آلاف المرضى ضمنهم اكثر من 450 طفل يعيشون حالات من الألم القاسي ويتعايشون مع الآمال ببلوغ تمام الصحة والعافية يحدوهم امل الحياة بخضوعهم الى الجلوس على كراسي غسيل الكلى ما بين الجلستين او الثلاث جلسات اسبوعيا.. وهناك من عجز كبده عن وظيفته تماما ولم يكن له مخرج سوى زراعة كبد اخرى ليعيشون نبضات قلب متسارعة تسابق عوامل الزمن بحثا عن زراعة اعضاء بديلة لتلك التي فشلت في وظائفها وان كانت اسباب فشلها مختلفة الا ان النتيجة في النهاية تبقى هي القاسم المشترك بأنه لا بديل سوى زراعة اعضاء اخرى سليمة ولكن سباق الزمن لا زال مستمرا .. لتأخذ يد المنية بعدد اثنين من قائمة الانتظار واخذت صحة البعض في التدهور... ولأن الدراسات الطبية العالمية خلصت الى ان عمليات نقل الاعضاء من شخص سليم الى آخر مريض ينتج عنه في النهاية اثنان من المرضى باضافة الشخص السليم المتبرع بالعضو كمريض جديد طال الزمن ام قصر لذا وبعيدا عن الاصحاء اتجه العالم لمعالجة الوضع من خلال اختبار العضو السليم من الشخص المتوفي واستعادة زراعته للشخص المريض وبعد الجزم من الوصول للفوائد الطبية بالفعل استطاع العالم تجاوز امر التشريعات الدينية والقوانين الوضعية وكل الاخلاقيات الطبية المرتبطة بنقل الاعضاء... ولم يكن السودان بعيدا عن ذلك عندما خطى اولى خطواته في هذا المجال منذ سبعينيات القرن الماضي عندما اقر المشرع السوداني نقل الاعضاء من الموتى وفق شروط وضوابط تخص المريض والمتوفي والمؤسسة الصحية بل يحفظ حقوقهم باقراره عقوبات للمخالفين لنصوص القانون وذلك لضمان كبح من تسول له نفسه بالاتجاه في الاستثمار في احتياجات المرضى وعوزهم.. وكان الدعم الاكبر لقانون زراعة الاعضاء والانسجة البشرية لعام 1978م، تعديل 2003م، من قبل فتوى مجمع الفقه الاسلامي في 2006م، عندما اجاز في فتواه تلك نقل القرنية للاحياء وفق ضوابط وشروط معينة لتكون الفتوى بداية للشروع في عمليات نقل الاعضاء وما هي إلا عامان ليعززها المجمع بفتوى اخرى اجاز فيها نقل وزراعة الاعضاء البشرية من الاحياء والاموات للاحياء وجاءت كذلك الفتوى مشروطة بتحقيق المصلحة العامة... وذهب الامر الى مداه البعيد عندما وقعت وزارة الصحة الاتحادية في فبراير من العام الماضي عقدا مع شركة ابيكس السعودية الطبية وباعتماد من قبل المستشار القانوني للوزارة بإجراء الشركة لعمليات زراعة الاعضاء للمرضى بالبلاد... وإن كان الامر فتح ابواباً من الامل لدى المرضى وذويهم الا ان الجدال الدائر الآن حول الامر ظل سيد القضية ما حدا بوزير الصحة عبدالله تيه باصدار قرار قضى فيه بتشكيل لجنة لتطوير برنامج نقل الاعضاء البشرية تحت اشراف وزير الدولة بالوزارة على ان تسرع اللجنة في اعداد مقترح لقيام مركز قومي لنقل وزراعة الاعضاء وتضم اللجنة بحسب قرار الوزارة وزير الدولة بوزارة الصحة السابق الدكتور حسن ابوعائشة وعضوية مدير المركز القومي لامراض الكلى ورئيس القمسيون الطبي ورئيس المجلس الطبي ومساعد وكيل وزارة الصحة للخدمات العلاجية ورئيس مجلس ادارة المركز القومي لامراض الكلى ومدير مشرحة الخرطوم وممثلا لمجمع الفقه الاسلامي وممثل المجالس الاستشارية لتخصصات الجراحة وامراض وجراحة القلب وجراحة المخ والاعصاب والعيون وذلك برفقة عدد من الخبراء والاستشاريين، واللجنة تم تكوينها لإعداد مقترح لقيام مركز قومي لنقل وزراعة الاعضاء ولتطوير قانون زراعة الاعضاء والانسجة البشرية لسنة 1978م، وتعديل 2003م، حتى يتواءم مع المستحدثات والتطورات الواسعة والفتاوى الصادرة في هذا الشأن مع وضع هيكل لبرنامج زراعة الاعضاء يسترشد بالخبرات المتشابهة لمراكز زراعة الاعضاء. وذكر وزير الدولة بوزارة الصحة حسب الرسول بابكر بأن القرار جاء لضمان حقوق كافة الجهات من متبرعين بالاعضاء من المرضى واستكمال الجوانب الاخلاقية والدينية واعلن وقوف الوزارة الى جانب المرضى وتخفيف معاناتهم وتحدث عن خطة وضعتها الوزارة لتأهيل مراكز نقل الاعضاء وربطها بشبكة اتصالات متطورة وتزويدها بأحدث الاجهزة والمعدات الطبية من معينات العمل الجراحي والتشخيصي وتطابق الانسجة وغرف للعناية المكثفة والسعي لتوفير التمويل اللازم لنجاح هذه العمليات وضمان استمراريتها.. وكان من قبل قد اعلن وكيل وزارة الصحة الدكتور كمال عبدالقادر مطلع يناير الماضي اكتمال كافة الجوانب الفنية المتعلقة بالموضوع بما فيها الجوانب الدينية والطبية والقانونية والاخلاقية المتعلقة باجراء عمليات نقل الاعضاء وتحدث عن ان القضية استغرقت وقتا طويلا ولابد من معالجتها والخروج بها برؤية موحدة. ولكن ما بين تأخير الشروع في اجراء العمليات بدأ الحديث عن العقد المبرم مع الوزارة وانه يحتكر اجراء عمليات نقل الاعضاء الامر الذي نفاه وكيل الوزارة مرافقا عن عقدها مع شركة ابيكس الطبية وقال بأن الامر لا يتعدى وجود آراء داخل الوزارة ترى بعدم كفاية الاجراءات وابان في رأيه الخاص بأن الاتفاق الموقع وقانون زراعة الاعضاء والانسجة فيهما ما يكفي باجراء العمليات ومن ثم تحديث القانون لاحقا.. وتحدث بأن الاتفاق الموقع تم فيه مراعاة القوانين واللوائح السودانية التي تمنع المقابل المادي في حالة التبرع وقال إن الشركة ستقوم بتوفير المعينات وغرف العمليات وتدريب الاطباء السودانيين لتوفير الخدمة داخل السودان ونفى ان تقوم الشركة باحتكار العمل موضحا بأن الاتفاق المبرم ملزم فقط للمستشفيات الاتحادية التابعة لوزارته. وكان وزير الصحة في حديث سابق قد اورد بأن الاتفاقية تفيد فقط 10% من السودانيين و90% تباع للأجانب هذا في حين اوردت الاتفاقية علاج 5% من المرضى الذين يتم تحويلهم من مستشفى الخرطوم مجانا، وعلاج 10% من مرضى مستشفيات وزارة الصحة مجانا.. ووسط كل هذا الجدال عن الاتفاقية وبنود العقد نجد ان المدير الاقليمي لشركة ابيكس الطبية الدكتور هزبر غلام الله قد شدد في مؤتمره الصحفي على تمسك الشركة بالمضي قدما في انفاذ برنامج زراعة الاعضاء بالسودان وقال إن الشركة وحسب الاتفاق المبرم مع وزارة الصحة تقوم بعلاج نحو 10% من المرضى مجانا عبر العلاج التكافلي واستعرض الاتفاق ببنوده نافيا ما تردد من ان الشركة تقوم بالمتاجرة في اعضاء البشر ،مؤكدا بأن العقد الموقع مع وزارة الصحة لا يوجد فيه اى بند يشير الى التجارة بالاعضاء واضاف ان الشركة تلقت موافقة من منظمة الصحة العالمية بممارسة نشاطها شريطة ان لا تكون لها علاقة بالمتبرعين بالاعضاء او بالسلطة واوضح ان تكلفة العملية بالخارج تبلغ «175» ألف دولار ما يعادل 392 ألف جنيه سوداني. كما لوحت الشركة بايقاف نشاطها بالبلاد والانتقال الى السعودية اذا تلقت ما يفيد رسميا من السلطات العليا بتجميد نشاطها. وفي سياق ذي صلة تحدثت عبر الهاتف الى المدير التنفيذي لشركة أبيكس الدكتور وليد الطاهر والذي بين ان الشركة عملها في زراعة الاعضاء وليس في الاعضاء ودورها هو خدمي في المقام الاول وعن الفائدة التي تجنيها الشركة من اقامة نشاطها قال إن هنالك تفاصيل بين الشركة ووزارة الصحة عبر ملحق اتفاقية لم يتم بعد وهذا ما يحدد مستقبلا وقال من قبل هذه الشركة تعمل وفق شرط اخلاقي وضعته لها منظمة الصحة العالمية بأن لا يكون هناك علاقة ما بين الشركة وأهل المتوفى.. وكشفت الشركة عن وجود 450 طفل في حاجة الى اجراء عمليات نقل الكبد واربعة آلاف من مرضى الفشل الكلوي .. وان كان المدير التنفيذي للشركة قد قال ل «الصحافة» ان تناول بنود العقد منفصلة هو الذي يفتح الباب امام تأويل كل شخص للاتفاقية كما يهوى إلا ان الغد يحمل صورة ضبابية لما قد يكون، فهل شرعت الوزارة بالفعل لتوقيع عقد مشبوه مستفيدة من الفتاوى والقانون لتدعيم موقفها وإلا لماذا لم تقطع حتى الآن بالخبر اليقين بالدخول في تفاصيل العقد وتوقيعه والشروع في عمليات زراعة الاعضاء وتوقيف آلام المرضى او الإعلان الرسمي عن توقيف الشركة وتجميد نشاطها واستكمال تفاصيل العقد حتى يتبين الامر جليا وفي الاخير لا يصح إلا الصحيح...