انهمك أهل القرية جميعهم في ضرب الصفائح الفارغة وأي حديد فارغ، ليحدثوا الجلبة والصخب المطلوبتين لفك الخناق(خسوف) عن القمرممارسة لعادة قديمة لا ندري مصدرها العلمي او الاسطوري او الخرافي حتى الآن !!!. وسط هذا الضجيج الذي ظنوا المقصود منه ان يصل الى القمر لانه مخنوق او للذي خنق القمر!!. كان يرقد صالح ملء شوارده لم توقظه هذه الجلبة وصراخ وعويل الصفيح المختلط بكواريك الرجال وصيحات الاطفال حتى اضّطر الذين حوله ان(يتببوه) يوقظوه من نومه- - صالح.... صالح .. صالح قوم . -في شنو؟؟!! - أنت ما بتسمع دق الصفيح ده!!! القمر ما خنَّق. -القمر خنّق؟؟!! أيوا خنّق... قوم دق الصفيح. - انا ما بقوم ولا حاجة...انا متعشي بملاح عرديب وصبح ما شرب شاي.. القمر كن داير يقع خلي يقع. هذه القصص الشعبية تنبت في البوادي وما هذه العاصمة الا جمع غفير لاهل هذه البوادي، بتاريخ يناير 2011 تحت عنوان city limits :urbanization and vulnerability : Khartoum case study فقد صدر تقرير حديث منUK AID يتحدث عن ولاية الخرطوم وأثر التمدن على سكانها الريفيين وكيف أنها اصبحت الوعاء الذي يجمع كل هذه السحنات والاعراق دونما يشعل بينهم نار الفتن فالقبائل التي تتناحر في تخوم السودان البعيدة تتجاور مع بعضها وتتداخل منسية لصراعاتها هنالك. عندما سئل المرحوم يوسف كوه عن اسباب تمرده ذكر (الكشه) احدها التي مورست ووقعت حينما أوهم الرئيس السوداني الأسبق المرحوم المشير جعفر النميري بعض مستشاريه أن من أهم مهددات امن حكمه هم هؤلاء العاطلون والمتشردون الذين قذفت بهم آثار الجفاف الذي ضرب الساحل الغربي فأكل الضرع ويبس الزرع وتدفق النازحون الى امدرمان يبحثون عن الطعام من غير بيوت النمل حتى ولو العمل كخدمات بالمنازل الشئ الذي احدث زلزالاً خرافياً في داخل الاسر من فرط الجمال الذي كان مختبئاً تحت الغبار والشقاوة بدون مساحيق حتى ولو كانت قدّر ظروفك. اطلقت يد الشرطة في تفريغ العاصمة من هؤلاء الناجين من الموت جوعا، النازحون المتشردون خاصة الوافدون من القبائل التي تعرف بذات الاصول الافريقية كان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي،وظفتها الحركة الشعبية في خطابها السياسي التعبوي ضد حكم النميري فكانت الحرب ذات العشرين عاما التي نجني ثمارها المرة الآن. وسقط حكم النميري مخنوقا بذات أيدي هؤلاء المتشردين والعاطلين في ثورة 6 أبريل الشعبية1985. ثم توارى هؤلاء المتشردون بعد ما أدوا دورهم لانهم عمال يومية ليس هنالك من يغطي عنهم ولهم ،هو التظاهر واحداث الفوضى الخلاقة ( التسونامي) التي تهز الانظمة . ذات الدور لعبه الشعب المصري والشعب التونسي حديثا ويؤديه الآن الشعب اليمني والعماني الاردني والليبي وغيرهم مع التساوي في بعض الدوافع والتطابق والاختلاف في بعضها. يتم خطف هذه الجهود الشعبية في الغالب بواسطة ما يسمى بالنخب وهي الاحزاب السياسية بعدما تنحاز القوات المسلحة له بغرض ادارة الدولة واعادة الحياة الطبيعية الى مجراها من حفظ الامن وتدبير الشأن العام لان تربيتها وتقاليدها الراسخة تأبى ان تقاتل شعبها فهي تفرق بين الحكومة والدولة(التراب الغالي الما ليهو ثمن) حينها ترتفع تطلعات الشعب الثائر عالية وملحة وآنية ولكن سرعان ما يصاب بالاحباط حتى أسر الشهداء منهم لا يذكرهم احد ناهيك من الشهداء انفسهم الا ان يطلقوا اسماءهم احيانا على بعض الشوارع. كثر الحديث عن انتقال هذه الثورات من تونس الى مصر ثم الي اليمن ثم الى ليبيا ثم الى امارات دول الخليج وسلطنة عمان والاردن كثير منها لا يتصور ان يجرأ فيها احد بتسمية ابنه على اسم ملكها ناهيك ان يجرأ على التظاهر عليه!!!! فهي مثل حبوب اللقاح تنقلها الرياح او الايادي الخفية والظاهرة او التكنولوجيا الاثيرية من فضائيات وغيرها . إننا نعيش ذات الحقبة التي عاشتها ثورة اوربا فيThe European1848 Revolutions of . والتي بدأت بعواصم مثل باريس، برلين ،فينا، بودابست، بروجيو، واصبحت مثل البذور التي انبتت اشجاراً في هذه الدول حتى شكلت حديقة هي خريطة اوربا السياسية الحالية. هذه الثورة الاوربية كانت نتاجاً للتقدم العلمي الذي ازدهر ، لم يكتفِ بالتقدم التقني فقط بل تمدد حتى الى المفاهيم النظرية في نظم الحكم والحقوق والواجبات وهذه الحالة اظهر في مصر الجارة القريبة حيث بلغ فيها التنافس العلمي الحميم ان تحتضن جائزتين للنوبل احدهما في العلوم التقنية الكيمياء واخرى في العلوم الانسانية وهي الادب ، فاصبحت ثقافة ووعي المجتمع تتناقض مع تخلف الحكم الذي انتحى بان يكون وراثيا تغيب فيه شمس الحرية وتعود به القهقري الى عهد الفراعنة لتتشابه مصائرهم ( اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية). سألني سائل هل لامريكا دور فيما يجري ؟؟ هذا السؤال شرعت تدرس اجابته مراكز البحوث والدراسات الامريكية نفسها ببساطة كانت تتوقع ان يحدث تغيير ولكن ليس بهذه الوتيرة من السرعة والعمق؟؟ فالانظمة التي كانت تحرسها امريكا هي الآن تشتعل النار فيها وتحاول امريكا الاحتواء للنار لا اطفائها ولكن لتوجيهها. العلم اليقين ان الذي يجمع بين هذه الثورات جميعا السخط والتبرم من التدخلات الاجنبية وتوهان وغياب الارادة الوطنية التي ارتهنت للخارج : كان يسألني صديق لي لماذا كل المعارضات السودانية تبحث للاستعانة بالاجنبي حتى ولو كان جنوبيا وهي في عمق فكرها تسب الاجنبي صباحا ومساء، قلت ان الاستعانة بالاجنبي هي لعبة المصالح التي لا تعمِّر كثيرا. الصادق الرزيقي رئيس تحرير صحيفة الانتباهة في عددها الصادر بتاريخ 1 مارس 2011 تحت عنوان( كلمات لابد ان نجهر بها...!!) قرأ علينا بعض الزملاء مقالته خاصة فقرته التي تقول( هذه العقلية المتجبرة التي تعتقد ان نظرية العصبة النافذة التي تعتمد على منطق الجهة والعنصر والمنطقة والقبيلة هي النظام الامثل لها لتتسيد ،لا تفهم حركة التاريخ ولا قوانينه ولا طبيعة الاشياء ومنطقها)انتهى اتفق الزملاء انها احدى حيل التنفيس لاهل السلطة في محاولات ٍاستباقية قبل هبوب العاصفة التي سوف تقلع الشجر... ولكني اختلفت معهم في ذلك لمعرفتي بكاتبها ، هي كلمات حية تجري في عروقها ثورة الغضب الجميل لان الصادق من جيل نعرفه ومن بلد وقوم نعرفهم. هذا الصادق لايشبه صالح الذي عذر نفسه عن ضرب الصفيح بل كلماته اصبحت تحدث صوت الصفيح التي يريد ان يسمعها جهرا للذي يخنق القمر حتى يفك الخنق عنه وتفتر او تتفتح يديه عن قبضته كما يتفتح الزهر في سلاسة تحفر عميق في صخرة الذكرى تتناقلها الاجيال ويصبح النموذج لاننا المطلوب منا اختراع النموذج لا التمتع به!!. فالشباب هي الفئة العمرية التي تحمل بذور التغيير اينما كان وكيف كان داخل المؤتمر الوطني الحزب الحاكم او خارجه فالحديث عن التغيير والضربات الاستباقية يتسابقان بسرعة لحاق قد تكون غير متكافئة وقد بدأت ضربات الصفيح تسمع في كل كان فهي جهرا ولم يعد يتحدث الناس تحت اكمامهم عن التغيير والمطلوب الاستعداد النفسي لتقبل التغيير فالبقاء اطول مثل الماء في البركة الساكنة تحتاج الى حركة والا تعفنت وفاحت رائحتها التي تذكم الانوف. علينا جميعا ان نشرع في دق الصفيح حتى ينفك الخناق عن القمر وإلا فان القمر سيظل اسيراً ومخنوقاً وليت ضرب الصفيح يفك خناقه!