مدخل: تبحث منظمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو» مرة ثانية عن السيطرة السياسية والعسكرية على العالم وأن المواجهة الكبيرة ستقع في العالم العربي وآسيا الوسطى، وهي مواجهة ستنفجر إلى حروب محلية وإقليمية تشهد تغيير الأنظمة وربما تشهد أيضاً تغيير حدود بعض البلدان. إن منظمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو» لديها مفهوم استراتيجي جديد وهو مفهوم من شأنه أن يعيد أجواء الحرب الباردة ويتجاوزها ليتولى مهاماً خارج نطاق مهامها التقليدية التي كانت مقتصرة على حماية أوربا في مواجهة حلف وارسو. بمعنى آخر يعتمد هذا المفهوم على نظرية الحروب الاستباقية التي تعتمدها الولاياتالمتحدة لكي تتكيف على التهديدات الجديدة كما هو معلن في الوثيقة التي نوقشت في قمة لشبونة وهي وثيقة يمكن إيجازها بالقول إن منظمة حلف شمال الأطلنطي يجب أن «تجابه الإرهاب وتؤمِّن مصادر الطاقة وطرق إمدادها وتجابه القرصنة البحرية والجريمة المنظمة وحرب الإنترنت». لقد قسّم استراتيجيو الناتو العالم على ضوء وجهة النظر الأمريكية التي تشكلت تحت إدارة جورج بوش والمحافظين الجدد والتي ظل باراك أوباما يطبقها بطرق أخرى، ويلاحظ المرء بناءً على هذا التقسيم للعالم أن اهتمامات الناتو تركز على أوراسيا «أوربا وآسيا» والشرق الأوسط، فتينكما المنطقتان هما مصادر للطاقة والإرهاب وتتطلب السيطرة عليهما تعاون بلدان قليلة تعتبر أصدقاء للناتو والولاياتالمتحدة مثل دول الخليج العربي والعراق بالطبع فضلاً عن تركيا التي هي عضو أصيل في الناتو. وتحالف كهذا مهمته هي كبح جماح إيران من ناحية ومن الناحية الأخرى العودة إلى تطويق روسيا داخل أوراسيا بعد أن طوِّقت على المستوى الأوربي. وهذا يفسر الضغط الذي يمارس على تركيا لكيما تسمح للناتو بنشر درعه الصاروخي على أراضيها حيث تستهدف الصواريخ أساساً إيران وذلك لمنعها من نشر نفوذها في اتجاه الخليج وبلاد الشام كما تستهدف أيضاً إعادة أنقرة إلى موقفها السابق بعد أن اتكأت بشدة على الشرق حيث قامت تقريباً بتشكيل تحالف مع طهران وموسكو فضلاً عن طموحها في لعب دورٍ جوهريٍّ في الشرق الأوسط بالتعاون مع سوريا. وتعني إعادة كسب تركيا أيضاً كسر العزلة التي تحيط بإسرائيل ومنحها متسعاً لتكون في قلب هذه الاستراتيجية دون أن تفصح عنها، ففي الواقع أن إسرائيل هي القاعدة العسكرية الرئيسة للناتو والولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. وصحيح أن تركيا وضعت شروطاً للسماح بنشر الدرع الصاروخي على أراضيها ومن بين هذه الشروط عدم ذكر اسم إيرانوروسيا أو أي بلاد أخرى في الوثيقة الأطلسية. ومع ذلك لم يمنع هذا هدف الدرع المتمثل في مجابهة هذه البلدان وحماية إسرائيل خاصة وأن الناتو حدد في مفهومه الاستراتيجي الجديد مناطق الخطر، ولن تقتصر عمليات الناتو على الدفاع فقط بحكم أنه تبنى في الواقع الهجوم أو الحرب الاستباقية نهجاً جديداً. إن تركيا لم تواجه مطلقاً اختباراً كهذا في الماضي، وصحيح أنها امتنعت من السماح للولايات المتحدة بغزو العراق من داخل أراضيها وأنها انحازت إلى إيران في مواقف كثيرة أقلها التصويت في مجلس الأمن ضد العقوبات على إيران. ولكن لم تكن خياراتها هذه المرة كثيرة خاصة بعد أن قطعت مسافة كبيرة نحو وضع نفسها قوة إقليمية لديها استراتيجيتها الخاصة في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى بعيداً عن سياسات الناتو والولاياتالمتحدة. فهل ستنبذ من بعد ذلك نهجها العثماني الجديد وتتبع أحلام أتاتورك لتصبح دولة أوربية؟ لقد قدم استراتيجيو الناتو (وبعضهم خبراء في الحرب الباردة مثل مادلين أولبرايت) لدى قمة لشبونة وثيقة تسمح في الأساس باستخدام الأممالمتحدة والمنظمة الدولية والإقليمية لتنفيذ خطط الناتو. ومرة ثانية تبحث منظمة حلف شمال الأطلنطي عن السيطرة السياسية والعسكرية على العالم وأن المواجهة الكبيرة ستقع في العالم العربي وآسيا الوسطى، وهي مواجهة ستنفجر إلى حروب محلية وإقليمية تشهد تغيير الأنظمة وربما تشهد أيضاً تغيير حدود بعض البلدان. *المحرر: نشرت هذه المادة في موقع مركز بحوث العولمة في 21 نوفمبر 2010م، أي قبل اندلاع المظاهرات الأخيرة في تونس ومصر والأردن.