عقارب الساعة تنطلق بسرعة لتعلن عن بدء عملية الاستفتاء على حق تقرير المصير عند الثامنة من صباح اليوم الاحد لتضع بذلك مرحلة جديدة من تاريخ السودان الذي لم ينعم منذ استقلاله بالاستقرار . وهاهي مفوضية استفتاء الجنوب اكملت عمليات توزيع بطاقات الاقتراع وحددت المراكز كما ان الشرطة انتشرت تماما لتأمين العملية ،وانتظم المراقبون المحليون والاجانب لمراقبة العملية واستعد الاعلاميون الذين جاءوا من اقطار العالم لنقل الحدث . وهاهي جوبا تختتم امس الاول حملاتها الدعائية لخيارات الاستفتاء بمسيرة قادها الالاف وطافت شوارع جوبا وهي تلوح باليد الواحد ويرددون باي باي ليؤكدوا انهم حسموا خيارهم بالتصويت للاستفتاء ويحثوا المتردديين لاختيار ذات الخيار . جوبا تحتضن العالم: احتضنت مدينة جوبا جميع جنسيات العالم وتحولت لعالم مصغر التقى فيه الشرق بالغرب والافريقي بالعربي والاجنبي باللاتيني والمسلم بالمسيحي والاثني وتلاقت اللغات العربية والانجليزية والفرنسية والصينية وحتى الهندية ،وفتح الباب واسعا امام التعارف والتواصل والوقوف على ثقافات الدول المختلفة . «الصحافة « رصدت احد الاعلاميين من متحدثي اللغة الانجليزية يطرح على زميله صاحب اللغة العربية وهو من السودانيين ان يتبادلا التعاون في تعلم لغتي بعضهمها ودفع الاول بعض الكلمات المتعلقة بالحياة اليومية لترجمتها للعربية حتى يستطيع التعامل بها مع المواطن العادي في الجنوب لاسيما وان فترة اقامتهم ستطول ولابد من لغة اتصال مباشرة مع المواطن البسيط، كما ان الاخير ايضا بدوره دفع بعدد من الكلمات لتعلمها بالانجليزية حتى يسهل له التعامل مع الوافدين، ويبدو ان الاثنين وفي فترة ربع ساعة فقط خرجا بقدر معقول من الكلمات . عملات صعبة مايفوق الثلاثمائة وخمسين اعلاميا عالميا واقليميا ومايتجاوز الالفي مراقب اجنبي وصلوا جوبا واستقروا بفنادق جوبا ورفعوا من اسعارها فقد بلغ المتوسط للغرفة الواحدة في احد الفنادق الضخمة مبلغ 7500 دولار للشهر، كما ان الاجانب ادخلوا لجوبا عملات صعبة كانت تفتقدها الاخيرة ومؤخرا كانت تحتج على تحويل ايراداتها من البترول بالعملة المحلية ، والتحويلات التي تتم بشكل يومي من قبل الوافدين جعلت بعض الصرافات تتجه لمد فترة عملها . كما ان اسواق جوبا شهدت حراكا ضخما وارتفاعا في الاسعار وكثر الاقبال على المياه المعدنية حتى ان احدهم قد تكهن بان ما يستهلك من المياه في اليوم قد يفوق المليون برميل ، كما ان شركات الاتصالات كان لها القدح المعلى في زيادة ايراداتها في زمن الاستفتاء . حفلات ليلية الاوضاع في جوبا طبيعية تماما والامن مستتب والناس يمضون في حياتهم العادية كما ان الفنادق تفننت في الاستقطاب فدرج بعضهم علي احياء الحفلات الليلية عبر الفرق الارترية التي تحاول ارضاء الجميع مع التركيز على التراث الشعبي الارتري والغناء السوداني الي جانب ترديد اغاني عربية واجنبية واحيانا تمد الحفلات للساعة الثانية صباحا . بناء وتعمير جوبا الان تستعد للاحتفال باستقلالها فكل المؤشرات تقطع بالانفصال وميلاد دولة جديدة بعد اسبوعين ، الا ان ذلك لم يؤثر على معظم الشماليين الموجودين بالجنوب والذين يقطن بعضهم في حي يطلق عليه «حي جلابة « وبمقارنة سريعة مابين الجنوبيين في الشمال والجنوبيين بالجنوب نجد ان الجنوبيين حزموا امتعتهم وبعضهم باعوا منازلهم في هجرة عكسية لدولتهم الجديدة، اما الشماليون بالجنوب فنجد ان معظمهم لم يبد رغبة في العودة رغم التخوفات والتكهنات بشأن وضعهم ،فبعضهم ورغم ان الاستفتاء بات قاب قوسين او ادنى بدأ في عمليات ترميم وتأهيل لمنازلهم بالاقليم وتجدهم منتشرين في المدينة واسواقها ومطاعمها الشعبية وحول ستات الشاي ضاربين عرض الحائط بكل مايثار من تكهنات . البودا بودا البودا بودا وسيلة مواصلات يستقلها معظم المواطنين بجوبا وخاصة النساء وهي الدراجة البخارية «الموتر « الي جانب الهايس الا ان البودا بودا يمثل اخطر وسيلة مواصلات فيوميا ماتجد في المتوسط حوادث نتيجة لتلك الوسيلة واحدهم اطلق عليه وسيلة الموت . والبودا بمثابة تاكسي مقارنة بالخرطوم فهو الوحيد من وسائل المواصلات التي تدخل لكافة المناطق بجوبا والتي لاتصلها الهايسات مما يضطر بعضهم لاستقلاله كما ان مدينة جوبا تعج بالعربات الفارهة ولكن معظمها يحمل «دركسون يمين « رغم ان الشارع يمين ايضا وبعضهم رجح حال الانفصال ان تكون الطرقات بذات النظام اليوغندي بالشمال ، وتخلو جوبا تماما من التكاسي والامجادات كما ان وجود الركشات بها يكاد لايذكر . ويري مواطن جنوبي تحدث ل «الصحافة « ان حوادث البودا بودا تزايدت بسبب فرح الجنوبيين بقدوم الاستفتاء، وقال ان الفرح اعمى عيونهم وحيكون في موت يوم النتيجة بسبب الفرح بالحرية . ساعة الاستفتاء الساعة المنصوبة اعلى صينية جوبا والتي تحدد بالايام والساعات والثواني موعد عملية الاقتراع للاستفتاء وبعد 36 ساعة توقفت الساعة في احدى جوانبها وتحولت لاصفار واستعجلت موعد الاستفتاء اما من الناحية الاخرى فقد اخرت العملية لمدة يومين بابراز قرارات خاطئة وذلك في ظهر الامس رغم انها في صباح ذات اليوم اعطت قرارات صحيحة سجلها البروفسور الطيب زين العابدين وهو في طريقه للمطار للعودة للخرطوم بعد رحلة قصيرة لجوبا وحددت بان ما تبقى للاستفتاء يوم و36 ساعة و2353 دقيقة ويبدو ان الساعة سمعت تعليق الرجل بان مهمتها ستنتهى ببدء الاقتراع اليوم وابدت احتجاجا وربما تريد ان تمثل رمزا بارزا خاصة وانها لعبت دورا مفصليا في تاريخ السودان . وتحمل الساعة التي صممت في شكل صندوق مربع خارطة لجنوب السودان فقط الي جانب رسمة ليدين مقيدتين . للنيل قصة ما ان يشقشق الصباح حتي تمتلئ اطراف النيل الممتد علي حد البصر بالاطفال والصبيان يلهون ويصطادون السمك وتعلو ضحكات تملأ المكان فيبدو ان هذا ديدنهم فهم لهم قصة مع النيل الذي يحملونه تمنياتهم في ايجاد مستقبل افضل بعيدا عن صوت البندقية وفوهات البنادق وبعيدا عن مرارات الماضي وان يتركوا ليعيشوا حياتهم بتجربتهم الخاصة دون ان يجبروا على حمل مورثات الماضي . جوبا مالك عليا التكهنات والشائعات حول الاستفتاء لم تقف حجر عثرة امام الفرح بجوبا فهاهي سيارة فارهة بيضاء مزينة بزهور البنفسج تتمايل في طرقات جوبا لتعلن ميلاد حياة جديدة لاثنين من ابناء الجنوب تم بينهما رباط قوي واخران يتمشيان على شوراع جوبا في ليل مقمر ايديهما متشابكة في حميمية ويخططان لمستقبل واعد.