي والرأي العام، ليقللوا من تأييد اسرائيل. وبالفعل وفي يوم 5 اكتوبر 1972م تم تنفيذ القرار وتم اجلاء الروس جواً إلى روسيا وكانت أعدادهم كالآتي:-
أ- ألف مستشار وخبير.
ب- 6 ألف فرد عسكري، دفاع جوي وطيارين وفنيين.
ج- 750 عائلة.
د- تبقى القليل لادارة صواريخ (اسكود).
وهذا القرار بالطبع أثر على جاهزية القوات المصرية للحرب للنقص الذي طرأ، على الكوادر الفنية في الدفاع الجوي والطيران مما استلزم العمل سريعاً وبكثافة لتعويض النقص بالتدريب المكثف.
13- في الأول من يناير 1973م اندلعت المظاهرات في الجامعات المصرية، مستفيدة من سقف الحريات الذي أعطى، للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين واحترام حقوق الانسان مع تقديم أدلة بان الاستعداد للحرب ضد اسرائيل يجري حقيقة وليس مجرد كلام. وأعقب ذلك مذكرة المثقفين في (1973/1/22م) والتي تقدم بها حوالي الاربعين من الكتاب المصريين، ذكروا فيها ان مظاهرات الطلاب ليست فعل أقلية (كما كان يقول السادات في خطبه) ولكنها تعبر عن تذمر كل قطاعات الشعب المصري، وكان من بين هؤلاء المثقفين: توفيق الحكيم - لويس عوض - لطفي الخولي - يوسف السباعي. وتعتبر هذه المذكرة نادرة من نوعها لأن الذين وقعوا عليها ينتمون إلى كل التيارات الفكرية والفلسفية، ولأن بعضهم من أكثر الادباء والكتاب احتراماً في مصر. وبناءً على هذا الحراك الداخلي اعترف السادات بأنه فقد كل الامل في امريكا، وانه ما عاد يتوقع حلاً سلمياً، وانتقد السلوك السياسي لبعض الدول العربية وقال انها لا تهدد المصالح في المنطقة، بل العكس تعمل على ازدهار هذه المصالح. نتيجة لمذكرة المثقفين وضغط الطلاب، والضغط الداخلي عموماً، تحت شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأصبحت القوات المسلحة في جاهزية تؤهلها لتنفيذ المهام المحددة في الخطة، وان القيادة العسكرية جاهزة للمعركة، وكل الطرق وعبر كل الاتجاهات تؤدي الآن إلى المعركة فهنالك اجماع وطني مصري وعربي على حتمية المعركة بعد فشل الجهود التي تؤدي إلى السلم، وهنالك قوات مسلحة اكملت الجاهزية للمعركة، بناءاً على ذلك أمنت القيادة السياسية على حتمية المعركة، صدرت الاوامر للقوات المسلحة بالبدء في العد التنازلي حتى ساعة السفر (سعت س).
وفي مارس 1973م، تم تكليف القيادة العسكرية بوضع خطة (اضافة لخطة المآذن العالية) تهدف إلى الوصول إلى المضايق مرحلة ثانية. وذلك حتى يتمكن السوريون من الاشتراك في الحرب بالتنسيق مع القوات المصرية. عارضت هيئة الاركان برئاسة الفريق الشاذلي مبدأ الفكرة، إذ ان تنفيذ هذه الخطة يعني القتال في عمق سيناء وخارج مظلة الصواريخ، وان القوات المتقدمة نحو المضايق (50كم) سوف تكون هدفاً سهلاً للطيران المعادي ودباباته، مما يعرض القوة المتقدمة إلى التدمير. وهذا ما حدث بالضبط عندما بدأ تنفيذ هذه الخطة لاحقاً. وأخيراً اعتبر الأمر قراراً سياسياً غير قابل للنقاش وواجب التنفيذ، وبناءاً على ذلك وضع الخطة (بدر الكبرى) وانها غير قابلة للتنفيذ كما ذكر للقيادة السياسية، وتم عرض الخطة على الروس حتى تستطيع مصر الحصول على أكبر قدر من السلاح الروسي لتغطية هذه الخطة والتي تهدف لتحرير كل سيناء. ثم عرض الخطة على السوريين وبدأ التنسيق بين الجانبين بزيارات متبادلة وفي 1973/8/21م التقت القيادات العسكرية السورية والمصرية سراً في القاهرة لوضع الترتيبات شبه النهائية للمعركة وتم اختيار وزير الحربية الفريق أحمد اسماعيل قائداً عاماً للجبهة المصرية والسورية مع وضع رسائل وآليات التنسيق، كما تم تحديد توقيت المعركة ما بين الأيام (5-11 سبتمبر 73) أو أيام (5-12 اكتوبر 73). ولاحقاً تم استبعاد التوقيت الأول (5-11 سبتمبر) على أن يكون توقيت (5-12) أكتوبر هو توقيت بدأ القتال. في أيام (3-4 اكتوبر 1973) قام الفريق أحمد اسماعيل بزيارة أخيرة إلى سوريا للتنسيق النهائي وتم الاتفاق على ان يكون يوم 6 اكتوبر 1973م هو تاريخ بدأ القتال، وحتى هذه اللحظة لم تحدد ساعة القتال، إذ يرى السوريون ان تكون في الساعات الأولى لصباح يوم 6 اكتوبر، بينما يرى الجانب المصري الساعة الثانية ظهرا يوم 6 اكتوبر لارتباط هذا التوقيت بعمليات المد والجزر وللاستفادة من ساتر الظلام لاتمام بناء الكباري وعبور الآليات والقوات شرقاً بعيداً عن تدخل قوات العدو. وأخيراً اتفق الجانبان على هذا التوقيت الأخير (الثانية وخمس دقائق ظهراً (سعت 1405) في يوم 6 اكتوبر 1973) ومن هنا بدأ قطار الحرب يتحرك ويجري على القضبان بأقصى سرعة، وبدأ العد التنازلي للمعركة وأصبحنا أمام لحظة تاريخية مهمة في حياة الشعوب العربية والاسلامية.
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.