قراءة جادة في : مداعبة غير جادة للأشياء .. سيزف .. هذا قدرك الأسطوري .. أن تظل ترفع الصخرة بلا إنتهاء .. ركل الحجر بعنف فتدحرج يصدر صوتاً منتظماً علي الطريق .. نظر أمامه بعمق .. كان الأسفلت يمتد كشهقة خارجة من فم الأفق .. إنه لم يعد يستوعب الأشياء من حوله .. أو أن الأشياء لم تعد تستوعبه .. ( لماذا هذا التماهي في التفاصيل الحياتية .. أن تكون في مقتبل العمر لم تتجاوز العقد الثاني ثم تبقى الرؤية مشوشة كحلم السكارى وتصيرالأمنيات البسيطة كعرس أبو الدردوق) وأدخل يده في جيبه .. تحسس آخر عشرة جنيهات في الركن الأيمن .. داعب فخذه .. ثم بصق عن شماله بقرف .. ( الدنيا أول شهر والأوراق النقدية تحمل النهاية ) .. قالت له وهما يجلسان على خضرة الحدائق متى نهاية الحزن .. !! تقصدين نهاية الحب .. !! وخيم صمت على تجربة السنوات ترى هل أفرخت نواة الملل .. ؟ وقابلته في نقطة البكاء فابتسم .. قالت أحبك ولكن ... قطف وردة بلا ألوان .. فاحت منها أمنيات بالسعادة الآن نفترق .. وناولها بلا شهية .. فانغرست شوكتها في إبهامه .. مص دم الألم .. ثم مضى في طريق الخيبة .. تنهد .. وملامح اللحظات ما زالت عالقة بالخطوات .. وصل الحجر من جديد .. فركله وأصدر صوتاً منتظماً على الأسفلت .. لم تبد دائرة النظر عورة الجالوص بعد .. يعرف حتماً إلي أين هو ذاهب .. إنه الشئ الوحيد الذي يعرفه .. إنه عائد لا محالة إلي غرفته .. تلك التي كانت يوماً بيتاً للغنم فاستنفر أولاد الحلة وحولها الى غرفته بعد أن باعوا الغنم ليشتروا الانسولين لأمه .. هناك عنقريب ومنضدة وأوراق وقلم .. إنه في حالة نزيف دائم يضمد جراحه بالأرق .. لأن غده وجبة مخمرة تقلق إمعاء الزمان .. ومرقت بجواره عربة ( لاند كروزر ) فارهة .. فركل الحجر برغبة .. ( نحن الذين سنبني الغد ) .. وابتسم لسخرية المشهد .. يمشى من المدرسة الي منزله ومن منزله الي المدرسة ليوفر ثمن المواصلات .. ( عشرة كيلو كداري مرتين يومياً ) .. وقبل أن يصمت الحجر المنتظم سمع موسيقى مرصوصة تنبعث من مزياع إحدى البقالات المعبأة بالترف الجديد .. ( إنها مؤشر الزمن في هذا المكان ) .. تلك كانت موسيقي أخبار الثالثة .. (هنا أمدرمان ) .. والده قد عاد للمنزل الآن .. إنه شرطي عجوز يحقق الأمن القديم .. ( لم أستطع مساعدته ) .. وتلك كانت أكبر أحزانه .. ولما تدحرج الحجر بصوت منتظم للمرة الأخيرة بانت أضراس الطين في الفك الأسفل للمدينة .. فدلف الي الأزقة الفقيرة .. قفز من فوق بالوعة ماء آسن ثم ازاح باب الزنك فعزف صرير الحضور .. ( ها أنذا أعود بعد أن لقنت الأطفال آخر حروف الكلام ) .. وأثار دوائر الخمول .. فداعب أمه وهي ترص الكسرة علي صينية الغداء .. لاعب أخته الصغيرة بعد الغداء .. وساءل والده عن أخبار لندن ومونت كارلو أثناء رشفات الشاي .. قال والده خضرجي تونسي أحرق نفسه بالنار ولماذا ..؟ دخله بسيط ورجال المحلية منعوه أن يفرش خضاره .. ضحك بحزن ودخل الحمام .. تلك طقوس عودته يمارسها دائماً .. يملأ فضاء التعب برنين الفرح .. وعندما طلى ليل الوحدة جدران النفس أوى إلي غرفته .. وتلوى القلم مخنوقاً بين سبابة الظروف وإبهام القدر .. إستفرغ الوجع الجديد .. وانسرقت دمعة من محبسها أحبك ولكن .. الآن نفترق .. وكتب .. ( ما زلت أرى نفسي يومياً أقف أمام السبورة وأخط بالطابشورة ألف .. با .. تا صبر .. فيردد أطفال الفصل خلفي .. صبر ..صبر .. صبر ) تناول كراسة التحضير لدرس الغد ووضعها جانباً .. ثم أوى إلي الأرق يركض في مساحات الحزن .. يحترق .. ويبحث عن حجر ليركله .