العاشر من يناير من العام الماضي.. غالباً ما يكون قد مضى لدينا، يوم عادي بكل تفاصيله إلا لدى القليل ولكنه ظل يمثل بداية تاريخ مرضي لجعفر عبد الله طفل العشرة أعوام الذي أقعده المرض وحرمه من الدراسة بل حتى من اللعب مع أقران افتقدوه عندما غاب من وسطهم... عندما داهمه يوم الأحد من ذلك التاريخ ألم حاد بذراعه اشتد به إلى درجة لم يخلد بعدها إلى الراحة أخذته أسرته المقيمة بأبي سعد إلى أقرب المراكز الصحية والتي أقرت نتائجها بعد الصور والتحاليل بعدم وجود ما يدعو للقلق.. ومع استمرار بكاء الطفل اتجه به أهله إلى اخصائي الباطنية الذي وجه باحالته إلى اخصائي العظام وما بين الصور المقطعية والرنين المغنطيسي رحلة من الألم أبانت بعدها النتائج ظهور ورم سرطاني في عظم الكتف الأيمن وبعد أخذ عينة من المرض ظهرت النتيجة بأن الورم من النوع الخبيث ليتم تحويله بعدها إلى مستشفى (الذرة) المركز القومي للعلاج بالاشعة والطب النووي، ويقول والد الطفل انه خضع في شهر مايو الماضي إلى جرعتين من العلاج الكيميائي لم تحدثا أية استجابة من قبل المريض ومع مرور الأيام تضخم الورم بالكتف إلى درجة كبيرة وأصيب الطفل بهزال شديد ونقصان في الوزن لتتجه بعدها الآمال إلى الأردن ويقضي الطفل فترة الانتظار داخل غرفة المنزل إلى أن فارقت روحه الجسد صباح الخميس الماضي. وداخل المستشفى كان هناك المئات من المرضى أتوا ما بين الخوف والأمل تجدهم يبحثون عن علاجات قاسية يعرفون بمضاعفاتها وآثارها الجانبية التي تتركها عقب تلقي جرعات العلاج الكيميائي وتساقط الشعر.. إلا ان الأمل في الشفاء يجعل كل ذلك هيناً ويمكن احتماله.. وعلى الرغم من ريادة السودان في مجال تشخيص وعلاج السرطان فان الوتيرة التي يتقدم بها السودان في مجال الطب النووي تظل بطيئة للغاية فبعد أن اصدرت الحكومة قانونها الخاص القاضي بانشاء مراكز قومية أكثر تخصصاً ترصد المعلومات المستجدة من أجل وقف الزحف السرطاني إلا انه وبحسب مصدر طبي داخل مستشفى الذرة بأنه ومنذ تأسيس المستشفى وحتى الآن فان 75% من مرضى السرطان يأتون في مراحل متأخرة لا يجدى معها العلاج، وفي الوقت الذي تأتي فيه أحاديث الحكومة عن دعمها للصحة وقطاعاتها ،وبالفعل شرع المركز القومي للعلاج بالاشعة الأسبوع الماضي في وضع ترتيبات لانشاء مركز بولاية جنوب دارفور بتكلفة تبلغ 16 مليون استرليني، في الوقت الذي ظل فيه مستشفى الذرة بالخرطوم ونظيره بود مدني يعانيان ما يعانيان من ضعف الخدمات ، في الوقت الذي يقدم فيه مركز الخرطوم خدمات علاجية وتشخيصية لحوالي 3500 حالة سرطان جديدة سنوياً بمقابل خمسة أجهزة ويعمل مركز الجزيرة بجهاز واحد يقدم خدماته إلى 1250 حالة اصابة في عام 2009م إلى ان أبانت احصائيات المركز ارتفاع أعداد المرضى إلى 7200 حالة مطلع أغسطس من 2010م. وعن المعضلات والمشاكل التي تواجه مركز ود مدني تحدثنا إلى اخصائي الأورام بمعهد الطب النووي بولاية الجزيرة ورئيس مكافحة مرض السرطان بالولاية الدكتور دفع الله أبو ادريس والذي ابتدر حديثه ل«الصحافة» بالحديث عن المفاهيم الخاطئة حول مرض السرطان وباعتباره أحد العوامل المساعدة في انتشار المرض وتأتي من ضمنها الاعتقاد الجازم بأن أخذ العينات الجراحية من المريض أو الجراحة بصفة عامة تعمل على نشر المرض في الجسم وتعجل باستفحاله وتمكينه من الجسم وان كان مرض السرطان انما هو انفراط لعقد خلايا الجسم فبعد ان كانت الخلية تحت التحكم الفطري تقوم بوظائفها ولا تتكاثر إلا اذا دعت الضرورة وتتوقف تماماً عن التكاثر بعد إتمامها لمهمتها... تتحول في حالة السرطانات إلى التكاثر غير الضروري وتظل تتكاثر الخلايا بدون حاجة إلى ذلك وتواصل في حالات التكاثر المستمر إلى ان تفقد الخلية وظيفتها. وعن المعهد المقام بود مدني قال انه توجد بالمعهد ماكينة واحدة فقط لمريضات سرطان الثدي في وقت سجل فيه المركز 1250 حالة اصابة عام 2009م ارتفعت إلى ان بلغت 7200 حالة مطلع شهر أغسطس من العام الماضي في وقت يعمل فيه المركز بماكينة واحدة فقط لمقابلة هذا العدد. وكان المدير العام للمركز القومي للعلاج بالاشعة والطب النووي الدكتور صديق محمد مصطفى قد تحدث أثناء مخاطبته للمؤتمر الأول للسرطان العام الماضي عن جملة من التحديات تواجه المركز عدَّ منها ضعف التخطيط المؤسسي للخدمات الصحية وشح الموارد المالية المخصصة للخدمات الصحية في القطاع العام مع ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية المقدمة وتحديات الحفاظ على بيئة صحية سليمة. وإن كان حديث د. الصديق لا يحمل تفاصيل وجاء مجملاً ولكن تحدث إلينا بشئ من التفصيل مصدر من مستشفى الذرة بأن المستشفى يواجه بضيق المساحة التي لم يعالجها انتقال العيادات المحولة إلى برج الأمل فالعنابر تعاني من اكتظاظ المرضى وقلة الاسرة والمعينات الطبية لدرجة تلجأ فيها الوحدات الطبية إلى «استلاف» المعينات مع بعضها إلى حين، ويقول المصدر بأن الوحدات تستعين ببعضها في سد نقصها من المحاليل الوريدية وفصائل الدم وغيره ،وذهب بالحديث عن البيئة بالمستشفى وقلة الاجهزة وضعف الاجهزة العاملة ، ووصف ذلك بالقول بأن المركز يعمل أمام تحديات صعبة وعن جهازي الكوبالت وهما جهازا علاج اشعاعي قال بأن الجهازين نادراً ما يكونان عاملين مع بعضهما فغالباً ما يكون أحدهما معطلا واشار إلى انه كان معطلا في الأيام القليلة الماضية.. وكان مصدر طبي آخر قد أبلغنا بأن مستشفى الذرة ظل ولقرابة الشهر يجري عمليات تخطيط الاورام بطريقة يدوية ذهب إلى تفصيلها بالقول بأنهم يستخدمون فيها (المسطرة - والقلم) الأمر الذي دعانا إلى الذهاب إلى داخل المركز ومخاطبة مديره العام الذي أحالنا بدوره إلى اختصاصي علاج الاورام بالمركز الدكتورة الرضية جبريل عكاشة لتحدثنا عن امكانيات المركز في تشخيص وتخطيط الاورام فابتدرت حديثها لنا بالقول بأن المريض عادةً يأتي بنتيجة تبين اصابته بالسرطان فالمركز يستقبل المرضى عن طريق الاحالة ومن ثم يتم تحديد مرحلة المرض وقبول المريض ويجري له الفحص الأولي المعملي بفحص الدم ووظائف الكلى والكبد والتشخيص التصويري من خلال صور الاشعة والموجات الصوتية والصور المقطعية إذا استدعى الحال وفي العموم يختلف نوع الفحص والتشخيص باختلاف نوع المرض والعضو المصاب فمثلاً في حالة سرطان الثدي لدى النساء نجد إنه في المرحلة الأولى يكون حجم الورم أقل من 2سم مع عدم وجود خلايا في الابط وعدم وجود انتشار للورم في أي منطقة أخرى من الجسم وحجم الورم تبينه الصور التشخيصية وعندما نحدد العلاج الجراحي مع الاشعاعي وعندها تستطيع السيدة المحافظة على الثدي مع اعطائها لعلاج هرموني بعد فحص خلايا متقبلات المرض.. ولكن في المرحلة الثانية يكون حجم الورم أكثر من 2سم وأقل من 5سم مع عدم وجود غدد في الابط وعلاجنا في هذه المرحلة علاج جراحي وتحافظ السيدة على الثدي مع أخذها لعلاج اشعاعي وهرموني إذا لم تبين الصور أي انتشار خلايا سرطانية في الجسم... ولكن في المرحلة الثالثة وهي التي توجد فيها خلايا في الابط بخلاف الورم فيها لابد من ادخال العلاج الكيميائي والاشعاعي بعد الجراحة وفي المرحلة الرابعة والأخيرة ينتشر المرض في منطقة الرئة والكبد والعظام متعدياً الصدر وعندها يكون العلاج كيميائيا وهرمونيا مع علاج تلطيفي من مسكنات للألم وتغذية وعلاج نفسي. وأحياناً تكون مرحلة رابعة متقدمة لا تسمح بالعلاج الكيميائي تعتمد فيها على العلاج التلطيفي فقط. وتذهب الرضية إلى القول بأنه وفي العموم نجد انه وفي المراحل الأولى يكون التشخيص والعلاج مختلفا بحسب نوع الورم وتلتقي كل أنواع السرطانات المتقدمة في العلاج التلطيفي أخيراً. ونحن في المركز نقوم بمتابعة واكمال فحوصات المريض الذي تم تشخيصه مسبقاً ونقوم بالتشخيص من خلال الاشعة السينية العادية والموجات الصوتية واشعة الثدي والاشعة المقطعية التي تحدد مرحلة المرض قبل ادخال المريض في مرحلة الاجهزة العلاجية والتي يمتلك المركز منها جهازين «كوبالتي» ويعمل على علاج حالات سرطان عنق الرحم والغدة الدرقية.. بالاضافة إلى جهازي محجل خطي ويستخدم هذا الجهاز لعلاج جميع الحالات وبه أنواع مختلفة من الطاقة تندرج إلى تسعة أنواع من الطاقة المختلفة زيادة على العلاج الاشعاعي المكثف ويمكن أن يتناول مختلف الحالات السرطانية، أحد هذه الاجهزة تم تركيبه حديثاً ويتوقع أن يعمل قريباً والآخر تمت صيانته قريباً وهو يعمل الآن هذا بحسب د. الرضية. وعن التخطيط وامكانية المركز الحالية للتخطيط تقول بأن التخطيط يتم بواسطة الجهاز المماثل المسمى «بالسوميوليتر» والذي به يكون موضع العلاج مماثلاً تماماً للوضع في الجهاز المعالج ولكن توقف هذا الجهاز وتعطله جعل المركز يلجأ إلى التخطيط اليدوي بالاعتماد على الخبرة أو بواسطة الجهاز المقطعي في بعض الحالات. وان كانت دكتورة الرضية بقولها هذا قد دعمت ما أشار له المصدر مسبقاً بأن تخطيط الأورام يتم بواسطة المسطرة والقلم وهذا ما اكتفت الدكتورة عندما سألتها عن تفصيل كيفية التخطيط اليدوي ردت بالقول بأن هذا يقع في صميم عملهم. وكانت قد ذهبت في ختام حديثها إلى ان هذه الاجهزة تعمل بواقع 18 ساعة يومياً لا تتناسب وحجم التعداد السكاني ودعت إلى دعم الاجهزة وصيانتها ودعم القوى العاملة بالتدريب المستمر واقامة ورش العمل العملية. وأخيراً نشير إلى ما أورده مصدر طبي بالمركز بأن المستشفى تلجأ أحياناً إلى تحويل بعض المرضى واقامتهم في مستشفيات مجاورة من أجل تخفيف الضغط الماثل.. وبعد كل هذا يقول بأنه وعلى الرغم من مكان واسم المركز التاريخي إلا انه يعمل بامكانيات ضعيفة تحتاج الكثير من الدعم لمقابلة الاحتياجات الحالية وشراء اجهزة ذات كفاءة عالية حتى تؤتي ثمارها من خلال استشفاء حالات مرضية واعادة الأمل داخل نفوس أغلقت كل أحلامها وآمالها في بلوغ الصحة والعافية..