500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغيير اسم (السّودان) تزييف للتّاريخ النّاصع!
السّودان: الوحدة الوطنيّة بين المدّ والجزر
نشر في الصحافة يوم 11 - 01 - 2011

لقد أحزنني جداً، ما آلت إليه الأمور في البلاد مؤخراً، من توتّر وانقسام، وأظن أنّ غيري من بني وطني كذلك قد أحزنه الشّيء نفسه، في الوقت الذي كنّا نؤمّل أن تصمد وحدتنا الوطنيّة، قويّةً ومنيعةً ، في وجه العواصف والأعاصير التي تواجهها الآن، وتلك التي ستواجهها،حتماً، في المستقبل.
كنّا نؤمّل أيضاً، في أن يكون السّودان، هذا البلد الكبير المترامي الأطراف، مركزاً للإشعاع الثّقافي والتّلاقح الحضاري، وجسراً للتّواصل الإنساني، والتّعاون الدّولي، وتبادل الخبرات، والتّجارب والمعارف مع الشّعوب الأخرى في العالم، وملتقىً للمبدعين من كلّ لون وجنس.
ولكن السّودان اليوم، قد أضحى قاب قوسين أو أدنى، من الانفصال بين الشّمال والجنوب، على الرّغم من الجهود المبذولة والمتواصلة، لردم الهوّة السّحيقة بين أبناء الوطن الواحد، واصلاح ذات البين، وتعزيز الوحدة الوطنيّة، مهما كلّف ذلك من ثمن، لتقف الدّولة الواحدة الموحّدة ،قويةً و منيعةً، في و جه الاستكبار الدّولي والنّظام العالمي الجديد.
إنّ الصّراعات المريرة، التي نشبت في الماضي البعيد، والمشكلات القائمة في الوقت الحاضر، بدعاوى غير مبرّرة على الإطلاق، فضلاً عن التّرسبات و التّراكمات القديمة والموروثة قد أدّت، في النّهاية، إلى هذه المحصّلة الكارثيّة، ألا وهي انفصال الجنوب عن الشّمال! مع أنّ الفرصة كانت مؤاتية لإيجاد الحلول الجذريّة لمثل هذه الصّراعات والمشكلات، لو كان المسؤولون المعنيون بها، في ذلك الوقت، قد أداروها بحكمة وحنكة. ولكن، للأسف الشّديد، أنّ شيئاً من ذلك لم يحدث. فبدلاً من أ يحافظوا على وحدة الأرض والتّراب، كانوا يسعون حثيثاً لتقسيم هذا البلد الكبير إلى دولتين - واحدة في الشمال، و الأخرى في الجنوب.
ظنّ البعض أنّ الوحدة آتية، لا محالة، بعد الانفصال.. ولكن هيهات .. هيهات أن يكون ذلك، مع بوادر التّشرنق والتّشرذم، والاتكاءة على التّاريخ المزيف، والمجد الأثيل المفقود، للوطن المغدور!! وصار الآخر يتباكى بحسرة شديدة على اللّبن المسكوب، ويلقي باللائمة على الإنجليز، الذين أضافوا الجنوب إلى الشّمال، في فترة الاستعمار، وعلى الشّريكين في حكومة الوحدة الوطنيّة، لأنّهما قد استعجلا تسوية الأمور بهذه الطّريقة المذلّة والمهينة للشّعب السّوداني الأبي الكريم.
و لهؤلاء المتباكين أقول:
مالكم تبكون في حرقة والتياع
وطناً قد صاراليوم رهن الضّياع
وتبحثون عن مجد أثيل قد تلاشى
كما يفعل في فلسطين أبناء الأفاعي
ما لكم، بربكم ، تتباكون يا هؤلاء، وما لكم تتأخّرون بينما يتقدّم الآخرون، و تمشون القهقرى على أعقابكم كلّ يوم، وإلى وراء الوراء تصيرون ؟!
ينزع العالم، في الوقت الحاضر، إلى الوحدة والتّكتّل، و مثال لذلك، الاتحاد الأوروبي، ونمور آسيا، إلاّ نحن، ظللنا نؤثر الانقسام والتّشتّت، و نعمل، بكتاباتنا السّمجة، تخريباً في لحمة (بضم اللاّم) الوحدة الوطنيّة، وننخر، مثل السّوس، في خشب الهوية السّودانية، والمواطنة الحقّة، وهي هويتنا قبل كلّ شيء آخر!!
إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية، وهي القوّة العظمى في العالم اليوم، وصاحبة العصا الغليظة، ما كانت لتصل إلى ما قد وصلت إليه اليوم، إلا بعد خروجها من حرب أهليّة شرسة، وطويلة الأمد. إذ توحدّت،في إثرها، الولايات الكونفدرالية المختلفة، في دولة واحدة قوية عظمى، و تم وضع دستور اتحادي قوي،محكم ودقيق، وكذلك تأسيس نظام سياسي رئاسي يحتذى به في بقية أنحاء العالم.
يتقدم العالم، يتطوّر ويرتقي،إلاّ نحن، نظل نراوح مكاننا، متخلفين عن ركب الحضارة والتّقدم، نتعاور ونتفاحش، ونتساور،بكلّ قوة عين، بخاصة أولئك النّفر من متشرذمة هذا الزّمان، القدّاحين في الوحدة الوطنيّة، والرّامين إلى تمزيق الوطن، وتقسيمه إلى دويلات. و هناك بعض ممن يرون ضرورة تغيير اسم السّودان ذاته، إذا حدث الانفصال بالفعل، بدعوى أنّ هذا الاسم قد ارتبط باللون الأسود ؟! و يقترح الآخر وبإلحاح شديد أن تسمّى دولة الشّمال، بعد الانفصال، ب «دولة بني يعرب»، و هذه تشمل، بالطبع، المثلّث العربي الإسلامي، الذي اقترحه من قبل، الخبيرالاقتصادي المعروف ووزير المالية السّودانيّة الأسبق، السيّد (عبد الرّحيم حمدي)، أسوةً بدولة «بني الأسود» في الجنوب. و من يدري ما قد يسفر في الغد، إذا استمر التّشرنق والتّشرذم إلى أقصى مدى، فقد تنشأ دولة «بني الأزرق» في غرب السّودان، هذا إذا ما قرّر حملة السّلاح من أبناء درافور رفع سقف المطالب إلى «حق تقرير المصير»، و دولة «بني الأحمر» في شرق السّودان، ودولة «الخلاسيين» في الوسط، إن بقي هناك ثمة وسط !. و يا لهول الكارثة، فقد يضحي الوطن، بين عشيّة وضحاها، ممزّقاً و مقسماً مثل «كوم المرارة» كما قال الشّاعر السّوداني الرّاحل(علي عبد القيوم) ذات يوم، في قصيدته التي بعنوان: «ووطنا يا سجم رماده» !! قل لي بربّك، ماذا يضيرنا أن يكون لون بشرتنا أسودَ؟ وهب أنّنا نجحنا في تغيير اسم (السّودان) لأي اسم آخر، فهل يعني ذلك أنّنا سننجح في تغيير لون بشرتنا أو أدمتنا انسجاماً مع الاسم الجديد؟! إنّ اختلاف ألوان البشرة و الألسن، لا و لن يفسد للوحدة الوطنيّة قضيّة، و لكن سواد القلوب، وخبث الطّوايا وسوء النّيات هي التي تركت في النفوس ترسبات وتراكمات، و جراحاً عميقةً و غائرة تحتاج لمزيد من الحكمة والحنكة السّياسية، وإلى تسامح المتسامحين لكي تندمل.
وكفى بالمرء تسامياً، وإنصافاً وعدلاً «أن يكون متنزهاً عن الهوى والعصبيّة، محباً للإنصاف في الخصومة، متحرّياً للحق في الحكومة، غير مسترق بالتّقليد، و لا مخدوع بالإلف، و لا مسخّر بالعادة».
لم تكن هذه، هي المرّة الأولى ، قاريء العزيز، التي يطالب فيها نفر من أبناء جلدتنا، بتغيير اسم (السّودان)، فقد طالب بذلك، من قبل، كثيرون. نذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر - الأستاذ / عبدالله الشّيخ سيد أحمد، الذي كتب من أوهايو (الولايات المتحدة الأمريكيّة)، في باب «رسالة اليوم» بجريدة الشّرق الأوسط(جريدة العرب الدّوليّة)، في يوم الأربعاء الموافق 3/9/1986م، كلمةً بعنوان: « مطالبتي بتغيير الاسم.. اهتمام بالجّوهر لا المظهر»، وقد ردّ عليه يومئذ، وفي البّاب نفسه «رسالة اليوم»، الدكتور صفاء خلوصي، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى للتّربية آنذاك ، أكسفورد - بريطانيا، بكلمة يقول فيها: «تغيير اسم (السّودان) بتر للتّراث» . واسمح لي، قارئي العزيز، باقتباس فقرات من كلمة الدكتور خلوصي، في معرض ردّه على كلمة الأستاذ عبدالله الشيخ سيد أحمد، في هذا الشّأن. يقول الدكتور خلوصي: «فتبيّن لي أنّ صاحب الكلمة - حفظه الله - يطلب تغيير اسم القطر الشّقيق (السّودان) و لا أدري البديل الذي يرتضيه.. ولكن، وأقولها بصراحة، أنّ هذه بادرة جد خطيرة، وتفتح باباً لا ينبغي لنا فتحه .. اللّهم إلا إذا كان الأستاذ المشرف على رسالة الدكتوراة، التي يزمع عبد الله الشّيخ تقديمها، قد اقترح عليه مثل هذا الاقتراح ثمناً للّقب الذي سيناله، وأرجو ألا يكون كذلك، وحتى في مثل هذه الحال فالثّمن باهظ جداً.
إنّ تغيير اسم (السّودان) بتر لجذر تراثي عريق، فما علينا إذ ذاك إلاّ أن نغيّر لفظة السّودان، في جميع كتب التّاريخ والمصادر التّراثيّة، أو أن نرفق الاسم الجديد بعبارة (السّودان سابقاً). فهذا تحد صارخ بوجه التّراث العربي الموحّد، و أي ضير في لفظة (السّودان)، و هل نحن إذا ما غيّرنا اللّفظة ستتغيّر ألوان بشرتنا، فنحن عرب و لا عيب في سواد البشرة أو اسمرارها أو احمرارها، بل العيب كلّ العيب في (سواد القلوب) والعياذ بالله!
ألا يكفي أن يكون اسم (فلسطين) قد تغيّر إلى (اسرائيل) لنجعل من السّودان أمثولة أخرى؟ ثم تتبعها أقطار أخرى حتى لا نعود نعرف الخارطة العربيّة على وجهها الصّحيح، و أيّاً كان الاسم المقترح فسيكون موضوع نزاع جديد بين مختلف العناصر السّودانية، وبذلك نضيف عامل اختلاف آخر لا داعي له. و كفانا الله شر مثل هذا البلاء، فهل ثم من يقول : مرحى للأستاذ عبدالله لبراعته و توصّله إلى اكتشاف جديد، فالغرب يكتشف أدويةً لعلل مستعصية، ونحن نبتدع عللاً مستعصية لنبهظ كاهل أجيالنا القادمة بعواقبها الوخيمة و إلى الله وحده المشتكى!
وليس من الضروري أن يعني (السّواد) سواد الفحم، فالسّواد في العربيّة قد يعني (الخضار)، فقد عرف العراق بأرض السّواد. ولم يحتج عراقي أو عربي على هذه التّسمية لأنّها تدلّ على كثرة المزارع والبساتين، فأرض (السّودان) قد تعني الأرض الزبرجديّة الخضراء، فليراجع الأستاذ المبدع مادة (سواد) في المعاجم و القواميس، ففي قاموس «محيط المحيط» للبستاني ص (439) : « ومنه سواد العراق لرستاقه سمي به لخضرة أشجاره وزروعه، والسّواد أيضاً المال الكثير، وسواد الأمر ثقله، و سواد البلدة ما حولها من القرى أوالرّيف. والسّواد من القلب حبته ومنه قول ذي الرّمة:
وحلت سواد القلب لا أنا باغياً سواها و لا في حبّها متراخياً
وسواد العين حدقتها، ومنه قول المتنبيء :
هل لعذري عند الهمام أبي الفضد بل قبول سواد عيني مداده .
(فالسّودان) هو حبة قلب العروبة وسواد عينها .. فحرام عليكم أن تمحو هذا الاسم الذي يمثل حبة القلب و سواد العين من المعجم الجغرافي لوطننا العربي الكبير!» انتهى كلام الدكتور خلوصي.
ومن المطالبين بتغيير اسم (السّودان) أيضاً، نذكر فتح الرّحمن محمد أحمد عوض، الذي كتب كلمةً بعنوان: «أيّها المسؤولون غيّروا اسم السّودانن حال الانفصال، في جريدة الصّحافة - العدد (6273) الصّادر يوم الخميس الموافق غرّة صفر 1432ه الموافق 6 يناير 2011م. وقد ساق العديد من الأمثلة التي يراها ضرورية ومهمة لتغيير اسم السّودان.
وأقول للأخ فتح الرّحمن، إنّ تغيير اسم السودان يعتبر تزييفاً للتّاريخ النّاصع لهذا البلد الشّامخ، الحافل بالأمجاد والبطولات، والمآثر والمفاخر، التي خلدها الأجداد منذ قديم الزّمان، وتزييف كذلك للحضارات النّوبية العريقة عراقة التّاريخ، وللتّراث النّوبي الأصيل، الذي نعتز به ونفتخر، ويشهد له متحف السّودان القومي بذلك. ومسخ و تشويه لتاريخ الممالك السّودانية المختلفة التي قامت على هذه الأرض والتّراب المقدّس، مثل (علوة) و (المغرّة) و (سوبا) وسلطنة سنّار وسلطنة دارفور ومملكة تقلي و غيرها من الممالك والسلطنات. هذا التّاريخ العريق، والمتجذّر في عميق أعماق الوجدان، لا يجوز طمسه أو تزييفه - بأي حال من الأحوال - كما لا يجوز أيضاً إلغاء البطولات و الأمجاد التّليدة، والتّضحيات الكبيرة التي قدمها المناضلون الشّرفاء من أجدادنا، الذين ذادوا عن الأرض والتّراب بدمائهم الزّكية الطاهرة، وبكل غال ونفيس. هذا التّاريخ محفور في وجدان كلّ سوداني غيور على أرضه وترابه، وسطّره رجال كانوا يقاتلون قتال الأبطال ويموتون ميتة الرّجال كما ذكرذلك - ونستون تشيرشل- في كتابه الذي بعنوان: «حرب النّهر» (The River War ). فرسان مغاوير، كالأسود الضّارية، أسود شرى، وليوث طعان لا يهابون الرّدى، حمر الجفنات!! لله درّهم فقد دفعوا ثمناً باهظاً من أجل الحريّة، بدلاً من أن يستكينوا للذّل والعبوديّة، في ظل الحكم الاستعماري البغيض. فهلاّ غيرتم ما بأنفسكم قبل أن تطالبوا بتغيير اسم (السّودان) القبيح كما تزعمون ؟
وإن كان هناك ثمة داع لتغيير اسم السودان، فإنّ الشّعب السّوداني وحده صاحب القرار في هذا الشّأن. وربّما اقتضى ذلك إجراء استفتاء شعبي عام نحن في غنىً عنه في الوقت الحاضر. والشّعب السّوداني وحده هو صاحب السّيادة والسّلطة المطلقة، وهو وحده يملك الكلمة الأخيرة في تقرير مصير السّودان، وليس أولئك الذين تلوذ بهم، وتناشدهم لتغيير اسم السودان، لمجرد أنّه اسم قبيح!! وإذا كان هذا هو منطقك، فكيف يكون، إذن، حال السّواد الأعظم من السّودانيين من ذوي البشرة السّمراء أو السّوداء ؟وكيف يتسنّى لنا تغيير القبح، و البشاعة والدّمامة المرتبطة باللّون الأسود كما تزعمون ؟ في حين أنّنا نرى أنّ الأسود جميل (Black is beautiful) ولا نتضايق من ذلك أبداً.
و لنفترض جدلاً، أنّ اسم السّودان قد تغيّر إلى أي اسم آخر بديل، فهل يعني ذلك، بالضّرورة، أن يغيّر النّاس جلودهم أو لون بشرتهم كما تفعل الثّعابين عادةً، مع العلم بأنّنا لسنا بثعابين، لنقوم بذلك. وهل باستطاعة المسؤولين أن يغيّروا كلّ وجه قبيح و بشع في السّودان ؟ غريب مثل هذا العقوق يا فتح الرّحمن!!
و لنصدح مع الشّاعر القائل:
(إذا كان للأرض وجه
فوجه الأرض لبنان
وإذا كان للأرض قلب
فقلب الأرض سودان) !!
على كل، وكما تقول المقولة العربية القديمة : « لكلّ مسمّى من اسمه نصيب» فهذه هي حال السّودان، الذي يراد تمزيقه وتقسيمه الآن. ويتبين المعنى في قول الشّاعر:
وقلّما أبصرت عيناك من رجل
إلاّ ومعناه في إسم منه أو لقب!!
فقد يكون اسم (السّودان) محكوماً ببيئة هذا البلد، المنكوب بأبنائه دائماً وأبدا ً، الذين يزدادون عقوقاً كلّ يوم. و لا نرى أي ضير في ذلك. فالدّوافع شتّى، والغايات مختلفة، والنّفوس مليئة بالأحقاد. حمانا الله وإيّاكم شر مثل هذه النّفوس!!
إنّ اخفاق السّاسة السّودانيين، مع تعاقب الأزمان والأجيال، في ادارة بلد كبير مترامي الأطراف مثل السّودان، وفي قيادة شعب أبي عملاق مثل الشّعب السّوداني، الذي يستمد قوّته من وحدته وتماسكه، وسماحته والتّعايش السّلمي بين قبائله المختلفة، على الرّغم من تعدّد الأعراق والإثنيات، وتباين الثّقافات والحضارات، وتنوع التّراث واختلاف الأديان و الألوان والألسن وانعدام الثّقة بين أبناء الجنوب وأبناء الشّمال، كان، في الحقيقة، المشكل الرّئيس في تفاقم الأزمات وتعقيداتها على كر الأيّام، فضلاً عن التّعاور والتّفاحش وتبادل الاتهامات في المحافل والمنتديات و «على عينك يا تاجر!»، و من دون أدنى حياء أواستحياء، مما يوغر صدور الآخرين. فهلاّ استفدنا جميعاً من هذا التّنوع، وهذا الاختلاف والتّباين، في تجاوز الانقسامات، و في الاعتلاء على المواجع والبعد عن التّشرنق والتّشرذم، وفي النزوع إلى رأب الصّدع بين الأشقاء، والتّوصل إلى وحدة وطنيّة حقيقيّة يحتذى بها في كلّ بلدان العالم ؟
و ما كان للذي قد حدث من ترسبات و تراكمات في الماضي، أن يحدث لو لا دوافع الأنانيّة، والكراهيّة، والاستبداد بالرأي، والاستعلاء، و التّعالي، والمكابرة والتّمايز بسبب الألوان أو الأعراق، التي كانت سائدة وإلى وقت قريب، يركن إليها البعض منا لإكمال نقص فيه، أو لبناء مجد هلامي لم يكن له أبداً، متكئاً في ذلك على التّاريخ المزيّف و الإدعاء الكاذب، واهماً نفسه بأنّه الأفضل في الملّة كلها، وأنّه الأعرق، والأنقى دما،ً والأصفى عرقاً، و الأزكى نفساً، مشعلاً بذلك نار الفتنة، التي كانت نائمة، لعن الله من أيقظها، ضارباً بالخلافات والمشاكل العالقة عرض الحائط، ناسياً أنّ مثل هذه النّار الموقدة قد تقضي عليه أولاً وقبل الآخرين، إذا ماتصاعدت وعلت. فكفانا يا أهل، بربّكم، إفكاً وتدجيناً وتسويفاً ومزايدةً باسم الدّين الحنيف، وبرفع الشّعارات الجوفاء،التي لا تسمن ولا تغني من جوع، من وقت لآخر. فالدّين المعاملة .. و الدّين المعاملة وهذا مبدأ أساسي لا و لن نحيد عنه ما حيّينا.
«فأما الاسلام، فقد حماه ربّ العالمين، بما أودعه فيه من خصائص الوضوح والصّفاء، والتّكامل والمراوحة بين أساليب التّقرير وجماليات التّمثيل، و المجاز و الاستعادة، و ما عبّره الرّسول صلى الله عليه وسلّم، من بيان القرآن الكريم قولاً و عملاً».
تبقى المشكلة الحقيقيّة، إذن، في الذين يبدون،ظاهريّاً، اسلامهم، من خلال الشّعارات البرّاقة والجذّابة، و لكن أفعالهم تدل على عكس ذلك تماماً. فهم مع الوحدة الوطنيّة تارةً و اخرى مع الانقسام والانفصال. و يضمرون في نفوسهم خلاف ما يعلنون.
لقد تابعنا بقلق وترقّب شديدين ، خطاب ما قبل الانفصال، و ها نحن الآن، نتشّوف لخطاب ما بعد الانفصال، ونتوق لمستقبل مشترك ، وغد مشرق، نستنشق فيه عبير الدّيمقراطيّة الصّحيحة، وأريج الحريّة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، سيما و أنّ العالم اليوم يشهد تحولاً ، في عدد متزايد من بلدانه، من أنظمة ديكتاتورية أوشموليّة، أو إقطاعيّة أو شيوعيّة إلى النّظام الدّيمقراطي الصّحيح الذي يتمتّع فيه كل فرد من أفراد الشّعب بالحريّة الكاملة في أن يعبّر عن أفكاره، و آرائه، وأن يختار العمل الذي يريده، وأن يذهب إلى أين يشاء.
وفي سبيل المقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان في الدّساتير الدّولية، ما دمنا نتحدّث عن الدّيمقراطيّة، يقول الكاتب الصّحفي ابراهيم قاعود في (جريدة الحياة): « و الحريّة في أوروبا هي عين ما يطلق عليه في ديننا الحنيف اسم العدل، والحق، والشّورى والمساواة، لأنّ معنى الحكم بالدّيمقراطية والحريّة هو إيصال العدل والحق إلى النّاس، واشتراك الأمة في تقرير مصيرها. والاسلام يعطينا معنىً أعمق وأشمل من كلّ هذه الاصطلاحات العصرية وأضمن لديمقراطية الحاكم والرّعية، ألا وهو مبدأ الرّحمة و التّراحم. فالرّحمة بالنّاس معناها الرّفق في معاملتهم، وتحسين ظروف العيش ورفع المظالم و تحقيق الأمن وزيادة الخدمات، والحرص على سماع شكاواهم ومشاكلهم!! (وهو نفسه ما عنيناه فيما تقدّم بأنّ الدّين المعاملة .. الدّين المعاملة). وشعار الشّورى في الاسلام مرتبط بالرّحمة، وديمقراطية الرّعية المسلمة تقوم على التّراحم بينهم. وهذا الارتباط بين الرّحمة ونظام الحكم في الاسلام وبينها وبين الحرية و الدّيمقراطية لايقتصر على القرآن و حياة الرّسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل ظلّ الخلفاء الرّاشدون وكلّ خليفة صالح، من بعدهم، يقرّرون للرّعية بدافع الرّحمة حريتها و حقوقها. ولا شك في أنّ الرّحمة هي الأصل في تعامل النّاس. أما الحرية والدّيمقراطيّة فهما فرع أو مظهر من مظاهر الرّحمة.
وتشمل الرّحمة كلّ أنواع الحريات الإنسانية، ابتداءً من حرية التّعبير، و حرية لقمة العيش إلى حرية الفكر و الرّأي والحرية السّياسية. و بغير رحمة لا يمكن أن تكون هناك حرية، مهما كانت الضّمانات و القوانين الموضوعة. و لاشك في أنّ السّبب الرّئيسي لانعدام حرية الإنسان المسلم في مجتمعنا هو زوال الرّحمة والتّراحم من قلوب النّاس. و نجد في كتاب الله، أنّ الاستبداد و الطعيان يعتبران نوعاً من الكفر، ويعتبر الخضوع للمستبد شركاً بالله، ورفض الطغيان و الكفر به نوع من الإيمان!
وتشتمل الدّساتير، في عالم اليوم، باباً مهماً حول حقوق المواطنين أفراداً وجماعات، وتتمثّل في حرية العبادة، و حرية الرّأي و القول و الكتابة و الاجتماع و تكوين الجمعيات الاجتماعية و السياسية و حق التّقاضي و الوقاية من أي قيد على الحرية الشّخصيّة و حرية التّملّك و التّعلّم، و هذه الحقوق لم تعرف في الدّساتير الدّولية إلاّ في عصور متأخرة من تاريخ الإنسان.
أما الاسلام، فقد سبق تلك الدّساتير الدّولية بقرون عدّة، وتتلخّص نظرة الاسلام في التّالي:
* المساواة بين الرّعية جميعاً في الحقوق والواجبات. فلا تمايز بسبب الغنى(كما في المجتمع الرّأسمالي) و لا تمايز بسبب الطبقة، وفي النّص القرآني: «إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم» ، (الحجرات -13). وتنص الدّساتير الحديثة على مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف و التّعليم وغيرها.
* هناك ثلاثة حقوق حيويّة و أساسيّة للفرد لا تمس بسبب رأيه السياسي هي:
- حق الحياة، أي أن يصبح آمناً على حياته و دمه، يقول عزّ وجلّ: « من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً» . و حق الملكية الخاصة و الحيلولة دون مصادرتها،» فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون» (البقرة - 279). وحق الحريّة الشّخصيّة. و الاسلام سبق بالنّص على الحقوق الثّلاثة الرّئيسية مجتمعةً. يقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: «كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله وعرضه». و أشار الفقهاء إلى حقوق الإنسان المسلم فذكروا أنّها ضرورات خمس و هي: حفظ النّفس، والعقل، و الدّين، و العرض و المال.
أعطى الاسلام الأقليات غير المسلمة، و أهل الذّمة في دولة الاسلام حقوق المسلمين نفسها، و منها حق العمل، والرزق والمساواة أمام القانون. ومنح الاسلام الشّخص الفار من الإضطّهاد حق أن يجيره المسلمون و عدم اساءة معاملته، و هو ما يعرف في العصر الحديث باللّجوء السياسي. وأعلن الاسلام المساواة بين الرّجل و المرأة في الحقوق والواجبات بل أنّ الشّريعة الاسلامية، بخلاف الشّرائع الأخرى، تعطي للمرأة شخصيتها المدنية المستقلة عن شخصية أبيها أو زوجها(حق الملكية و الزّواج و التّعليم). وكفل الاسلام ضمانات لحرية الرّأي ووصول رأي الرّعية إلى الحاكم من دون قيود أو موانع.
والاسلام يمنع تخويف المسلم بأي نوع من أنواع العقاب وتقييد حريته بأي صورة. و أعطى الاسلام المسلم حق التّقاضي ضد السّلطة إذا جارت عليه أو حرمته حقاً من حقوقه وكفل الاسلام حرية المسلم الاقتصادية كوسيلة لتأمين حريته السياسية، فعندما يحرم من حريته في الرّزق فلا حرية له في الرّأي». فارحمونا، أيّها المسؤولون، يرحمكم الله!
وجميل أن نتذكر أيضاً، ونحن نتحدّث عن الدّيمقراطية المطلوبة، في مستقبل الأيّام، قول د.لطيف زيتوني(الجامعة اللّبنانية الأمريكية - بيروت): «عندما تسود الدّيمقراطيّة يكون الشّعب سيّداً، و الإعلام حرّاً. وعندما تضعف الدّيمقراطية يستأثر النّافذون بالإعلام، ويرسمون الحقيقة على قياس مصالحهم»! والشّعب السّوداني، كما هو معروف، هو أستاذ الدّيمقراطية ومعلّم الشّعوب ، والسّلوك الانساني الرّاقي، فهلاّ استعاد شعبنا الأبي ، في المرحلة المقبلة، بعضاً من أستاذيته المفقودة، بضرب مثال رائع ،للعالم كله، في ممارسته للديمقراطية التي ننشدها منذ فترة طويلة؟ أتمنى ذلك.
وكلّ ما نرجوه، هو أن تتّسع صدور المسؤولين السّياسيين لتقبّل الرّأي الآخر، و القبول به، تحقيقاً لمبدأ المشاركة في تبادل الرّأي، وصولاً لحلول ناجعة لمشاكلنا العالقة، بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.